تقنية كريسبر أداة جديدة لتحرير الجينوم

ان تقنية كريسبر هي تقنية خاصة لتعديل الحمض النووي للكائن الحي، حيث تمكن الباحثين من التعديل الجيني وهذا سيمكن العلماء من علاج بعض الأمراض.

ومما يميز تقنية كريسبر انها رخيصة الكلفة وسهلة الاستعمال حيث يمكن التعرف على التشوهات الجينية في الحمض النووي واستبدالها باخرى.

تعديل الجينوم

إن تطوير طريقة فعالة وموثوق فيها لجعل التغيرات في الجينوم دقيقة ومحددة داخل الخلايا الحية، هدف طويل الأمد للباحثين في الطب الحيوي.

فالطريقتان السابقتان المستخدمة في تعديل الجينوم مثل نوكلياز إصبع الزنك (ZFN)، وأنظمة نوكلياز النسخ المستجيب شبه المُنشِّط (TALEN) يعملان على تعيين التسلسلات المستهدفة باستخدام بروتينات صعبة الانتاج وباهظة التكلفة .

ففي عام 2021حصل كل من العالمة جنيفر دودنا من جامعة كاليفورنيا, والعالم ايمانويل شاربنتييه من مركز هلمهولتز لأبحاث العدوى في براونشڤيج بألمانيا, على جائزة الاختراق العلمي Breakthrough Prize في مجال علوم الحياة.

وتبلغ قيمة هذه الجائزة ثلاثة ملايين دولار؛ وذلك عن قدرتهم على إعادة برمجة نظام كرسبر لتقطيع أي حمض نوويDNA مستهدَف في المكان الذي يحدده الباحثون.

تقنية كريسبر

هو نظام تحرير الجينوم بسهولة ودقة وتكلفة زهيدة, ولا يعود الفضل إلي اختراع هذه التقنية إلي احد, فهو نظام مناعي موجود طبيعياً في البكتيريا والبكتيريا القديمة archaea

إذ يُمّكن هذا النظام البكتيريا من الاستجابة والقضاء على المواد الوراثية الغازية (الفيروسات).

واكتشفت هذه التسلسلات بداية في عام 1980 في بكتيريا E.coli؛ لكن لم يتأكد الباحثون من وظيفتها وأهميتها حتى عام 2007 عندما اثبت العالم Barrangou وزملاءه اكتساب نوع معين من البكتيريا S.thermophilus مقاومة ضد بكتيريا فاج عن طريق دمج قطعة جينوم من الفيروس الغازي في مكان كريسبر.

ويتكون نظام كريسبر- كاس 9 من مكونين اساسيين هما انزيم ” كاس9″ وهو يشبه مقص جزيئي يقوم بقص الحمض النوويDNA .

وجزئ صغير من الحمض النووي الريبي RNA الذي يوجه المقص نحو تسلسل معين من الحمض النووي DNA ليقصه هو دون غيره وتقوم الخلية بإصلاح أماكن القطع من خلال عملياتها الإصلاحية الطبيعية .

فالعلاج الجيني التقليدي يتم عن طريق نقل الجينات بواسطة الفيروسات غير الضارة أو النواقل Ferries

إذ يتم نسخ الجينات الصحيحة إلي داخل الخلايا، وتعوض عن الجينات المعيبة التي تسبب المرض.

لكن تقنية كريسبر تقوم بإصلاح الجينات المعطوبة مباشرة عن طريق قص جزء من الحمض النووي DNA الفاسد, واستبداله بالتسلسل السليم.

فمن حيث المبدأ تقنية كريسبر تعمل على نحو أفضل عند إضافة جين جديد لأنها تقضي على خطر وضع الجين الغريب في المكان الخطأ داخل جينوم الخلية, وتحفيز الجينات المسرطنة .

وكلمة كريسبر Crispr هي اختصاراً ل Clustered regularly interspaced short palindromic repeatوالتي تعني التكرارات المتجمعة المتعاقبة منتظمة التباعد .

الانجازات

بحسب الأبحاث التي نشرت فقد نجح العلماء في علاج الحيوانات من مرض الكبد الوراثي, ومرض ضمور العضلات.

وتعتبر حالة دوشين لضمور العضلات مرضاً مميتاً ناجماً عن طفرات تعطل الجين, الذي يرمز الدوسترفين وهو بروتين مهم في العضلات.

وقد استخدم العلماء فيروسات من اجل توصيل مكونات تقنية كريسبر كاس 9 إلي خلايا عضلات الفئران الرضيعة والبالغة.

فأنتجت الفئران المعالجة جين الدوسترفين وظيفياً وأبدت تحسناً في وظيفة عضلة القلب, والعضلات الهيكلية .

وفي عام 2014 استخدم فريق من العلماء في معهد ماساتشوستس تقنية كريسبر لتصحيح الطفرات المرتبطة بمرض تايروسينيميا Tyrosinemia (الكبدي – الكلوي ) في الفئران.

وكان ذلك أول استخدام لتقنية كريسبر لإصلاح طفرة مسببة للمرض في حيوان بالغ, وخطوة مهمة لاستخدامها في العلاج الجيني في البشر.

ومرض Tyrosinemia أو فرط تيروزين الدم هو مرض ايضي وراثي, يتميز بارتفاع مستوى التيروزين في بلازما الدم ويتم تناقله بين الأجيال عن طريق النمط الجنسي المنتحي الوراثي.

وغالبا ما يتوفى المريض نتيجة الإصابة بالفشل الكلوي, وقد صححت التجارب باستخدام تقنية كريسبر الطفرة المسببة للمرض 1/250 من خلايا كبد الفئران.

وأشارت الدراسة إلي إمكانية تطبيق هذه التقنية في تصحيح الأمراض الوراثية البشرية.

وعلى مدى السنوات الماضية اكتشف الباحثون العديد من التطبيقات المختلفة؛ لتقنية كريسبر بما في ذلك تعديل المحاصيل جينياً, والقضاء على الفيروسات.

كذلك الكشف عن جينات السرطان, والموضوع الحديث و الأكثر جدالاً هندسة الجينوم البشري في الخط التناسلي.

كما قام العلماء بدمج تقنية الحث الجيني gene drive مع تقانة كريسبر كاس 9 بغرض نقل الطفرات الجينية بسرعة مضاعفة لسرعة المعدل العادي في مجتمع الكائنات الحية.

ومن الممكن استخدام هذا الأسلوب في القضاء على البعوض وغيرها من الآفات الضارة .

مخاوف حول تقنية كريسبر

أثارت دراسة حول كريسبر كاس 9 ضجة كبيرة, عندما قام علماء من الصين باستخدام أجنة بشرية غير قادرة على التطور والبقاء على قيد الحياة nonviable embryos تم الحصول عليها من عيادات الخصوبة.

حاول الفريق تعديل الجين المسئول عن مرض الثلاسيميا بيتا, فعند حدوث طفرة في هذا الجين؛ فانه يسبب اضطراب وراثي في الدم.

وقد استخدم الباحثون جزئيات تقنية كريسبر كاس 9 لإصلاح واستبدال بيتا الغلوبين البشري أو جين HBB فمن بين 86 جنين محقون بجزئيات كريسبر, فقط 11جنيناً كانت مصابة ب HBB رممت جيناتها وتم استبدال الجينات المعطوبة بالجينات السليمة.

وقال العلماء أن نتائجهم تكشف عقبات خطيرة أمام استعمال هذا الأسلوب في التطبيقات الطبية, ومن هذه العوائق إن تقنية كريسبر حوّرت جينات أخرى لم يكن العلماء يريدون تغييرها.

بمعنى أنها أظهرت طفرات جينية بعيدة عن الهدف Off-target .

وتشير هذه الدراسة إلي أن معدلات الطفرات في الأجنة البشرية أعلى بكثير من تلك الملاحظة في دراسات تحرير الجينات في أجنة الفئران أو الخلايا البالغة في الإنسان.

وهذا يعنى إن هذه التقنية ليست جاهزة للاستخدام السريري حتى الآن .

الاعتبارات الأخلاقية

الاعتبارات الأخلاقية والمخاوف المتعلقة بالسلامة في مثل هذا العمل, أدى بالعلماء إلي إطلاق دعوة لوقف استخدام التحرير الجيني في البويضات والحيامن والأجنة.

فالتغيرات الجينية في هذه الخلايا تنتقل إلي الأجيال المستقبلية وهذا النهج المتحفظ تؤيده بقوة هيئة المعاهد الوطنية للصحة الأمريكية .

وهكذا فان تقنية كريسبر تعد أداة ثورية في تحرير الجينات وتفتح أفاقاً واسعة لمعالجة الأمراض وتعديل الصفات الوراثية غير المرغوبة.

لكن ما يزال الطريق طويلاً أمامها قبل أن يتم استخدامها بشكل آمن وفعال لإصلاح الجينات وخصوصا طريق الخلايا الجنسية البشري.

المراجع

1 – Hao,Y.et al.( 30 March 2014): Genome editing with Cas9 in adult mice corrects a disease mutation and phenotype , https://www.nature.com/ Nature Biotechnology 32, 551–553 (2014) doi:10.1038/nbt.2884
2 – David Cyranoski & Sara Reardon (22 April 2015) : Chinese scientists genetically modify human embryos , http://www.nature.com/news/chinese-scientists-genetically-modify-human-embryos-1.17378
3 – TINA HESMAN SAEY,( DECEMBER 15, 2015):Year in review: Breakthrough gene editor sparks ethics debate, www.sciencenews.org.
4 – TINA HESMAN SAEY,( APRIL 23, 2015): Gene in human embryos altered by Chinese researchers, www.sciencenews.org.
5 – Jocelyn Kaiser,(May. 3, 2016): The gene editor CRISPR won’t fully fix sick people anytime soon. Here’s why, http://www.sciencemag.org.

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

شركة WardLin السويدية تفوز بجائزة الابتكار لعام 2024

أعلنت شركة (Företagfabriken)، الحاضنة الرائدة للشركات الناشئة في السويد وضمن مبادرة الاتحاد الأوروبي والسويد لدعم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *