هل لجيناتنا الوراثية تأثير على ثقافتنا العامة؟

قد تخضع الثقافة العامة للعوامل الجينية أكثر منها لمعدل الذكاء. فبعض الأشخاص يمكن وصفهم بموسوعات حية دون أن يكونوا من أذكى الناس. كأن ما يقرؤون يطبع في صدورهم. بحور من العلم، علماء أبطال مسابقات تلفزية، هؤلاء الأشخاص يتمتعون بثقافة عامة واسعة جدا.

لكن من المهم أن نفهم أن الثقافة ظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه تتشكل من خلال مجموعة واسعة من العوامل. علم الوراثة هو مجرد واحد من العديد من التأثيرات على الثقافة، ويتم التوسط في تأثيره من خلال آليات مختلفة.

من أين تأتيهم هذه القدرة لتخزين كل شيء، لتذكر أحداث تاريخية بكل سهولة، المآثر، الأشعار، الأسماء، الأحداث…؟

إنها تأتي في جزء كبير منها من الاستعدادات الجينية.

قام علماء الجينات بجامعة زغرب-كرواتيا- بقياس مستوى الثقافة العامة ل 157 توأم حقيقي (لهم نفس الجينات تماما) وغير حقيقي يقتسمون نصف التراث الجيني فجاءت النتائج تتحدث عن نفسها:

تبين أن للتوائم الحقيقية مستويات ثقافة عامة متقاربة جداولك بغض النظر عن المستوى الدراسي مجال الاهتمام أو التكوين المتلقي؛ فيما كان للتوائم غير الحقيقية مستويات متفاوتة.

للعلم معدل القابلية للتوريث لدى خاصية الثقافة العامة هو 0.87- معدل 1.00 يعني أن الثقافة العامة تحدد كاملة بالوراثة، وهذا مستحيل اعتبار لدور البيئة.

تخبرنا هذه النتائج أن الثقافة العامة هي نتاج موقف تجاه العالم حب شديد للاستطلاع روح اجتماعية وشهية للمعرفة مما يمكن تسجيله في الأبعاد الأساسية للطبع، المستندة أساسا على الجينات.

تكشف الدراسة كذلك أن معدل الذكاء الأشخاص المختبرين لا يخضع كليا للتراث الجيني. عكس المتوقع، يمكن للذكاء أن يكون موضع تربية شأنه شأن المعرفة الخالصة.

تأثيرات جيناتنا على حياتنا

السمات السلوكية: يمكن أن تؤثر المادة الوراثة على سمات سلوكية معينة، والتي بدورها يمكن أن تشكل جوانب الثقافة. على سبيل المثال، قد تؤثر الاستعدادات الجينية تجاه الانبساط أو الانطواء على التفاعلات الاجتماعية للفرد ودوره في المجموعات الاجتماعية، مما قد يؤثر على ثقافة تلك المجموعات.

الصحة وطول العمر: يمكن أن تلعب العوامل الوراثية دورًا في النتائج الصحية، والتي يمكن أن تؤثر على الممارسات الثقافية المتعلقة بالرعاية الصحية والنظام الغذائي ونمط الحياة. على سبيل المثال، قد يطور السكان الذين لديهم استعداد وراثي لحالة صحية معينة ممارسات ثقافية تتعلق بالوقاية منها.

القدرات المعرفية: يمكن أن تؤثر الاختلافات الجينية على القدرات المعرفية والذكاء. قد تؤثر هذه الاختلافات في القدرات المعرفية على التحصيل العلمي، والذي يمكن بدوره أن يؤثر على المعايير والقيم الثقافية المتعلقة بالتعليم واكتساب المعرفة.

تفضيلات التذوق: يمكن أن تؤثر الوراثة على حاسة التذوق لدى الفرد، مما قد يؤثر على تفضيلات الطعام. يمكن لهذه التفضيلات أن تشكل تقاليد الطهي والممارسات الثقافية المتعلقة بالأغذية.

المظهر والهوية: يمكن أن تؤثر السمات الوراثية المتعلقة بالمظهر الجسدي، مثل لون البشرة ونوع الشعر وشكل الجسم، على التصورات الثقافية للجمال والهوية. ويمكن لهذه التصورات بدورها أن تؤثر على المعايير الثقافية للجاذبية والهوية الذاتية.

المعتقدات الموروثة: في حين أن المعتقدات والأيديولوجيات الثقافية يتم تعلمها في المقام الأول من بيئة الفرد، إلا أن علم الوراثة يمكن أن يلعب دورًا في استعداد الفرد لأنواع معينة من المعتقدات أو الأيديولوجيات. على سبيل المثال، قد يكون هناك مكون وراثي لسمات الشخصية التي تؤثر على الميول الدينية أو السياسية.


من المهم أن نلاحظ أن علم الوراثة وحده لا يحدد الثقافة. الثقافة هي في المقام الأول نتاج العوامل الاجتماعية والتاريخية والبيئية والنفسية. تتفاعل هذه العوامل مع الاستعدادات الجينية لتشكيل السلوكيات والأعراف والقيم الفردية والجماعية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للثقافة أن تتغير وتتطور بمرور الوقت استجابة للتأثيرات الخارجية والديناميات الاجتماعية.

باختصار، يمكن أن يكون لعلم الوراثة تأثير غير مباشر على الثقافة من خلال التأثير على الخصائص والسلوكيات والتفضيلات الفردية والجماعية. ومع ذلك، فإن علم الوراثة هو مجرد قطعة واحدة من اللغز الثقافي الأكبر، وهو يتفاعل مع العديد من العوامل الأخرى لتشكيل النسيج الغني للثقافات الإنسانية في جميع أنحاء العالم.

عن المهندس أمجد قاسم

كاتب علمي متخصص في الشؤون العلمية عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين

شاهد أيضاً

نصائح غذائية في عيد الفطر المبارك

خلال شهر رمضان، اتبع الصائمون نمطا غذائيا يختلف تمام عن نمطهم الغذائي خلال الأيام العادية، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *