ظلت المدرسة والكلية الجامعية – والى عهد قريب جدا تعلم للماضي وتعد له اكثر مما تعلم للمستقبل او تعد له، لاعتقاد مربي ومعلمي ومعلمات واساتذة واستاذات الامس والى هذه الساعة ان مجتمع اليوم ليس سوى نسخة طبق الاصل عن مجتمع الامس ومن ثم فان اعادة انتاج الماضي مطلوب.
ولذلك كان تفكيرهم او توجههم النفسي او العقلي ماضويا وطلب العلم من المهد الى اللحد اختياريا، ويعني حفظ علوم الاولين وادابهم واجترارها. كان ذلك ملائما ما كان التغير صفرا او محدودا.
اما اليوم اي في عصر التكنولوجيا و المعرفة والكمبيوتر – فقد اصبح الامر مختلفا جدا، فالتغير ليس سريعا فحسب، بل في تسارع ايضا والغد يأتي بسرعة كما يقول المستقبليون، ومجتمع اليوم لا يختلف عن مجتمع الامس البعيد فقط بل لا يشبه مجتمع الامس القريب كذلك.
ولذلك صار واجبا على المدرسة والكلية والجامعة التفكير في المستقبل اي تغيير التوجه النفسي والعقلي وجعله مستقبليا، لان القدرة على استيعاب التغيير او التكيف معه صارت سبيل البقاء.
كان الناس في الماضي يعتقدون انه بالمحافظة على الواقع والثبات عليه يبقون ، اما اليوم فقد انقلب الوضع رأسا على عقب، فليبقوا يجب عليهم أن يتغيروا، صار طلب العلم من المهد الى اللحد اجباريا او فريضة فعلا، وصار يعني انه ما لم يتابع المرء الجديد في علمه وتخصصه فانه يتخلف فيهما ويخرج منهما، لان العلوم او الجديد يتضاعف كل بضع سنوات او كل ثمانية عشر شهرا في احدًى الروايات.
لعل هذا التغير السريع او المتسارع هو الذي جعل بعض الجامعات تضع تاريخ انتهاء الصلاحية لشهاداتها ودرجاتها Date Expiry تسقط الشهادة او الدرجة بعده اذا لم يثبت حاملها انه تابع ما استجد في علمه او
تخصصه اولاً بأول.
ويتنبأ المستقبليون بتحول الحرم المدرسي والحرم الجامعي– كما نعرفهما – الى حرم الكتروني او حرم رقمي قريبا، بالتطورات التكنولوجية المتلاحقة القادمة بسرعة، مما لا يسمح للمدرسة والكلية والجامعة بترف مقاومة التغيير او بالسباحة عكس التيار او بالعزلة عما يجري ودفن الرأس في الرمال انه امر لا يستقيم في بلد يتزود باحدث اشكال الاتصال ويستخدم طلبته ومعلموه ومعلماته واساتذته واستاذاته ورؤساء جامعاته. . تلفونات ذكية من أحد الأنواع.
لكن مجمل الناس وأعني هنا المعلمين والمعلمات والاساتذة والاستاذات والموظفون والموظفات في الشركات والمؤسسات يقاومون التغيير، فما العمل لدفعهم اليه أو جرهم نحوه؟
يجيب الاستاذ بيتر دي جاكير على ذلك بقوله: ان أن مقاومة التغيير حق طبيعي للانسان وان المقاومة عملية ميكانيكية فعالة وقوية جدا ومفيدة في بعض الاحيان للبقاء.
لكن المقاومة نوعان: مقاومة عقلانية ومقاومة لا عقلانية. وانه عندما تكون مقاومة التغيير في مدرسة او
كلية او حامعة او مؤسسة او شركة.. عقلانية فانه يمكن التغلب عليها بسهولة بتقديم الادلة المقنعة بحسنات البديل الجديد للوضع القديم، وباشراكهم في عملية التغيير، وبجعل عملية التغيير آمنة لا تهدد احدا، وباحترام
الفشل في اكتساب مهارات البديل الجديد لان الفشل دليل على بذل الجهد فلا نعبس في وجه الفاشل ولا نعاتبه.
يجب ان نتذكر ان الناس يقاومون التغيير لانه يبدو لهم وكأنه يهدد بقائهم. وانهم يشعرون بالتهديد لأن مهاراتهم القديمة تتراجع في اثناء تعلمهم للمهارت الجديدة ومن احتمال الفشل في تعلمها. انهم يقاومون
التغيير لان الجديد يعني تخليهم عن شيء كان ناجحا في الامس.
انه يعني الانتقال من المألوف الآمن الى غير المألوف المريب. ومن الثابت المعروف الى مستقبل مجهول. انهم يخشون العجز عن التكيف معه.
ويعلق الاستاذ دي جاكير على هذه المسألة فيقول: ان النجاح السابق هو اكبر عقبة او عدو للتغيير، ومن ثم ينصح مقارنة افاق البديل الجديد وفوائده وكلفته بالقديم، وباشراك الناس في عملية التغيير، وبحيث يجدون انه ليس لازما فقط بل الخيار الوحيد المتاح للبقاء والاستمرار، بشرط ان لا ننسى ان تنفيذ التغيير او قبوله صعب جدا لانه لا يحدث في فراغ بل في اطار واضح ومتمأسس ومبجل.
اما المقاومة اللاعقلانية فموجودة دائما عند جزء من الناس لا ينفع معهم البديل او الاقناع او الامثلة. انهم حفنة ترفض التغيير.
يقال : ان الطموح هو العمل من اجل هدف كبير.
حسني عايش