الإيدز، وجنون البقر، والحمى القلاعية، والسارس، وإنفلونزا الطيور،.. أمراض وبائية استغلت لإثارة الرعب بين الناس خلال الربع الأخير من القرن الماضي، وسنوات مطلع القرن الجديد، ومثلت موضوعات خصبة لوسائل الإعلام، وقضايا مثالية للسياسيين لتحقيق مكاسب شعبية وسياسية.
قرع جرس الإنذار محذراً من انفلونزا الطيور سنة 1997 ، ثم هدأت الأمور بضع سنوات تخللها رعب السارس سنة 2002 الذي قتل (800) شخص، لتنطلق صفارة الإنذار بقوة اكبر بعد ذلك، ومع انتشار الإصابات بإنفلونزا الطيور (بين الطيور الداجنة والمهاجرة) في مختلف أنحاء العالم. فهل لهذا الرعب ما يبرره؟
خلفية تاريخية
من بين آلاف المقالات التي نشرت وتنشر عن إنفلونزا الطيور، والتي تكاد تتشابه كلاً في محتواها، اخترنا تحقيقا نشر في المجلة البريطانية العلمية فوكس Focus في عددها لشهر ديسمبر كانون أول 2005 بعنوان:
إنفلونزا الطيور.. هل علينا حقاً أن نقلق؟، وفيما يأتي عرض لأبرز ما جاء في هذا التحقيق.
تعرضت المجلة لوباء عام 1918م، والذي اطلق عليه اسم ” الإنفلونزا الإسبانية” ، وهي إنفلونزا الطيور التي تحورت لتصيب البشر، بدأ الوباء حينئذ في معسكر للجيش البريطاني في شمال فرنسا سنة 1917. كان المعسكر مزدحماً بالجنود، مع اقتراب الحرب العالمية الأولى من نهايتها.
وكان الجنود يعيشون مع الدجاج والخنازير عيشة لصيقة، انتشر الوباء بينهم، ثم نقله ملايين الجنود عند عودتهم إلى الوطن في خريف سنة 1918 حيث قتل نحو الوباء 50 مليون إنسان، أي أربعة أضعاف قتلى الحرب العالمية الأولى نفسها، لكن عندما تراجعت شدة الوباء وانتهى بعد أن عاث فساداً وتدميراً في العالم طوال18 شهراً وقتل الملايين؟ هل فقد الفيروس قوته، أم اكتسب بقية الناس مناعة ضده؟
في سنة 1957 ، قتل وباء الإنفلونزا مليون شخص، وكان القاتل إنفلونزا طيور الذي عدلت جيناته باتحاده مع فيروس إنفلونزا بشري، وفي سنة 1997، اكتشفت في هونج كونج ظاهرة مقلقة تحصل لأول مرة وهي: انتقال فيروس الطيور المسمى H5N1 الى البشر فأصيب 18 شخصا، وتوفي منهم ستة مصابين،كما أعدمت 1.5 مليون دجاجة لتفادي انتشار الوباء.
في السنوات التالية، كانت تكتشف حالة أو اثنتان بين الناس، هنا وهناك، ومن حين لآخر : في الصين، وهونج كونج والولايات المتحدة الأمريكية، وهولندا، وتايلند وفيتنام. وفي سنة 2005 وصل الفيروس إلى أوروبا ليصيب الطيور المهاجرة والطيور الداجنة أحياناً.
على أي حال، فإن عدد ضحايا إنفلونزا الطيور من البشر في العالم حتى الآن، يبلغ أقل من عدد ضحايا السير في دولة كبيرة في يوم واحد، أو من ضحايا التبغ، أو حتى من الإنفلونزا العادية البشرية، ومع هذا، لم تثر ضجة بهذا المقدار حول هذه المسببات.
لمحة علمية – الاختلاط الخطر
يتصف فيروس الإنفلونزا، بأنواعه وسلالاته كافة، بأنه غير مستقر جينياً، وهذا يفسر إمكانية إصابتنا بالإنفلونزا غير مرة في الموسم الواحد او في مواسم متعاقبة، دون اكتساب المناعة بعد أول إصابة. ويعود ذلك إلى أن التركيب الجيني للفيروس يتغير من وقت لآخر في اثناء تكاثره في جسم عائله، سواء أكان هذا العائل إنساناً أم حيواناً.
والسبب في هذا التغير، هو افتقار هذا الفيروس لآلية تصحيح الأخطاء الحاصلة في جيناته (مادته الوراثية) في أثناء تكاثره، مقارنة بالكائنات الحية ومنها الإنسان ، وهذا يفسر ظهور سلالات جديدة منه من سنة لأخرى، مما يجعل اللقاحات المضادة له، أولأكثر أنواعه انتشاراً، لا تصلح إلا لموسم واحد فقط.
ويشار هنا إلى أن الإنفلونزا البشرية تصيب مئات الملايين سنوياً، وتقتل الملايين، بخاصة ضعاف البنية مثل الأطفال وكبار السن.
أما فيروس إنفلونزا الطيور، فهو لا ينتقل إلى البشر عادة، ولا يؤذيهم، ولا ينتقل بينهم إذا أصابهم، لكن يخشى من حدوث طفرة (تغير مفاجىء في المادة الوراثية) تجعله مؤذيا للإنسان. هذه الطفرة قد تحصل بطريقة فريدة، وذلك باختلاط المادة الوراثية بين فيروسين مختلفين أو تبادلها، وبخاصة فيروس إنفلونزا البشر وفيروس إنفلونزا الطيور.
اذن، يكفي أن يصاب شخص فى الوقت نفسه بنوعي الفيروس البشري والطيور، لنكون أمام احتمال تطور أو
تكون فيروس جديد بالغ الخطورة للبشر، لكن هذا الاحتمال ضعيف، إلا إذا تواجد البشر والطيور والخنازير التي تصاب بنوعى الفيروس في أماكن مزدحمة، كما هي الحال في بعض دول شرق آسيا، وكما حصل في الإنفلونزا الإسبانية سنة 1918 عندما ظهرت في معسكرات الجيش المزدحمة، والواقعة في مناطق ريفية، كما أشير سابقاً.
وفي مقابلة لمجلة فوكس، مع د. جون أكسفورد، عالم الفيروسات في كلية الملكة ماري الطبية في لندن، يقيم اكسفورد احتمال إصابة البشر بإنفلونزا الطيورفي بريطانيا بأنه منخفض للغاية، أو حسب تعبيره:
(The risk is very, very, very, low – exceedingly low)
فإذا كان تقييمه هذا مبنياً على أسس سليمة، والمفروض أن يكون كذلك باعتباره مرجعاً في هذا المجال، فلم إذن كل هذه الضجة على لا شيء تقريباً؟!
اتفاق مصالح
لا شك أن لبعضهم مصلحة جوهرية في تهويل أمر إنفلونزا الطيور (وغيرها من القضايا المشابهة)، ومنهم وسائل الإعلام ومسؤولون حكوميون وساسة ومسؤولو منظمات دولية، ولعل الأهم من هؤلاء جميعاً الشركات الصانعة والموزعة للأدوية المضادة للفيروسات مثل: امنتادين، اسلتايغر (تميفلو) ورلنزا، وحسب ما تدعية الشركات المصنعة للأدوية المضادة للإنفلونزا الطيور فانه ومن أجل تحقيق فعالية أكبر يفضل أخذ العلاج قبل الإصابة.
ولنا أن نتخيل ضخامة الأرباح التي ستحققها شركات الأدوية من مثل هذه الصفقة، حتى لو لم يحصل وباء.
أعراض الإصابة ومدى الخطورة
أعراض الإصابة بإنفلونزا الطيور مماثلة لأعراض الإنفلونزا الحادة، ومنها: رشح، سعال، آلام في الصدر، حرارة عالية، صعوبة في التنفس، نزيف في الأنف واللثة، إسهال، تساقط الدموع بغزارة ، آلام في العضلات والمفاصل وإحساس بالإعياء.
وبما أن الإنسان لا يمتلك مناعة طبيعية ضد فيروس إنفلونزا الطيور، فإن الإصابة به يمكن أن تتطورلتسبب التهاباً في الدماغ والرئتين واختلالا في عمل القلب والكليتين، مما قد يؤدي إلى الوفاة.
إجراءات احترازية عند حدوث وباء
لا يمكن حدوث إصابة بفيروس انفلونزا الطيور عن طريق تناول الدجاج والطيورا الأخرى المطهية. إذ أن فيروس الإنفلونزا بشكل عام شديد الحساسية للحرارة إذ يقتل على درجة حرارة 56 درجة سلسيوسية (مئوية) لمدة (3) ساعت ، وعلى درجة حرارة 70 سلسيوسية لمدة نصف ساعة، كما يُقتل أيضاً بالمطهرات الشائعة مثل الفورمالين واليود.
لكن يراعى الحرص على تطبيق مبادىء النظافة العامة في أمور الحياة اليومية وما يتم تناوله من غداء، إضافة إلى مراقبة الطيور في مزارع الدواجن، وعدم صيد الطيور المهاجرة بأنواعها.
وإذا حصل وباء، يقدم د. جون أكسفورد عشر نصائح قد تجنبك التقاط فيروس إنفلونزا الطيور، وهي الآتية:
1- طبق أساليب الحجر الصحي غير الرسمي، أي تفادى زيارة أي مريض بالإنفلونزا.
2- التزم بمبادىء النظافة العامة، كتنظيف السطوح حولك بمطهر قوي.
3- اغسل يديك مرات أكثر من المعتاد، ولا تضع إصبعك في أنفك.
4- تجنب لمس الآخرين في الأماكن العامة، وهذا يعني الابتعاد عن الأماكن المزدحمة حيث التلامس لا مفر منه.
5- اقتصر في تحيتك للآخرين على الكلام وتجنب مصافحتهم.
6- ابق يديك في جيبك ما أمكن، ولا تلمس السطوح في الأماكن العامة، مثل المتاجر.
7- تجنب الطيور، وإذا كان لديك طائر، وتوفي فجأة فإياك أن تلمسه، بل أبلغ السلطات الصحية المختصة
8- اطبخ اللحم، وخاصة لحم الطيور والدجاج إلى درجة أعلى من 70 سلسيوسية، وكذلك بيض الدجاج.
9- طهر لوحات مفاتيح الحاسوب، فهي قد تحتوى على أعداد كبيرة من البكتيريا والفيروسات علماً بأنها تسبب مئة ألف وفاة سنويا فى الولايات المتحدة، من أمراض مختلفة.
10- ابتعد عن أماكن التجمعات العامة المحتمل وجود الفيروسات فيها، مثل عيادات الأطباء، واحرص على تهوية المنازل والمكاتب جيداً.