تكاد لا تخلو مناسبة ما من تقديم الورود والأزهار على كافة أشكالها وأنواعها وألوانها . فالورود هي هبة الطبيعة وزينة الحياة وعبقها الشذي … فبالورود والرياحين تكتمل أفراحنا وأعيادنا وتطيب لقاءاتنا ومناسباتنا وتتوطد صداقاتنا .
والورود بعطرها الفواح وعبيرها الأخاذ لغة عالمية تحاكي لغة العيون … وتغني في كثير من الأحيان عن الكلام ، وما قد يعجز عنه اللسان من تعبير عن العواطف ، وما يجول في النفس من حب ، وفرح ، وحزن ، وعرفان بجميل .
قال فيلسوف : إن كنت تملك قرشين فقط … فاشتر بقرش واحد رغيف خبز … واشتر بالقرش الآخر وردة . وهذا القول على بساطته يحمل الكثير من المعاني ، فكما أن الخبز غذاء للجسد فإن الورود غذاء للروح والنفس .
والورود هي رمز للجمال والرقة والأنوثة … تغنى بها الشعراء والأدباء … فوصفوا المرأة الجميلة بالوردة دلالة على النعومة والرقة والجمال … كما وصفت الوجنات الجميلة بالورد دلالة على اللون الجميل والحيوية والشباب … وقد قالوا فلان بعمر الورود … وذلك دلالة على صغر السن والحيوية والنضارة … وقالوا « صباح الورود » أو « صباح الفل والياسمين ».
ولا عجب أن نجد بعض الفلاسفة وعلماء النفس قد ربطوا بين شخصية الفرد والزهرة المفضلة لديه … وبين لون الوردة والمعنى الذي ترمز إليه … فالأبيض مثلا : دلالة على الطهر والنقاء ، والأصفر يعد رمزا للغيرة ، والأحمر للمحبة والفرح والإنطلاق .
لقد أدرك الإنسان من القدم جمال الورود وأهميتها … فلو نظرنا للتراث القديم للشعوب من نحت ورسم لوجدنا أن الورود احتلت مساحة كبيرة من هذا التراث ، إضافة لاستعمالاتهم الشخصية للورود كعلاج ودواء من بعض الأمراض، أو استعمالها في بعض الأطعمة والحلويات لإكسابها المذاق اللذيذ والرائحة الزكية ، أو استعمالها كمطهر ومعقم .
وقد ثبت مؤخرا أن المشي في حدائق مليئة بالورود يعمل على إراحة الأعصاب وخفض الضغط الدموي المرتفع . وقد استخلص بعض القدماء العطور من الورود والأزهار من زمن بعيد ، ويحكى أن الملكة اليزابيث ملكة المجر كانت تستعمل عطرا زكيا ذا رائحة قوية ، استطاعت بوساطته أن تستحوذ على قلب ملك بولندا في ذلك الوقت الذي تزوجها فيما بعد .
ونظرا لجمال الورود والأزهار، فقد كان يزين بها صدور الرجال والنساء على حد سواء ، ويصنع منها قلائد جميلة يزين بها عن كل زائر عزیز تعبيرا عن المحبة وحسن الضيافة كما هو الحال في الهند، والباكستان ، وأندونيسيا ، وبعض الدول الآسيوية والإفريقية ، كما تستعمله النساء في جزر هاواي قلائد ، وأساور، ويحلين به شعرهن الطويل المنسدل . وقد استعمله بعض القدماء أكاليل توضع على رؤوس القادة والجنود المنتصرين .
ونظرا للصفات الجمالية للورود والمعاني المتعددة التي ترمز لها ، فقد زينت بها الأقمشة بألوان زاهية ، وكذلك السجاد ، وقطع الأثاث ، وغيرها من أدوات الزينة والأواني المنزلية . كما وتعد الورود مصدرا للعطور ، اذ تستهلك مصانع العطور الشهيرة آلاف الأطنان منها ، ويحتل الياسمين الدرجة الأولى في هذه الصناعة التي تستثمر فيها مليارات الدولارات .
ومعروف أن الزهار لا تعمر طويلا وانها تحتاج الى عناية فائقة، فقد دأبت بعض الشعوب على تجفيف الورود بطرق علمية وإجراء التجارب والبحوث للتقدم في هذا المجال ، ولإضفاء الصبغة الطبيعية عليها . كما برعوا بعمل الورود الإصطناعية من الأقمشة الحريرية والشفافة بحيث تبدو للناظر وكأنها ورود حقيقية تزين بها المنازل والمكاتب والعيادات والمحلات التجارية وغيرها .
لقد أصبحت تجارة الورود في عصرنا هذا تجارة رائجة ومتداولة في معظم دول العالم ، وانتشرت المحلات الخاصة ببيع الأزهار ، فلا يكاد يخلو شارع من محل لبيعها . هذا وقد اهتمت بعض الدول بهذه التجارة فزرعت الآلاف من الدونمات بمختلف أنواع الورود ، وأدخلت التحسينات عليها بفضل تقدم العلوم في مضمار الزراعة والسلالات مما أنتج العديد من الأصناف والأشكال والأحجام والألوان ، – وبخاصة الزنبق – وهي تصدر الورود إلى كافة أقطار العالم محققة بذلك مردودا اقتصاديا عاليا قد يوازي مردود البترول في الدول النامية .
هذا وقد نحت كثير من الأول هذا المنحى واستفادت من التجربة الهولندية فسدت حاجتها المحلية من الأزهار ، وأوجدت لها أسواق لتصريف الزائد عن حاجتها .
وتكريما للورود والمكانة المرموقة التي تحتلها بين شعوب العالم فقد دابت بعض الدول على إقامة المهرجانات الخاصة بها ؛ إذ تجوب الشوارع مواكب من الحافلات والعربات مغطاة بالأزهار المنسقة فتبدو للناظر وكأنها حقول وحدائق متحركة .
ليلى أيوب