الإنسان منذ القدم يبحث عن البقاء والخلود لأطول فترة ممكنة في هذه الحياة. واكتشف باكراً أن الغذاء هو من أهم مصادر هذه الحياة، فهو كان على علم ٍ كافٍ بأن الحصول على مصادر الغذاء السهل غير المنقطع هو مصدر الحياة الرئيس. فنرى مثلاً جميع المناطق التاريخية تكون ذات مقومات غذائية جيدة، حيث أن أراضيها كانت خصبة وتكون قريبة من مصادر المياه، سواء أنهار أو بحار أو ينابيع أو آبار، وكانت المهن الأساسية للناس آن ذاك هي مهن غذائية، مثل الزراعة والصيد وتجارة هذه المواد وما يلزم لتحضيرها بشكلها النهائي.
ولعل كل المشاكل والحروب التي حدثت في العالم وصراع البقاء الذي نراه في الإنسان والحيوان لهذه اللحظة هو البحث عن حياة كريمة سهلة أي البحث عن أساس الحياة، الذي يتمثل بالتغذية السهلة دون عناء شديد ودون حدوث مخاطر. فكان المجتمع القوي يأخذ من المجتمع الضعيف مكان سكنه الإستراتيجي الذي يوفر له غذائياً مناسبا، إذاً الموضوع كله هو البحث عن حياة أفضل وهذا يعني تغذية أسهل وأفضل.
و بدأت الحياة تتطور والعلم يتقدم ، فبدأنا نرى العديد من أنواع وأشكال الأغذية الجديدة ، و بدأ هناك تطوير للزراعة و الصناعة و تغير في الجينات لبعض الأنواع من الأغذية لكي تنمو وتزداد أفضل، و حدث تطوير في صناعة الأدوية المكافحة للجراثيم والطفيليات التي تسبب الهلاك للمحاصيل، و بالتالي أصبح الحصول على الغذاء بشكل أكبر و أكثر سهولة ، و بدأ هناك تطوير للأدوية البيطرية فجعلت المحاصيل الحيوانية تزدهر، و اكتشفوا أدوية و هرمونات تعمل على التسريع في نمو المحاصيل الزراعية و الحيوانية، وأسمدة تجعل الأراضي البور خصبة خضراء ،و أنواع أعلاف وأتربة كيماوية مصنعة .
حتى نظام الري أصبح مختلفاً فلم يعد الإنسان ينتظر المطر أو الأنهار لتسقي محصوله، فإن نظامه الجديد يجعل الدنيا تمطر متى يشاء سواء بالرشاشات أو باستخدام المياه المعالجة أو بالأمطار الصناعية.
ولم يعد ينتظر النهار لتطلع الشمس لكي يحصل على بيضة جديدة من دجاجته، فهو يضيء المصباح الكهربائي للدجاج فيبيضوا له متى هو يشاء. ولم تعد الدجاجة تحظى بفترة أمومة أو حضانة ولا وليدها الصوص أيضاً وليس لديها الوقت أصلاً لتجلس على البيض أو تبحث عن القش لتعمل عشاً طالما هناك فقاسات كهربائية للبيض.
ولم يعد العجل يشرب حليب أمه بل يشرب هو الأخر حليب بالرضاعة مثل طفل الإنسان خوفاً من أن يعيق أمه العاملة عن عملها أو أن يشرب أكثر بقليل. وكذلك البطيخ لم نعد نمل من بذره و لم يعد للصبر شوكاً أو بذراً للعنب وأصبح الدراق أحلى وأقصى و لم يعد له فرواً. والمانجا أصبحت بذرتها أصغر، و لم يعد الفطر يبحث عن صخرة أو مغارة لينموا بداخلها فقد تبناه الإنسان و رباه عنده، وأعطوا البقر أدوية كيماوية لكي يبقى حليبها مستمر مدى السنة.
وبدأت مصانع الأغذية بتصنيع أنواع أطعمة جديدة صنعها وطورها الإنسان، وأصبحت ألذ و أشهى. ومع المنافسات بين الشركات أصبحت هذه المواد التي كانت في السابق تعتبر نوعاً من أنواع الرفاهية و حكراً على المجتمع الغني و الراقي، أصبحت مواداً أساسية عند الجميع، الفقير قبل الغني و لايمكن للإنسان الحديث الاستغناء عنها و لو ليوم واحد. وأصبحت تمثل الحضارة والتطور والرقي. و طبعاً نحن المجتمع العربي المستهلك الأول لهذا التطور العظيم.
وطبعاً نتجت أمراض عديدة من هذا التطور السريع لعل من أهم هذه الأمراض هو وباء السمنة.
إن السمنة في حد ذاتها تعتبر مشكلة صحية و نفسية كما أنها تمثل عامل رئيس للإصابة بالعديد من الأمراض مثل السكري والأمراض القلبية الوعائية و الشرايين و الدهون بالدم و أمراض العظام و المفاصل والسرطانات. ولعل من أهم هذه الأمراض الناشئة عن السمنة هو مرض السكري. وهناك نحو 16 مليون إنسان مصاب بالسكري في منطقة الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى نحو 43 مليون بحلول عام 2025.
لقد أصبح المجهود الرياضي نشاطاً ترفيهياً، والناس يركبون السيارات المكيفة في جميع تنقلاتهم البسيطة، ويشترون أغذيتهم من الأسواق في أن واحد فلا يوجد مشي وتعب للبحث عن كل سلعة في منطقة مثل السابق، فكل السلع تباع في مكان واحد أو أماكن قريبة من بعضها.
ويركبون المصاعد حتى في صعود القليل من الدرج، وأصبح الأولاد يشاهدون التلفزيون والصور المتحركة والإنترنت طوال اليوم، فلا يوجد مجال للحركة أو حتى اللعب أو التعب وحتى ألعاب الأطفال القديمة أصبحت تراثاً من الماضي يتذكره الكبار ولا يعرفه الصغار.
وحتى العمال والمزارعون لم يعودوا يتعبون مثل السابق بفضل وجود ألآت وماكينات حديثة تعمل عملهم , وبنفس الطريقة تغيرت أيضاً العادات الغذائية للجميع تغيراً كبيراً. فقد ازداد استهلاك الدهون والسكريات استهلاكا هائلاً في هذه السنوات القليلة، وأصبحت الأكلات السريعة موجودة في كل مكان وزمان، وأصبح الجميع يتناولون أغذية مصنعة في كل وجبة من الوجبات مثل المشروبات الغازية والشوربات المصنعة والكتشب والمايونيز … طبعا ناهيك عن مضار المواد الحافظة والملونة والكيماويات الموجودة في هذه الاطعمة المصنعة.
الدكتور الصيدلاني إسماعيل عصام زيد الكيلاني