الصيام وفوائده على الصحة النفسية للإنسان

إعداد : فاروق أبو طعيمة

وفقا لمنظمة الصحة العالمية (WHO) يعاني 450 مليون شخص من اضطرابات عقلية عالميا في كل من البلدان المتقدمة والبلدان النامية. من هذه ، و 154 مليون شخص يعانون من الاكتئاب ، و 25 مليونا من مرض انفصام الشخصية ، و 91 مليون دولار من اضطراب وتعاطي الكحول و 15 مليون اضطراب تعاطي المخدرات ويشير التقرير بأن الأمراض النفسية هي أكثر شيوعا من السرطان ، ومرض السكري ، أو أمراض القلب وتشكل الأمراض النفسية في العالم تكلفة اقتصادية باهظة يقول التقرير : أينما تمت دراسة التكاليف الاقتصادية للاضطرابات العقلية ، إلا أن الأرقام مذهلة ففي الولايات المتحدة تبلغ تكلفة الاضطرابات النفسية أكثر من 150 مليار دولار سنويا لتلقي العلاج وتغطية تكاليف الخدمات الاجتماعية والعجز وفقدان الانتاجية والوفاة المبكرة

وقبل الخوض في أثر الصيام الاسلامي على الصحة النفسية نبين للقاريء الكريم مفهوم الصحة النفسية والذي يعني بكلمات موجزة ( نوع من التوازن بين مكونات الحياة الروحية والنفسية والعقلية والجسدية وكذلك التوازن بين ما هو ذاتي وأسري واجتماعي ومالي وتتجلى عند الفرد القادر على اتخاذ قرارات صائبة في الوقت المناسب والظروف المناسبة , كما أنه يتقبل نتائج قراراته ويعمل على تغييرها وهو في حالة من الرضا عن النفس وعن الله سبحانه وتعالى وتتسم الصحة النفسية بالذكاء الإيماني الذي يعيش صاحبه في زمن الخلود) والمتتبع للأبحاث والدراسات التي تحدثت عن أثر الصوم على الصحة النفسية يجد أنها تتحدث عن هذه الآثار بطريقة اجمالية فمثلا يعمل الصوم على صفاء الذهن وتجنب الارهاق الذهني و الضغوط العصبية.وتحسين القدرة على مواجهة المصاعب الحياتية و الاجهاد المتكرر و يذهب الارق و يحسن النوم وتهدئةالحالة النفسية و معالجة الاكتئاب و القلق و التوتر. وتهذيب النفس وصقل الشخصية .ومنح الصائم القدرة على التحكم في النفس و ضبط الشهوات علاوة على تقوية الارادة و العزيمة وبالتالي الشعور بالمسئولية و الشعور بقيمة الاخرين. ويعمل الصوم على تقوية الحس الداخلي و مراقبة النفس و تنمية الضمير . ومن ثمرات الصوم أيضا أنه يعين الصوم على مجاهدة النفس في امور كثيرة وفي كافة الاتجاهات.خاصة وأنه يقوي صفة الصبر عند الانسان وممارستها كخصلة حميدة ومثمرة و يعمل الصوم على تنمية العلاقات الاخوية و الرحمة بالفقراء .فالصوم تدريب إيجابي ومتوازن ومقنع للفرد والمؤمن بالشعور بالمسؤولية ومعرفة قيمة الآخرين خاصة أنه يعمل على تنمية الدوافع الإيمانية والأخوية من الرحمة وحب الفقراء وبالتالي الشعور بالاطمئنان والراحة النفسية الكاملة والقدرة على مواجهة الحالات النفسية المؤلمة

يقول الدكتور جمال ماضى ابو العزائم استشاري الطب النفسي : ان عملية الصوم نفسها والامتناع عن الطعام والشراب والتغيير الذي يظهر مع بدء الصوم على دوافع الأكل والشرب والصمود والصبر على ترويض هذه الدوافع أبان شهر الصوم ما هو الا مزيد من حكم الانسان في دوافعه والاعتدال بها الى التوسط والبعد بها عن الأسراف مصداقا لقوله تعالى : وكلوا وأشربوا ولا تسرفوا أنه لا يحب المسرفين ” هذا الترويض لهذه الدوافع يؤدي بها الى التصالح مع قوى النفس الانسانية . والانسان الذي تصطلح قوى وطاقات ضميره مع قوة وطاقات دوافعه يعيش بعيد عن الصراع ، هذا الصراع الذي يؤدي الى الاضطرابات النفسية المختلفة ولننظر لقوله تعالى ” واذا النفوس زوجت ” واصطلحت وتعايشت فانها تعمل لاسعاد الانسان … تأكل في توسط وتشرب بغير نهم وتتزاوج مع القيم والقانون وتجتمع تبني وتزيد الانتاج وتفرح مع الجماعة
الصوم والمشاعر والانفعالات

أمّا بالنسبة الجوانب النفسية التي تتعلق بالمشاعر والعواطف والانفعالات وانعكاس ذلك على أنماط سلوكنا وعلاقاتنا مع الآخرين، من الأمور المهمة في الصحة النفسية والتوازن النفسي فإن اعادة تقويمها مع تكرار ذلك شهرا كاملا في كل عام يزيد الانسان المسلم وخاصة الصائم قوة وحصانة، ويرى علماء النفس الاسلامي والمهتمين في مجال اثر الصيام على الصحة النفسية أنّ الصيام في الغالب ما يشكل الضابط أو الموجه وصمام الأمان لمواجهة أية أمور (كسلبيات وأخطاء ) لا تؤمن عواقبها ونتائجها على الفرد والجماعة ويرى بعض الباحثين أن للصوم آثار ا عظيمة من أهمها وأكثرها دقة تحرير للنفس من الصراعات النفسية والتوترات الغضبية حيث إنه يهذبها ويصفيها ويمنعها من أن تتحكم في صاحبها، فيزداد بذلك سموا وارتقاء يعني ذلك أن ّ الانسان الصائم لن يتعرض الى عملية كبت بالمفهوم النفسي للكلمة اذ إنه يعني منع الانفعال والتوتر مع العجز عن مواجهته والهروب منه بنسيانه وانسحابه الى اللاوعي فيكون تأثيره عن طريق اللاشعور سلبيا وسيئا وكارثيا يجعله يلحق بركب المرضى النفسيين في العالم

يقول استشاري الطب النفسي الدكتور جمال ابو العزايم : يحقق الصوم للصائم أثارا نفسية عظيمة من أهمها بهجة النفس وتتحقق هذه البهجة من خلال عدة أشياء منها على سبيل المثال رؤية الهلال مع ما يصاحب هذه الرؤيا من فرحة استقبال رمضان واحياء أيامه ولياليه ومنها الارتياح بتغير روتين الحياة اليومي الذي أعتاده الناس طوال العام حيث تتغير مواعيد العمل ومواعيد الطعام والنوم وتتغير الكثير من العادات ولا ننسى فرحة الصائم لحظة إفطاره تلك الفرحة التي تذكره بفرحة أخرى عند لقاء ربه ، وقد عبر عن ذلك رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله (للصائم فرحتان ، فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه ) جزء من حديث رواه الشيخان فالصائم يستبشر بجزاء صومه خاصة وان الله لم يصرح بمقدار ثوابه ، وجعله مفاجأة سارة للمؤمن يوم القيامة حيث قال على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم : ككل عمل ابن آدم له ألا الصوم فانه لي وأنا اجزي به ) متفق عليه ومن آثار الصوم الضبط النفسي فإن ما يثير قلق النفس واضطرابها كثرة الشهوات وإيقاظها والشهوات هي وسيلة الشيطان إلي النفس وانما تقوي الشهوات بكثرة الأكل فالصيام ضبط صحي لثورة الشهوات ووساوس الشيطان والنتيجة الطبيعية لذلك هي انخفاض حدة الصراع الداخلي بين الشهوات الثائرة والضمير ، مما يؤدي إلي هدوء النفس واطمئنانها ومن آثاره أيضا استراحة النفس حيث تضطرم النفس البشرية في حياتها العادية بكم هائل من المشاعر مثل الخوف والطمع والحرص والحقد والرغبة في العلو والعدوانية والسخط والكراهية وتستمر هذه المشاعر في التفاعل داخل النفس باضطراد مستمر يهدد بتفجيرها ، لذلك جعل الله العبادات فترات راحة وتهدئة لهذه المشاعر، فجعلت الصلاة خمس مرات في اليوم والليلة والصوم كل عام والحج مرة واحدة في العمر.

ويتابع ابو العزايم قائلا : إن أغرب الأشياء التي لفتت انتباهي في الصوم قدرته على علاج الاضطرابات النفسية القوية مثل الفصام!! حيث يقدم الصوم للدماغ وخلايا المخ استراحة جيدة، وبنفس الوقت يقوم بتطهير خلايا الجسم من السموم، وهذا ينعكس إيجابياً على استقرار الوضع النفسي لدى الصائم وهذا ما أكده مدير وحدة الصوم في معهد موسكو النفسي الدكتور يوري نيكولايف الذي عالج أكثر من سبعة الاف مريض نفسي باستخدام الصوم حيث استجاب هؤلاء المرضى لدواء الصوم فيما فشلت وسائل العلاج الاخرى وكانت معظم النتائج مبهرة وناجحة واعتبر نيكولايف ان الصوم هو دواء ناجع لكثير من الأمراض النفسية المزمنة كمرض الفصام والاكتئاب والقلق والاحباط حتى إن إحدى المجلات الطبية اليابانية أكدت في دراسة لها أن الصيام يحسِّن قدرتنا على تحمل الإجهادات وعلى مواجهة المصاعب الحياتية، بالإضافة للقدرة على مواجهة الإحباط المتكرر وما أحوجنا في هذا العصر المليء بالإحباط أن نجد العلاج الفعال لمواجهة هذا الخطر! كما أن الصوم يحسن النوم ويهدّئ الحالة النفسية

وأورد الموقع الطبي الاسلامي دراسة تفيد أن حالات الوسواس القهري التسلطي obsessive compulsive neurosis تتحسن بدرجة ملحوظة إذا داوم المريض على الصيام .والصوم علاج أكيد للاكتئاب depression سواء كان هذا الاكتئاب داخلياً endogenous depression أو له أسباب خارجية exogenous depression ويقول الدكتور شيلتون في كتابه المسمى بـ ( التداوي بالصوم) : تتحسن القوى الفكرية والقدرة على المحاكاة والعاطفة والمحبة وقوة البديهة والحدس أثناء الصيام

الصيام علاج للكآبة

أكدت دراسات د. كانمان من جامعة برنستون الأمريكية أن عدم خفض الاختيارات والتحكم في الرغبات قد أدى بالفعل حسب دراسته الميدانية إلى تزايد الإحساس بالكآبة بل وظهور معدلات الإكتئاب بدرجة تتناسب عكسياً مع وفرة وكثرة الاختيارات ، وأشار أن الناس لم يتعلموا طريقة للسيطرة على شهواتهم .
أما الدكتور تفيرسكي من جامعة ستانفورد فقد توصل إلى نفس النتيجة ، وأخيراً في عام 2004 صدرت دراسة الدكتور باري شوارتز Barry Schwartz التي أكدت ارتفاع معدلات مرض الاكتئاب ومشاعر الإحباط والتعاسة نتيجة الإفراط في الاختيارات وعدم القناعة – وهذا اللفظ بدأ يدخل ضمن الاصطلاحات النفسية العلمية وأشار أيضاً إلى أن أغلب أفراد المجتمع لا يعرفون طريقة لضبط شهواتهم وخفض نهم وشره رغباتهم . كل هذه الدراسات وغيرها تؤكد ضرورة أن يتدرب الإنسان ولو لأسابيع محددة على هذا الإسلوب من الضبط الذاتي للشهوات وبالتالي للغرائز والإنفعالات والسلوك أي ضرورة أن يتعلم ضبط شهواته بالصوم لفترة كافية، الجدير بالذكر أنّ مراكز طبية في الغرب تعمد الى العلاج بالصوم مع التأمل المتسامي Transcendental meditation ومنها مركز شهير في السويد وآخر في البرتغال . والتأمل المتسامي أسلوب في إراحة الجسم، أصبح معروفا في عدة بلدان خلال سبعينيات القرن العشرين الميلادي. وقد تم تطويره في خمسينيات القرن العشرين على يد راهب هندوسي من الهند هو مهاريشي ماهش يوغي. وقد استخدم هذا الراهب الهندي كلمة المتسامي ليصف طريقة الوصول إلى حالة الوعي الصافي حيث لا يكون العقل واعيا بأي شيء على وجه التخصيص. ويقول إن الذين استخدموا هذه الطريقة أصبحوا أسعد، وأكثر استرخاء وإبداعا، مما جعل المراكز التي تقوم بتدريس التَّأمّل المتسامي تعمل في عدة بلدان. ويُطلق أتباع مهاريشي على التأمل المتسامي علم التفكير المبدع وشرح د. سلاحيان أن تقنية التأمل المتسامي TM: Transcendental Meditation هي تقنية فكرية سهلة وبسيطة وطبيعية، وهي أقوى المناهج التطويرية للوعي والذكاء في العالم و أكثرهم رواجاً، وكذلك هي أكثر البرامج الخاضعة لأبحاث ودراسات علمية. حيث تمارس هذه التقنية مرتين في اليوم صباحا ومساء لمدة 15 إلى 20 دقيقة في وضعية الجلوس العادية. خلال الممارسة تبدأ الحركة الفكرية بالهدوء وبالتالي يكتسب الجسم حالة فريدة من الراحة العميقة تفوق بكثير الراحة المكتسبة أثناء النوم العميق، ونتيجة لهذه الراحة العميقة تتحلل الضغوطات بشكل تلقائي من الجهاز العصبي. وكلما كانت الراحة أعمق، كلما كان الجهاز العصبي قادرا على التخلص من الضغوطات العميقة المتجزرة في داخلنا التي تعيق النشاط الطبيعي في حياتنا اليومية. وبتحلل الضغوطات يصبح الجهاز العصبي قادرا على العمل بفعالية أكثر و طاقة و إبداع أكبر.

ولقد تأكدت من خلال دراسة أكثر من عينة عشوائية من المتطوعين وأصحاب المشكلات جوانب الإعجاز العلمي النفسي في الصوم، وفعاليته في تعديل التفكير والسلوك والتخلص من العادات غير المرغوبة وتنمية القدرة على الضبط الذاتي
ونوجز نقاط الإعجاز العلمي الحديثة عن الصوم في المنهج الإسلامي كالأتي:

أولا : أن الضبط الذاتي الذي يلتزم به الصائم بيولوجيا ونفسياً وسلوكياً .. إبتداء من الامتناع عن الأكل والشرب والجماع ، وانتهاء بكف الأذى وغض البصريمنحه تدريباً عالياً وقدرة جيدة على التحكم في المدخلات والمثيرات العصبية مع القدرة على خفض المؤثرات الحسية ومنعها من إثارة مراكز الإنفعال لديه بدرجة ترتبط بخفض الإثارة في نشاط التكوين الشبكي في المخ وهذه الحالة هي درجة من الحرمان الحسي deprivation Sensory . , والذي يعني عزل الفرد عن مصادر الاحساس مما يؤثر على درجة الوعى فيؤدى الى فقدان الشعور وتفكك وجدان عمل المخ وبالتالى التفكير فيصل الفرد الى حالة التفكير غير المترابط .

وفي دراسة أعدها الدكتور أحمد أبو غوش يفسر الضبط الذاتي بالقدرة على توجيه السلوك وكف الدوافع والسيطرة على المشاعر لتحقيق شخصية متكاملة متزنة القدرة وايضا على توجيه السلوك وكف الدوافع والسيطرة على المشاعر لتحقيق شخصية متكاملة متزنة ويورد في دراسته مفهوما آخر وهو قيام الفرد بالتأثير في سلوكه ونتائجه وتعديله من خلال ضبط نفسه وبيئته ولقد ثبت أن تقليل المؤثرات الحسية له تأثيرات إيجابية على النشاط الذهني والقدرة على التفكير المترابط العميق والتأمل والإيحاء .. وإن الضبط الذاتي قد اتبع في أغلب الأديان وبواسطة الأنبياء والحكماء والمفكرين وأنه يمنح الإنسان قدرات عالية على الصفاء والحكمة والتوازن النفسي.

ثانيا : إن تحمل ألم الجوع والصبر عليه يحسن من مستوى مادة السيروتونين Serotonin وكذلك ما يسمى بمخدرات الألم الطبيعية التي يقوم المخ بإفرازها وهي مجموعتان تعرفان بمجموعة الأندورفين Endorphins وتتركب من 31 حمضاً أمينياًAmino Acids مستخلصاً من الغدة النخامية Pituitary Gland ولهذه المواد خواص في التهدئة وتسكين الألم أقوى عشرات المرات من العقاقير المخدرة والمهدئة الصناعية ومجموعة الانكفالين Enkephalins وتتركب من عدد 5 أحماض أمينية Amino Acids وتوجد في نهايات الأعصاب . ولكي يستمر إفراز هذه المواد المهدئة والمسكنة والمزيلة لمشاعر الألم والإكتئاب لابد أن يمر الإنسان بخبرات حرمان ونوع من ألم التحمل وأن يمتنع عن تناول المواد والعقاقير التي تثير البهجة وتخدر الألم خاصة الأفيون ومشتقاته وبعض العقاقير المخدرة الحديثة .

ثالثا : يحتاج تعلم الصبر والإرادة إلى تدريبات وردت في كثير من دراسات علم النفس الحديثة ويمثل الصوم تدريباً يومياً منظماً يساعد الإنسان على تغيير أفكاره واتجاهاته وسلوكه بصورة عملية تطبيقة تشمل ضبط وتنظيم المراكز العصبية المسئولة عن تنظيم الاحتياجات البيولوجية والغرائز من طعام وجنس ، وأيضاً الدوائر العصبية والشبكات الترابطية الأحدث التي تشمل التخيل والتفيكر وتوجية السلوك .

رابعا : يساعد الصوم على حدوث تفكك نوعي في الحيل النفسية Mental Mechanisms وهي حيل وأساليب لا شعورية يلجأ إليها الفرد لتشويه ومسخ الحقيقة التي لا يريد أن يقبلها أو يواجهها بصدق ، وذلك حتى يتخلص من المسئولية ومن حالة التوتر والقلق الناتجة عن رؤية الواقع الذي يهدد أمنه النفسي واحترامه لذاته .. فهي مثل الأكاذيب التي بلغت درجة التصديق والمعايشة على المستوى اللاشعوري .. وهذا الحيل النفسية أنواع متعددة مثل الكبت والإسقاط والإنكار، ولكن أكثرها مقاومة وتشويهاً للواقع ما يسمى بحيلة العقلنة Intellectualization ، حيث يستخدم الفرد الفهم الخبيث غير المسؤول محل الفهم الصادق الذي يحرك الإنسان لعمل الخير والإحسان. ولقد وجدت ضعف أغلب هذه الحيل المعوقة للنمو الإنساني خلال الصوم وأثناء جلسات العلاج النفسي ويحدث هذا الإنهيار للحيل الدفاعية مع الصائم العادي كلما ازداد خشوعه وصدقه.. وقد لاحظت ارتباط ذلك باتساع دائرة الترابط بين التفكير الواعي والعقل الباطن بما يسمى بعملية Information processing أي إعادة تنسيق المعلومات على مستويات المخ المختلفة وهي تماثل إعادة برمجة العقل.


خامسا : يساعد الصوم على ممارسة خلوات علاجية ، وتأمل ، مما يساعد الفرد على الخروج من دوامة الصراعات اليومية والتوتر وإهدار الطاقات النفسية والذهنية ، وإصدار أوامر للعقل بالتسامح والعفو ..

سادسا : يحدث أثناء الصيام تعديل مستمر للحوار الذاتي وما يقوله الفرد لنفسه طوال اليوم من عبارات وجمل تؤثر في أفكاره وإنفعالاته . ويمثل الصوم فرصة لغرس معاني وعبارات إيجابية مع الاستعانة بالأذكار والدعاء وممارسة العبادات بانتظام .. ويحدث ذلك في اطارمبادئ علم النفس الحديثة حيث يتم التعلم من خلال التكرار واتباع قاعدة التعليم المتدرج، التعلم بالمشاركة الفعالة ، وأسلوب توزيع التعلم .. كل ذلك في اطار منظومة متكاملة تسمح بإعادة برمجة حقيقية للجهاز العصبي والسلوكي .. وتعديل التفكير وتغيير العادات .. وحيث يصبح الصوم عبادة وتأمل.. وأيضاً تعديل للنفس البشرية والتخلص من الإنفعالات والاضطرابات النفسية.. وإطلاق لطاقات العقل .

عن الاستاذ فاروق أبو طعيمة

باحث وكاتب في القضايا العربية والإسلامية المعاصرة والبيئة والتربية

شاهد أيضاً

زيت الزيتون وفوائده الصحية ودوره في حماية القلب ومكافحة الأمراض

يُعدُّ زيت الزيتون من أبرز المكونات الغذائية التي تشتهر بها منطقة الشرق الأوسط، ويحتل مكانة …

تعليق واحد

  1. جزيل الشكر والتقدير استاذنا الفاضل على البحث الممتاز الذي افادني كثيرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *