مشروع رسم خريطة جينات الإنسان

مشروع رسم خريطة جينات الإنسان… لمحة تاريخية

يرجع تاريخ فكرة تربية اناس افضل الى افلاطون، ان لم يكن قبل ذلك. لكن الصيغة الحديثة لتحسين نوعية الانسان عن طريق معالجة خصائصه الوراثية او ما يسمى «اليوجينيا» نشأت على يد العالم فرانسیس جالتون، اذ اقترح في أواخر القرن التاسع عشر انه من الجائز أن نتمكن من تحسين الجنس البشري بالطريقة نفسها التي يتم فيها تحسين النبات والحيوان، أي بتخليصه من الصفات غير المرغوبة وإكثار الصفات المرغوبة.

وعلى مر الأعوام التالية اكتسبت اراء جالتون تأييدا متزايدا من اعداد كبيرة من الناس في امريكا وأوروبا، طالبوا بوقف التدهور الاجتماعي عن طريق اليوجينيا، وبذلك تم ربط صفات الانسان الوراثية مع انماط السلوك الاجتماعي ومع الوضع الاجتماعي للانسان، كما اخذ الاهتمام يتزايد ببحوث الوراثة البشرية وخاصة دراسة سجلات العائلات الممتدة ودراسات التوائم.

وقد استغلت اليوجينيا سلبيا من قبل كثير من السياسيين وأصحاب المصالح وخاصة النازيين والمتعصبين عرقيا في الدول المختلفة. وكان هناك ايضا توصيات بالتدخل في تكاثر البشر لزيادة تكرار الجينات الجيدة اجتماعيا وخفض تكرار الجينات الرديئة. وظهرت معارض ومسابقات لأفضل العائلات وراثيا، ووضعت قوانين التعقيم اليوجيني، حيث عقمت ولاية كاليفورنيا مثلا بدءا من عام 1933 عددا من الناس يزيد على كل ما حققته الولايات الأمريكية الأخرى مجتمعة.

وفي الأعوام التالية تحول الرأي العام العالمي ضد اليوجينيا، وكان ذلك جزئيا لارتباطها بالنازية وبالممارسات السلبية التي ارتبطت بنظريات وراثة الانسان في المجتمعات المختلفة، وخاصة ما يتعلق باضطهاد الاقليات. واخذ العلماء يدرسون آلية وراثة صفات الانسان المختلفة، وتعرف مواقع الجينات المحددة لهذه الصفات، وتزايد عدد مراكز البحث المتخصصة بالوراثة البشرية وخاصة في بريطانيا والولايات المتحدة وتركزت البحوث في مجال الأمراض الوراثية والاختلالات الوراثية بعامة.

وفي منتصف الثمانينات بادر بعض مشاهير العلماء للدعوة الى رسم الخريطة الجينية «الخريطة الوراثية» للإنسان وذلك من أجل فهم الاختلالات والامراض الوراثية عنده وتشخيصها وعلاجها ففي ايار 185 دعا عالم البيولوجيا الجزيئية الشهير سينسهايمر رئيس جامعة كاليفورنيا مجموعة من رواد البيولوجيا الجزيئية في أميركا وأوروبا لحضور ورشة عمل عن مشروع خريطة جينات الانسان، وفي اذار 1986 دعا دي ليزي الفيزيائي مدير مكتب الصحة والبيئة في وزارة الطاقة، والرئيس السابق للبيولوجيا الرياضية بالمعاهد القومية الأميركية للصحة الى ورشة مماثلة في لوس الاموس، وتتالت ورش العمل والاجتماعات والمؤتمرات لبدء المشروع الذي قدرت تكاليفه آنذاك بثلاثة بلايين دولار.

واثمرت هذه الجهود عن تقديم مشروع قانون للكونجرس الأميركي للحصول على التمويل اللازم له. وقد واجه مشروع القانون معارضة شديدة من عدد كبير من العلماء الذين رأوا فيه «علما كبيرا غبيا» وانه سيهدد بتكاليفه الكبيرة ميزانية البحوث في برامج علمية اخرى اكثر اهمية الا أن الكونجرس وافق بعد جهود كبيرة على تخصيص ميزانية للمشروع.

وكما هي الحال في الولايات المتحدة كانت المجادلات قوية في اليابان والاتحاد السوفياتي واوروبا وغيرها حول اهمية المشروع والمشاركة فيه، وكان الحرص على عدم التخلف عن مجرى التقدم العلمي في هذا المجال وراء تخصيص كثير من الدول والشركات ميزانيات مهمة لهذا المشروع والعمل لتطوير تكنولوجيا رخيصة الكلفة عالية النوعية لتسريع البحث وضمان دقته وتقليل كلفته وقد كانت الولايات المتحدة واوروبا ينفقان على بحوث المشروع ما نسبته 80٪ من مجموع الانفاق العالمي عليه، وكانت اليابان تنفق 5٪ فقط.

وتشير الإحصاءات انه ما بين عامي1977 – 1986 صدر من الولايات المتحدة اكثر من 42 ٪ من العشرة الاف مقالة التي نشرت عن بحوث خريطة جينات الانسان، وهذا يعادل ضعف النسبة التي صدرت عن بريطانيا وفرنسا والمانيا مجتمعين وعشرة أضعاف ما نشره العلماء اليابانيون.

في ايلول 1988 عقد اجتماع دولي للعاملين في المشروع في سويسرا تشكل اثره رسميا مجلس تأسيسي لمنظمة خريطة جينات الانسان او ما يسمى الجينوم البشري، واطلق عليها اختصارا الاسم «هوجو». وكان هدف المنظمة المساعدة في تنسيق بحوث الجينوم البشري دوليا، وتعزيز تبادل المعلومات والمواد والتكنولوجيات، وتشجيع دراسة خرائط جينات كائنات حية اخرى.


وفي بداية التسعينات بدأت الأموال تتدفق على مراكز البحث العلمي في مختلف بلدان العالم المتقدمة دعما لمشروع الجينوم البشري بعد مناقشات حامية في المجالس الوزارية والبرلمانية المختلفة، وبعد ان اقرت ضوابط اخلاقية تضمن عدم الاستغلال السلبي لبحوث المشروع ونتائجه، ومن ذلك مثلا عدم اجراء بحوث تتعلق بتغيير خط السلالة البشري، وحماية الخصوصية الجينية للفرد، وعدم اتباع سياسة صحة موجهة يوجينيا، وضمان استمرار الجدال عن الابعاد الاجتماعية والأخلاقية والقانونية لبحوث الوراثة البشرية.

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

في المستقبل المزارع العمودية داخل بنايات المدن الحديثة

على غرار حدائق بابل المعلقة والتي اعتبرت من عجائب الدنيا، برزت فكرة بناء المزارع العمودية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *