تعيش النساء أكثر من ثلث حياتهن بعد انقطاع الدورة الشهرية، وهي مرحلة طبيعية تمر بها كل امرأة كجزء من مرحلة التقدم بالعمر. هذه المرحلة تحمل معها أفكارا جديدة لمرحلة جديدة من الحياة ومدی الاهتمام بالصحة والتغذية فيها يحولها مما يعرف بسن اليأس إلى سن الأمل أو سن الحكمة.
يختلف سن انقطاع الدورة الشهرية من امرأة إلى أخرى اعتمادا على عوامل مختلفة منها استعمال المبايض أو الرحم، العمر، مستوى النشاط، الوراثة، ومن الشائع في البلاد العربية انقطاع الدورة بين عمر 45 – 55 سنة.
تبدأ هذه المرحلة بحدوث انخفاض تدريجي في إفراز الهرمون الأنثوي (الاستروجين) وتضاؤل كمية ونوعية البويضات القابلة للإخصاب وعندما يتوقف إفراز الاستروجين من المبايض تتوقف الدورة الشهرية.
هذه المرحلة هي تطور طبيعي وليست مشكلة أو مرضا لأن الجسم سيتعود بعد حين على نقص افراز الهرمون الانثوي، وعادة بعد مرور فترة من الوقت تتراوح ما بين عدة شهور إلى سنة أو اثنتين يتأقلم الجسم مع هذه المرحلة وتختفي الأعراض.
الأعراض:
عندما يقل مستوى هرمون الاستروجين في الجسم قد تظهر بعض الأعراض المزعجة للكثير من السيدات وهي نوعان:
1) أعراض قصيرة المدي:
يعتبر الوهج الحراري أكثرها انتشارا وللتقليل منه ينصح بتجنب الأطعمة المحتوية على التوابل، تجنب المشروبات الكحولية والمشروبات التي تحتوي على الكافيين، الابتعاد عن الأماكن الضيقة والرطبة. وكذلك هناك أعراض أخرى كالقلق والاكتئاب، اضطرابات مزاجية، جفاف الجلد والشعر، تعرق ليلي، أرق، جفاف المهبل.
۲) أعراض طويلة المدى:
وهي الأجدر بالعلاج لأنها تؤثر تأثيرا مباشرا وسلبيا على صحة المرأة وهي:
أ. تضاؤل كمية الكالسيوم في العظام وبالتالي الإصابة بمرض هشاشة العظام، وهنا ينصح بتناول أغذية ذات محتوى عال من الكالسيوم ليتم تحصيل من ۱۰۰۰ – ۱5۰۰ ملغم / اليوم، ومراجعة الطبيب لقياس الكثافة العظمية.
ب. الإصابة بأمراض القلب والشرايين : بسبب تضيق الشرايين الناتج عن قلة هرمون الاستروجين. لذا يجب مراقبة الوزن ليكون ضمن المعدل الطبيعي والانتباه الى الكولسترول وضغط الدم وذلك عن طريق التخفيف من تناول الملح، وتجنب تناول الأغذية عالية الدهون والكولسترول . والانتباه أيضا إلى مستوى السكر في الدم.
ج. خطر الإصابة بالسرطان: هناك امرأة من كل ثماني نساء تقريبا تصاب بسرطان الثدي كما أن سرطان الرحم هو الأكثر انتشارا بين النساء اللواتي تجاوزن سن الخمسين. لذا من الضروري إتباع حمية قليلة الدهن كثيرة الخضار والفاكهة، والقيام بالفحص الدوري وخصوصا للثديين.
وبشكل عام ولتجنب الأعراض السابقة قدر الإمكان ينصح بممارسة التمارين الرياضية، والتوقف عن التدخين وتجنب تناول الكحول.
وهناك عدة عوامل تؤثر على شدة الأعراض من امرأة لأخرى وعلى اختلاف وقت ظهورها ومن هذه العوامل النظام الغذائي الفقير بالعناصر الغذائية، وقلة الحركة وممارسة التمارين الرياضية والتعرض للضغوطات النفسية والعاطفية.
ان الكثير من النساء يلجأن للعلاج الهرموني التعويضي للتقليل من ظهور الأعراض سواء قصيرة المدى مثل التعرق الليلي، والوهج الحراري وجفاف المهبل أو طويلة المدى مثل ترقق العظام، وأمراض القلب والشرايين. الا ان هناك أعراضا جانبية لاستخدامه مثل زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي حيث تشير الدراسات التي أجريت على العلاج الهرموني حتى الآن إلى أن تعاطيه لمدة تزيد عن خمس سنوات قد يؤدي إلى تطور سرطان الثدي بنسبة واحد في كل ألف امرأة مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه المركبات في وقتنا الحاضر أكثر أمانا من تلك المستخدمة في الماضي.
الغذاء:
ان الغذاء الصحي يعطي نفس نتائج العلاج الهرموني وبدون آثار جانبية حيث أن الكثير من الأغذية والأعشاب لها تركيب مشابه للاستروجين المفرز من الجسم وهي أغذية تحتوي على الفايتواستروجينات ( مركبات لها تركيب مشابه للاستروجين المفرز من داخل الجسم وبالتالي ترفع مستوى الاستروجين في الجسم) كما أن تناول جرعات من بعض العناصر الغذائية التالية (تحت إشراف الطبيب تساعد كثيرا في التخفيف من الأعراض ومنها:
(1) فيتامين E : (الاحتياجات اليومية منه تصل الى ۱۲۰۰ وحدة دولية) يوجد في المكسرات، الدراق، الحبوب الكاملة، البروكلي، البرقوق المجفف، والسبانخ، والزيوت النباتية. حيث وجد أنه يعمل على التقليل من آثار التعرق الليلي والوهج الحراري والأرق والإجهاد وآلام الظهر.
(2) الكالسيوم: (الاحتياجات اليومية منه ۱۰۰۰ – ۱50۰ ملغم ) يوجد في منتجات الحليب والسمسم والخضراوات الورقية والبروكلي والبامية والسردين بعظامه، والدبس حيث يتم امتصاصه في الجسم بشكل قليل وطرحه في الفضلات بشكل كبير خلال هذه الفترة ونقصه يؤدي إلى حدوث الأرق والصداع والاكتئاب. ويعتبر فيتامين د (الموجود في صفار البيض، الحليب ومنتجاته، السردين والتونا) ومعدن المغنيسيوم الموجود في الحبوب الكاملة والخضراوات الورقية والمأكولات البحرية مهمة جدا للمساعدة في امتصاص الكالسيوم.
(3) فيتامين أ، ب، ج، الزنك، مهمة جدا للمحافظة على صحة الجلد.
فيتامين أ: موجود في الكبدة، البيض، الحليب ومنتجاته، زيت كبد – السمك.
فيتامين ب: موجود في السمك، البيض، الحليب، الحبوب الكاملة.
فيتامين ج موجود في الجوافة، الجريب فروت، البرتقال، الليمون، البندورة، الكيوي، الفراولة.
الزنك : موجود في حبوب القرع، بذور عباد الشمس، الفطر، البيض، الكبدة ، المأكولات البحرية.
نصائح تغذوية:
* تناول أغذية تحتوي على الفايتواستروجينات مثل فول الصويا، بذور الكتان، التفاح، الجزر، الفاصوليا الحمراء والخضراء، النخالة، بذور السمسم، البقوليات وكذلك الأغذية التي تحتوي على معدن البورون لما له من أثر في تحسين مستوى الاستروجين وهو في العنب، التمر، الدراق، فول الصويا، اللوز، البندق، العسل، الزبيب.
* تناول أغذية قليلة الدهن والبروتين ، والتركيز على الحبوب الكاملة والخضار والفاكهة والأغذية الغنية بالألياف.
* تجنب تناول السكر، الملح، الكحول.. القهوة والشاي والمشروبات الغازية، الشوكولاته، الأغذية المصنعة بكميات كبيرة.
* ممارسة التمارين الرياضية: وذلك عن طريق المشي من 3 – 5 مرات أسبوعية لمدة نصف ساعة بحيث ترفع ضربات القلب من ۷۰ إلى ۱۲۰ نبضة بالدقيقة لما له من أثر إيجابي على تقوية العظام حيث أن العظام مادة حية والكسل والجلوس الطويل يضعفها ويضعف العضلات حولها وهي مهمة أيضا للمحافظة على الوزن الطبيعي للجسم حيث أثبتت الدراسات أن التمارين الرياضية تؤدي إلى تقليل مدة الأعراض.
* تناول جرعات من الفيتامينات والمعادن (تحت إشراف الطبيب وعند الحاجة) حيث أشارت الدراسات إلى أن تناول هذه الجرعات الإضافية يؤدي إلى تقليل نسبة أمراض القلب، ضغط الدم، السكري.
* تجنب التدخين لما له من دور في انقطاع الدورة الشهرية مبكرا.
* إتباع نظام غذائي متوازن يحتوي على كل المجموعات الغذائية من کربوهیدرات، حليب ومنتجات، لحوم، خضار وفاكهة، القليل من الدهون والسكريات.
* زيارة الطبيب بشكل دوري لعمل فحوصات شاملة.
لذا، من الحكمة النظر إلى هذه المرحلة على أنها مرحلة النضج والحكمة، والإعداد المسبق لها من الناحية الصحية والتغذية واستقبالها بكل تفاؤل و أمل لأنها جزء طبيعي من مراحل الحياة.
د. رانية سمير الحلواني
اخصائية التغذية