بقلم: عِبَر عبدالكريم الموسى /
طالبة دكتوراة – أصول التربية / الجامعة الأردنية
تعتبر العولمة ظاهرة عالمية لنظام شمولي كامل تم فرضه على العالم بكل جوانبه السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والتربوية ، والاعلامية . نظام يتخطى حدود الدولة محليا بل وينطلق لأبعد من إقليميا إلى كوكبيا. وقد انقسمت الاتجاهات في دول العالم الثالث ما بين مسلم بهذا الواقع بكل تبعاته وأبعاده والتعامل معه كما هو، واتجاه آخر يرفض الانصياع والقبول ؛ باعتباره يزعزع أركانه الأساسية وهويته، أما الاتجاه التوفيقي الذي أدرك أن العولمة واقعا يجب التعامل معه شئنا أم أبينا هو الذي نادى بضرورة الموازنة ما بين الأصيل والمعاصر، القديم والحديث للتعامل مع هذه الظاهرة بتفكير فطن حذق وشحن كل الطاقات للاستفادة منها وتسخيرها لمصالحه دون المساس بعقيدته وتراثه الحضاري الأصيل وقيمه المجتمعية، خاصة وأننا نعيش في القرن الحادي والعشرين عصر الثورة التكنولوجية والانفجار المعرفي الذي اخترق الحدود المكانية والزمانية.
وأصبح لزاما الخروج من القوقعة ؛لأن العولمة ارتبطت بالكونية تبث رسائلها وإشاراتها عبر الأرض والفضاء في ظل إلغاء الفواصل بين المحلي والإقليمي والعالمي، وتزيد من التفاعل والتبادل والتعاون والتنافس بين الأفراد والجماعات والأمم ؛لأن العالم أصبح قرية كونية صغيرة. فلم يعد الانتماء للدولة محليا بل أصبح مفهوم المواطنة العالمية هو المتداول. وبناء على ذلك، يجب التمعن للاستفادة القصوى من إيجابيات العولمة وتوظيفها التوظيف الأمثل، ومحاولة تجنب سلبياتها بالوعي والإدراك بما يسهم في الانخراط بالعمل الحضاري والتنمية البشرية على المستويات الثلاثة “محليا، وإقليميا وعالميا” التي تم انصهارها في بوتقة العولمة؛ تلك العولمة الأمريكية الجذور والأصول التي لم يصل للعالم الثالث منها إلا النسخ المشوهة؛ وذلك على النحو التالي :
التعامل مع التكنولوجيا- الركيزة الأساسية للعولمة – بكل انفتاح وتواصل ضمن أخلاقيات الأمانة العلمية، والملكية الفكرية، والبحث العلمي، والعمل على تقليص الأمية الرقمية من خلال دورات تدريبية.
إعداد جيل يمتلك مهارات التفكير العليا، لأن الفكر هو الوسيلة لتطوير العقول وعلى وجه الخصوص عقول الناشئة، بتنمية التفكير الناقد، والإبداعي القادر على حل المشكلات بأسس علمية استراتيجية.
الأخذ بالمعاصرة المعولمة ولكن مع ضرورة الاهتمام بالتربية السليمة القويمة، التمسك بالقيم، الاعتزاز بالثقافة وطرح ما لا يوائمها جانبا.
عدم الانغلاق بل الانفتاح المتوازن، الوسطية والاعتدال، الأخذ والعطاء، التأثير والتأثرضمن إطار فكري جديد لعالم جديد ضمن معايير ومحددات.
تنمية الموارد البشرية، رأس المال الفكري الذي يشكل اقتصاد المعرفة، المعرفة – السلعة الأساسية في عصر العولمة بشقيها الصريحة والضمنية، التركيز على التطوير من خلال قيادة تشاركية، وتحقيق الأهداف ضمن فريق العمل الجمعي والمرونة في اتخاذ القرارات، وإطلاق الطاقات الفكرية والقوى الذهنية للأفراد والاستفادة القصوى من الكفاءات “العقول” داخل أوطانها وخارجها.
تشجيع حوار الحضارات وذلك بقبول الآخر، التسامح، التعايش السلمي وقبول التنوع الثقافي.
ترسيخ الديمقراطية والعدل والمساواة التي طالما تاقت لها شعوب العالم الثالث؛ ولكن بمفاهيمها الحقيقية التي نادت بها المنظمات الدولية التي تأسست في ظل العولمة.
الموازنة بين الماضي والحاضر للنهوض والولوج إلى المستقبل، عبر النهوض بقطاع التعليم وإيجاد تكافؤ الفرص للحصول على المعارف، وإعداد منهج متوازن بحيث يضم قيما إنسانية وعالمية بالتزامن مع المعارف العقلية والفكرية، مع التعليم والتدريب المستمرين لتحقيق التنمية المستدامة.
التعامل مع تحديات العولمة بعقلانية مستنيرة وفكر واع للحيلولة دون حضور القيم الاغترابية من ” قيم مادية مبتذلة، ونشر لثقافة الاستهلاك، وتسويق لإعلانات مزركشة، وتسليع للقيم والأفكار والمعاني” والتي تتعارض مع قيمنا العربية الاسلامية وتهدد مضامينها الإنسانية.
كبح الرغبات الفردية القائمة على الأنانية، التي جاءت بها العولمة الرأسمالية لتضعف الرابط الوطني والقومي وتفرز رابط الإنسان بالعالم اللاوطن، واللادولة، واللاأمة. واستبدالها ب”نحن” لتحقيق التماسك والتكاتف الاجتماعي.
الاستفادة القصوى من الاستثمارات في دول العالم الثالث، والتمازج التجاري الثقافي مع الدول والأعراق الأخرى، والمساهمة الحقيقية في إيجاد حلول لقضايا ومشكلات عالمية مثل التلوث البيئي.
إعمال العقل بأخذ ما يناسبنا من العولمة والابتعاد عما يمس ديننا وأخلاقنا وقيمنا وثقافتنا حتى نصبح أفرادا عالميين وليس معولمين. والالتزام بمنهج الفكر التربوي الإسلامي لأنه انتقائي اختياري.
الوعي بأن قوة العولمة بضعفنا، وبما تمليه من حيل دفاعية لتبرير أفعالنا وسلوكياتنا. والابتعاد عن تحجر الفكر وقبول فكر الآخر وسماع رأيه.
وأخلص بالقول بأن العولمة في أساسها اقتصادي، تبلورت وانتشرت في كافة النظم الأخرى السياسية والثقافية والاجتماعية والتربوية لأنها توجه بهيمنة أحادية في العالم تمثل القوة المسيطرة والموجهة وهي الولايات المتحدة الأمريكية؛ فهي المركز وجميع دول العالم تدور حولها. وأنه لا يوجد مفر من تجنب العولمة أو عدم التعامل معها، ولكن يتوجب علينا توظيفها التوظيف الأمثل لتحقيق مصالحنا و المضي قدما في ظل العالم الرقمي الذي نعيشه دون التخلي عن المرتكزات والمبادئ الجوهرية لتراثنا الأصيل ولثقافة مجتمعاتنا العريقة.