الكينوا محصول زراعي غذائي واعد

الكينوا محصول عالمي واعد بقيمته الغذائية

الدكتور سعود شهاب

يشكل مستقبل الأمن الغذائي تحدياً عالمياً، وفي هذا الإطار قامت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتسمية سنة 2013 السنة الدولية للكينوا، إذ يعد نبات الكينوا من أكثر المحاصيل الواعدة بقيمة إنتاجية وغذائية عالية من اجل إطعام سكان العالم في ظل التغير المناخي الحاد. ويعد الكينوا محصول متعدد الأغراض يزرع أساساً للحصول على حبوبه ذات القيمة الغذائية المرتفعة والغنية بالبروتين والعناصر الاساسية وتعد حبوبه خالية من الغلوتين. يتأقلم النبات مع مختلف البيئات فيمكن زراعته في المناطق ذات التربة الهامشية الفقيرة بمياه الامطار.

ينتمي محصول الكينوا Chenopodium quinoa Willd)) الى الفصيلة السرمقية (الرمرامية) Chenopodiaceae، وهو نبات عشبي حولي ذاتي التلقيح، تشكل جبال الانديز في أمريكا الجنوبية الموطن الأصلي له، حيث يزرع منذ اكثر من 5000 سنة في المنطقة المحيطة ببحيرة تيتيكاكا الواقعة ما بين البيرو وبوليفيا وتشيلي، إذ حظي بقداسة خاصة في حضارات الأنديز القديمة-الإنكا. وتعني كلمة كينوا في لغتهم بأم الحبوب، لأنها تشكل مصدر غذائهم الأساسي، ويبقى المحصول الغذائي الأهم لأحفادهم من الكيشوا والايمارا الذين يعيشون في المناطق الريفية. بدأ العالم في سبعينيات القرن الماضي يدرك مدى أهمية هذا النوع من الحبوب وخصائصه المميزة، فوصلت شهرته إلى باقي أنحاء العالم، وذلك لقيمته الغذائية المرتفعة، ولتمتع الكينوا بقدرة تحمل عالية تمكنه من النمو في الأماكن التي تعجز المحاصيل الأخرى عن النمو فيها.

وتفيد قاعدة البيانات الإحصائية لمنظمة التغذية والزراعة أن الإنتاج الإجمالي من الكينوا في البلدان المنتجة الرئيسة وهي بوليفيا والبيرو والأكوادور خلال 2016 قد بلغ 150 ألف طن، ومع ذلك فإن زراعة الكينوا أخذة بالانتشار، حيث باتت توجد الأن في أكثر من مئة دولة. ونظراُ لزيادة الطلب على محصول الكينوا، فأن الإنتاج االعالمي لهذا المحصول تضاعف عدة مرات في دول المنشأ خلال الفترة من 1970 إلى 2011 (الشكل 1).

الأهمية الغذائية للكينوا:

يؤمن الكينوا كمية كبيرة من الطاقة كما هو القمح والأرز والفاصولياء والذرة، وتتراوح نسبة الكربوهيدرات في الحبوب من 60 إلى 70%، كما ويعد مصدرا جيداً للبروتين إذ يتميز هذا النبات بأنه الوحيد تقريباً من بين النباتات الذي يحتوي على الأحماض الأمينية الأساسية التسعة Essential Amino Acids، حيث تتراوح نسبة البروتين فيه من 12.5 حتى 16.7 %، ومع قلة محتوى حبوبه من الغلوتين إذ تحتوي كمية أقل من 20 ملغ/كغ، لذا يعد خال من الغلوتين، وأن تناوله يساعد المرضى الذين يعانون من الاضطرابات الهضمية. أما قيم الأحماض الدهنية الموجودة في حبة الكينوا الخام والبالغة 6%، والنسبة السابقة تتكون من .18 % أوميغا 3 و 52.3 % من أوميغا 6 و 23 % من أوميغا 9 . وتساهم التغذية على الكينوا في السيطرة على نسبة السكر في الدم لغناه بالألياف التي تصل إلى 12% من المادة الجافة، إضافة إلى غناها بالمغنيزيوم والفوسفور والنحاس والمنغنيز والبوتاسيوم والكالسيوم والتي لها أهمية صحية في الحفاظ على مستويات ضغط الدم الطبيعي، بالإضافة لذلك فإنها غنية بالعناصر النادرة والفيتامينات الأساسية E , C ,B1,2,6 ، (جدول 1 ، 2).

أهم استعمالات الكينوا:

تستعمل أوراقه الخضراء الغنية بالمواد الغذائية كما السبانخ. وتطحن حبوب الكينوا ويصنع منها أنواع مختلفة من المعجنات والخبز، ويضاف مطحون الكينوا كمتمم غذائي إلى خلطات طحين القمح لزيادة قيمته الغذائية ورفع محتواه من الأحماض الأمينية الأساسية، وكذلك تطهى الحبوب وتضاف إلى الشوربات المحلية، كما وتدخل في مكونات السلطات بأنواعها، ولها استعمالات صناعية متعددة كما في الشكل 2.

الاحتياجات البيئية للكينوا:

يزرع محصول الكينوا من مستوى سطح البحر وحتى ارتفاعات تصل إلى 4500 م فوق سطح البحر، وهو يفضل النهار قصير إذ يتحمل تغيرات درجة الحرارة الكبيرة التي تتراوح بين -3 و 35 درجة مئوية، وتعد درجة الحرارة المثلى لنموه 20 درجة مئوية، ويمكن أن يعطي غلة بكمية قليلة من مياه الأمطار من 250 إلى 300 مم، ويعد محصول الكينوا حساس للحرارة في المرحلتين التاليتين من دورة حياته:
– مرحلة ما بعد الإنبات: تموت فيها النباتات إذا انخفضت درجة الحرارة دون الصفر، وذلك قبل ظهور الخمس ورقات.
– مرحلة الإزهار: تصبح الأزهار عقيمة ويقتل غبار القاح إذا تجاوزت درجة الحرارة 35 درجة مئوية وترافقت مع انخفاض في نسبة الرطوبة الجوية.
ولعل أكثر ما يميز الكينوا هو تعدد أصنافه التي تتحمل الظروف الصعبة فهو يتحمل الجفاف ويقاوم الملوحة، ويتأقلم مع التربة الرملية ويجود في التربة الخفيفة.

العمليات الزراعية لمحصول الكينوا:

تحضير الارض: فلاحة الأرض واعدادها بشكل جيد وتنعيمها لتصبح ملائمة لزراعة المحصول.
موعد الزراعة: الموعد الأنسب لزراعة الكينوا في سورية من 1 الى 15 شباط (نتائج أبحاث إدارة بحوث المحاصيل). وتتطلب االزراعة لكمية بذار من 5 الى 10 كغ للهكتار حسب طبيعة التربة وخصوبتها. وتزرع البذور على عمق من 1 إلى 3 سم، ويوضع في الجورة الواحدة من 4 إلى 5 بذور في بطن الخط (أو نثر داخل الخط كالقمح وهي الطريقة الأفضل) في الزراعة المروية والفاصل بين الخطوط 50 سم.

التسميد: احتياج الكينوا بشكل عام إلى 120 وحدة أزوت (تضاف على دفعتين بمقدار 50% لكل منهما، الأولى مع الزراعة والأخرى قبيل الإزهار) و50 وحدة فوسفور و50 وحدة بوتاس للهكتار في ظروف الزراعة في سورية (نتائج أبحاث إدارة بحوث الموارد الطبيعية).
التعشيب: يحتاج المحصول إلى عملية إزالة الأعشاب الضارة مرتين على الأقل، المرة الأولى بعد الإنبات بـ 12 يوماً (وتتم قبل عملية التفريد) والثانية بعد الإنبات بـ 25 يوماً وذلك حسب ظهور الأعشاب.

التفريد: تتم عملية التفريد بعد عملية إزالة الأعشاب الأولى، مع الإبقاء على نباتين في الجورة الواحدة، وفي الزراعة النثر داخل السطور أو الخطوط (كزراعة القمح) يتم الإبقاء على نباتين وبمسافات فاصلة تتوافق مع الكثافة النباتية المطلوبة.
الري: تختلف حاجة النبات للري باختلاف المناخ وفترة نموه، ولكونه يزرع كمحصول شتوي-ربيعي فإنها تحتاج إلى ري تكميلي (1-3 ريات)، حسب الظروف المناخية للمنطقة. ولكون الكينوا متحمل للجفاف قدر احتجاجه المائي بـ 2000 م3 للهكتار (نتائج إدارة بحوث الموارد الطبيعية).

الحشرات والأمراض: قد تتعرض النباتات في مراحلها الأولى (من 2 إلى 6 ورقات) ليرقات الأوراق (Noctuelles Night Moth) فتحدث بها ثقوب، بالإضافة إلى المن (Afhid)، ونطاط الأوراق (Leafhopper). أما الأمراض الأكثر شيوعاً فهي البياض الزغبي (Peronospor farinosa) والتبقع الورقي (Ascochyta Hyalospora).

الحصاد: يتحول النبات عند النضج إلى اللون الأصفر وتبدأ الأوراق بالتساقط، كما تزداد قساوة الحبوب. يمكن حصاد الكينوا ألياً بواسطة حصادة القمح مع إجراء تعديات على غرابيلها. أما في حال الحصاد اليدوي تكوم النورات في رزم لتجف تحت أشعة الشمس، ثم تفرط من خلال ضربها بعصي خشبية.


الإنتاجية: تتراوح إنتاجية الكينوا من 0.5 إلى 4 طن/هكتار، وعلى المستوى التجريبي وصلت الإنتاجية 3.6 طن/هكتار (نتائج إدارة بحوث المحاصيل). أما إنتاجية القش الذي يستعمل في تغذية الحيوانات تبلغ 10 طن/هكتار.

معاملات ما بعد الحصاد: تغربل حبوب الكينوا ويزال عنها مادة الصابونين ألياً بواسطة قشارة الحبوب، أو بالغسل بالماء، ثم تجفف وتخزن أو تطحن لتدخل في الصناعات الغذائية المختلفة. كما ان هناك آلات لفرز حبوب الكينوا حسب الحجم واللون. ويمكن تخزين الحبوب في أكياس بلاستيكية أو في صوامع معدنية لتجنب تعرضها للقوارض.

عن الدكتور سعود شهاب

دكتور باحث في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية

شاهد أيضاً

تحت رعاية سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للغذاء الأسبوع المقبل في أبوظبي

• عبد الوهاب زايد: يشهد معرض ابوظبي للتمور بدورته العاشرة مشاركة أكثر من 100 عارض …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *