هل الشرب والأكل واقفًا ضار بالصحة؟

انتشرت منذ سنوات آراء تربط بين العادات الغذائية اليومية، مثل الشرب أو الأكل واقفًا، ومجموعة من الأضرار الصحية التي قد تصل إلى اضطرابات الجهاز الهضمي وحتى مشكلات قلبية حادة.

وتستند هذه المعتقدات إلى تفسيرات فيزيولوجية وتشريحية، غالبًا ما تُنقل عبر مقالات شعبية أو ملاحظات إكلينيكية، دون تمحيص علمي كافٍ.

في هذا المقال، سنقوم بتحليل هذه الادعاءات علميًا استنادًا إلى الدراسات المنشورة في المجلات الطبية المحكمة، مع تقييم مدى صحتها، وتقديم توصيات مبنية على الأدلة العلمية.

 

الأكل والشرب أثناء الوقوف: استعراض للادعاءات

يشير البعض، إلى أن الشرب واقفًا يؤدي إلى تساقط السائل في قعر المعدة بقوة، مما قد يُحدث صدمة تؤدي إلى ارتخاء جدار المعدة بمرور الوقت، وهو ما قد يسبب عسر هضم.

كما يُحذّر البعض من انعكاسات عصبية مفاجئة عبر العصب المبهم (Vagus Nerve) قد تؤدي – وفقًا لأرائهم – إلى فقدان الوعي أو حتى الموت المفاجئ.

كذلك، يتم التحذير من تشنجات المريء أثناء الوقوف وصعوبة مرور الطعام، وما يرافق ذلك من آلام أو اضطرابات هضمية.

لكن هل هذه الادعاءات مدعومة علميًا؟ وهل هناك دليل طبي صريح على خطورة الشرب أو الأكل أثناء الوقوف؟

 

مراجعة الأدبيات الطبية

1- وظيفة المعدة ومعدل الهضم في وضعيات الجسم المختلفة

تشير دراسات في علم وظائف الأعضاء (Physiology) إلى أن عملية الهضم تتأثر بمجموعة من العوامل منها الحالة النفسية، ونوع الطعام، ووضعية الجسم. ومع ذلك، فإن تأثير وضعية الوقوف مقابل الجلوس على وظيفة المعدة لا يبدو كبيرًا من الناحية البيوكيميائية.

ففي دراسة أجرتها جامعة هارفارد ونشرتها مجلة Neurogastroenterology & Motility (2012)، لم يُظهر الشرب أو الأكل أثناء الوقوف أي تأثير كبير على حركية المعدة أو إفرازاتها عند الأشخاص الأصحاء، على الرغم من وجود اختلافات طفيفة في سرعة التفريغ المعدي.

📖 المرجع: Parkman HP, et al. (2012). Effects of body posture on gastric emptying in healthy individuals. Neurogastroenterology & Motility.

 

2- العصب المبهم وانعكاسات الشرب أو الأكل المفاجئ

العصب المبهم (Vagus nerve) مسؤول عن تنظيم عدد من الوظائف اللاإرادية في الجسم، بما في ذلك تنظيم نبضات القلب والهضم.

وفي حالات نادرة جدًا، قد يُؤدي تنبيه مفرط للعصب المبهم إلى انخفاض مفاجئ في ضغط الدم أو نبض القلب، فيما يعرف بالإغماء الوعائي المبهمي (Vasovagal syncope). لكن هذه الحالة لا ترتبط بوضعية الشرب أو الأكل بحد ذاتها، وإنما بمحفزات مثل الألم الحاد أو التوتر العصبي الشديد.

📖 المرجع: Freeman R, et al. (2011). Consensus statement on the definition of orthostatic hypotension and vasovagal syncope. Clinical Autonomic Research.

 

3- تأثير الوقوف على عضلات المريء والبلع

توجد إشارات إلى أن الوقوف قد يسهل مرور الطعام عبر المريء بسبب الجاذبية، لا العكس. إذ توضح دراسة نُشرت في مجلة Digestive Diseases and Sciences (2016) أن الأشخاص الذين يعانون من ارتجاع معدي مريئي (GERD) ينصحون بتناول الطعام في وضعية الجلوس أو الوقوف بعد الأكل، وليس الاستلقاء، لأن الجاذبية تساعد في تقليل ارتداد الحمض.

📖 المرجع: Fass R, et al. (2016). Body posture and esophageal motility: Implications for patients with GERD. Digestive Diseases and Sciences.

 

4- خطر الإصابة بقرحة المعدة

لا توجد أي دراسة سريرية أو تشريحية تدعم فرضية أن الشرب أو الأكل واقفًا يؤدي إلى تقرحات المعدة.

حيث ترتبط قرحة المعدة عادة بعوامل مثل الإصابة ببكتيريا Helicobacter pylori أو الإفراط في استخدام مضادات الالتهاب اللاستيرويدية، وليس بوضعية تناول الطعام.

📖 المرجع: Malfertheiner P, et al. (2017). Management of Helicobacter pylori infection—the Maastricht V/Florence Consensus Report. Gut.

 

اعتبارات نفسية وسلوكية

لا يمكن إغفال أهمية الراحة النفسية عند تناول الطعام، حيث تشير أبحاث في علم النفس الغذائي إلى أن تناول الطعام في بيئة هادئة وبتأنٍ يساعد على تحسين الهضم وتقليل الأكل المفرط.

لذلك، قد يكون تفضيل الجلوس نابعًا من عوامل سلوكية لا فيزيولوجية، مثل زيادة التركيز على الطعام، والشعور بالاسترخاء، مما يُعزز من عملية الهضم ويمنع الإفراط في الأكل.

 

📖 المرجع: Wansink B. (2010). Mindless Eating: Why We Eat More Than We Think. Cornell University.

الخلاصة والتوصيات

لا توجد أدلة علمية قوية تثبت أن الشرب أو الأكل واقفًا يسبب أضرارًا صحية مباشرة أو مزمنة للأشخاص الأصحاء.

الوضعية المثلى لتناول الطعام تعتمد على الراحة الشخصية والبيئة المحيطة. الجلوس قد يساهم في تحسين التركيز على الأكل وتقليل الإفراط، لكنه ليس شرطًا للصحة الجسدية.

لا علاقة مباشرة مثبتة بين الوقوف أثناء الأكل أو الشرب وبين الإصابة بالقرحة، أو الموت المفاجئ كما ورد في بعض المقالات غير العلمية.

توصية نهائية: من الأفضل تناول الطعام والشراب بهدوء وفي بيئة مريحة، سواء أثناء الجلوس أو الوقوف، مع تجنب العجلة والانفعال أثناء الأكل.

 

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

عادات يومية خطيرة تهدد صحتك .. تعرف على الأخطاء الشائعة وتجنبها

في حياتنا اليومية، نمارس دون وعي عددًا من العادات اليومية التي نظن أنها غير ضارة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *