اكتشف العلماء أخيرا علاقة طردية وطيدة بين الاكتئاب النفسي والعقم فقد تبين وجود ربط واضح بين هذين العاملين بعد أن تجاهل الأقدمون هذه العلاقة السنين طويلة بسبب غياب الدراسات العيادية حول هذا الموضوع.
كان اهتمام العلماء منصبا لفترة طويلة على جوانب وأسباب العقم الوظيفية والأسباب الناجمة عنها لدی الزوجة أو الزوج متجاهلين الأبعاد النفسية التي تشكل جانبا مهما في تكوين الإنسان بل قد تكون سببا رئيسيا من أسباب العقم.
وفي بعض الحالات تكون المشكلة عكسية إذ أن أي تأخير في الحمل قد يشكل ضغوطا نفسية من شأنها أن تتطور باتجاه بروز اكتئاب الأمر الذي يعكس مضاعفات أخرى على المريض.
وتلعب الضغوط الاجتماعية السائدة في المجتمعات المحافظة والمغلقة والتي تتمثل في إلحاح الأقرباء والأصدقاء على الزوجين وتساؤلاتهم المتكررة عن أسباب تأخير الحمل دورا في تعقيد الوضع النفسي لدى الزوجين.
وقد ثبت علميا أن للأمراض النفسية كالاكتئاب تأثيرات سلبية على وظيفة الغدد الصماء في الجسم المسؤولة عن هرمونات الاباضة وهرمونات تنشيط وإنتاج الحيوانات المنوية وخصوصا الغدة النخامية.
وللغدد الصماء الأخرى علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالغدد المسؤولة عن عمل المبيض وإنتاج الحيوانات المنوية. وقد يؤدي ذلك إلى ضعف في عملية الإباضة الشهرية لدى السيدات او إنتاج بويضات ضعيفة أو اختفاء الاباضة لفترات طويلة، ويحدث ضعف في إنتاج الحيوانات المنوية عند الرجل او أنها تتعرض لتشويهات أكثر مع بطء في الحركة.
وثمة سبب رئيسي أخر يدعو إلى الربط بين العقم والاكتئاب، اذ أن الاكتئاب والأعراض النفسية الأخرى قد تؤثر سلبا على صحة الحامل وخصوصا على آلية التصاق الجنين بجدار الرحم او الانزراع في بطانته.
وهذا الأمر يؤدي الى توقف نمو الجنين والإخفاق في الحمل، ولهذا نرى أن نسبة الحمل عند السيدات اللواتی يخضعن الى محاولة الحمل عن طريق طفل الأنبوب «التلقيح خارج الجسم» ومن يتمتعن بحالة نفسية جيدة ای بدون اي ضغوط اجتماعية او مادية هي اعلى من النسوة اللواتي يعانين من هذه المشكلات.
اما النساء اللواتي يعانين من التأخر في الحمل وعدم الإنجاب فقد يحدث لديهن او يواجهن مشكلات نفسية وحالات اكتئاب مثل اللواتي يعانين من أورام خبيثة او مرضى قصور المناعة المكتسبة «الإيدز» أو اللواتی يعانين من أمراض القلب والشرايين بحسب دراسة أجريت في بوسطن.
واستنادا على نتائج هذه الدراسة، تبين أن حوالي 30% من السيدات اللواتي يعانين من العقم لديهن حالات متفاوتة من الاكتئاب النفسي وان حوالي 11% قد يتعرضن لفترات اكتئاب شديدة في حين أن بين 1% و 2% قد يصل بهن الامر الى طلب المساعدة من الأطباء النفسيين.
وبالرجوع الى الدراسات والأبحاث المنشورة في الحقول الطبية والعلمية التي تبحث في هذا المجال، تبين ان ثمة الكثير منها في شتى دول العالم وبلغات عديدة، ومن أشهر الدراسات حول موضوع العقم والاكتئاب تلك الدراسة الحديثة التي قامت بها الدكتورة «اليس دوماز» من مركز الأبحاث التابع للمركز الطبي في بوسطن «ماستشوسست» والتي شملت سيدات بمتوسط عمر يبلغ 35 عاما ويعانين من عقم استمر أكثر من ثلاث سنوات.
أما طرق العلاج فهي عديدة، وتكمن في اغلب الأحيان في المعالجة الذاتية للتغلب على الاكتئاب واستشارة الأطباء عند تفاقم الأمر إلى حد يصعب فيه السيطرة على الوضع، وللمعالجين النفسيين الدور الأكبر في الإرشاد إلى طرق المعالجة الذاتية، ومن أشهر هذه الطرق تلك المنشورة في دراسة د. دوماز. فقد نجحت حوالي 38% من النساء اللواتي خضعن للدراسة والمعالجة في الحمل وأنجبن أطفالا أصحاء، وتتمثل طرق المعالجة بالاسترخاء العضلى لعدة ساعات أسبوعيا والتنفس العميق المركز ورياضة اليوغا وبعض نصائح التغذية السليمة والتمارين الرياضية المنزلية.
وهكذا نرى أن النساء والأزواج الذين يعانون من عدم او تأخر الإنجاب يستطيعون من خلال تعلم كيفية التعامل مع البعد النفسي وتفادي تأثيراته السلبية أن ينجحوا في حصول حمل بالطرق الكلاسيكية او طرق المساعدة على الحمل او عن طريق طفل الأنبوب الاخصاب خارج الجسم.
ومن خلال هذا المنظور نود ان نذكر بالعامل الاجتماعي والضغوط العائلية على الأزواج الذين يعانون من تأخر الحمل الامر الذي يشكل عبئا كبيرا على هؤلاء الذين هم اصلا قد يعانون من حالات اكتئاب يائسة.
وفي دراسة اخرى تم بحثها وتقديمها في المؤتمر الأميركي للإخصاب في سنسيناتي في الولايات المتحدة عام 1997، تبين أن حوالي 60% من اصل 174 امرأة خضعن للدراسة استطعن التغلب على مشكلاتهن وحصول الحمل لديهن وذلك بعد إنهاء دروس التخلص من الاكتئاب من خلال دورة استمرت عشرة أسابيع وذلك بالمقارنة فقط مع 24% ممن خضعن لنفس الدروس ولم يكن يعانين اصلا من الاكتئاب.
لذلك سيدتي اذا كنت تسعين الى الحمل وتشعرين بالإرهاق النفسي والاكتئاب حاولي التخلص من هذا العارض لأنه يعيق الحمل لديك، ، ويمكن تجاوز هذا العائق من خلال التمارين الرياضية والابتعاد عن الضغوط الاجتماعية، وبادري بالاتصال بطبيبك او اختصاصي الأمراض النسائية والتوليد أو اختصاصي العقم واستشيريه عن حالتك.
د. سليمان ضبيط
اختصاصي الأمراض النسائية والتوليد والعقم