ما الذي يجعل المدرسة جيدة؟

يدفعنا عدم الرضا عن أداء مدارسنا إلى العودة الى موضوع الإصلاح التربوي، وأن اطفالنا مستعدون للتعلم عند التحاقهم بالمدرسة وآمنة وغير عنيفة، أما النية الثانوية وراء ذلك فإخضاع المعلمين والمعلمات والإداريين للمساءلة، اذن فالهدف كان ولا يزال هو النمذجة والمعايرة، وبحيث يمكن معرفة المدرسة الناجحة من الفاشلة وربط العلاوات والعقوبات «الثواب والعقاب» بالأداء.

ولأنه لا توجد في اميركا دون بلدان العالم أجمع وزارة قومية للتربية والتعليم فقد رست المسؤولية عنهما على الولايات، ونتيجة لذلك صار لدينا خمسون دائرة للتربية والتعليم تخدم نحو اثنين وخمسين مليون تلميذ موزعين على أكثر من مائة ألف مدرسة.

ونظرا للتعقيد الكبير في التعليم في أميركا فان الوضع التربوي يبدو للمشاهد فوضويا وغير معقول، إذ أن عددا غير قليل من الناس في أميركا يرى أن لدينا مشكلة تربوية قومية وأنها بحاجة لعلاج قوي، من مثل ضرورة استخدام إجراءات مقننة كجزء من الحل لتحسين التعليم.

أن التقنيين كمفهوم له جوانب عدة:

اولا: انه يقوم على وضع مواصفات واضحة للنتاجات التربوية المرغوب فيها، أي التي من المفروض في المعايير والمقاييس تحديدها، ولتبرير ذلك يقولون، اذا لم تكن تدرك إلى اين انت ذاهب، فلن تعرف این وصلت، وهكذا تصبح النتاجات المرغوب فيها الممارسات الرئيسة في عملية تقنين جهود الإصلاح التربوي.

ثانيا: يستخدم التقنين عادة القياس الكمي كوسيلة يتم من خلالها تقييم نوعية النتاج او الأداء وعرضه، واساس ذلك عند المنادين به أن الكميوة «من الكمية» تزيد من الموضوعية والدقة في التقييم، وانه لا يستغني عنها لوصف بعض جوانب العالم بما في ذلك عالم التربية والتعليم، لكن الكميوة لا تصلح لكل شيء، ان نقد المربين لها باضطراد.

ثالثا: يقوم تقنين الممارسة على القدرة على الضبط والتنبؤ، لكن التقنين يقلل من قيمة التفاعلات بما في ذلك قيمة الصفات الشخصية والتوقعات، او التوجهات والأفكار والأمزجة، التي تتفاعل في إطار الظروف الصفية والمدرسية.

رابعا: يساعد التقنين على إجراء المقارنات وتتطلب المقارنة ما يسمى بالقابلية للقياس، والقابلية للقياس ممكنة اذا عرفت البرامج والمناهج المدرسية في المدارس المقارنة، فاذا كان التلاميذ والتلميذات في مدارس مختلفة البرامج والمناهج والاوقات المخصصة لكل منها، تصبح المقارنة غير ممكنة او غير عادلة: فالمقارنة بين اداء اطفال اليابان في الرياضيات واطفال اميركا فيها، دون اخذ الفروق الثقافية وفروق الاوقات المخصصة لتقيمها، وفروق اساليب التعليم، بالاعتبار يجعل المقارنة مستحيلة وينطبق هذا المبدأ على مقارنة أداء التلاميذ في مديريات التربية والتعليم المختلفة داخل الولاية الواحدة.

خامسا: يعتمد التقنين على حوافز خارجية اكثر منها داخلية او ذاتية، فالتعليم بالوصل (Voucher) يعامل المدارس بزنسيا، وحسب مبدأ البقاء للأصلح، اذا لم تكن نتائج المدرسة جيدة في الامتحانات فانها يجب ان تخرج من البزنس ففي كاليفورنيا ومناطق اخرى في البلاد تدفع اكراميات لمديري التعليم والمدارس اذا كانت نتائج تلاميذهم جيدة في الامتحانات العامة أو الموحدة «الممعيرة Standards» حسب قاعدة الادارة «الدفع» بالنتائج. ان لنظام الجوائز آثارا على اولويات المدرسة: هل العلامات في الامتحان هي المعيار الذي ينبغي استخدامه لمكافأة الأداء الوظيفي.

لقد وصلت الينا الملامح التي ذكرت من تراث عصر التنوير، الذي جعلنا نعتقد أن العقل يمكن أن يستخدم لاكتشاف سنن الكون، واننا بمجرد اكتشافها نستطيع وضع أفضل نظام فكانت النتيجة تبنينا لمنحى اصلاحي لا يترك لنا المجال للتعامل مع المفاجأة والخيال والاستنباط والخصوصية.

لكن ما أبعاد هذا المنحى في الإصلاح وما الذي يجب علينا الانتباه إليه لنقول ان مدرسة ما جيدة؟

اولا: تضييق المناهج باستمرار وبحيث ان ما يتم الامتحان به هو الذي يعلم او يتعلم، عندئذ تصبح الامتحانات هي التي تحدد الأولويات لقد اضفينا الشرعية على هذه الاولويات بحديثنا عن المواد الأساسية، مما همش بقية الموضوعات «كالفنون» .

وبما أن العاملين في التربية والتعليم يحملون علامات الامتحان العام «المقنن» محمل الجد فانهم يعززون رأي الناس ان علامات الامتحان تعبر عن نوعية التعليم الذي تقدمه المدرسة، مع ان أفضل ما تتنبأ علامات الامتحانات به هو علامات امتحانات أخرى.

إذا أردنا استخدام المقارنات التي تتنبأ بالصدق والثبات فإننا نحتاج إلى مقارنات قادرة على التنبؤ بالاداءات ذات القيمة خارج المدرسة، فوظيفة المدرسة او التعليم ليس تمكين التلاميذ من النجاح في المدرسة فقط، بل تمكينهم من النجاح في الحياة أيضا، ينبغي إذن أن يتجاوز ما يتعلمه التلاميذ في المدرسة حدود البرنامج المدرسي.

وكلما ركزنا على المعايير والمقاييس نسينا او أهملنا المشكلات المدرسية العميقة، من مثل: نوعية المحادثة او المناقشة في الصف، يجب علينا توفير فرص للصغار والفتيان للانغماس في أنواع متحدية من المناقشة، ويجب أن نعلمهم كيف يقومون بذلك، ان المناقشة نادرة الوقوع في المدارس مع أنها شأن عقلي، ان لها علاقة بالتفكير فيما يقوله الناس والاستجابة له بتأمل وتحليل وخيال، إن ممارسة النقاش في المدارس فن مفقود ، فتوزیع اربعين دقيقة على أربعين طالب يعني دقيقة لكل منهم فما بالك اذا استأثر المعلم بمعظم الوقت.

اما المشكلة العميقة الأخرى في المدرسة فهي عزلة المعلم، فالمعلمون لا يستطيعون الوصول الى الناس الآخرين الذي يعرفون ما يعملون، الناس الذين يمكن ان يساعدوهم في تحسين التعليم.

هناك مشكلات كثيرة أخرى ولكننا نبحث عن رصاصة الرحمة معتقدين انها توجد في المعايير والمقاييس او الامتحانات العامة فتصبح رسالتنا الى التلاميذ ان ما يهم هو علامتهم في الامتحان.

ونتيجة لذلك يبتكر التلاميذ والمعلمون طرقا للنجاح في الامتحانات بأقل تعلیم وتعلم، مثل الغش ومساعدة المعلمين المراقبين للامتحان التلاميذ الذين يقدمونه ليحصلوا على علامات أعلى، انه ضغط يحط من نوع الخبرة التي ينبغي اكتساب الطلبة لها من المدرسة.

لعل الأبعاد الرئيسة لمنحى تقنين التعليم بالامتحانات يلون مناخ المدرسة لا محالة، انه يروج للتوجه نحو السعي لأهداف خارجية ذات قيمة كمية، وبدوره يؤدي إلى اهتمام التلاميذ بتعلم ما يرفع علاماتهم وكسب تقدير معين، وحتى في جامعة ستانفورد يضغط على الطلبة لتحديد المطلوب منهم بالضبط للحصول على تقدير «أ» في المادة، مما قد لا يكون له أي صلة بالحياة العقلية او الثقافية القائمة على المجازفة، والاكتشاف واللايقين والتأمل .. عندما نخلق ثقافة مدرسية تقوم على الترويج التوجه ضيق بين الوسيلة والغاية، فان مثل هذه الثقافة تعيق تطوير الخطاب الثقافي بمعنى الانغماس في حب الاستطلاع والاهتمام بالأفكار المتحدية.

ويطلبون منك . دائما . البديل وربما لا يوجد . لحسن الحظ بديل كفي او فاعل لان التقييم المفيد تربويا يحتاج إلى وقت، انه عمل معقد وكثيف العمالة (Labor Intensive) وبارع وبخاصة اذا لم يستخدم التقييم لتدريج التلاميذ أو اليافعين، بل لتوفير المعلومات لتحسين عملية التعليم والتعلم.

إن الثمن الذي يدفعه المرء لتوفير طرق عديدة للتلاميذ للتعبير عما تعلموه يعني اختزال القياس، آن القياس يتناقص عندما نزيد من انتباهنا لكل تلميذ، والقياس او المقارنة في الفن بغيضة لأن «تقدير» الفن يتطلب تقدير ميزاته الفريدة.

وفي سعينا لتحسين المدرسة جعلنا التعليم كارثة او مصيبة بمعنى أننا عبر عملية التقنين جعلنا التربية المرهفة واللطيفة والمعقدة الناقلة للثقافة والمحققة للذات مجرد سلعة، لقد تحولت التربية من تنمية إنسانية تلبی الحاجات الشخصية والمدنية الى منتج للمنافسة به في السوق الاقتصادي العالمي، كما أصبحت المدرسة أمكنة أو مصانع للإنتاجه بالجملة.

دعونا نفترض اننا علقنا تقديم الامتحانات العامة او الموحدة «المقننة» لمدة خمس سنوات فما الذي نركز عليه في المدرسة لنقول انها جيدة؟ اذا لم يكن هدفنا العلامات العالية في الامتحان فما الشيء الذي نهتم به في المدرسة ونركز عليه؟ وما نوع المشكلات والانشطة التي ينشغل فيها التلاميذ؟ وما نوع التفكير الذي تستدعيه هذه الأنشطة؟ هل نشجع التلاميذ على حب الاستطلاع وطرح الأسئلة حول ما درسوه؟ ربما نجد انه يجب علينا ان لا نهتم أكثر بإجابتهم من اهتمامنا بطرحهم لها، أن اهم انجاز عقلي لا يكون بحل المشكلات فقط بل في طرح الاسئلة ايضا او اولا.

ماذا اذا جعلنا هذه الفكرة جدية ووضعنا وحدات دراسية تقوم على تقصي أشكال الأسئلة التي يمكن للصف طرحها نتيجة غمسهم في موضوع معين؟ ماذا يمكن أن تعلم مثل هذه الممارسة الصغار عن الاستقصاء؟ ما الدلالة العقلية للأفكار التي يواجهها الصغار؟

«لدي قول اعمل بموجبه: اذا لم يستحق امر ما التعلم، فانه لا يستحق تعليمه جيدا» هل الأفكار التي يواجهون مهمة؟ هل لها أرجل؟ وهل تصل بهم الى اي مكان؟ وهل يتم تعريض التلاميذ بمنظورات «او رؤی» مختلفة للشيء الواحد؟ إن اثر التساؤلات او ابعادها على تطوير المناهج رائعة بل استثنائية ولتكوين مثل هذه القدرة او / و العادة العقلية نحتاج لاختراع انشطة تشجع التلاميذ على ممارسة صيغ من الفكر وتطويرها وتنقيتها، ومن ذلك اعتماد منهج المنظورات او المشاهد المتعددة بدراسة الموضوع الواحد او رؤيته من عدة زوايا.

لقد طور عالم النفس الأميركي ج . ب جيلفورد سنة 1950 ما سماه «بنية العقل أو الفكر» The Structure Of Intellect حدد فيه مائة وثلاثين نوعا من العمليات العقلية، فماذا لو استخدمنا هذه البنية لتشجيع مختلف أنواع التفكير، إنني اقصد ان أقول أن الأنشطة التي يشارك فيها الصغار هي الوسائل التي يجري من خلالها ترقية تفكيرهم، فعندما لا يكون لدى الأطفال سبب لطرح الأسئلة، لا تتطور العمليات التي تساعدهم على تعلم كيفية اكتشاف المسائل العقلية.

إن القدرة على طرح الأسئلة المعبرة ليست نتيجة تلقائية للنضج، هل تعرف ما المشكلة الكبرى التي يواجهها طلبة الدكتوراة في جامعة ستانفورد؟ انها ليست الحصول على درجات جيدة في المساقات فكلهم يحصلون عليها، إن اكبر عقبة يواجهونها تتمثل في تحديد مشكلة رسالة الدكتوراه، ولكننا نستطيع مساعدتهم في ذلك قبل وصولهم الى مرحلة الدكتوراه، والمدرسة الجيدة هي التي توفر لتلاميذها هذا النوع من التفكير المنتج للأسئلة الجيدة.

ما الاتصال او الارتباط التي تساعد المدرسة فيه تلاميذها بين ما يدرسون في الصف والعالم خارج المدرسة؟ ان لأحد الأهداف الرئيسة للتربية علاقة بما يشير اليه علماء النفس وهو انتقال التعلم، فهل يستطيع التلاميذ تطبيق ما تعلموه او ما تعلموا كيف تعلموه؟ وهل ينغمسون في ذلك النوع من التعلم اللازم للتعامل مع المشكلات والقضايا خارج المدرسة؟ اذا كان ما يتعلمه التلاميذ مجرد وسيلة لرفع علاماتهم في الامتحان التالي فاننا نكون كمن يكسب المعركة ويخسر الحرب، ففي هذه الحالة يصبح التعلم المدرسي عائقا نتجاوزه او حاجزا نقفز عنه يجب أن نقرر فيما إذا كان التلاميذ يستخدمون ما يتعلمونه او لا، وحتى اذا كانوا قادرين على استخدام ما تعلموه فان ذلك ليس مؤشرا على أنه يستخدم. هناك فرق بين ما يستطيع التلميذ عمله وما سيعمله.

إن المتغيرات التابعة المهمة بالفعل في التربية والتعليم غير موجودة في غرف الصفوف والمدرسة، انها موجودة خارج المدرسة، وان ممارساتنا في التقييم لم تخدش قشرتها بعد، ان المقياس الحقيقي للانجاز التربوي هو تطبيق التلاميذ لما تعلموه، وعندما يستطيعون العمل به عندها يرغبون في ذلك.

ما الفرص التي توفرها المدرسة للصغار ليصبحوا ماهرين في استخدام مختلف إشكال العرض او التعبير؟ واعني بذلك مختلف نظم الرموز التي يشكل البشر من خلالها الخبرة ويعطون المعنى، فأنواع المعاني التي يحصل عليها المرء من الشعر لیست انواع المعاني التي يحصل عليها من النثر او الرموز او الاشارات الافتراضية، وانواع المعاني التي يعبر عنها بالموسيقى ليست كأنواع المعاني التي يعبر عنها بالفنون البصرية. لمعرفة معاني هذه التعبيرات يجب ان نعرف كيفية قراءتها، إنها عمليات نفسر بها معنى المادة التي نعرض ونبنيه، فقراءة النص ليست عملية لازالة او فك شفرته فقط بل عملية لترميزه «تشفيره» ايضا.

ما الفرص المتاحة للتلاميذ لصياغة أهدافهم وتصميم طرق لبلوغها؟ هل توفر المدرسة للصغار الظروف الملائمة المتدرجة مع عملية النضج، وبحيث تزداد الفرص لصياغة اهدافهم وتصميم طرق لبلوغها؛ لقد عرف افلاطون العبد مرة فقال: انه الشخص الذي ينفذ اهداف شخص آخر. يجب مساعدة الصغار لتعلم كيف يحددون أهدافهم.

وهل توفر المدرسة فرصا للتلاميذ للعمل لمعالجة المشكلات التي يعتقدون أنها مهمة؟ وهل نستطيع تصميم مدارس بحيث ننشئ مجتمعات من المتعلمين الذين يعرفون كيف يعملون مع بعضهم البعض؟ وهل نستطيع تصمیم مدارس وغرف صفوف بحيث يكون التعاون فيها جزءا مما تعنيه كلمة تلميذ؟.

وهل توجد في المدرسة فرصة للتلاميذ لخدمة المجتمع بطرق غير مقصورة على اهتماماتهم الشخصية فقط؟ وهل تساعد التلاميذ على اقامة مشروعات تخرج عن نطاق اهتمامهم الذاتي؟ انني بحاجة لمعرفة ذلك لاعرف فيما اذا كانت المدرسة جيدة أم لا؟

الى أي مدى او درجة يعطى التلاميذ الفرصة للتعمق في حقول ذات علاقة بقابليتهم او اهتماماتهم؟ وهل تم صقلها؟ وهل ننظم الوقت بحيث يتوزع الطلبة على أساس الاهتمام والرغبة لا على اساس السن؟

لجعل هذه الإمكانيات واقعا لا بد من معالجة مشکلات توزيع الوقت والمسؤوليات، اننا بدون معرفة المهم لن نطرح أسئلة عن توزيع الوقت، يجب أولا معرفة ما هو مهم تربويا لنتمكن من ذلك.

هل يشارك التلاميذ في تقييم أعمالهم؟ اذا كان الأمر كذلك فكيف يشاركون؟ انه لمن الأهمية بمكان للمعلمين فهم ما يفكر فيه تلاميذهم تجاه أعمالهم، فهل نستطيع تصميم ممارسات تقييمية يتاح للتلاميذ فيها مساعدتنا؟

الى أي مدى ينغمس التلاميذ في الأعمال التي يقومون بها في المدرسة؟ هل يشعرون بالرضا عن الرحلة العقلية؟ کم تلميذ يأتي إلى المدرسة مبكرا وكم تلميذ يفضل لو يأتي متأخرا او لايأتي ابدا؟ ان للدوافع القائمة وراء مثل هذه الاختيارات علاقة بالرضا، فالرضا ينتج أسبابا لعمل شيء ما.

يوجد . أساسا . ثلاثة أسباب «عند الإنسان الحر» لعمل اي شيء.

الأول: حبه ذاتيا أي من الداخل كما في حالة اللعب والحب والأنشطة الفنية.
الثاني: لا تعمله لأنك تحبه بل حبا في نتائجه، فقد تحب المطبخ النظيف ولكنك قد لا تستمتع بتنظيفه. العملية هنا ليست مصدر المتعة بل النتيجة.
الثالث: تعمله ليس لأنك تحب العملية او النتيجة بل حبا في الجوائز فأنت تحب العلامات العالية التي تحصل عليها والشيك الذي تستلم وهو ما وصفه «البعض» بالعمل (Labour) يوجد في المدارس عمل اكثر من اللازم وشغل (Work) أقل. الشغل جيد لأننا نستمد منه الرضا، يجب علينا الانتباه الى متعة الرحلة، من السهل قول ذلك ولكن من الصعوبة والتحدي فعله، ومع ذلك يجب ابقاء عقولنا مركزة على هذا الهدف.

هل يعطي المعلمون والمعلمات الوقت للعمل مع بعضهم البعض؟ إلى أي مدى يأخذ الخطاب المهني اهمية عند المعلمين والمعلمات؟ وهل المدرسة المصدر او المركز الذي يطورهم؟ أي هل المدرسة مركزا لتربية «اعداد» المعلمين والمعلمات أم لا؟

الجامعة ليست مركزا لإعداد المعلمين والمعلمات، انه المدرسة التي يعمل فيها المعلمون والمعلمات، يجب ترقية النمو المهني للمعلمين والمعلمات طيلة الخمس والعشرين سنة او اكثر التي يعمل فيها المعلم في المدرسة وليس في السنة «او السنتين التي يقضيها في الجامعة في برنامج إعداد المعلمين والمعلمات، فهل نقيم مدارس تحمل التنمية المهنية محمل الجد، كيف ستبدو ويكون شكلها؟ لن تكون المدارس افضل لتلاميذها منها لمعلميها ومعلماتها الذين يعملون فيها.

تتكون بمرور الزمن ذخيرة عند جميع المعلمين والمعلمات فلكل منهم روتينه وكل منهم يدبر حاله دون مشکلات جدية، ولكن ذلك لا يكفي يجب ان يكون المعلمون والمعلمات في حالة أفضل، ولن يكونوا كذلك اذا لم تهتم المدرسة «الوزارة» بحاجاتهم الحقيقية، ولكنني لا اعني بذلك ارسالهم بعيدا ليؤهلهم غريب.


هل تساعد المدرسة الوالدين في فهم ما ينجزه طفلهما فيها؟ وهل يأتي الولدان إلى المدرسة لفهم المضمون التربوي لما يتم فيها؟ تعرض المدرسة أفضل أعمال التلاميذ وتشيد بها، لكن ما تحتاج إلى إقامته معرض تفسيري يشرح للمشاهدين المشكلات التي يخاطبها التلاميذ وكيف حلوها، وذلك يكون بالمقارنة بين أعمال الواحد منهم بين وقت وآخر، إنني أدعو إلى التركيز على العملية التي أدت إلى النتائج لا على الدرجة او العلامة المدرسية.

والخلاصة: يجب علينا توفير بيئات مدرسية تمكن كل طفل من أن يكون له مكان تحت شمس التربية والتعليم لقد ركزنا في اثناء ركضنا وراء المعايير التربوية على النتاجات المماثلة لجميع التلاميذ، لكن المدارس الجيدة تزيد من التنوع وترفع الوسط غير انه يبدو أن تركيز المجتمع على الامتحانات العامة أو الموحدة «المقننة» والتماثل بين التلاميذ في التعلم، ناجمان عن الحاجة إلى وجود خاسرين من اجل ان يكون هناك ناجحون، أن جزءا من ضغطنا لمزيد من المعيرة والامتحانية له علاقة بما هو متأصل في نظامنا المدرسي المبني على الصفوف العمرية التي تفترض ان التلاميذ يتشابهون بمرور الوقت اكثر مما يختلفون، وانه يجب علينا تبعا لذلك تعليمهم هذا الأساس.

د حسني عايش

مصدر الصورة
pixabay.com

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

ديوان “همس مسموع ” بين التأمل العميق والتعبير الإنساني

ديوان “همس مسموع” للأديبة الأردنية حياة صالح دراغمة يتضمن مجموعة من القصائد النثرية التي تتميز …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *