دور الإعلام في رياضة المعاقين.. الواقع والمثال

– الاهتمام بقضية المعاقين ليس ترفاً إعلامياً، بل هو واجب وطني وإنساني تُمليه مصالح الوطن وحاجات المعاقين وحقوقهم
– الإعلام العربي يتحدث عن المعاقين من زاويتين، إمّا البطل الخارق أو الشخص المسكين الذي يجب أن يثير الشفقة!
– دور وسائل الإعلام هو تقديم نماذج عن قدرة الإنسان العظيمة على تحدي إعاقته وتحقيق النجاح رغم الصعوبات
وقد بدأ الاهتمام بهذا النوع من الرياضة في منتصف الأربعينات من القرن الماضي، وبالتحديد أيام الحرب العالمية الثانية، حيث عرف العالم مصطلح “رياضة ذوي الاحتياجات الخاصة”، وذلك عندما جاء الدكتور لوديج جوثمان إلى المركز الخاص بجرحى العمود الفقري في مستشفى (ستوك ماندفيل) بإنجلترا، حيث كان المقعدون يعيشون في عزلة تامة عن العالم ويقضون حياة ساكنة وخاملة، يتجرعون ذكريات الماضي وآلام الحاضر، وبالتالي يفقدون ثقتهم بأنفسهم، وبكل شيء يحيط بهم.
وكان الدكتور جوثمان من مؤيدي الفكرة القائلة بأن باستطاعة الرياضة أن تساعد أصحاب العاهات على استعادة توازنهم الجسدي والمعنوي، وأن تحقق لهم اتصالاً أفضل بالمجتمع، كما تنمي قدراتهم البدنية والعقلية، وأن هدف ألعاب المعاقين سواء الرجال أو النساء، أن تحفز وتدفع لديهم الأمل والإلهام، فالمعاق يستمد رؤيته لذاته من خلال رؤية الآخرين له.
وقام الدكتور جوثمان بتطبيق هذه الفكرة منذ عام 1948، عندما أقيمت أول دورة لألعاب ذوي الاحتياجات الخاصة في (ستوك ماندفيل)، حيث اقتصرت في البداية على الرماية بالقوس، واشترك فيها المحاربون القدماء في الجيش البريطاني وكان عددهم 18 مُقعداً بينهم سيدتان، وذلك في اليوم نفسه لافتتاح الدورة الأولمبية التي أقيمت في لندن، والتي افتتحها الملك جورج السادس.
ومازالت دورة ألعاب (ستوك ماندفيل) تقام كل عام، فضلاً عن العديد من المسابقات الخاصة بالمعاقين حول العالم.. غير أن هذه المسابقات لا تحظى بالاهتمام نفسه الذي تحظى به رياضات الأسوياء، ولطالما لعب الإعلام دوراً بارزاً في الترويج لفكرة أو قضية ما، والتوعية بأهميتها، ومن هذا المنطلق لابدّ من استثمار الطاقات الإعلامية في مختلف وسائل الإعلام للتوعية بطبيعة رياضة المعاقين، على النحو ذاته الذي يتم فيه الاهتمام برياضات الأسوياء.

نماذج إنسانية فذّة

لا جدال أنّ الإعلام قادر على إثارة شغف الناس برياضة ما وحجبهم عن أخرى، وهذا نراه جليّاً حين يتعلّق الأمر برياضة كرة القدم التي تحظى بأوسع شعبية بين جميع الرياضات في العالم.

غير أن الإعلام العربي يتحدث عن المعاقين من زاويتين، إمّا البطل الخارق أو الشخص المسكين الذي يجب أن يثير الشفقة، حتى أنّ أيّاً من وسائل الإعلام لم تتفق على تسمية للشخص “المعاق”، فتارةً يتحدثون عن “ذوي الاحتياجات الخاصة” وفي أحيانٍ أخرى عن “ذوي التحديات الخاصة” وفي مرةٍ ثالثة يطرحون صيغة “ذوي المحدوديات”، كما أن المساحة التي تحتلها أخبار ذوي الاحتياجات الخاصة مساحة ضيّقة، وعادةً ما تكون في الصفحات الداخلية، لا تستخدم الصور في بعض الأخبار، وكأنّ الشخص المتحدث عنه، خيالٌ لا حقيقة!
ولهذا ينبغي توطيد العلاقة بين الجمعيات الداعمة لذوي الاحتياجات الخاصة وبين المسؤولين في وسائل الإعلام، وضرورة تغيير الأفكار النمطية السائدة لدى بعض الصحفيين والمراسلين.

وفي هذا الصدد لابدّ أن تقوم الجهات التي تُعنى برياضة ذوي الاحتياجات الخاصة، بإطلاع الصحافة على نشاطاتها، والمبادرة إلى إرسال مواد تُسهم في تغيير نظرة المجتمع نحو ذوي الاحتياجات الخاصة، على أساس أن رياضات المعاقين لا تقلّ أهمية عن رياضات الأسوياء، بل إنّها تقدّم نماذج عن قدرة الإنسان العظيمة على تحدّي إعاقته وتحقيق النجاح رغم الصعوبات.

وهنا يتجلّى دور وسائل الإعلام العربية، ألا وهو القيام بهذا الدور الذي يشبه “الفريضة الغائبة” في الوقت الراهن، وتسليط الضوء الكاشف على هذه النماذج الإنسانية الفذة، لذلك فإنّ اهتمام الإعلام بها يعدّ واجباً على الوسائل الإعلامية المتخصصة في هذا المجال، وتلك المتخصصة في الجوانب الإنسانية والاجتماعية.

واجب وطني وإنساني

يعيش العالم الآن “عصر الإعلام” بامتياز، ذلك أنّ الإعلام أصبح مؤثّراً وفاعلاً في حياة الناس، ويمكن أن يغيّر القناعات أو يحرفها، أو أن يخلق قناعات جديدة، ومن هنا نشعر بقوّة الإعلام في تشجيع المعاقين على ممارسة الرياضة، لما لها من أثر فيزيولوجي ونفسي عليهم، إضافة إلى حثّ الناس عامة على الاهتمام بهذا النوع من الرياضة وتشجيعهم على متابعتها ودفع المعاقين من حولهم على ممارستها.

وموضوع الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة من الموضوعات التي لا تقلّ أهمية عن أي موضوع اجتماعي آخر، بل قد تفوقه أهمية لما يرتبط بهذه القضية من تبعات، تترك أثرها على الشخص المعاق وأسرته ومجتمعه، ويلعب الإعلام بوسائله كافة بما فيها وسائل الإعلام المقروءة دوراً مهمّاً في تسليط الانتباه على القضايا المهمّة فيخرجها من دائرة التعتيم إلى دائرة الحوار والمعالجة، وقد يفعل العكس حين يتجاهل تلك القضايا أو حين يتحدث عنها دون أن يأخذ في الاعتبار المتغيرات التي تزيد من أهميتها أو تقلل من شأنها.

ويؤكّد خبراء الإعلام وجود اهتمام عربي محدود بموضوع الإعاقة منوط بالمناسبات، كما يؤكدون افتقار محرري الصحف للمعرفة الواضحة بمسميات ومصطلحات الإعاقة ما قد يؤثر سلباً في اتجاهات جمهور القراء نحو الأشخاص المعاقين، خاصة في ظلّ وجود فجوة بين الإعلاميين والتربويين المتخصصين في مجال التربية الخاصة من حيث تبادل الآراء والخبرات.
والاهتمام بقضية المعاقين ليس ترفاً إعلامياً، ويجب ألّا يُنظر إليهم على أنهم شريحة صغيرة من المجتمع، بل هو واجب وطني وإنساني تمليه مصالح الوطن وحاجات المعاقين وحقوقهم، وتأتي رياضة ذوي الاحتياجات الخاصة على رأس الأولويات التي ينبغي الاهتمام بها، عن طريق تغطية فعاليات رياضات المعاقين، وتخصيص برامج حوارية حولها، لتوضيح دورها في تأهيل المعاقين وتحسين أوضاعهم الفيزيولوجية والنفسية، فضلاً عن إقامة الندوات والمحاضرات والأنشطة التثقيفية والإرشادية، لتوعية الناس بأهمية هذا النوع من الرياضة ودورها في دمج المعاق بالمجتمع.

في هذا السياق، أظهرت الدراسات الإعلامية حول الإعاقة أهمية تنوع الرسائل الإعلامية ومضمونها وأسلوبها، حسب الفئة المستهدفة والمستوى التعليمي، وأن تتركز الرسائل الإعلامية الأساسية على الأنشطة الداعمة لنجاح الرسائل الإعلامية، وبالتالي الخطة الإعلامية، وأهمها تقديم البيانات والمعلومات الصحيحة عن الإعاقة للجمهور المستهدف، لمتابعة نتائج الحملة الإعلامية للترويج بشكل فعّال لرياضة المعاقين، من أجل الحصول على المؤشرات المطلوبة وتعميمها، ووضع الخطط اللاحقة.

وينبغي الاستفادة من تقنيات الرسائل الإعلامية والحقائب التدريبية، وغيرها من التقنيات، لإيصال الرسالة المطلوبة إلى الفئات المستهدفة عبر قنوات الاتصال المباشر المختلفة، وتشجيع الناس على متابعة هذا النوع من الرياضة، وبثّ البرامج الجذابة حولها.
ويوصي الخبراء بمجموعة من التوصيات للتعاطي مع قضايا الإعاقة عامة، ورياضة المعاقين بشكل خاص، ومنها:

1. إجراء المزيد من الدراسات المتخصصة في مجال الإعلام والإعاقة، لدراسة دور وسائل الإعلام في تغطية قضايا الإعاقة، وعلى رأسها رياضة المعاقين.
2. تأسيس لجنة خاصة بإعلام الإعاقة في الجمعيات المتخصصة بالإعلام في العالم العربي، يشترك فيها إعلاميون ومتخصصون في التربية الخاصة.
3. إقامة دورات تدريبية وورش عمل مشتركة للعاملين في قطاعي الإعلام والتربية الخاصة، بما يساهم في تطوير الخبرات في مجالي الإعلام والإعاقة.
4. إقامة ملتقيات دورية للعاملين في مجال الإعلام والإعاقة لتبادل الأفكار حول المستجدات في مجال الإعاقة.
5. إعداد دليل عربي بالمسميات والمصطلحات اللغوية التي يستوجب استخدامها من الإعلاميين فيما يتعلق بمجال الإعاقة.


نموذج عربي رائد

تولي الامارات العربية المتحدة اهتماما بالغا برياضة المعاقين حيث توليها اهتماما بالغا ، ويرى السيد ماجد العصيمي أمين سرّ اتحاد الإمارات لرياضة المعاقين أنّ الإعلام لا يمنح رياضة ذوي الاحتياجات الخاصة حقّها من الاهتمام، ويقول:

“بمقارنة سريعة بين ما يحققه أبطالنا من ذوي الاحتياجات الخاصة وما يحققه غيرهم، سنجد أن النتائج والميداليات العالمية التي نالها أبطالنا أكثر بكثير مما حققه الرياضيون الآخرون، فقد استطاعوا رفع علم الإمارات في كلّ المحافل الدولية التي شاركوا بها، وهم بهذا يستحقون بعض الاهتمام من وسائل الإعلام، ولاسيّما بعد اتساع مجالاتها وتخصص قنوات فضائية عديدة وكذلك تخصص صحف ومجلات وإذاعات بالرياضة، فهذا يعني مساحة إعلامية أكبر، تتيح المجال للاهتمام برياضة ذوي الاحتياجات الخاصة كما هو الأمر بالنسبة للرياضات الأخرى”.

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

استكشاف أفضل طرق التعلم

تتعدد طرق التعلم من شخص الى آخر، كما تختلف باختلاف المواضيع الدراسية التي يراد تعلمها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *