تحليل الشعر يكشف عن اضطرابات النظام الغذائي

الصعوبة التي يواجهها الأطباء وكثير من الناس في تشخيص وجود اضطرابات في نظام تناول الطعام، خاصة لدى النساء، ربما وجدت لها حلاً عملياً بسيطاً، بعد توصل العلماء الى طريقة جديدة في تشخيص الحالات تتلخص بإجراء تحليل الكتلة الطيفي Mass Spectrometry لشعرة واحدة من الجسم.

وتم نشر نتائج دراسة الدكتور كنت هاتش وزملائه في جامعة بريغهام يونغ ضمن عدد أكتوبر من مجلة التواصل السريع في تحليل الكتلة الطيفي Rapid Communications in Mass Spectrometry ، وهي مجلة علمية تُعنى بالنشر السريع لنتائج الأبحاث والأفكار العلمية حول تطبيقات علم الأيونات في حالتها الغازية، وتتبع مؤسسة جون ويلي وأبنائه الخيرية التي تم تأسيسها عام 1807 ببريطانيا.

وغالباً لا يلاحظ الناس أن لديهم اضطرابات في نظام تناول الأكل، أو يُحاولن إخفاء ذلك، ما يجعل من الصعب بمكان على الأطباء تشخيص الحالات هذه وبالتالي التأخر في علاجها، وربما عدم التمكن من ذلك البتة.

تحليل الشعر

ولوضع حل عملي بسيط طرح الباحثون من جامعة بريغهام يونغ في بروفو بولاية يوتاه الأميركية استخدام تحليل الكم الطيفي لمعرفة مدى ترابط ذرات الكربون وذرات النيتروجين مع الألياف في بنية شعر الجسم.

والمعروف أن الشعر يتكون وينمو من خلال عملية بنائية يتم فيها إضافة بروتينات جديدة لقاعدة عمود الشعرة الواحدة في بصيلة الشعر تحت الجلد، وتلتصق هذه البروتينات بالألياف التي بمجمل التركيب البنائي هذا يتكون الشعر. وبالتالي يتم، بالإنشاء الجديد لعمود الشعرة داخل البصيلة، دفعها إلى أعلى وزيادة طول الشعر ونموه. ولإنتاج هذه البروتينات في مصنع بناء الشعر داخل بصيلته فإن الجسم يستخدم مواد أولية من عنصري الكربون والنيتروجين، إضافة إلى عناصر أخرى في صنع الألياف. والمهم في الأمر أن صنع البروتينات هذه والتصاقها بالألياف يتأثر كثيراً بمستوى الحالة الغذائية خلال الفترة تلك. والحالة الغذائية للإنسان، كما هو معلوم بداهة، مرتبطة بنظام أكله وتأثر ذلك بوجود أي اضطرابات فيه. ولأن الشعر ينمو بشكل متواصل طوال الوقت، فإن تركيب أي جزء من عمود الشعر يعكس حالة الجسم في تلك اللحظة، يوماً بيوم، التي تمت صناعته فيها. بعبارة أخرى كأنه معلومات مكتوبة في دفتر مذكرات يوميات أحدنا.

سجل غذائي

ويقول الدكتور كنت هاتش، الباحث الرئيس في الدراسة والمتخصص في علم عمليات التكامل الحيوي integrative biology، بأن جسمنا يُسجل ويكتب عاداتنا الغذائية في تراكيب بنية الشعر. ولذا فإنه يُمكننا أن نستخدم ذلك في معرفة الحالة الغذائية لكل إنسان.

وأضاف، وبأخذ بعض من شعر إنسان ما، وتحليل ما فيه من ذرات كربون ونيتروجين، يُمكننا أن نحدد بدقة وبنسبة تُقارب 80% ما إذا كان ذلك الإنسان لديه اضطرابات في تناول الطعام، كفقد الشهية العصبي anorexia أو الشره المرضي Bulimia أو الإفراط القهري في الأكل Binge-eating disorder.

والهدف من التحليل والدراسة لخصلات الشعر هو محاولة معرفة نظام البناء البروتيني واختلافه بين من يُعانون من اضطرابات مرضية في الأكل وبين منْ هم سالمون منها. والتي بمحصلتها يقول الباحثون أن الحصول على نتائج دقيقة من التحليل لا يتطلب أكثر من خمس شعرات للتوصل إلى التشخيص الصحيح لحالة التغذية لدى إنسان ما!. وتقدم البحث بهم حتى أصبح بالإمكان ليس فقط وجود اضطرابات مرضية في الأكل بل في تحديد ما إذا كان الشخص من النباتيين في غذائهم، أي الذين لا يتناولون اللحوم ومشتقات الألبان والبيض.

وما يؤمله الباحثون هو التقدم في البحث حتى يتمكنوا من استخدام الطريقة هذه ليس في التشخيص للحالات المرضية لنظام تناول الطعام فحسب، بل في متابعة الحالة الصحية لهم ومدى استجابتهم لخطوات المعالجة من قبل الأطباء.

ويعكف الباحثون على دراسة كيفية إنتاج أجهزة بسيطة تقوم بهذا الاختبار كي يتم الاستعانة بها في العيادات والمستشفيات.

اختبار واعد

الاستقبال الأولي لبعض الخبراء في التغذية واضطراباتها المرضية تميز بالإعجاب، والبعض منه قال بأن الطريقة وإن كانت دقيقة إلا أنه لا يُمكن الاعتماد عليها وحدها في تشخيص وجود أو عدم وجود أي من الاضطرابات الغذائية للأكل. ولذا قالت البروفسورة سينثيا بوليك، مديرة برنامج اضطرابات الأكل في كلية الطب بجامعة كارولينا الشمالية، بأن الاختبار يُمكن أن يكون وسيلة مساعدة، لأننا حتى اليوم لا نملك أي وسيلة أو تحليلا لتشخيص الإصابة بفقد الشهية العصبي. والتحليل يُمكنه أن يُعطينا تصوراً عن وجود تاريخ حالة من اضطرابات الأكل، لكنه يحتاج إلى المزيد من التنقيح والتمحيص البحثي.

وهو ما يبدو متوافقاً مع ما قاله الباحثون، من حيث أن الدراسة هي مجرد فتح لباب الاستفادة من تراكيب بنية الشعر في فهم الحالة الغذائية للإنسان. وهي طريقة لافتة للنظر في ذكاء الباحثين لتوجيه نظر الأطباء إلى شيء ثابت البنية من تركيب الجسم، والذي يتأثر بنوعية التغذية.

والواقع أن بعض المراقبين الطبيين أبدى حماسة لهذه الطريقة، والاقتراحات حول الأبحاث المستقبلية لهذه الوسيلة يجب أن لا تقتصر على التغذية بل تتعدى إلى الحالات المرضية الأخرى. والمعروف أن الأطباء يُحاولون اللجوء إلى وسائل في التحليل لا تعكس الحالة الآنية لما عليه الجسم. بل يتوسعون فيما يُعطي تصوراً عن الحالة أو الاضطراب خلال مدة طويلة. ولعل من أبسط الأمثلة هو اعتماد الأطباء على تحليل نسبة ترسب السكر في هيموغلوبين الدم بدلاً من الاقتصار على تحليل نسبة السكر الآنية في عينة من الدم مباشرة، لأن كمية ما يترسب في الهيموغلوبين من سكر تعكس معدل نسبة السكر خلال ثلاثة أشهر. وهو ما لا يتأثر بصوم المريض حتى لمدة 24 ساعة إن تمكن من ذلك.

وهناك حالات كثيرة مماثلة لاستخدام مبدأ معرفة تاريخ الحالة الصحية ومدى تغلغلها عبر مدة زمنية كتحاليل الأنيميا من خلال مؤشرات عدة في نتائج التحاليل أو أمراض العظم لدى مرضى الفشل الكلوي أو اضطرابات وظائف الكبد أو حتى فحص شبكية العين لدى مرضى السكري أو ارتفاع ضغط الدم.

ولذا كان قول الدكتور هاتش بأن الاختبار يحتاج إلى مزيد من التطوير كي يُمكن تعميمه في المستشفيات والعيادات، لكن النتائج المبدئية للعمل الجاري حولها تُظهر أنها قوية ومشجعة جداً. وذكّر بأن بعض المؤشرات كتدني الوزن بالنسبة لمقدار الطول والعمر يُمكن أن تُساعد في معرفة وجود حالات اضطرابات الأكل، إلا أن الاعتماد الطبي في التشخيص لا يزال على المعلومات التي يذكرها المرضى حول نظام تغذيتهم. وتصريح المرضى بهذه المعلومات يخضع لعوامل عدة أهمها الأمانة في إخبار الطبيب بالحقيقة التي تتفاوت استجابتهم فيها. والاختبار هذا، على حد وصفه، يُمثل طريقة حيوية لا تحتاج لمعلومات المريض في تشخيص الحالات هذه.

اضطرابات الأكل… أنواع مختلفة الآثار

يقول المركز القومي لمعلومات الصحة الذهنية بالولايات المتحدة إن اضطرابات الأكل هي غالباً حالات مرضية مُزمنة وتتطلب مدة زمنية طويلة للعلاج. وغالباً ما تظهر مُصاحبة لحالات نفسية مرضية أخرى كالاكتئاب والإدمان والقلق. وكلما تم تشخيصها في وقت مبكر، كلما كان العلاج والتعافي منها أسهل.

والدراسات، كما يقول المركز، تشير إلى أن 90% من المصابين بها هم إناث، ممن أعمارهم تتراوح ما بين 12 إلى 25 سنة. وتندرج معظمها تحت ثلاثة أنواع، فقد الشهية العصبي، والشره المرضي والإفراط القهري في الأكل.


هذا ووفق ما تذكره الرابطة القومية لاضطرابات الأكل في الولايات المتحدة، فإن فقدان الشهية العصبي يتميز بهزال وزن الجسم نتيجة عادات غير طبيعية في نظام تناول الوجبات الغذائية، كاختيار أنواع قليلة من صنوف الأطعمة دون الأعداد الكبيرة الأخرى منها، أو أكل كميات قليلة جداً، أو الحساب المفرط في الدقة لكمية طاقة كالورى (سعر حراري) في الأطعمة المتناولة، مع إجهاد النفس في ممارسة الرياضة البدنية. ويتناول المرضى في حالة الشره المرضي كميات كبيرة من الأطعمة في الوجبة الواحدة، ثم بعد ذلك مباشرة وتلقائياً يقومون إما بالقيء أو استخدام الأدوية المسببة للإسهال أو الأدوية المدرّة للبول بغية تخليص الجسم من أي احتمال لحصول زيادة في وزن الجسم. وفي كلا الحالتين تكون الغالبية العظمى من المصابين هي الإناث، ويكون الخوف من زيادة وزن الجسم هو القاسم المشترك بينهم. بينما يتميز المصابون بحالة الإفراط القهري في الأكل بالإقبال الشره على تناول الأطعمة، وبسرعة، وبغض النظر أيضاً عن حالتي الجوع أو الشبع، ويعقبه مجرد شعور بلوم النفس والإحساس بالذنب تجاه صحة الجسم. وفي هذه الحالة تتساوى الإصابات بين الذكور والإناث.

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

زيت الزيتون وفوائده الصحية ودوره في حماية القلب ومكافحة الأمراض

يُعدُّ زيت الزيتون من أبرز المكونات الغذائية التي تشتهر بها منطقة الشرق الأوسط، ويحتل مكانة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *