اليعقوبي .. نسبه ونشأته وأسفاره وأعماله الجغرافية

هو أبو العباس أحمد بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب العباسي اليعقوبي . ولد في بغداد ، ولكنه تركها و هو حدث السن ليعيش في أرمينيا ثم خراسان و مصر . ويشار إلى اليعقوبي في المراجع المختلفة بعدة أسماء أهمها أحمد الكاتب ، وأحمد بن يعقوب ، وابن واضح . وكان جده الأعلى ويدعی واضحا ، من عمال الخليفة العباسي المنصور وتقلد يوما منصب حاكم أرمينيا ومصر . ومن المعروف أن جده وأباه قد شغلا منصبين مهمين في البريد.

صفات اليعقوبي وأسفاره :

اهتم بالتجوال والأسفار وهو في عنفوان شبابه وكان لديه ولع شديد بمعرفة أخبار البلدان وطرق المواصلات والمسافات . ويبين ذلك كتابه المعروف باسم «کتاب البلدان » ، حيث يقول « إني عنيت في عنفوان شبانی و عند احتيال سني وحدة ذهني بعلم أخبار البلدان و مسافة ما بين كل بلد وبلد لأني سافرت حديث السن واتصلت أسفاری و دام تغربي » ؛ ومما يلاحظ على أسلوب اليعقوبي في الكتابة أنه كان يولي الناحية الوصفية اهتمامه في الكتابة ولم يعر النظريات الجغرافية اهتماما يذكر ، وبذلك استفاد من مادته العلمية الكثير من موظفي الدولة الذين غنوا بالمعرفة عن الأماكن التي كانوا ينقلون إليها أو يعينون فيها قبل السفر إليها .

وكان اليعقوبي سلس الأسلوب وله طريقة شيقة في عرض معلوماته . وكان يميل دائما إلى التحليل العقل والمنطقي ولا عجب في أن نجد كتابه قد خلا تماما من ذكر العجائب والغرائب التي اعتاد ذكرها المؤلفون وأعجب بقراءتها الدارسون .

زار اليعقوبي كثيرا من البلدان والتي أهمها أرمینیا و خراسان والهند وفلسطين ومصر وبلاد المغرب . ومما يذكر عنه وهو في مصر أن الطولونيين قد أكرموا مثواه وقربوه تقديرا لشخصه و احتراما لعلمه .

أعماله الجغرافية :

يعتبر کتاب اليعقوبي «كتاب البلدان » من أهم المخطوطات التي كتب لها البقاء حتى وقتنا الحاضر وأهمية هذه المخطوطة تتركز في معلوماتها القيمة وطريقة تبويبها و تنسيقها وإبداع إخراجها .

وهذه المخطوطة موجودة حاليا في ( میونیخ ) بألمانيا الغربية ولكنها غير كاملة . ولقد نشر اليعقوبي كتابه سنة 278 هجرية – 891 میلادية أي قبل مماته بقليل . والمعلومات التي تضمنها هذا الكتاب جاءت نتيجة لمشاهدات وخبرات کاتبه بالإضافة إلى ما جمعه من أخبار ومعارف من أفواه وكتب أهل العلم والدراية ومن المسافرين والتجار .

ولقد جاءت معظم المعلومات صادقة ومطابقة للواقع نتيجة لاعتماده على مصادر موثوق بها وشدة حرصه على استقصاء الحقائق عن أية ظاهرة من أكثر من مرجع ، وتستوى في ذلك المعلومات التي حصل عليها من كتب أو تلك التي وردت إلى مسمعه على ألسنة معاصریه .

وإليك بعض ما قال ذلك العالم اليعقوبي في كتابه والذي يمكن أن يتخذ دليلا قاطعا على حرصه الشديد لتمحيص كل ما وصل إليه من أخبار جغرافية أو غيرها حيث يقول :
« فكنت متي لقيت رجلا … سألته عن وطنه ومصره فإذا ذكر لي محل داره و موضع قراره سألته عن بلده .. وزرعه ما هو وساكنيه من هم من عرب أو عجم ۰۰۰ شرب أهله حتى أسألهم عن لباسهم … ودياناتهم … مسافة ذلك البلد وما يقرب منه من البلدان … ثم أثبت كل ما يخبرني به من أثق بصدقه … حتى سألت خلقا كثيرا).

ولقد تقيد اليعقوبي بالخطة التي وضعها لنفسه في كثرة تحرياته وتبویب مادته .

وكان أسلوب اليعقوبي وصفيا ، وقد قسم المنطقة التي غطاها كتابه إلى أربعة أقسام و تقسيم الجهات الأصلية ، الشرق والغرب والقبلة ( الجنوب أو مطلع سهيل) والشمال ( و هو کرسی بنات نعش ).

وقد التزم اليعقوبي في كتابه وصف الأماكن حسب الجهات الأصلية فنراه في الجزء الأول قد أورد وصفا كافيا لإيران وترکستان وأفغانستان ، وفي الجزء الثاني تكلم عن غربي العراق و غربی و جنوبی شبه جزيرة العرب ، وفي الجزء الثالث قدم وصفا شمل العراق الجنوبية والشرقية وشرقي الجزيرة العربية و الهند والصين . وأما الجزء الرابع فإنه أفرده إلى وصف كل من بزنطية و مصر و النوبة وشمال إفريقيا .

وعلى كل فإن المخطوطة غير كاملة كما سبق وذكرنا حيث أن الجزء الثالث والرابع قد فقدا بالإضافة إلى عشر صفحات قد تلفت ، وهذه الصفحات العشر كانت تحتوي على خاتمة وصفه للبصرة ولشرقي جزيرة العرب و خوزستان و فارس والهند وجميع الشمال و بداية الغرب .


ويعتبر اليعقوبي مجددا في تقسيمه المناطق التي وضعها على أساس الولايات ، بالإضافة إلى ذلك فإنه قد سجل معلومات قيمة عن طرق المواصلات في عصره جلبت انتباه واهتمام الكثيرين . ولكن مما يأخذه البعض عليه في كتابه أنه خصص جزءا كبيرا منه لوصف كل من بغداد وسامراء شغل حوالي ربع حجم الكتاب تقريبا . ولكن ذلك لا يعتبر في نظرنا عيبا ، وخاصة إذا ما علمنا أن ذلك الرجل قد ولد في بغداد وعرف الكثير عن العراق وكان من السهل عليه أن يكتب عن مسقط رأسه الشيء الكثير .

كلمة أخيرة بالنسبة لهذا العالم الجليل وهو أنه يمكننا القول بكل صدق وأمانة بأن كتابه احتوى على معلومات قيمة امتازت بأمانه علمية تعذر وجودها في مؤلفات غيره.

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

في المستقبل المزارع العمودية داخل بنايات المدن الحديثة

على غرار حدائق بابل المعلقة والتي اعتبرت من عجائب الدنيا، برزت فكرة بناء المزارع العمودية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *