تُخْبِرُنَا النُّصُوص البَابِلِيَّة المَسْمَارِيَّة عَنِ الارتدادات الدَّقِيقَة لِلشَّمْس، وعَنْ زِيَادَة ونُقْصَان ضَوْئِهَا، وعَنِ الكَلَف الَّذِي يُلاحَظ عَلَى سَطْح القَمَر.
وَلكِنْ يَبْدُو حِينَئِذٍ أَنَّ هَذَا الكَلَف الشَّمْسِيّ قَدْ نُسِيَ أَمْرُهُ، وَلكِنَّ الصِّينِيِّينَ أَخَذُوا يَهْتَمُّونَ بِهِ فِي القَرْن الثَّالِث عَشَر المِيلَادِيّ.
ثُمَّ إِنَّ هَذَا الكَلَف قَدْ أَثَارَ فُضُول جاليليو، وَلكِنْ فِي مُنْتَصَف القَرْن المَاضِي اكْتَشَفَ العُلَمَاء الأَلْمَان أَنَّ نَشَاط الكَلَف الشَّمْسِيّ يَصِل ذُرْوَتَهُ كُلَّ إِحْدَى عَشْرَة سَنَة.
المهندس مجدي عبد الكريم أبو زينه
تُؤَثِّر الشَّمْس بِشَكْل مُبَاشِر عَلَى الحَيَاة الأَرْضِيَّة مِنْ خِلَال إِشْعَاعَاتِهَا، حَيْثُ تُطْلِق الشَّمْس أَشِعَّة فَوْق بَنَفْسَجِيَّة تَلْعَب دَوْرًا فِي تَعْزِيز مِنَاعَة الجِسْم وَتَحْفِيز إِنْتَاج فِيتَامِين (د)، وَلكِنَّ التَّعَرُّض المُفْرِط لَهَا قَدْ يُسَبِّب أَضْرَارًا صِحِّيَّة. بِالإِضَافَة إِلَى ذَلِكَ، تَتَفَاعَل الأَشِعَّة الشَّمْسِيَّة مَعَ الغِلَاف الجَوِّيّ لِلأَرْض.
وتَلْعَب الشَّمْس دَوْرًا أَسَاسِيًّا فِي الحَيَاة عَلَى الأَرْض، حَيْثُ تُطْلِق أَشِعَّة فَوْق بَنَفْسَجِيَّة تُعَزِّز مِنَاعَة الجِسْم وَتُحَفِّز إِنْتَاج فِيتَامِين (د)، وَلكِنَّ التَّعَرُّض الزَّائِد لَهَا قَدْ يُسَبِّب مَشْكِلَات صِحِّيَّة.
كَمَا أَنَّ تَفَاعُل الإِشْعَاع الشَّمْسِيّ مَعَ الغِلَاف الجَوِّيّ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى اضْطِرَابَات بيئية، مِمَّا يُؤَثِّر عَلَى أَنْمَاط الطَّقْس وَيَزِيد مِنْ احْتِمَالِيَّة حُدُوث كَوَارِث طَبِيعِيَّة مُرْتَبِطَة بِدَوْرَات الكَلَف الشَّمْسِيّ.
طَبِيعَة الكَلَف الشَّمْسِيّ وَالمَجَال المَغْنَاطِيسِيّ
تُشْبِه البُقَع الشَّمْسِيَّة الظَّاهِرَة عِنْد وَضْع مِصْبَاح كَهْرَبَائِيّ أَمَام قِطْعَة مِنَ الفُولاذ المُتَوَهِّج، إِذْ تَبْدُو أَكْثَر ظُلْمَة، وَلكِنَّهَا فِي الحَقِيقَة لَيْسَت بَارِدَة، بَلْ حَرَارَتُهَا أَقَلّ نِسْبِيًّا مِنَ المَنَاطِق المُحِيطَة بِهَا. تَعُود هَذِهِ الظَّاهِرَة إِلَى التَّغَيُّرَات فِي المَجَال المَغْنَاطِيسِيّ الشَّمْسِيّ، الَّذِي يَتَمَيَّز بِتَقَلُّبَات أَكْبَر بِكَثِير مِنَ المَجَال المَغْنَاطِيسِيّ الأَرْضِيّ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى تَفَاوُت هَائِل فِي القُوَى المَغْنَاطِيسِيَّة.
كَمَا أَنَّ تَغَيُّرَات المَجَال المَغْنَاطِيسِيّ عَلَى الشَّمْس تُؤَثِّر عَلَى دَرَجَات الحَرَارَة، حَيْثُ تَتَرَاوَح حَرَارَة سَطْح الشَّمْس بَيْن 4000 إِلَى 6000 دَرَجَة مِئَوِيَّة. تَنْتَقِل هَذِهِ التَّغَيُّرَات إِلَى المَجَال المَغْنَاطِيسِيّ لِلأَرْض وَالكَوَاكِب الأُخْرَى مَعَ تَأَخُّر زَمَنِيّ يَصِل إِلَى أَرْبَعَة أَيَّام وَنِصْف، مِمَّا يَرْبِط المَجَال المَغْنَاطِيسِيّ لِلشَّمْس مُبَاشَرَة بِالأَرْض.
دِرَاسَات عِلْمِيَّة حَوْل الكَلَف الشَّمْسِيّ
فِي عَام 1964، أَجْرَى العَالِمَان نُورْمَان نِيس وَجُون وِيلْكُوكْس مِنْ جَامِعَة كَالِيفُورْنِيَا أَوَّل قِيَاسَات دَقِيقَة لِتَغَيُّرَات المَجَال المَغْنَاطِيسِيّ الشَّمْسِيّ، حَيْثُ قَامَا بِتَحْلِيل البَيَانَات القَادِمَة مِنْ مَرْصَد وِيلْسُون إِضَافَة إِلَى المَعْلُومَات الَّتِي جَمَعَهَا قَمَر صِنَاعِيّ مِنَ الفَضَاء.
الكَلَف الشَّمْسِيّ هُوَ مَنَاطِق مُظْلِمَة تَظْهَر عَلَى سَطْح الشَّمْس بِسَبَب نَشَاط مَغْنَاطِيسِيّ قَوِيّ يَمْنَع اِنْتِقَال الحَرَارَة مِنَ الطَّبَقَات العَمِيقَة إِلَى السَّطْح، مِمَّا يَجْعَلُهَا أَبْرَد مِنَ المَنَاطِق المُحِيطَة. وَتَلْعَب هَذِهِ الظَّاهِرَة دَوْرًا كَبِيرًا فِي التَّأْثِير عَلَى المَنْخَل وَالطَّقْس الفَضَائِيّ وَالتِّكْنُولُوجْيَا الحَدِيثَة، حَيْثُ يُسَاهِم تَتَبُّع دَوْرَات الكَلَف فِي التَّنْبُؤ بِالعَوَاصِف الشَّمْسِيَّة وَالحَدّ مِنْ تَأْثِيرَاتِهَا السَّلْبِيَّة.
دَوْرَة النَّشَاط الشَّمْسِيّ وَتَأْثِيرَاتِهَا
يَمُرُّ الكَلَف الشَّمْسِيّ بِدَوْرَة تَسْتَغْرِق حَوَالَي 11 سَنَة، تُعْرَف بِـ “الدَّوْرَة الشَّمْسِيَّة”، حَيْثُ يَرْتَفِع النَّشَاط الشَّمْسِيّ تَدْرِيجِيًّا حَتَّى يَصِل إِلَى ذُرْوَتِهِ، ثُمَّ يَنْخَفِض إِلَى الحَدّ الأَدْنَى، حَيْثُ يَقِلّ عَدَد البُقَع الشَّمْسِيَّة. تُشِيرُ الدِّرَاسَات إِلَى أَنَّ فَتَرَات انْخِفَاض الكَلَف تَتَزَامَن مَعَ مَوْجَات بُرُودَة شَدِيدَة، مِثْل “العَصْر الجَلِيدِيّ الصَّغِير” بَيْنَ القَرْنَيْنِ السَّابِع عَشَر وَالتَّاسِع عَشَر. وَعَلَى العَكْس، فَإِنَّ فَتَرَات النَّشَاط الشَّمْسِيّ المُرْتَفِع قَدْ تُؤَدِّي إِلَى اِرْتِفَاع طَفِيف فِي دَرَجَات الحَرَارَة العَالَمِيَّة.
الآثَار السَّلْبِيَّة لِلْعَوَاصِف الشَّمْسِيَّة
يَرْتَبِطُ الكَلَف الشَّمْسِيّ اِرْتِبَاطًا وَثِيقًا بِالعَوَاصِف الشَّمْسِيَّة وَالتَّوَهُّجَات الشَّمْسِيَّة، الَّتِي تُطْلِق كَمِيَّات هَائِلَة مِنَ الطَّاقَة وَالجُسَيْمَات المُشَحَّنَة نَحْو الأَرْض، مِمَّا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى:
اِضْطِرَابَات فِي الاِتِّصَالَات اللاسِلْكِيَّة وَانْقِطَاع إِشَارَات GPS.
تَلَف الأَقْمَار الصَّنَاعِيَّة وَتَعَطُّل أَنْظِمَة الاِتِّصَالَات وَالبَثّ الفَضَائِيّ.
خَلَل فِي شَبَكَات الكَهْرَبَاء، حَيْثُ قَدْ تُؤَدِّي التَّيَّارَات الكَهْرَبَائِيَّة النَّاجِمَة عَنِ العَوَاصِف الشَّمْسِيَّة إِلَى انْقِطَاع وَاسِع النِّطَاق لِلتَّيَّار الكَهْرَبَائِيّ، كَمَا حَدَثَ خِلَال عَاصِفَة كَارِينْغْتُون عَام 1859، الَّتِي عَطَّلَتْ أَنْظِمَة التِّلْغْرَاف حَوْل العَالَم.
عِنْدَمَا تَصِلُ الجُسَيْمَات المُشَحَّنَة إِلَى الغِلَاف الجَوِّيّ، تُسَبِّب زِيَادَة تَوَهُّج الشُّعُوع القُطْبِيّ، بِحَيْثُ يُمْكِن رُؤْيَتُهُ فِي مَنَاطِق أَقْرَب إِلَى خَطّ الاسْتِوَاء خِلَال فَتَرَات النَّشَاط الشَّمْسِيّ العَالِي.
تَأْثِيرَات العَوَاصِف الشَّمْسِيَّة عَلَى الأَرْض
تَتَرَافَق ظَوَاهِر انْفِجَارَات الغَازَات وَانْبِعَاثَات الأَشِعَّة فَوْق البَنَفْسَجِيَّة وَالأَشِعَّة السِّينِيَّة مِنَ الشَّمْس مَعَ نَشَاط الكَلَف الشَّمْسِيّ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى اضْطِرَابَات شَدِيدَة فِي المَجَال المَغْنَاطِيسِيّ الأَرْضِيّ، قَدْ تَصِل إِلَى أَلْف ضِعْف قُوَّتِهَا الطَّبِيعِيَّة.
خِلَال العُقُود المَاضِيَة، سَبَّبَتِ العَوَاصِف الشَّمْسِيَّة كَوَارِث عَدِيدَة، مِثْل:
27 أَغُسْطُس 1883، ثَارَ بُرْكَان كَارَاكَاتُو فِي مَضِيق سُنْدَا، مِمَّا أَدَّى إِلَى مَقْتَل 80,000 شَخْص، وَكَانَ ذَلِكَ خِلَال ذُرْوَة نَشَاط الكَلَف الشَّمْسِيّ.
بَيْنَ عَامَي 1906 وَ1908، وَقَعَتْ زَلَازِل عَنِيفَة فِي سَان فْرَانْسِيسْكُو وَمَسِينَا، تَزَامَنَتْ مَعَ نَشَاط شَمْسِيّ مُكَثَّف.
فِي سَبْتَمْبَر 1926، دَمَّرَ إِعْصَار هَائِل أَجْزَاء وَاسِعَة مِنْ فَلُورِيدَا، فِي حِينِ اِجْتَاحَتْ زُوبَعَة مُدَمِّرَة جَامَايْكَا، وَكَانَتِ الصَّوَاعِق تَضْرِب بِقُوَّة فِي نِبْرَاسْكَا، بِالتَّزَامُن مَعَ نَشَاط شَمْسِيّ مُتَزَايِد.
فِي 8 فَبْرَايِر 1958، أَفَادَ عُلَمَاء الفَلَك فِي مَرْصَد هَارْفَارْد عَنْ سَمَاع أَصْوَات غَامِضَة قَادِمَة مِنَ الفَضَاء، فِي حِينِ سَجَّلَ مَرْصَد جَبَل سِكْرَامِينْتُو نَشَاطًا مَغْنَاطِيسِيًّا غَيْر مُعْتَاد. كَمَا أَظْهَرَتِ المَرَاصِد الفَلَكِيَّة فِي هُونُولُولُو تَوَهُّجًا غَيْر طَبِيعِيّ صَادِرًا عَنِ الشَّمْس.
تَوَهُّج الشُّعُوع القُطْبِيّ بِشَكْل غَيْر مُعْتَاد فِي سَمَاء اللَّيْل.
تَعَطُّل الاِتِّصَالَات اللاسِلْكِيَّة عَبْر القَارَّات.
فَقْدَان الاِتِّصَال بِحَوَالَي 100 طَائِرَة عَبْر المُحِيط الأَطْلَسِيّ.
تَسْجِيل 2000 فُولْت مِنَ التَّيَّارَات الكَهْرَبَائِيَّة غَيْر الطَّبِيعِيَّة عَلَى خَطّ الهَاتِف البَحْرِيّ بَيْنَ اسْكُوتْلَنْدَا وَنِيوَفَاوُنْدْلَانْد.
تَوَقُّف مَحَطَّات تَوْلِيد الكَهْرَبَاء فِي تُورُونْتُو عَنِ العَمَل.
كُلُّ هَذِهِ الاِضْطِرَابَات كَانَ سَبَبُهَا أَحْدَاث وَقَعَتْ عَلَى بُعْد 150 مِلْيُون كِيلُومِتْر فِي الفَضَاء، وَلكِنَّهَا أَثَّرَتْ بِشَكْل مُبَاشِر عَلَى الأَرْض.
النَّشَاط الشَّمْسِيّ الحَالِيّ وَتَوَقُّعَات المُسْتَقْبَل
فِي 3 يُولْيُو 2023، سُجِّلَتْ وَمِيض شَمْسِيّ قَوِيّ أَثَّرَ عَلَى الغِلَاف الجَوِّيّ العُلْوِيّ لِلأَرْض، مُتَسَبِّبًا فِي تَدَاخُل إِشَارَات الرَّادِيُو فِي المَنَاطِق المُوَاجِهَة لِلشَّمْس فِي ذَلِكَ الوَقْت.
أَعْلَنَ المَرْصَد المَلَكِيّ البِلْجِيكِيّ أَنَّ عَدَد البُقَع الشَّمْسِيَّة خِلَال يُونْيُو 2023 بَلَغَ 163 بُقْعَة يَوْمِيًّا، وَهُوَ الرَّقْم الأَعْلَى خِلَال 21 عَامًا. وَتُشِيرُ التَّوَقُّعَات إِلَى أَنَّ الدَّوْرَة الشَّمْسِيَّة الحَالِيَّة سَتَصِل إِلَى ذُرْوَتِهَا فِي يُولْيُو 2025، مِمَّا يَعْنِي اِحْتِمَالِيَّة زِيَادَة عَدَد العَوَاصِف الشَّمْسِيَّة وَتَأْثِيرَاتِهَا عَلَى الأَرْض.
تُؤَكِّد الدِّرَاسَات أَنَّ الكَلَف الشَّمْسِيّ وَالعَوَاصِف الشَّمْسِيَّة لَهُمَا تَأْثِيرَات كَبِيرَة عَلَى الأَرْض، بِدْءًا مِنَ التَّغَيُّرَات المَنْخَلِيَّة، مَرُورًا بِالتَّأْثِيرَات عَلَى التِّكْنُولُوجْيَا وَالاِتِّصَالَات، وَصُولًا إِلَى الاِضْطِرَابَات فِي شَبَكَات الكَهْرَبَاء. لِذَلِكَ، فَإِنَّ مُرَاقَبَة النَّشَاط الشَّمْسِيّ وَتَوَقُّع دَوْرَاتِهِ أَمْر ضَرُورِيّ لِلحَدّ مِنَ المَخَاطِر المُحْتَمَلَة الَّتِي قَدْ تَنْتُج عَنْ هَذِهِ الظَّوَاهِر الفَلَكِيَّة.
References:
Vokhmyanin, M.; VArlt, R.; Zolotova, N. (10 March 2020). “Sunspot Positions and Areas from Observations by Thomas Harriot”. Solar Physics . 295 (3): 39.1 – 39.11. Bibcode:2020SoPh..295…39V. doi:10.1007/s11207-020-01604-4. S2CID 216259048.
Vaquero, J.M.; Vázquez, M (2009). The Sun Recorded Through History: Scientific Data Extracted from Historical Documents vol. 361 of the series Astrophysics and Space Science Library . Vol. 361. Springer, New York. doi:10.1007/978-0-387-92790-9. ISBN 978-0-387-92789-3.
Schmieder, Brigitte (November 2018). “Extreme solar storms based on solar magnetic field”. Journal of Atmospheric and Solar-Terrestrial Physics . 180: 46–51. arXiv:1708.01790. Bibcode:2018JASTP.180…46S. doi:10.1016/j.jastp.2017.07.018. S2CID 119087439.
Pharaohs Philip Vandenberg (January 1, 1975). The curse of the Pharaohs. 1st Edition HB/DC In Mylar BCE