• مناهج التفكير
• مناهج البحث العلمي
• اختبار الفرضيَّات واستخدام مناهج البحث
استخدم الإنسان منذ القدم في تفكيره منهجين عقليَّين، هما:
1- التفكير القياسيُّ:
ويسمَّى أحياناً بالتفكير الاستنباطيِّ، استخدم الإنسان هذا المنهج ليتحقَّقَ من صدق معرفة جديدة بقياسها على معرفةٍ سابقة، وذلك من خلال افتراضِ صحَّة المعرفة السابقة، فإيجاد علاقة بين معرفةٍ قديمة ومعرفةٍ جديدة تُسْتَخْدَمُ قنطرةً في عمليَّة القياس، فالمعرفـةُ السابقة تسمَّى مقدّمة والمعرفة اللاحقة تسمَّى نتيجة، وهكذا فإنَّ صحَّة النتائج تستلزم بالضرورة صحَّة المقدِّمات، فالتفكير القياسيُّ منهج قديم استخدمه الإنسان ولا يزال يستخدمه في حلِّ مشكلاته اليوميَّة.
2- التفكير الاستقرائيُّ:
استخدم الإنسان أيضاً هذا المنهجَ ليتحقَّق من صدق المعرفة الجزئيَّة بالاعتماد على الملاحظة والتجربة الحسيَّة، فنتيجةً لتكرار حصول الإنسان على نفس النتائج فإنَّه يعمد إلى تكوين تعميمات ونتائج عامَّة، فإذا استطاع الإنسان أن يحصرَ كلَّ الحالات الفرديَّة في فئة معيَّنة ويتحقَّق من صحَّتها بالخبرة المباشرة عن طريق الحواس فإنَّه يكون قد قام باستقراءٍ تامٍّ وحصل على معرفة يقينيَّة يستطيع تعميمها دون شكٍّ إلاَّ أنَّه في العادة لا يستطيع ذلك بل يكتفي بملاحظة عددٍ من الحالات على شكل عيِّنة ممثِّلة ويستخلص منها نتيجةً عامَّة يفترض انطباقها على بقيَّة الحالات المشابهة وهذا هو الاستقراء الناقص الذي يؤدِّي إلى حصوله على معرفةٍ احتماليَّة، وهي ما يقبلها الباحثون على أنَّها تقريب للواقع.
ويرى وتني Whitney أنَّ المنهج يرتبط بالعمليَّات العقليَّة نفسها اللازمة من أجل حلِّ مشكلة من المشكلات، وهذه العمليَّات تتضمَّن وصف الظاهرة أو الظواهر المتعلِّقة بحلِّ المشكلة بما يشمله هذا الوصف من المقارنة والتحليل والتفسير للبيانات والمعلومات المتوفِّرة، كما ينبغي التعرُّفُ على المراحل التاريخيَّة للظاهرة، والتنبؤ بما يمكن أن تكون عليه الظاهرة في المستقبل، وقد يستعين الباحث بالتجربة لضبط المتغيِّرات المتباينة، كما ينبغي أن تكون هناك تعميمات فلسفيَّة ذات طبيعة كليَّة ودراسات للخلق الإبداعيِّ للإنسان؛ وذلك حتى تكون دراسة المشكلة بشكل شامل وكامل، وتكون النتائج أقرب ما تكون إلى الصحَّة والثقة، فإذا كان منهج البحث بوصفه السابق وبمعناه الاصطلاحيِّ المستعمل اليوم هو أنَّه الطريق المؤدِّي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامَّة التي تهيمن على سير العقل وتحدِّد عمليَّاته حتى يصلَ إلى نتيجة معلومة، فإنَّ المنهج بحسب هذا المفهوم قد يكون مرسوماً من قبل بطريق تأمُّليَّة مقصودة، وقد يكون نوعاً من السير الطبيعيِّ للعقل لم تحدَّد أصوله سابقاً، ذلك أنَّ الإنسان في تفكيره إذا نظَّم أفكاره ورتَّبها فيما بينها حتى تتأدَّى إلى المطلوب على أيسر وجه وأحسنه على نحوٍ طبيعيٍّ تلقائيٍّ ليس فيه تحديد ولا تأمُّل قواعد معلومة من قبل فإنَّه في هذا سار وفق المنهج التلقائيِّ، أما إذا سار الباحث على منهج قد حدِّدت قواعده وسنَّت قوانينُه لتتبيَّن منها أوجهُ الخطأ والانحراف من أوجه الصواب والاستقامة، فإنَّ هذا المنهج بقواعده العامَّة الكليَّة يسمِّى بالمنهج العقليِّ التأمُّليّ.
وعموماً تتعدَّد أنواع المناهج تعدُّداً جعل المشتغلين بمناهج البحث يختلفون في تصنيفاتهم لها، فيتبنَّى بعضهم مناهج نموذجيَّة رئيسة ويعدُّ المناهج الأخرى جزئيَّة متفرِّعة منها، فيما يعدُّ هؤلاء أو غيرهم بعض المناهج مجرد أدوات أو أنواع للبحث وليست مناهج، ومن أبرز مناهج البحث العلميِّ كما أشار إليها بدر بعد استعراضه لتصنيفات عدد من المؤلِّفين والباحثين المنهجُ الوثائقيُّ أو التاريخيُّ، المنهجُ التجريبيُّ، المسحُ، دراسةُ الحالة، والمنهجُ الإحصائيُّ.
مناهج البحث العلمي
صنَّف وتني Whitney، مناهج البحث إلى ثلاثة مناهج رئيسة، هي:
1- المنهج الوصفيُّ: وينقسم إلى البحوث المسحيَّة والبحوث الوصفيَّة طويلة الأجل وبحوث دراسة الحالة، وبحوث تحليل العمل والنشاط والبحث المكتبيِّ والوثائقيِّ.
2- المنهج التاريخيُّ: وهذا المنهج يعتمد على الوثائق ونقدها وتحديد الحقائق التاريخيَّة، ومن بعد مرحلة التحليل هذه تأتي مرحلة التركيب حيث يتمُّ التأليف بين الحقائق وتفسيرها؛ وذلك من أجل فهم الماضي ومحاولة فهم الحاضر على ضوء الأحداث والتطوُّرات الماضيـة.
3- المنهج التجريبيُّ: وينقسم إلى: المنهج الفلسفيِّ الهادف إلى نقد الخبرة البشريَّة من ناحية الإجراءات المتَّبعة في الوصول إليها وفي مضمون الخبرة أيضاً، والمنهج التنبؤيِّ الساعي إلى الكشف عن الطريقة التي تسلكها أو تتَّبعها متغيِّراتٌ معيَّنة في المستقبل، والمنهج الاجتماعيِّ الهادف إلى دراسة حالات من العلاقات البشريَّة المحدَّدة كما يرتبط بتطوُّر الجماعات البشريَّة.
والتربية تستفيد في دراساتها من تلك المناهج الرئيسة وتستخدم مناهج َمتفرِّعة منها وتصبغ بعضها بصبغة تربويَّة تكاد تجعلها قاصرةً على موضوعاتها، وسترد إشارةٌ إليها لاحقَا، ولا يقف الباحثون في التربية الإسلاميَّة عند تصنيفات الكتب المتخصِّصة في طرق البحث في ميدان التربية وعلم النفس عند الطرق السابقة بل يتعدَّونها ليضيفوا الطريقةَ الاستنباطيَّة، تلك الطريقة التي كانت أسلوب البحث في استنباط الأحكام الفقهيَّة لدى الفقهاء المسلمين.
اختبار الفرضيَّات واستخدام مناهج البحث
إنَّ ما يهمُّ الباحثين في دراساتهم هو عمليَّات اختبار فرضيَّاتهم، وهي ما تركِّز عليها طرق ومناهج البحث، فالطرق والمناهج المستخدمة في حلِّ مشكلات البحوث ذات أهميَّة بالغة؛ لأنَّ استخدام المناهج الخاطئة لا توصِّل الباحث إلى حلٍّ صحيح إلاَّ بالمصادفة، وعلى ذلك فإنَّ الباحثَ يجب أن يتقن المناهج التي ثبت نجاحها في مجاله العلميِّ، وأن يكتسب مهارةَ استخدامها بالممارسة العمليَّة بالدرجة الأولى، واختيار المناهج الصحيحة يعتمد على طبيعة مشكلة الدراسة نفسها؛ ذلك أن المشكلات المختلفة لا يتمُّ حلُّها بنفس الطريقة، كما أنَّ البيانات المطلوبة للمعاونة في الحلِّ تختلف بالنسبة لهذه المشكلات أيضاً، ونتيجة لذلك فينبغي قبل اختيار المنهج البحثيِّ الصحيح أن يدرس الباحث مشكلة دراسته في ضوء خواصِّها المميِّزة والبيانات والمعلومات المتوفِّرة.
ومناهج البحث باعتبارها لازمة لاختبار الفرضيَّات تتضمَّن الخطوات الرئيسة التالية:
1) تحديد وتعيين مكان البيانات والمعلومات الضروريَّة وتجميعها فهي تشكِّل الأساس لأيِّ حلٍّ لمشكلة الدراسة.
2) تحليل وتصنيف البيانات والمعلومات المجموعة وذلك للوصول إلى فرضٍ مبدئيٍّ يمكن اختباره والتحقُّق من صحَّته أو من خطئه.
وتنبغي الإشارة إلى أنَّه من المرغوب فيه في أي دراسة استخدام منهجين أو أكثر من مناهج البحث لحلِّ مشكلة الدراسة، فليس هناك من سبب يحول بين الباحث ومحاولة الوصول إلى حلِّ مشكلة دراسته بدراسة تاريخها عن طريق فحص الوثائق وهو ما يعرف بالمنهج الوثائقيِّ أو التاريخيِّ ثمَّ تحديد وضع المشكلة في الحاضر بنوع من المسح وهو ما يعرف بالمنهج .
وعموماً يجب التأكيد على مبدأ معيَّن وهو أنَّ الفرضيَّات لا يتمُّ اختبارُها والمشكلات البحثيَّة لا تتمُّ حلولُها بمجرد ومضات البداهة برغم أهميَّتها وقيمتها، ولا بمجرد الخبرة، وبمعاملتها بالمنطق والقياس وحدهما، فمشكلات البحث تتطلَّب اتِّباع مناهج للدراسة يتمُّ التخطيط لها بعناية لتحاشي أخطاء التقدير أو التحيُّز أو غير ذلك من الأخطاء، وحتى يـبنى البحثُ على أساس متين من الدليل المقبول الذي يخدم النتائج التي ينتظر الوصول إليها، لذلك يجب أن يكونَ المنهجُ الذي يختاره الباحثُ كامل الوضوح في ذهنه، وأن يكونَ ذلك المنهج محدَّداً في تفاصيله بحيث يكون الباحث مستعدّاً لشرح خطواته في سهولة ووضوح، فإذا لم يستطع الباحث ذلك فإنَّ ذلك يعني غموض خطَّته ومنهجه في ذهنه؛ وهذا يعني أنَّ وصوله إلى نتائج مُرْضِيَةٍ أمرٌ بعيد الاحتمال.
عبد الرحمن بن عبد الله الواصل