مشكلة هدر الأدوية وسوء استخدامها

يشير مصطلح هدر الأدوية Drug Abuse وسرفها وسوء استعمالها وسوء صرفها الى ان ذلك يشير بشكل دقيق الى استعمال تلك الدوية بدافع ذاتي يقرره الفرد نفسه ( سواء أكان مريضا أو معافى)، وذلك باسلوب المحاكاة على صعيد دوائي مباشر أو صعيد اجتماعي داخل اطار ثقافي ما، ويحمل مصطلح الهدر ايضا معنى الرفض الاجتماعي لضحاياه وللجهات المشاركة في خلقه كمشكلة (العيادات الطبية، الصيدليات، والاعلام الصيدلاني الدوائي المتحيّز).

وتقول الجهات المختصة في منظمة الصحة العالمية أن الطبيب العام يعتبر من اكثر عناصر الصرف والهدر في الدواء، ويمكن لنا ان نحدد هذه الدعوى على صورة محددة في ضوء التذكير بما يلي:

1- إتساع المجال المهني للطبيب العام، لأنه في متناوله وعلى صفحات الوصفات الطبية وصف مجموعات واسعة جداً من الأدوية الأساسية العامة والتخصصية في غالبية البلدان النامية.

2- اتجاه الصيادلة الممارسين في الصيدليات ومساعديهم الى اعتبار خبراتهم المرتبطة بوصفات الطبية اذناً مفتوحاً لصرف الادوية دون وصفة طبية وهم يغلفون فعلاتهم في هذا المجال بانهم يواجهون ضغوطاً من
المريض او ذويه.

3- المعالجة الذاتية الناشئة من الخبرات السطحية التي يكونها المرضى لأنفسهم من ربط الحالة المرضية الراهنة بعلاج سابق وصفه لهم طبيب.

4- رضوخ الاطباء العامين انفسهم لمصالح واتجاه شركات الادوية عن طريق اعلامها الدوائي المتحيز دون محاولة او مثابرة على خلق تسوية من الفهم العلمي المشترك بين الطبيب من جهة وبين الصيدلاني من جهة اخرى .

5 – قانونية الاسم التجاري تسهل على الطبيب العام قبـول ربط الادوية باستطلبابات تكون في كثير من الاحيان احتمالات متحيزة دون توفر حد مقبول من النوعية والدقة في العلاقة الثابتة في التشخيص والدواء.

( التباعد الواضح بين الاكاديمية والمهنية الذي يمنع تحقيق موازنة عاقلة حكيمة بين الاثار المفيدة في الدواء وبين الاثار الجانبية والسمنة فيه في الوصفة الطبية )

ويسود هذه المحاولة في تعريف المشكلة وتحديدها المفهوم الصحي والمفهوم الاجتماعي ، ولذا فإنه لا يكون من المدهش أن يكون هناك تفاوت واضح فيما يمكن اعتباره سرفا دوائيا او عكس هذا فيما يتعلق بدواء ما أو مجموعة من الأدوية ، ولكنه لا يمكن قبول هذا حين يكون مؤشرا الى اختلاف الثقافات فقط لأنه لا بد من اعتبار زمن السرف وعمر الفرد وحالته التي تم معها السرف وذلك في اطار الثقافة الواحدة.

وللايضاح فإننا نضرب الكحول مثلا حين يكون في المجتمع الغربي تسمماً وادمانا فيسمونه بذلك هدراً وحين يكون تعاطيه فى حالات فردية بحماية معيار اجتماعي ثقافي غربي خاص فلا يعتبرونه بذلك هدرا.

ماذا نريد أن نقول بالتحديد؟

اذا قبلنا استثناء المخدرات التي لا يختلف عليها اثنان في الدنيا فانه تجدر الاشارة الى التفاوت الواضح في ادراج الممنوعات والمحظورات من الادوية من بلد الى آخر لأنه كثيراً ما يعتبر دواء ما مشكلة سرف وهدر في بلد ما، فإنه لا يعتبر كذلك في بلد آخر ولو كان مجاوراً أحياناً، وتقف وراء هذا الواقع اعتبارات كثيرة من اهمها :

القانونية ، الثقافية ، الاجتماعية، الصحية المباشرة ، الاقتصادية، البيئية، الاقليمية، الدينية وما شابه ذلك.

ومن الأمثلة على هذه الأدوية :

أولا: المخدرات التقليدية – وهي المورفين والأدوية المورفينية وشبيهاته والبثدين والكوكايين والحشيش

ثانيا : الكودئين ومستحضراته بخاصة ، وتتمثل المشكلة هنا في مجموعة كبيرة من الادوية الحاوية على الكودئين من مضادات الالم ومضادات السعال على وجه التحديد . وقد تم التحفظ الرسمى عليها بسبب انقلاب الكودئين في الجسم بعد تعاطيه بزمن قصير الى المورفين الخطير. وما يزال أمر المستحضرات المذكورة موضع جدل ونقاش يقومان على ان دول العالم قبلت ان تبقى بعض مستحضرات الكودئين قابلة لتقديمها في الصيدليات دون وصفة طبية، الا ان القول الفصل فى هذا الأمر تقرره الظروف الاقليمية في أي بلد بعد ان ثبتت اساءة تعاطى الكودئين لأغراض (الكيف) والادمان دون وجود استطباب يقرره طبيب أمين.

ثالثاً : المنومات إن ظاهرة الاحتمال والاعتماد التى تسببها المنومات تفسر منع صرفها دون وصفة طبية اضافة الى انها قد تسبب التحول في تعاطيها لاهداف (الكيف) والهروب من مواجهة الواقع . وهي تساعد في خفض قدرة الانسان على التكيّف مع مشكلاته بقدراته الواعية.

رابعاً : المطمئنات Tranquilizers وقد اعلنت الجمعية الدانمركية للادوية والصيدلة ان هذه المجموعة من الادوية تسبب ادماناً بتعاطيها مدة تزيد عن ستة اشهر. وهى تسبب احتمالا واعتماداً باستعمالها لمدة دون الستة اشهر. والاهم انها بسوء استعمالها تفقد مفعولها الطبي الهادف، وتسبب كسابقتها خفض قدرة الفرد على التكيف مع مشكلاته ومن اهم أسمائها التجارية فاليوم، ستيدون، ستيسوليد .

خامساً : المهَدئات Sedatives وعلى رأسها مستحضرات البروم، لأنها بالاضافة الى سميّتها Bromism فإنها تورّط في احتمالها والاعتماد عليها ( والاحتمال زيادة الجرعة للوصول الى القدر نفسه من المفعول الدوائي وتصل الجرعة احياناً الى الحدود المميتة للفرد العادي).

سادساً : مضادات مغص الاطفال واقيائهم: يحاول الكثير من الآباء والأمهات القاء العبء على عواتق اطفالهم في صحتهم حين يبالغون في اسكات بكاء الاطفال بالأدوية المضادة للمغص وفي هذا الأمر فان لنا بعض الملاحظات :

1- يولد بعض الاطفال بمغص مرافق يستمر حتى نهاية الشهر الرابع من ولادتهم.
2- لا يكون المغص دائماً سبباً من اسباب بكاء الاطفال، ومع ذلك فإن الكثيرات من الأمهات يحاولن تأكيد هذا الغرض واللجوء الى اعطاء اطفالهن مثل تلك الادوية (التحاميل والنقط ) .
3- تحتوي كافة مستحضرات مغص الاطفال واقيائهم على مادة الفينوباربيتون المنوّمة، بالاضافة الى مشتقات الاتردبيه المصنعة كيماوياً ، وهى بذلك تسبب ظاهرة الاحتمال والاعتماد عند الاطفال بالاضافة الى اثرها السلبي في تثبيط الجملة العصبية المركزية (الخبال والخمول والانقلاب المزاجي عند الاطفال بالاضافة الى انقاص المفرزات بعامة والعطش بخاصة ) .
4- ويمكن الاستعاضة عن هذه الادوية كاجراء اسعافي باستعمال ماء الزهر ومنقوع المريمية (الشجيرة). وكذلك يمكن اللجوء الى الاسلوب الميكانيكي لاخراج الغازات المرافقة المغص الاطفال بالضغط على بطن الطفل على رأس الكتف (الترقوة) والضرب على ظهر الطفل ليتجشأ .
5- كثيراً ما يكون المغص عرضاً سابقاً لالتهاب الزائدة الدودية.

مضادات الالم والحرارة للاطفال :

المبدأ ان الاطفال اقل قدرة من الكبار على مقاومة (الالتهابات)، وارتفاع الحرارة يكون عرضا لمجموعة كبيرة من الامراض الحرجة احياناً (ذات السحايا التي يسبقها ارتفاع في الحرارة، صداع شلل الاطفال، الحمى التيفية وغيرها). وليس من الحكمة ازالة وتغطية اعراض الالم والحرارة عند الاطفال، واخفائها بالتحاميل والاقراص.

وان عرضي الحرارة والألم عرضان ممتازان يوجهان الطبيب إلى تشخيص أكثر دقة.

مشتقات الكورتيزون من المراهم والكريمات

وقد اثبت التعاطي الهدري المسرف لهذه المستحضرات بتطبيقها على الجلد، نسبة امتصاص عالية فيها ،مما يؤثر في تثبيط الغدة فوق الكلية ( الكظر ) مما يعرض لاحتمالات ارتفاع التوتر الشرياني (الضغط) المفاجئ
ولذا، يجدر استعمالها بوصفة اختصاصى اوتكرارها الى المدى الذى يحقق الهدف كليا او جزئياً في حالة مرضية معينة فقط.

المسهلات : إن الاعتقاد السائد في قطاع كبير من المجتمع بجدوى هذه الأدوية فى مجال (تنظيف) الجهاز الهضمي، ذو جذور تاريخية، أما حقيقة الأمر، فإن تعاطي المسهلات دون لزوم علاجي واضح محدد سيؤدى إلى سحب الماء من الدم ومن الأنسجة على صورة إسهال، دون تحقيق الهدف الوهمي بقتل وإخراج العضويات المرضية الدقيقة أو الطفيليات. فهذه الكائنات بغريزة حب البقاء تعرف كيف تدافع عن نفسها فلا تستجيب لإبادتها أو إيقاف نموها، إلا بتناول نوعيات خاصة من مطهرات الأمعاء الموضعية أو بعض المضادات الحيوية.

المضادات الحيوية : تهدر هذه المجموعة من الأدوية ويساء تعاطيها على الصور التالية :

1- التوقف عن تعاطيها باختفاء الأعراض السريرية، بينما يستمر الجرثوم ناشطا على صورة تحت سريرية فلا تظهر الأعراض. وتكون النتيجة المؤسفة ظهور ظاهرة المقاومة الجرثومية فلا يستجيب المرض لهذه الأدوية فى مناسبات لاحقة وكلما لزم الاستطباب بها.

2- مضادات الحموضة : يكون استعمالها نوعاً من الهدر والسرف الدوائي كلما :


1- استعملت لمدة طويلة دون محاولة العودة الى اختصاصي لمعالجة اسبابها معالجة جهازية جذرية عن طريق ضبط مراكز الافراز مركزيا أو في انسجة المعدة تحت غشائها المخاطى.
2- تسبب إمساكا بمضي الوقت بسبب احتواء غالبية مستحضراتها العظمى على عنصر السيليكون.
3- يكون تحديد جرعة بعض موادها صعبا، من أجل المحافظة على الوسط الحامضي المناسب في المعدة، لأن الانتقال من وسط حموضة 2 – 3 ( حموضة مفرطة ) الى وسط حموضة 6-7-8 في بيئة المعدة امر ضار.

اعداد جهاد سعد الدين

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

زيت الزيتون وفوائده الصحية ودوره في حماية القلب ومكافحة الأمراض

يُعدُّ زيت الزيتون من أبرز المكونات الغذائية التي تشتهر بها منطقة الشرق الأوسط، ويحتل مكانة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *