علاقة المنهج التربوي بالمجتمع المحلي

التربية؛ مفهومها وتطورها
المنهج التربوي والمجتمع
الأسس الاجتماعية للمنهج المدرسي
الثقافة
تأثير الثقافة على المنهج المدرسي
علاقة الثقافة بالمنهج المدرسي
التغير الاجتماعي
عوامل التغير الاجتماعي
عوائق التغير الاجتماعي
مشكلات التغير الاجتماعي

المهندس مهند محمد الجندي

للمناهج الدراسية دوراً هاماً وبارزاً في حياة البشر فهي الأداة الفعالة التي تستخدمها المجتمعات في بناء وتشكيل شخصية الأفراد المنتمون لها وفقاً لفلسفاتها وثقافاتها ومعتقداتها فمن المعروف أن المناهج الدراسية تعكس تطلعات وطموحات هذه المجتمعات وآمالها في أجيالها الصاعدة كما تعكس الواقع التي تعيشه هذه المجتمعات وما تعاني به من أحداث وما يمر بها من أزمات وقد فطنت بعض هذه الدول هذه الحقيقة وأجرت تعديلات واسعة وشاملة وأحدثت تغيرات هائلة في مناهجها الدراسية مما أدى إلى ظهور طفرات هائلة في تقدم هذه الدول على كافة الأصعدة وفي كافة مجالات الحياة وحققت تقدماً مذهلاً في شتى ضروب العلم والمعرفة وقد فطن التربويون الباحثون في مجال التربية عن خطورة المناهج الدراسية والدور الهام التي تقوم به في تنشئة أجيال من المتعلمين وإكسابهم المهارات والعلوم التي تساعدهم في النمو المتكامل لشخصياتهم وكذلك النهوض بمجتمعاتهم.

فالمنهج المدرسي ما هو إلا وليد المجتمع بل إنه يعكس ثقافة المجتمع بكل عناصرها( المعتقدات الدينية، العادات، التقاليد، أنماط التفكير والسلوك، أساليب التربية).

وما على المنهج إلا أن يسد ثغرات المجتمع ويصلح فيه ما فسد من خلال تربية الناشئة على خدمة هذا المجتمع والعمل على إعادة بناءه.

كما إن مفهوم المنهج الدراسي تطور مثلما تطورت المفاهيم التربوية الأخرى فإن تعقد مشاكل الحياة واشتباك مصالح الأفراد والجماعات شمل جميع النواحي وتغلغل في كل منعطف وزاوية فيها وبالطبع أصاب التربية والتعليم نصيب وافر منها فضلاُ عن التغيرات في الأسس والأساليب التربوية لجعلها ملائمة للمطالب الحيوية الجديدة التي تتلاءم مع أساليب الحياة الجديدة.

ومثلما تطورت البحوث والدراسات لمعرفة أهمية إعداد المعلم والمدرس وتوجيهما ليكونا قادرين على الاضطلاع بالمسؤولية المترتبة عليها والقيام بها بأكمل وجه. فإن الاهتمام بالمنهج الدراسي سلط الضوء عليها ولذلك تباينت نظريات المنهج. ونظريات المنهج استندت في أفكارها على أسس ومبادئ انطلقت منها ونجد أن هناك نظريات احتفظت بأفكارها الأساسية وان اختلفت أساليبها ومنذ تأسيسها كفكرة مثل الفلسفة المثالية والواقعية وهناك من النظريات ما اندثر ثم قامت بأسماء مختلفة.

يحتل المنهاج مركزاً حيويا في العملية التربوية لا بل تعتبر لحد ما العهود الفقري للتربية.
والمنهاج هو المرآة التي تعكس واقع المجتمع وفلسفته وثقافته وحاجاته وتطلعاته وهو الصورة التي تنفذ بها سياسة الدول في جميع إبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية والاقتصادية.
ويعتبر المجتمع المرجع الأول والأساسي الذي يعتمد أي منهج تربوي لارتباط المناهج التعليمية بالنظم الاجتماعية والسياسية ولانعكاس النظام الاجتماعي السائد في بلد ما على المناهج ولكون المدرسة مؤسسة اجتماعية لها أكبر الأثر في التغير الاجتماعي ولكون المنهج المدرسي أداة يتحقق بواسطتها أهداف المدرسة في حركة المحافظة على التراث وحركة التغير الاجتماعي.

التربية؛ مفهومها وتطورها:

مفهوم التربية:

تعتبر التربية وسيلة المجتمع للمحافظة على بقائه واستمراره وثبات نظمه ومعاييره الاجتماعية وقيمه وخبرات ومعارف الأجيال السابقة. وتحقق التربية هذا الهدف بنقلها التراث الثقافي للجيل الجديد وبذلك يكون دور التربية هو تنمية السلوك الإنساني وتطويره وتغييره لكي يناسب كل ما هو سائد في مجتمع ما. فالتربية عملية تهدف إلى إعداد وتشكيل الفرد للقيام بأدواره الاجتماعية في مكان ما وزمان ما على أساس ما هو متوقع منه في هذا المجتمع ولما كانت فلسفة التربية وأهدافها وأساليبها ومعاييرها تحددها ثقافة المجتمع وفلسفته وأهدافه ونظمه الاجتماعية ووضعه الاجتماعي الاقتصادي وتطلعاته وإمكانياته فإن عملية التربية لا بد أن تختلف من مجتمع إلى آخر فدور الطالب يختلف من مجتمع إلى آخر كما يختلف من مرحلة تعليمية إلى مرحلة تعليمية أخرى.

وتتضح هذه الصورة في نظرة ابن خلدون للتربية على أنها عملية تنشئة اجتماعية للفرد يكتسب القيم والاتجاهات والعادات السائدة في مجتمعه إلى جانب المعلومات والمهارات والمعرفة ويرى دور كايم أو الوظيفة الأساسية للتربية هي إعداد الجيل الجديد للحياة الاجتماعية للقيام بأدوارهم الاجتماعية المتوقعة منهم بمجتمعهم وبذلك تساهم التربية في المحافظة على المجتمع كنسق اجتماعي وتحافظ على الشخصية القومية.
والتربية تنقل لأفراد الجيل الجديد المعارف والخبرات والمهارات والاتجاهات والقيم والمعايير الاجتماعية وأنماط السلوك المتعارف عليها والمحددة ثقافياً يتعلم الفرد من خلال عملية التربية الأهداف المحددة ثقافياً وترتيبها الهرمي والأساليب المشروعة والمتعارف عليها لتحقيق هذه الأهداف وكذلك نظم الإثابة والعقاب المتعارف عليها في المجتمع مما يسهل تفاعله في مجتمعه وقيامه بأدواره الاجتماعية وبذلك تعد التربية أفراد المجتمع للقيام بأدوارهم الاجتماعية المتوقعة منهم في مجتمعهم ومن التفاعل بكفاءة مع بيئتهم الاجتماعية والمادية والطبيعية بصورة تمكنهم من الإسهام الفعال في بناء مجتمعهم وتطويره وتقدمه.

والتربية عملية اجتماعية هادفة ذات مراحل وأهداف يقوم بها وسطاء بصورة غير رسمية مثل الأسرة ووسائل الإعلام ودور العبادة ومؤسسات المجتمع الأخرى أو بصورة رسمية وفق أهداف محددة وواضحة أساليب ووسائل لتحقيق هذه الأهداف كالمدرسة وأهداف التربية ليست جامدة ثابتة ولكنها مرنة قابلة للتعديل لتلائم طبيعة الفرد في مكان معين وزمان معين.

وعملية التربية بتشكيلها للفرد اجتماعيا تكسبه نمطا يميزه عن غيره من الأفراد في مجتمعه ولكنها في نفس الوقت من خلال اكتساب الفرد للمعايير الاجتماعية والأنماط السلوكية والقيم والاتجاهات المحددة ثقافياً تكسبه الكثير من الخصائص المشتركة مع أفراد مجتمعه تميزه كعضو ينتمي إلى مجتمع معين وهذا ما يطلق عليه الشخصية النمطية.

مما تقدم يتضح لنا الدور الهام للتربية في مساعدة الفرد على تحقيق مطالب النمو الشامل المتكامل عن طريق التعلم وتقديم النماذج السلوكية التي يحاكيها بصورة غير مباشرة وهذا بدوره يعمل على نمو قدرات الفرد وتوجيهها لإفساح المجال أمامها لتحقيق النمو المتوقع لها فتعمل التربية على تكيف الفرد في مجتمعه وزيادة الفرص المتاحة أمامه للتحصيل والاكتساب مما يؤهله للمساهمة في عملية التنمية المستديمة في مجتمعه في حدود قدراته وما يقدمه له مجتمعه وطبيعة العصر.

تطور التربية:

تمثل التربية عملية اجتماعية نشأت بوجود الإنسان فكانت التربية في المجتمعات القديمة قبل ظهور الجماعات المتخصصة تمارس من خلال الأنشطة اليومية لأفراد المجتمع فكان الطفل يتعلم من خلال محاكاة الراشدين في قيامهم بأعمالهم اليومية ومشاركتهم في هذه الأنشطة فكان الطفل يتعلم من خلال المشاركة في العمل متطلبات العمل فالممارسة الفعلية والتعليم من خلال المحاولة والخطأ والاستفادة من توجيهات وخبرات الراشدين كانت تمثل أسس التربية في ذلك الوقت.

هذا وكانت الأسرة تمثل وحدة اجتماعية اقتصادية ووحدة تربوية أيضاً فكانت الأسرة تقوم بتقسيم العمل بين أفرادها وتقوم بالإنتاج وتعد أفرادها للقيام بأدوارهم في المجتمع كمواطنين صالحين يعملون على استقرار مجتمعهم ونموه وبهذا كان الفرد يتعلم في نطاق أسرته العادات والتقاليد والقيم والاتجاهات والأنماط السلوكية المتعارف عليها في الجماعة والمحددة ثقافياً ونظم الإثابة والعقاب وأساليب وطرق تحقيق الأهداف.
وبظهور الجماعات المتخصصة التي كانت تزاول حرفاً معينة بمهارة أصبح هناك ضرورة للتخصص وتقسيم العمل ومعرفة بفنون هذه الحرف ومهاراتها ومن هنا ظهر نظام الصبية في المجتمعات القديمة ويعني هذا النظام أن مجموعة من الصبية كانت تتلمذ على يد حرفي والمشاركة في العمل وبذلك كانت المشاركة الفعلية في العمل والتوجيه والتعلم من الأخطاء والاستفادة منها هي أساس التعلم الحرفي فكان التعليم طبيعياً عن طريق المشاركة الفعلية في العمل وبالإضافة إلى تعلم الحرفة كان الفرد يتعلم أيضاً متطلبات دوره والمهارات المتضمنة في أدائه لهذا الدور وتوقعات الآخرين منه والطرق الصحيحة للاستجابة لتوقعات الآخرين.

وبهذا أصبح الفرد يتعلم من مجتمعه الحرفة التي سيزاولها ومجموعة كبيرة من المعايير والقيم والاتجاهات الأساسية لقيامه بأدواره الاجتماعية في المجتمع ويتعلم أيضاً الطقوس الدينية من رجال الدين ظهروا كجماعة متخصصة لها طقوس وتعاليم وشعارات خاصة بها.

وبتطور المجتمعات ظهرت جماعات أخرى متخصصة مثل رجال الطب والتعليم الديني وحفظ القصص وممارسة الكثير من الفنون الشعبية وكان هذا التحول هو بداية الانتقال من التربية غير المقصودة إلى التربية المقصودة ذات الأهداف المحددة والتي يقوم بها أفراد متخصصون حسب طرق وأساليب خاصة.

ونتيجة التطور والتحديث وتعقد الحياة الاجتماعية وزيادة التراث الثقافي وتعقده وزيادة متطلبات الحياة الاجتماعية والتغير في حاجات الأفراد ونظرتهم للحياة وتطلعاتهم ظهرت الحاجة إلى التخصص والكفاءة والدقة في الإنتاج والخدمات التي تقدمها مؤسسات المجتمع وقد مهد ذلك لنشأة التربية المقصودة لإعداد الموارد البشرية القادرة على تحقيق مطالب المجتمع ومن هنا ظهرت التربية الرسمية كمؤسسة اجتماعية عهد إليها المجتمع مهمة التربية وقد أدى ظهور الديمقراطية والمناداة بحق الفرد في التعليم لتنمية قدراته ومساعدته على النمو ورفع مستواه الاجتماعي والاقتصادي وإسهامه في تنمية مجتمعه إلى انتشار التعليم الرسمي وبذلك أنشأت المجتمعات المدارس كمؤسسات رسمية للقيام بوظيفة التربية.

وقد أحدثت الثورة الصناعية تغييرا كبيرا في المجتمعات فلم تقدم الثورة الصناعية مجموعة كبيرة من الاختراعات والاكتشافات فقط بل أحدثت إلى جانب ذلك تغييرا في بناء المجتمع فقد تغير بناء الأسرة ولم تعد الأسرة وحدة اجتماعية واقتصادية كما كانت من قبل ونشأت مؤسسات جديدة متخصصة تساعد الأسرة في القيام بوظائفها مثل المدرسة ووسائل الإعلام ومؤسسات الخدمات الأخرى هذا كما تغير نمط العلاقات في الأسرة وخرجت المرأة للعمل لتسهم في دخل الأسرة وظهرت تخصصات في المجتمع تحتاج إلى معارف ومهارات جديدة فأصبح الآباء في ضوء ذلك غير قادرين على تقديم هذه المعارف والمهارات لأبنائهم وخاصة أن ظروف العمل الجديدة دفعت الآباء للعمل بعيداً عن أبنائهم مما جعل فرص التقليد والمحاكاة غير متوافرة لكي يتعلم الأبناء.

وقد أدى ذلك إلى أن أصبح التعليم الرسمي أساسياً بعد أن أصبح المجتمع المحلي والأسرة غير قادرين على القيام بهذه الوظيفة وصارت مسئولية المدرسة إعداد الأفراد للحياة وممارسة أدوارهم الاجتماعية ونقل الثقافة والمحافظة عليها واستمراريتها فالمدرسة لا تنقل للطفل المعارف وتكسبه كثيراً من المهارات التي يحتاجها فقط بل أيضاً يتعلم في المدرسة مجموعة من المعايير والقيم التي تكون الأساس الأيدلوجي للتراث الثقافي فاستمرارية المجتمع لا تتطلب إكساب أفراد المجتمع المعارف والمهارات الأساسية فقط بل تكسبهم أيضاً الشعور بالــ (نحن) والولاء للمجتمع بمؤسساته الاجتماعية واقتناعهم بالمبادئ السياسية والقانونية والدينية التي ترتكز عليها هذه المؤسسات.

فالتربية لا تقدم للفرد المعارف والخبرات والمهارات والمعايير الاجتماعية والقيم والاتجاهات فحسب بل توضح للفرد أيضاً كيف يعمل في المجتمع الذي ينتمي إليه والأسس التي ترتكز عليها مؤسساته الاجتماعية لمساعدته على فهم دورها ويهدف التعليم الرسمي أساساً إلى:

الأعداد المهني لأفراد المجتمع لممارسة الوظائف المتخصصة بالمجتمع.
إتاحة فرص متكافئة للأفراد في المجتمع لنمو قدراتهم وحسن استغلالها لمصلحة الفرد والمجتمع.
ربط الفرد بمجتمعه وإكسابه الشخصية النمطية .
والمدرسة كمؤسسة رسمية لا تقدم للفرد المهارات والمعارف فقط وإنما تؤثر عليه بدرجة كبيرة في جميع جوانب شخصيته ويمتد تأثيرها خارج نطاق وظائفها التقليدية ليشمل المجتمع المحلي الذي توجد به والمجتمع الكبير ويضع كل من الأسرة والمجتمع على المدرسة مسئوليات جديدة ويتوقعون منها أن تؤديها وهذه المسئوليات لا تتضمن اكتساب المعارف والمهارات فقط وإنما أيضاً القيم والاتجاهات وأنماط السلوك والمدرسة لكي تؤدي دورها الشامل بالنسبة للتلاميذ من قدرات مختلفة ومستويات اجتماعية واقتصادية مختلفة يقع على عبء كبير من قيامها بدورها وبهذا فبدون مساعدة الأسرة ومساندتها للمدرسة في القيام بدورها ومؤسسات المجتمع الأخرى كالأندية ودور العبادة ووسائل الإعلام والمجتمع المحلي بمؤسساته المختلفة لا يمكنها القيام بدورها المتوقع منها.

فالمدارس بإمكانياتها وأساليبها ومعلميها لا يمكنها العمل بمفردها على تحقيق أهدافها اتجاه التلميذ والمجتمع المحلي والمجتمع الكبير
وهذا يتطلب من المدرسة تفهم دور مؤسسات المجتمع الأخرى التي يمكن أن تساعدها بنجاح في القيام بمسئولياتها الكثيرة ودورها كمؤسسة اجتماعية تعد أفراداً معينين للقيام بأدوارهم في مجتمع معين وعصر معين وأن تربط الخبرة بواقع حياة التلاميذ وأن تتفهم مؤسسات المجتمع وخاصة الأسرة ودور ومسئوليات المدرسة وأن تعمل على إيجاد نوع من الاتصالات والعلاقات بينهما لتأكيد التفاعل الايجابي ودراسة طرق التنسيق والعمل لتحقيق بينهما .

المنهج التربوي والمجتمع:

التربية عملية يؤسسها المجتمع ويديرها؛ لأجل تعزيز ثقافته، وتمتين تماسكه، والمنهج التربوي من أهم عناصر العملية التربوية، وفيه تظهر ثقافة المجتمع وغاياته، أي عقيدته وتصوراته، وقيمه وأخلاقه، واتجاهاته في الفعل والتغير.وتأثير الثقافة في أي منهج تربوي نراه في مواضع ومفاصل كثيرة من عمليات إعداد المناهج، ونواتج هذه العمليات.ومن أبرز المواقف التي يظهر فيها تأثير الثقافة في المنهج، موقف اختيار عناصر محتوى المنهج وأفكاره الكبرى، فكل عملية اختيار لهذه العناصر، لا بد أن تتأثر بالقيم التي يحملها واضعو المنهج، بأشكال صريحة واعية أحياناً، وبأشكال غير واعية، أو غير صريحة، في أحيان أخرى.ومن الطرق الفاعلة في تحديد الوجهة الثقافية لأي منهج أن تدرس العناصر التي ظهرت في عملية اختيار محتواه، وكذا العناصر التي استُبعدت، وهو ما صار يطلق عليه في المصطلحات التربوية المعاصرة: المنهج المُقْصى.إذاً فكل عملية اختيار تعبّر عن ثقافة مرغوبة يحملها المنهج المُقَرّ والمكتوب، وكل عملية استبعاد تعبر عن ثقافة غير مرغوبة لدى واضعي المنهج، وتشكل المنهج المُقْصى!.هناك مثلاً قيم اجتماعية أو سياسية تربّى عليها الأجيال، وتظهر في محتوى المناهج المدرسية.. ثم يمرّ البلد بضغوطات خارجية، أو هيمنة جهات معينة على القرار… فيكون من مقتضى هذا أو ذاك، تغيير تلك القيم التي كانت تتبنّاها المناهج، ولكنّ النص على قيم مناقضة قد يثير الرأي العام، ويصدم الثقافة السائدة… لذلك يقوم واضعو المناهج الجديدة باتخاذ موقف في منتصف الطريق، فيحذفون من محتوى المناهج ما كان يحقق القيم المراد إلغاؤها، من غير أن يستبدلوا بذلك محتوى جديداً يحقق القيم التي يراد ترويجها… وقد يتمكنون من التهيئة النفسية والفكرية للقيم الجديدة، عبر محتوى المناهج، أو عبر أنشطة مرافقة، كالرحلات المدرسية، والكلمات الصباحية، والاحتفالات في مناسبات شتى، أو سلوكيات ظاهرة يقوم بها بعض أهل الحظوة والنفوذ.
ومن المواقف التي نرى فيها تأثير الثقافة، عمليات تنظيم العناصر التي تم اختيارها، فترتيب المعارف المقدمة في المنهج، وطرق ربطها معاً وتوظيفها… تتصل اتصالاً وثيقاً ببناء الثقافات لدى الأفراد الذين يقومون بهذه العمليات، وتتدخل في هذه العمليات تصوراتهم عن العلوم التي يضعونها، وعن المجتمع الذي يعيشون فيه، وعن البيئة التي سيطبق فيها المنهاج… وما يتبع ذلك من تصوراتهم عن الغايات التي يريدون للتربية أن تحققها، واتجاهات التغيير التي يريدون للمنهج أن يعزِّزها ويقوّيها.ويتصل بعمليات تنظيم العناصر المختارة هذه، كثير من الأسئلة عن كيفية تأثرها بالثقافة، فأثر الثقافة قد يبدو في الحجم والوزن اللّذين تحتلُّهما في عناصر المنهج (أهدافِه ومحتواه… ) أي في مدى التركيز الذي يوجَّه نحوها، كما إنه قد يبدو في مقدار تعميمها على الفئات المختلفة من المتلقّين (أو التلاميذ… )، بأن تُعَدَّ مهمة لكل الناس، أو لشرائح منهم فحسب، وقد يبدو في تصنيفات هذه العناصر وتبويبها، بأن تعالج بعض الظواهر في ميدان العلوم الطبيعية أو في ميدان العلوم الشرعية.ولمعرفة أهمية عمليات البناء والتنظيم من حيث تأثيرها في الثقافة، وتأثُّرها بها، يمكننا أن نتبصَّر في ظاهرة واضحة في مناهج التعليم السائدة في بلادنا العربية والإسلامية عموماً، وهي وضع مادة مستقلة بعنوان ” التربية الإسلامية ” أو جعلها متسرِّبة في ضمن مواد أخرى (كالتاريخ واللغة العربية والاجتماعيات… )، أو انفصالها إلى مواد متخصصة (كالتلاوة والتجويد والفقه والسيرة النبوية… )، فكل خيار من هذه الخيارات يحمل رسالة ثقافية، هذا فضلاً عن المحتوى الحقيقي والتفصيلي لهذه المواد، ومدى انسجامه مع المواد الأخرى للمنهاج وترابطه معها.ثم يظهر تأثير العامل الثقافي بأشكال وصور مختلفة، وقد وجد فرع في دراسة المناهج يختص بدراسة هذا التأثير، ويحمل اسم ” تحليل المحتوى ” وهو أسلوب في الدراسات المرتبطة بالوثائق والنصوص، له فلسفته وإجراءاته، ويطبق وفق منحيين:
المنحى الأول: منحى كمّي يكشف توجهات المحتوى من خلال التعرف على مدى تكرار موضوعات معينة أو كلمات معينة فيه.

المنحى الثاني: منحى نوعي يعتمد على الغوص أكثر في معاني النصوص والرسوم والأنشطة المرافقة… وما يحمله ذلك كله من قيم وتوجيهات صريحة أو بالإيحاء… ويوازن بين ما يقصده الكاتب وما يتلقاه القارئ من هذه المعاني.

وبعد هذا كله يمكن طرح سؤال مهم: إذا وضع المنهاج في مراحله المختلفة، وعناصره، من أجل تحقيق غايات ثقافية محددة، فهل هناك ضمانة لتحقيق هذه الغايات وتشكيل الأفراد وفق التصورات التي قام عليها؟.
والجواب: ليس هذا مضموناً؛ لأن ما تحدثنا عنه هو المنهج الرسمي المكتوب فحسب، أما ما يؤثر في الأفراد المقصودين بالتربية فهي عوامل متعددة، لا يعدو المنهج المكتوب أن يكون واحداً منها. فالمدرسة مجتمع متكامل، له ثقافته الفاعلة التي تشكل “المنهج الخفيّ” وهذا المنهج الخفي يشكل اللوائح والتعليمات والسياسات والتطبيق الفعلي لها، وكذا القيم الفعلية التي تسود جو التلاميذ والمعلمين، والمجتمع المحيط.
وهذا الجواب يحل بعض الإشكالات من مثل: لماذا تنشأ في نفوس التلاميذ وسلوكهم بعض المظاهر الإيجابية أو السلبية، التي لم يتعرض لها المنهاج؟! ولماذا تلحظ بعض هذه الظواهر في مدرسة دون أخرى، أو بلدةٍ دون غيرها؟! أو مرحلة تاريخية معينة؟…

إن على الإدارة التربوية العليا أن ترصد آثار المنهجين: المكتوب والخفي، وأن تعمل على إلغاء الفوارق والتّضاد بينهما، وأن تتعامل بإيجابية وواقعية وجدّية مع العملية التربوية، فتُدخل التعديلات والإصلاحات على المنهج المكتوب، وعلى الإدارة المدرسية… لتبقي ما هو سليم نافع، أو تستدركه، أو تعزِّزه… وتعالج ما هو خاطئ ومنحرف وقاصر. وقد تجد أن العلاج يقتضي إعادة النظر، ليس في المنهج المكتوب فحسب، بل في تأهيل المعلمين والمشرفين التربويين، أو في إصلاحات خارج نطاق المدرسة كلها، تشارك فيه مؤسسات أخرى غير المؤسسات التربوية، وذلك أن العملية التربوية جزء من عملية تفاعلات اجتماعية واقتصادية وسياسية.

الأسس الاجتماعية للمنهج المدرسي:

أصبح من المعروف أن الحياة في المجتمعات الحديثة قد تعقدت بزيادة التنوع فيما يقوم به الأفراد والجماعات من أعمال وبزيادة تداخل هذه الأعمال بعضها في بعض فأصبحت الأسرة لا تجد لديها الوقت الكافي لتوجيه كل فرد من أبنائها وتدريبه على عمل يمارسه بنجاح في الحياة.
ولقد نما العلم وتفرع وأصبحت فيه أجزاء أو فروع ضرورية لفهم مظاهر الحياة وأجزاء أو فروع تفيد الإنسان في حياته ولكن الأسرة أيضاً أصبحت لا تجد لديها كل المعلومات الضرورية والتخصص اللازم لتعليم أبنائها ما يحتاجون إليه من هذا العلم ولا تجد لديها الوقت والتخصص اللازمين كذلك لتوجيه أبنائها وتدريبهم على النحو الذي يفضله المجتمع ويساعد على نجاح هؤلاء الأبناء في حياتهم نجاحاً يرضى عنه المجتمع ويعتز به.

وبما أن المنهج المدرسي وسيلة المدرسة في التربية فأنه يصبح الأداة التي تستخدمها المدرسة في تربية هؤلاء الأبناء أي يصبح الأداة التي تساعد المدرسة على توجيههم وتعليمهم وتدريبهم وتثقيفهم لينمو بشكل متكامل يناسب المجتمع من قدرات ومهارات واتجاهات وليتدربوا على التقاليد والمثل العليا المرغوب فيها وليستطيع كل منهم في الوقت المناسب أن يقوم بإشباع حاجات المجتمع وبلوغ أهدافه العامة وليستطيع كل منهم أيضاً المواءمة بين نفسه وحياة المجتمع مواءمة تجعل منه مواطناً صالحاً.

وبناء على هذا كله تكون هناك علاقة وثيقة بين المنهج المدرسي وكل من خصائص المجتمع وحاجاته وأهدافه الرئيسة وظروفه ومشكلاته وعند وضع أي منهج مدرسي يجب أن تُدرَس هذه النواحي في المجتمع الذي تخدمه المدرسة وتراعي أسس اجتماعية هامة في وضع المنهج وتنفيذه تنفيذاً سليماً.

أن العلاقة بين المجتمع والمنهج المدرسي تتطلب من واضعي المنهج ومنفذيه أن يقوموا بدراسة نواحي المجتمع الذي تخدمها المدرسة وأن يربطوا بينها وبين المنهج المدرسي ولتيسير هذا على واضعي المنهج ومنفذيه رأينا أن نتحدث هنا عن الثقافة وتأثيرها وعلاقتها بالمنهج المدرسي والتغير الاجتماعي الثقافي وتأثيره وعلاقته بالمنهج المدرسي.

الثقافة:

تمثل الثقافة طريقة معيشة أفراد مجتمع معين فتتضمن أنماط معيشتهم أساليبهم الفكرية والمعرفة بأنواعها والقيم الموجهة لسلوكهم والمعتقدات وأساليب التعبير عن المشاعر والمعايير الاجتماعية وكل ما يستخدمه أفراد هذا المجتمع من آلات وأدوات في إشباع حاجاتهم وتكيفهم مع بيئتهم الاجتماعية الطبيعية وبذلك تشير الثقافة إلى حصيلة كل ما تعلمه أفراد مجتمع معين وكل ما هو من إنتاجهم .

والثقافة ليست فقط من صنع الإنسان وإنما إلى حد كبير تشكله عضوياً وانفعالياً وفكرياً فتحدد بعض المظاهر العضوية للفرد كطريقة الجلوس وعادات النوم وأساليب التفكير وإدراك العالم الخارجي وطرق التعبير عن المشاعر فالثقافة ترسم الحدود لسلوك واختيارات الأفراد في كل مجتمع ولكنها في نفس الوقت تترك للفرد نوعاً من الحرية في تحديد سلوكه وعلاقاته في نطاق الحدود التي رسمتها له. فتقدم الثقافة لأفرادها أنواعاً مختلفة من الطعام ليختاروا منها ولكنها في حالات محددة تحرم أنواعاً قليلة منها مثل تحريم أكل الخنزير في الثقافة الإسلامية إلا في نطاق ضيق جداً.

هذا كما أن الاختراعات والمبتكرات والآلات والأدوات التي توصل إليها أفراد المجتمع لإشباع حاجاتهم تحدد استخداماتها وأهميتها الأفكار والمعارف والقيم والاتجاهات والمعتقدات والعادات السائدة في الثقافة لما لها أثر كبير في تشكيل سلوك الفرد ودرجة تقبله لهذه الاختراعات والمبتكرات كما تحدد الطبقة الاجتماعية الاقتصادية للفرد اتجاهه نحو هذه الاختراعات والمبتكرات ودرجة تقبله لها.

وترى دورثي لي (Dorothy lee) أن الثقافة نسق من الرموز بواسطته يعطي الأفراد معنى كل ما يدور حولهم فالسلوك باعتباره محدداً ثقافياً يمثل نسقاً يربط الأفراد بعالمه سواء كان هذا العالم هو المجتمع أو الطبيعة أو الكون فالإطار الثقافي للمجتمع يشكل سلوك أفراده ومعارفهم وأساليب تفكيرهم وقيمهم واتجاهاتهم وفنونهم وكل ما يدور حولهم وبذلك تضع الثقافة القوانين المنطقية والمبادئ الفكرية والحدود الثابتة فتقدم لأفرادها الدليل الذي يرشدهم في تفسير كل ما هو موجود في مجتمعهم ويوجههم إلى أساليب العمل التي تمكنهم من ممارسة أدوارهم الاجتماعية في حدود قدراتهم وما يقدمه مجتمعهم.

وتتعدد المصطلحات التي يستخدمها الباحثون للدلالة على الطابع العالم الذي يسود مجتمعاً من المجتمعات ومن هذه المصطلحات مصطلح التراث الذي يشيع استخدامه ويرى سيد أحمد عثمان أن إطلاق هذه التسمية على نتاج المجتمعات التي اندثرت مثل الفراعنة والبابليين والآشوريين أمر جائز لكن هذا لا يصح أن يكون مبرراً لاستخدمها عن المجتمع الإسلامي لأن نتاج هذا المجتمع حي لم يندثر كما اندثرت أفكار الأمم البائدة فلفظة تراث حسب هذا الرأي لا تطلق إلا للدلالة على طريقة حياة الأمم التي اندثرت.
وهناك من يستخدم مصطلحي الحضارة والمدنية عند وصف حياة مجتمع من المجتمعات ويعرف هؤلاء الحضارة بأنها مجموعة المفاهيم عن الحياة أما المدنية فهي الأشكال المادية للأشياء المحسوسة التي تستعمل في شؤون الحياة.

ولعل مصطلح الثقافة أكثر المصطلحات الدالة على حياة المجتمع شيوعاً ويرى العالم مالك بن بني إن هذا المصطلح حديث لعدم ذكره في كتابات علماء المسلمين الأولين فهو لم يظهر في كتابات ابن خلدون أو ما سبقها من كتابات في العصر العباسي أو الأموي على الرغم من تقدم المجتمع المسلم في شتى المجالات ويبدو أن حداثة هذا المصطلح مسؤولة عن اقترانه باللفظة الأجنبية ( Culture) فكأن اللفظة العربية بحاجة إلى عكاز ترتكز عليه لكن على الرغم من حداثة هذا المصطلح إلا أنه يستخدم على نطاق كبير في المؤلفات وفي المؤسسات التعليمية لذا يقتضي الأمر تعريفه وتبيان خصائصه.

الثقافة لغة مشتقة من فعل ثقف وثقف الشيء بمعنى حذقه وثقف الرجل ثقافة أي صار حاذقاً ويغرف فريد نجار وزملاؤه الثقافة بأنها:

مجموع ما توصلت إليه جماعة أو بلاد أو أمة ما في الحقول الاجتماعية والأدبية والفكرية والفنية والصناعية والثقافة تشمل المفاهيم والأساليب والمؤسسات والجمعيات وطريقة معيشة الناس وكل ما يملكونه ويمكن نقله اجتماعياً لا بيولوجيا ً.

ولا يكاد التعريف التالي يختلف عن سابقه إلا في ترتيب العبارات يقول محمد لبيب النجيجي في تعريف الثقافة ما نصه:

الثقافة هي العادات والأفكار والتقاليد والمؤسسات والنظم وغير ذلك مما استطاع الإنسان أن يصل إليه ليحصل على أمنه وطمأنينته وراحته ولتحقيق حاجاته النفسية والاجتماعية والبيولوجية ولييسر بصفة عامة أمر معيشته في هذه الحياة.

والثقافة حسبما يقول مالك بن بني: هي حياة المجتمع التي بدونها يصبح مجتمعاً ميتاً.
مكونات الثقافة: إن الثقافة مفهوم شامل لذلك يجب تحديد مكوناتها وتحليلها وتوضيح العلاقات بين عناصرها حتى يسهل فهمها ويمكن تقسيم مكونات الثقافة إلى ثلاثة مجموعات أساسية وهي:
النظم الاجتماعية: وهي تشير كما يرى أوجبرن إلى الطرق التي ينشئها المجتمع وينظمها لتحقيق حاجات إنسانية ضرورية لأفراده ويعرف تالكوت بارسونز النظم الاجتماعية على أنها نماذج معاييرية تحدد وتعرف ما هو صحيح وشرعي في مجتمع أو الأساليب المتوقعة للسلوك أو المستخدمة في العلاقات الاجتماعية.
وتتمثل هذه المعايير الاجتماعية التي تتضمنها النظم الاجتماعية في كل ما يقوم به من أفراد المجتمع من سلوك إذ تمثل هذه المعايير مجموعة من القواعد المحددة للنماذج المتعارف عليها في الثقافة للسلوك وتتخلل هذه المعايير كل ميادين الحياة الاجتماعية كيف نأكل وماذا نأكل وكيف نستجيب للآخرين في المواقف المختلفة وما هي الأساليب المتعارف عليها والمشروعة لتحقيق الأهداف المحددة ثقافياً؟ وإلى غير ذلك من القواعد المنظمة لسلوك الأفراد في المجتمع.

والنظم الاجتماعية كنماذج معاييرية متفق عليها ومنظمة لأعمال وعلاقات الأفراد في مجتمعهم يقسمها شوني إلى طرق شعبية وأعراف وعادات وقوانين

الطرق الشعبية: هي الأساليب التي تستخدمها الجماعة في إشباع حاجاتها وتنظيم حياتها وتفاعل أفرادها مع بعضهم البعض دون أن يكون هناك إلزام لإتباعها من قبل الجماعة أو أي هيئة منظمة فالطرق الشعبية معايير يتبعها أفراج المجتمع لأنهم تعودوا عليها منذ طفولتهم فأصبحت جزءاً من حياتهم اليومية نتيجة طبيعة لتكرار الاستخدام مثل آداب المائدة وطريقة اللبس والحديث وطرق التحية.

تمثل الطرق الشعبية ركناً أساسياً في أي يناء اجتماعي ولها صفة العمومية في كل الثقافات فلا يمكن لأي مجتمع أن تستمر ويحافظ على بقائه بدون ودود طرق شعبية تسهل حياة أفراده فالطرق الشعبية تساعد أفراد الثقافة على معرفة ما هو متوقع منهم في المواقف المختلفة وطرق وأساليب السلوك المتقبل اجتماعياً في الثقافة.

الأعراف: تشير الأعراف إلى المعايير الاجتماعية التي تحدد المستويات الأخلاقية لأفراد الجماعة أو المجتمع ويتضمن العرف مفهوماً وميثاقاً وحدوداً وتعتبر الأعراف كمعايير اجتماعية أو قواعد متفق عليها ومحددة لسلوك أفراد المجتمع والخروج عليها يقابل بالرفض أو الجماعة بدرجة تتناسب مع طبيعة العرف مثل الغش أو عدم احترام الكبير أو حضور اجتماع رسمي بملابس غير رسمية أو عدم احترام المواعيد الرسمية أو التقيد بقواعد الاجتماعات الرسمية فالعرف مزود بفلسفة موجهة ضد أنواع السلوك التي لا تؤدي إلى رفاهية الجماعة أو المهددة لمصالحها وللجماعة في ذلك سند أخلاقي أو عقائدي وبذلك يقوم العرف بوظيفة الضبط الاجتماعي حيث أن الخروج عليه يعرض الفرد للنقد مما يكون له أثره على الفرد.
العادات: وتمثل الأفعال التي تنشأ في نطاق الجماعة مثل أعياد الميلاد والأفراح والاحتفالات الدينية والإتيكيت ولا تقتصر العادات على طبقة معينة وإنما لها صفة العمومية والانتشار في الثقافة فهناك بعض العادات لها صفة العمومية بين كل الطبقات الاجتماعية والجماعات وأخرى بطبقة اجتماعية معينة أو جماعة معينة في المجتمع كما أن طرق إتباع هذه العادات قد تختلف من طبقة إلى أخرى ومن جماعة إلى أخرى في المجتمع.

وتستمر العادات في المجتمع وترسخ نتيجة للضغط الذي تمارسه الجماعة على الفرد إذ عدم إتباعه لعاداته يعرضه للنقد من الجماعة وإن كان لبعض العادات سند أخلاقي يدفع الأفراد إلى إتباعها إلا أن الكثير من العادات يتبعها الفرد لمجرد مسايرة الجماعة التي ينتمي إليها فالفرد عادة لا يستطيع أن يتحرر من عادته إلا بالقدر الذي تسمح له ثقافته وكانت الكثير من العادات الاجتماعية قد فقدت قيمتها الاجتماعية واختفت أو في طريقها للزوال في الكثير من المجتمعات المعاصرة بعد أن أصبحت لا تحقق منفعة لأفراد هذه المجتمعات أو لتعارضها مع متطلبات الحياة المعاصرة

القوانين: إن العرف يتبعه أفراد المجتمع تلقائياً تجنباً للنقد الاجتماعي ولكن بالرغم مما يتعرض له الفرد من رفض ونقد من جماعته في عدم إتباعه العرف فإن عدداً من الأفراد وإن كان قليلاً يخرجون عليه ولكن هؤلاء عندما يتحول العرف إلى قانون يجدون أنفسهم مضطرين لإتباعه خوفاً من العقوبة الجنائية.
وتتكون القوانين عادة من عدة قواعد تنظم العلاقات بين الأفراد وسلوك الأفراد في المجتمع ويحدد القانون طبيعة العقاب الذي يتعرض له من يخرج عليه ويكون هذا العقاب عادة متناسباً مع ما ارتكبه الفرد من مخالفات أو جرائم وقوة القانون المرتبط بها.

ويعتقد أن القانون يكون أثره كبيراً على أفراد المجتمع عندما يكون مسانداً بالأعراف السائدة في المجتمع إذ إنه يزيد من إيمان أفراد المجتمع بعدالته وأهميته كوسيلة للضبط الاجتماعي فيعتقد الأفراد أن عدم الخروج عليه مطلوب لتحقيق العدالة الاجتماعية وتأكيد القيم الأخلاقية مما يؤدي إلى رفاهية المجتمع.
هذا ولا يميز كثير من المفكرين بين الطرق الشعبية والعرف والعادات الاجتماعية على اعتبار أنها جميعاً تمثل مظاهر السلوك والأساليب التي تتبعها الجماعات في التفكير والعمل وإن كان هناك اتفاق بينهم على أهمية هذه المعايير الاجتماعية حيث أنها تمثل الدعائم التي على أساسها بني التراث الاجتماعي في كل بيئة اجتماعية كما أنها تعتبر القوة الموجهة والمؤثرة على أعمال الجماعة.

المعرفة والمعتقدات والقيم: تتضمن المعرفة المتنوعة التي يستخدمها أفراد المجتمع في مجالات الحياة المختلفة والمعتقدات الخاصة بأفراد المجتمع المتمثلة في خبراتهم وأدبهم الشعبي وأساطيرهم وأمثالهم الشعبية وغير ذلك من المعتقدات التي يؤمنون بها نتيجة لخبراتهم المشتركة.

وبالإضافة إلى المعرفة بأنواعها المتعددة والمعتقدات المشتركة بين أفراد المجتمع توجد القيم التي تحدد أهدافهم وطرق معيشتهم واختيارهم للطرق والوسائل التي يستخدمونها لتحقيق حاجاتهم والقيمة عبارة عن اتجاهات مشتركة بين أفراد الجماعة أو المجتمع للحكم على ما هو جيد أو رديء أو مرغوب فيه وإعطائه وزناً بالنسبة للأشياء المختلفة والمواقف أو الأفراد.
ولما كانت القيمة على أساس الأهمية والجودة أو الرغبة فهي تحدد عن طريق أفراد الجماعة أنفسهم إلا أنها في الوقت نفسه تكون مستقلة عنهم فالقيم عادة ما تكون مرتبطة بمعتقدات أو نظم اجتماعية أو ثقافية مادية فالنظم الاجتماعية تكتسب قيمتها من خلال حكم الأفراد عليها كذلك كل عناصر الثقافة المادية يمكن الحكم عليها من حيث الجودة والمنفعة.

الثقافة المادية: وتتضمن كل العناصر المادية الموجودة في المجتمع والمستخدمة وبذلك تشمل ما هو من صنع الإنسان من أبسط الأدوات المادية إلى الكمبيوتر والإلكترونيات الحديثة وعادة ما تكون عناصر الثقافة المادية مرتبطة باستخداماتها والقيم والمهارات والمعرفة المرتبطة بها فالسيارة قد تعبر عن مظهر اجتماعي في بعض المجتمعات بينما في مجتمعات أخرى تعتبر وسيلة أساسية للمواصلات.

ومن هنا نرى شمول وتداخل عناصر الثقافة لتكون في مجموعها كلاً شاملاً متكاملاً.
عموميات وخصوصيات الثقافة: قسم رالف لنتن (Ralph Linton) محتوى الثقافة إلى ثلاثة أقسام وهي:

العموميات الثقافية:

تتضمن العموميات الثقافية المعارف بأنواعها والمهارات والقيم وطرق التفكير ونماذج الإثابة والعقاب السائدة في المجتمع وأنماط السلوك المتعارف عليها في الثقافة واللغة وكل أساليب التعبير غير اللفظية المتعارف عليها في الثقافة وطرق وعادات الأكل والنوم وطرق التعبير عن المشاعر وأساليب التحية وعادة ما تكون هذه العموميات الثقافية مشتركة بين أفراد المجتمع ككل في فترة زمنية معينة.

هذا وتتخذ التربية من عموميات الثقافة وسيلة لتوحيد المجتمع وتماسكه واستقراره فالتعليم العام في المرحلة الابتدائية بقدم للتلاميذ الخبرات الأساسية والمهارات والأنماط السلوكية المتعارف عليها والمحددة لأدوارهم الاجتماعية في هذه المرحلة فالمرحلة الابتدائية كمرحلة تعليم أساسي يشترك التلاميذ قبل التخصص تعدهم لإتقان المهارات والخبرات الأساسية التي تضع الأساس لخبراتهم ومهاراتهم المستقبلية كما نعدهم كمواطنين يتوقع منهم أدوار اجتماعية محددة في هذه المرحلة النمائية.

الخصوصيات الثقافية: تتضمن الخصوصيات الثقافية مجموعة من الخبرات والمهارات والأفكار والأساليب التي يشترك فيها أفراد المجتمع كجماعات فنية ومهنية متخصصة أو طبقات اجتماعية.

كما تتضمن الخصوصيات الثقافية مجموعة من العادات والتقاليد والأعراف والاتجاهات والقيم المرتبطة بفئات اجتماعية معينة من المجتمع فقد تكون هذه الفئات ممثلة كجماعات مهنية وفنية في المجتمع أو طبقات اجتماعية أو جماعات عرقية.

المتغيرات الثقافية: تمثل المتغيرات الثقافية العناصر الثقافية التي تميز بعض أفراد المجتمع دون أن تكون مشتركة بين كل أفراده أو طبقة معينة فيه فهي ليست عموميات يشترك فيها كل أفراد المجتمع أو خصوصيات طبقية أو مهنية أو عرقية.

وتشمل المتغيرات الثقافية مجالاً واسعاً ومتنوعاً من الأفكار والعادات والأنماط السلوكية والقيم وطرق التفكير وقد تكون هذه المتغيرات استجابات مختلفة لمواقف متشابهة أو وسائل مختلفة لتحقيق أهداف متشابهة وتظل هذه البدائل غير مستقرة في الثقافة حتى تتحول إلى خصوصيات أو عموميات ثقافية وبذلك تكون المتغيرات الثقافية عناصر ثقافية غير مستقرة لم تندمج بعد في العموميات أو الخصوصيات الثقافية.

وتنتج المتغيرات الثقافية من الاحتكاك الثقافي والاتصال بين الثقافات المختلفة فتتميز الثقافات المتطورة بوجود عدد كبير من هذه المتغيرات في ثقافتها دون وجود صراعات ثقافية تهدد تكاملها وهذا بدوره يشير إلى قدرة هذه الثقافة على النمو والتغير وتقبل الثقافة لهذه المتغيرات واندماجها بعد فترة من الزمن من العموميات أو الخصوصيات الثقافية يحدده مدى أهمية هذه العناصر الجديدة للفرد والمجتمع وكفاءتها الوظيفية وعدم تعارضها مع مقومات الثقافة السائدة.

تأثير الثقافة على المنهج المدرسي:

أن الطفل بعد مولده ينمو ضمن الثقافة الاجتماعية السائدة في مجتمع ما فيكتسب منه تدريجياً اللغة والعقيدة والعادات والتقاليد ووجهات النظر والقيم الخلقية وآداب المعاملة المبنية عليها والاتجاهات والمهارات ولو كان الطفل غريباً ونما من وقت مولده في مجتمع شرقي فأنه يكتسب جميع هذه النواحي كأي فرد من أبناء المجتمع الشرقي ويصبح لا يختلف عنهم فيها ولو كان الطفل شرقياً ونما من وقت مولده في مجتمع غربي فأنه يكتسب جميع هذه النواحي كأي فرد من أبناء المجتمع الغربي ويصبح لا يختلف عنهم فيها.

والواقع أن العناصر التي تشملها ثقافة في أي مجتمع تؤثر علاقات الفرد بغيره من الأفراد وبالجماعة التي ينتمي إليها وكيف يقضي الفرد أوقات فراغه وتحدد ما يعرفه الفرد من معلومات وتؤثر في أفكاره أو كيف يفكر وتؤثر أيضاً فيما يعتقد فيه وما يقدره وما يستمتع به وما يتوقعه وما يؤديه من أعمال وما يتبعه من طرق وما يستخدم من وسائل وأدوات في مواجهة المواقف المختلفة.

إذاً فالثقافة توثر تأثيراً كبيراً في شخصية الفرد وتجعل له اتجاهات وأنماطاً من السلوك تصبح أساساً لعلاقاته مع غيره من الأفراد والجماعات.

علاقة الثقافة بالمنهج المدرسي:

بما أن المنهج المدرسي هو الأداة أو الوسيلة التي تستخدمها المدرسة لبلوغ أهداف المجتمع في تربية أبنائه فمن الضروري أن يراعي هذا المنهج ما يفضله المجتمع من عناصر الثقافة وعلى هذا الأساس يكون المنهج المدرسي الذي يصلح لمجتمع من المجتمعات لا يصلح بتفاصيله لمجتمع آخر

ويتدرج المنهج المدرسي مع التلاميذ في تعريفهم بعناصر الثقافة في مجتمعهم ويتدرج معهم في تدريبهم على ما يحتاج منها إلى تدريب ويُفهم التلاميذ في ذلك تدريجياً فضل الأجيال السابقة على جيلهم الحاضر في التطور الثقافي ومركز مجتمعهم في هذا التطور عامة والعناصر التي تتضح منها بداية النمو في الثقافة وطرق استخدام هذه العناصر الجديدة كما يُفهمون تدريجياً ما في التراث الاجتماعي من محاسن ودورهم في مساعدة هذه المحاسن على الاستمرار في الاتجاهات السليمة المرغوب فيها ويُفهمون أيضاً تدريجياً وفي الوقت المناسب من نموهم العلاقة بين العناصر غير المادية والعناصر المادية في الثقافة وكيف توجه هذه العلاقة توجيهاً يزيد من إسعاد الأفراد والجماعات وتكون في ذلك ممارسة عملية مناسبة لمرحلة نضج كل تلميذ تساعد على تنمية قدرته على الإسهام الفعال بقدر ما يستطيع في حياة المجتمع

ويعمل المنهج المدرسي أيضاً على توجيه التلاميذ في مراحل نموهم المختلفة إلى ما يستطيعون فهمه من العيوب والمساوئ التي في مجتمعهم وما يستطيع كل منهم عمله لتداركها أو لعلاجها كما يتدربون على ذلك تدريباً عملياً يناسبهم.

وفي كل هذا يتذكر واضعو المنهج المدرسي ومنفذوه أن الطفل عندما يلتحق بالمدرسة يكون قد تأثر فعلا بالثقافة الذي عاش فيها فيصبح من الضروري أن ما يتمثله المنهج المدرسي من مادة دراسية وأوجه نشاط عملي وتوجيه وإرشاد وأدوات يستخدمها التلاميذ إما أن يكون مشتقاً من عناصر الثقافة في المجتمع الذي تخدمه المدرسة ( مع مراعاة مستوى نضج التلاميذ) أو يكون على الأقل متأثراً إلى حد كبير بما يتصل به من عناصر هذه الثقافة وعلاقة كل من المدرسين وإدارة المدرسة بالتلاميذ تصيح متأثرة بالأوضاع والطرق الشائعة في الثقافة من ناحية علاقة الأطفال بالكبار ومن ناحية ما يراعيه المجتمع من قيم وما يتطلبه من أنماط السلوك وما ينشده من أهداف قومية.

التغير الاجتماعي:

يشير التغير الاجتماعي إلى عملية التحول التي تحدث في البناء الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية والتدرج الاجتماعي والثقافة المادية واللامادية على مر السنين وبينما يتضمن التغير الاجتماعي التحول الذي يحدث في البناء الاجتماعي أنماط العلاقات الاجتماعية، حجم الأسرة، النظام الطبقي، أنماط المعيشة، التوزيع السكاني لأفراد المجتمع، أنماط التفاعل الاجتماعي، معدلات المواليد والوفيات ومعدلات الحياة يتضمن التغير الثقافي التحول الذي يحدث في المعايير الاجتماعية ، القيم والمعتقدات، والأفكار والمعرفة، التكنولوجيا والنظريات وأساليب وطرق التدريس والإنتاج أساليب التعبير عن المشاعر وغيرها من عناصر الثقافة اللامادية أو الثقافة المادية التي تتمثل في كل ما هو من صنع الإنسان وتستخدم في الثقافة من آلات وأدوات ومنتجات حرفية.

وهذا ولما كان من الصعب الفصل بدقة بين المصطلحين لتداخلهما وارتباطهما فقد يستخدم أحدهما بدلاً من الآخر فتغير وضع المرأة ومركزها الاجتماعي وبالتالي أدوارهما ومكانتها الاجتماعية تطلب تغييراً في مجموعة المعايير الاجتماعية المحددة لهذه الأدوار والقيم المرتبطة بتعليمها وعملها وظهرت التشريعات واللوائح المنظمة لعمل المرأة وقد أنعكس ذلك على العلاقات الأسرية، حجم الأسرة، مسئوليات الأم والزوجة الأسرية وظهرت مؤسسات مساندة للمرأة في ممارستها لأدوارها الاجتماعية الجديدة مثل رياض الأطفال ومؤسسات الخدمات والنظم الترفيهية كما أثر التلفزيون والكمبيوتر وشبكة المعلومات العالمية على أنماط المعيشة في المجتمع وأساليب التدريس والنظم الاجتماعية والمعرفية.

عوامل التغير الاجتماعي:

العامل الديموغرافي(السكاني) : ويقصد به الآثار المترتبة عن الوضع السكاني في اختلاف حجمه اي عدد سكان لمنطقة ما وكثافته ومعدلات المواليد والوفيات بالزيادة أو النقصان، وهجراته الداخلية والخارجية، فقد تسبب هذه العوامل تفككا في الحياة الاجتماعية، وقد تسبب حراكا اجتماعيا في مجتمعات أخرى.

العامل الايدولوجي (الفكري) : تعد الايدولوجيا حركة فكرة هادفة تؤثر على سلوكيات وعلاقات وأنماط حياة البشر ولها دور كبير في التغير الاجتماعي كمان أن للظروف دورا في تشكيل أيديولوجيات الناس.فالأيديولوجية الاشتراكية مثلا تكونت بسبب تحكم الرأسمالية في قوى الإنتاج واضطهاد العمال الأمر الذي جعل الطبقة العمالية تتمسك بالنظام الاشتراكي أملاً في الخلاص من النظام الرأسمالي ولتحقيق العدالة والمساواة.

العامل التكنولوجي (التقني) : إن للابتكارات العلمية تأثيرا مباشرا على الحياة الاجتماعية وعلى سلوك الأفراد وعلاقاتهم الاجتماعية، فقد أدى استخدام التكنولوجيا في الصناعة مثلا إلى ضخامة الإنتاج والتخصص في العمل، وتركيز القوة في المدن وزيادة الهجرة إليها، وظهور علاقات اجتماعية وقيم فرضتها الحياة الجديدة ساعدت في إيجاد تغير اجتماعي سريع. كما أن التقدم التكنولوجي في المجالات الطبية ساعد في تخفيض معدلات الوفيات وهذا يؤثر على التركيب السكاني وبدوره يؤثر في الحياة الاجتماعية.

العامل الايكولوجي (البيئي) : أن الظروف المناخية والبيئية التي يعيش بها مجتمع ما تتطلب إقامة أشكال اجتماعية تختلف حسب بيئتهم وهذا يوجد تفاوتا بين سرعة التغير الاجتماعي من مجتمع لآخر. فمثلا نرى اختلاف التغير الاجتماعي لسكان إقليم حوض البحر المتوسط عن سكان إقليم التندرا أو سكان المناطق الاستوائية من حيث عاداتهم وقيمهم وتطور أساليب معيشتهم.

العامل الاقتصادي : أن طبيعة النشاط الاقتصادي للسكان يؤثر على العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين الأفراد والجماعات لان العامل الاقتصادي هو المحور الأساسي لبناء المجتمع وتطوره وان أسلوب الإنتاج هو الذي يحدد الطابع العام للعمليات الاجتماعية والسياسة والروحية في حياة الأفراد. ومن الأمثلة على التغير دخول المرأة بقوة إلى سوق العمل في أوروبا حيث لعبت أدواراً مهمة في العمل والوظائف الحكومية والأعمال المهنية الأخرى.

العامل السياسي : إن للأحداث السياسية كانهيار الاتحاد السوفييتي عام 1990 م والحرب العراقية مع أمريكا وحلفائها، أو حروب أو ثورات أو هجرات قسرية أثراً اقتصادياً وفكرياً على أفراد المجتمع وهذا بدوره يؤثر اجتماعيا على أفراد المجتمعات.

العامل الثقافي : تنتشر بعض السمات الثقافية من منطقة إلى أخرى, أو من مجتمع إلى آخر، سواء أكانت أفكاراً أم معتقدات أم فنونا أم معرفة تنتشر عن طريق وسائل الاتصال، وتحدث تغيرات في نظم المجتمع وأفكار أفراده وهذا يعرف بالانتشار الثقافي. فانتشار فكرة الحرية والديمقراطية في مجتمعات كثيرة ساعد على تغير شامل في حياة هذه المجتمعات ولنظمتها السياسية والاقتصادية والتعليمية.

عوائق التغير الاجتماعي:

العوائق الاجتماعية:
وتقسم إلى ثلاث أقسام:
الأول: الثقافة التقليدية.
الثاني: البناء الطبقي للمجتمع.
الثالث: الميل للحفاظ على الامتيازات.

تعد الثقافة التقليدية عائقا للتغير الاجتماعي في المجتمعات التي تسود فيها الثقافة التقليدية القائمة على العادات والتقاليد، والتي تميل إلى الثبات، وتقاوم التغير والتجديد. ففي الهند مثلا يعيش غالبية سكان بعض المناطق في حالة سوء تغذية شديدة، رغم امتلاكهم أعداد هائلة من الأبقار التي تحرم الطائفة الهندوسية ذبحها.وكذلك فان نظام الطبقات في الهند يحدد المهن التي يعمل بها أفراد كل طبقة، ويتوارثونها بغض النظر عن الكفاءة وهذا النظام يعيق عملية التغير الاجتماعي.ومن ناحية أخرى تخاف بعض فئات المجتمع على امتيازاتها وحقوقها المكتسبة، لذا تواجه التغيرات الاجتماعية مقاومة من هذه الفئات مما يعيق مسيرة المجتمع وتطوره، ومثال ذلك مقاومة الإقطاعيين للإصلاح الزراعي خوفا على مصالحهم، وقيام العمال بتحطيم الآلات في بداية الثورة الصناعية خوفا من ضياع فرص عملهم والاستغناء عنهم.

العوائق الاقتصادية:

وتقسم إلى ثلاثة أقسام هم : ركود حركة الاختراعات والتكلفة المالية ومحدودية المصادر الاقتصادية.إن عدم توفر مواد خام، وقلة الإمكانات المادية، وانخفاض المستوى التعليمي، والاجتماعي، وغياب التشجيع والتحفيز في المجتمع، كل ذلك يؤدي إلى ركود حركة الاختراعات. وكذلك فإن شح الموارد الاقتصادية لدى بعض المجتمعات، وعدم توفر الثروات المعدنية أو الطبيعية، أو عدم امتلاك الوسائل التكنولوجية الحديثة يؤدي إلى انخفاض معدلات الاستثمار والتقليل من نجاح خطط التنمية فيها، وينعكس ذلك على خصائص المجتمع.

العوائق السياسية:

وتقسم إلى قسمين هما : السياسة الداخلية والسياسة الخارجية.

تتلخص العوائق السياسية الداخلية بعدم التجانس في تركيب المجتمع بسبب الأقليات في بعض المجتمعات مثل الاتحاد اليوغسلافي (سابقا). وعلى العكس من ذلك، نلاحظ كيف تقبل الأردن العديد من الأقليات، التي اندمجت فيه. وأصبحت جزءا لا يتجزأ منه، فضلا في إسهامها في نهضته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وأثرت المجتمع الأردني بالعديد من التغيرات الاجتماعية الايجابية. وتتمثل السياسة الخارجية بما يخلفه الاستعمار والحروب التي تستنزف موارد مالية وبشرية هائلة تبقي المجتمعات في مشاكل اجتماعية واقتصادية تشغلها عن النهوض بمستوى معيشة أفرادها وتقدمها.

مشكلات التغير الاجتماعي:

ينتج عن التغير الاجتماعي بعض المشكلات منها:

الصدمة الثقافية : وتحدث للفرد عندما يواجه تغيرات سريعة مثل تغيير مكان إقامته (من الريف إلى المدينة)والنتيجة هي عدم قدرة الفرد على التكيف السريع مع المتغيرات الجديدة.
التفكك الأسري : قد يحدث التغير الاجتماعي ضعفا في العلاقات الأسرية مما قد يعقد حياة الأسرة ويضعف قدرتها على القيام بمهماتها التربوية والاجتماعية.
الفجوة الثقافية : تتكون كل حضارة إنسانية من جانبين : مادي ملموس، ومعنوي محسوس. فعندما يحدث تسارع في تطور الجانب المادي وتباطؤ في الجانب المعنوي يحدث ما يسمى بالفجوة الثقافية.ومثال ذلك قبول أفراد المجتمع عمل المرأة خارج المنزل بهدف تأمين تكاليف المعيشة وزيادة دخل الأسرة في حين يرفض الكثير من الرجال المشاركة في الأعمال المنزلية. فالتطور الذي يحدث في النواحي المادية يكون أسرع بكثير من تقبل الناس لما يخلفه هذا التطور من أثار في العلاقات الاجتماعية.

خلاف الأجيال : يحدث هذا الخلاف عندما يظهر سلوك اجتماعي أو أخلاقي جديد يناقض تقليدا أو قيمة قديمة لا يمكن الجمع بينهما في وقت واحد، كتمسك جيل الآباء والأجداد بقيم كانت سائدة ومطالبة الجيل الجديد التمسك بها.

ظهور أنماط سلوكية جديدة عند الشباب : يؤدي التغير إلى ظهور أشكال متعددة من المغيرات المادية التي لا يستطيع بعض الشباب إشباع حاجاتهم منها بطرق مشروعة فيلجأون إلى الوسائل غير المشروعة لتلبية هذه الاحتياجات.

الأصالة والمعاصرة في ظل التغير الاجتماعي:

يتميز الوقت الحاضر بتسارع التطورات العلمية والتكنولوجيا التي لا يمكن لأحد أن يعيش بمعزل عنها ولكن ثقافة ومعتقدات وخصائص كل مجتمع تحدد أشكال تفاعله مع هذه التطورات وعلى أفراد المجتمع أن يتمسكوا بثقافاتهم ومعتقداتهم، ويتفاعلوا مع تطورات العصر. فالأصالة والمعاصرة عنصران متكاملان وضروريان في مجتمعنا فيكون في الأصالة الثبات والرسوخ والعراقة في القيم العربية والإسلامية وفي المعاصرة فهم لروح العصر ومواكبة مستجداته، والاستجابة لضروراته، والدعوة إلى فهم الحاضر والتطلع إلى المستقبل.

تأثير التغير الاجتماعي الثقافي على المنهج المدرسي:

أن التغيرات التكنولوجية والاجتماعية والثقافية تحدث بصفة مستمرة في كل مجتمع سواء كان هذا التغير بطيئاً أو سريعاً بدليل تغير العلم وظهور فلسفات جديدة وكذلك النظام الأسري وتطلع الأمم إلى الاستقلال والحرية وتغير المجتمعات في عاداتها وقيمها ونظمها ومما لا شك فيه أن كل هذه التغيرات تدل على أن الطلاب يواجهون في وقتنا الحاضر عالماً يختلف عما واجهه كثير من الطلاب فيما مضى لذلك فإن ما كان مناسباً لأولئك الطلاب في الماضي لم يعد يصلح لطلاب العصر الحاضر وهذا ما يدعو إلى تغير المناهج الدراسية بصفة مستمرة بحيث يستطيع أن تواكب التطورات والتغيرات المستمرة.
فالمنهج الدراسي الناضج هو الذي يأخذ بعين الاعتبار كل ما يستجد في المجتمع من مشكلات وحاجات وأدوات جديدة ومتغيرات ينقلها إلى الطلاب في قالب علمي جذاب وحتى يبقى المنهج متغيراً أو قابلاً للتغير لا بد أن يكون مرناً كما أن المنهج الدراسي ليكون ناجحاً أن يعمل على:

تكوين العقلية المتفتحة التي تؤمن بأهمية التغير وحتميته ولا تتمسك بالقديم لمجر أنها ألفته وتعودت عليه.
إعداد القيادات الذكية الواعية لإمداد المجتمع بها في شتى مجالات الحياة وميادينها.

تزويد الطلاب بالمهارات الأساسية التي تمكنهم من العيش في مجتمع ناهض ومتغير وتساعدهم على سرعة التكيف والتوافق مع المجتمع وثقافاته المتعددة.

العمل على تكوين أوجه التقدير الملائمة للطلاب كتقدير أهمية العلم وجهود العلماء باعتبارها من أبرز عوامل التغير في المجتمع وتقدير أهمية التمسك بالقيم الدينية والاجتماعية السامية.

علاقة التغير الاجتماعي بالمنهج المدرسي:

يقع على المنهج المدرسي عبء كبير في توضيح أسباب التغير الاجتماعية والطبيعية والبشرية ومدى قوتها وتأثيرها على المجتمع وتحديد أنواع هذا التغير والدوافع التي أدت إلى سيطرة كل نوع من هذه الأنواع على بعض المجتمعات دون غيرها , كذلك لا بد للمنهج أن يعرض الأمور التي تعيق عملية التغير كي يدرك أنه رغم وجود العديد من عوامل التغير إلا انه قد تفرض بعض القيود نفسها بحيث تقلل من إمكانية حدوث هذا التغير أو تحد من أثره على الأقل , ومن الأمور التي يجب على المناهج المدرسية مراعاتها:
أن يهتم المنهج بما تعلمه الأطفال في داخل أسرهم قبل التحاقهم بالمدرسة حتى يستطيع تصويب ما قد يكون لديهم من أخطاء وأن يراعي مستوى النضج الذي وصل إليه التلميذ وحاجاته وميوله واستعداداته، و بما أن دور المدرسة تربوي مكمل لدور الأسرة فإن على المنهج أن يتيح فرصا متنوعة أمام المدرس تساعده على فهم أهم المؤثرات التربوية ويستخدمها للتعرف على نواحي القوة والضعف في تلاميذه.

إن على المنهج أن يستغل علاقات التلاميذ بالآخرين خارج الأسرة كأساس هام في النشط والتوجيه والتعليم وفي الوقت المناسب لنمو التلاميذ يوجه المنهج المدرسي إلى توسيع نطاق اتصالاته وعلاقاته بالأشخاص والجماعات ويهيئ الفرص التي تساعد على فهم ما في مجتمعه من نشاط وأهداف فهما سليما بل ويتيح المنهج السليم فرصا متنوعة لملاحظة الطفل في علاقاته خارج المدرسة وعلى أساس نتائج هذه الملاحظة يوجه الطفل توجيها يساعده على اكتساب السلوك السليم.

أن يساعد المنهج التلميذ على استخدام الأسلوب العلمي في التفكير حتى يستطيع مواجهة ما قد يعيقه من مشكلات حياته في البيئة التي يعيش فيها وبالتالي يصبح التلميذ قادراً على التغيير وليس عقبة في سبيله.
أن تكون المناهج مرنة قابلة للتعديل فيجب أن تتغير المناهج بتغير الظروف التي تطرأ على المجتمع لتصبح متمشية مع هذا التغير ولتظل قائمة بوظيفتها كأداة سليمة لتربية الأبناء وإلا فإنها تكون مناهج متخلفة لا تصلح لهذا المجتمع بعد تغييره.

يجب أن يسهم المنهج في تحقيق توعية المتعلمين لوجهة التغيير بحيث يصبح لديهم اتجاهاً إيجابياً نحو التغير المنشود، من خلال توضيح مزايا التغير الإيجابي البناء ومن حيث تحقيق تقدم المجتمع ورقيه والارتفاع بمستوى معيشة الفرد. وإذا كان المنهج المدرسي يمكنه الإسهام في تحقيق تكيف المتعلمين للتغير المرغوب فيه، أو يمكن تحقيق توعيتهم وإعدادهم للوقوف ضد التغير غير المرغوب فإنه يمكن كذلك التمهيد لتحقيق التغير المطلوب عن طريق تنمية كل من التفكير العلمي، والتفكير الناقد والتفكير الإبداعي لدى المتعلمين. ونخلص إلى القول إلى أن التغير هو معيار حقيقة الوجود فالتغير موجود في كل مكان، فبدلاً من الكون المطلق الذي آمن به الفلاسفة القدماء والذي تكون من صور وثوابت أصبح الآن يقدم لوناً من الحياة غير متناهٍ من حيث الحدود والأبعاد، فالإنسان اليوم يعيش في عالم مفتوح ومتنوع خلافاً لما عاشه في الماضي فيصبح معه لزاماً على المدرسة والمنهج والبيت أن يتكيفوا مع التغيرات والتطورات الحاصلة في المجتمع.


الخاتمة:

هنالك في الإنسان ميل فطري للاجتماع بالآخرين وحيث أن الطبيعة الإنسانية على درجة كبيرة من المرونة فإن التعرف على خصائص الشخصية الإنسانية يقتضي تقصي العلاقات المتشابكة التي تربطه بالآخرين منذ ولادته وحتى آخر لحظة في حياته .
والمجتمع تحكمه قوانين محددة لذا يقتضي الحال تعريف التلاميذ بالعوامل التي تقود إلى تماسك المجتمع وتلك التي تؤدي إلى انهياره.
وحيث أن كل مجتمع يعيش في بيئة طبيعية معينة يبادلها التأثر والتأثير فإن على المنهاج التربوي أن يُعرف التلاميذ بخصائص المجتمع ويغرس فيهم الاتجاه السليم نحوها؛ كل مجتمع من المجتمعات له خصائصه التي تميزه عن غيره أي أن له ثقافة خاصة به والمنهاج التربوي السليم يعمل على حفظ الثقافة ويحرص على تنقية ما يعلق بها من شوائب وتحتل القواسم الثقافية أي أن يكون لعموميات الثقافة مكانة بارزة في المنهاج الدراسي أما العناصر المستجدة فتدرس دراسة متأنية وتخضع للموازين الدقيقة ومن الخطأ الفادح أن يلهث المنهاج التربوي وراء كل جديد تصممه دور أزياء الفكر الوضعي.

المراجع:

عبد الرحمن بن خلدون: المقدمة. الطبعة الثانية، تحقيق على عبد الواحد وافي، القاهرة: لجنة البيان العربي، 1979.
الخوالدة،محمد محمود: أسس بناء المناهج التربوية وتصميم الكتاب التعليمي.عمان، دار المسيرة،2004م.
جامل . عبد الرحمن عبد السلام: أساسيات المناهج التعليمية وأساليب تطويرها .عمان ،دار المناهج. 2000م .
البكر ، رشيد بن النوري ، والمهوس ، وليد: المنهج أسسه ومكوناته .الرياض . مكتبة الرشد،2001م .
السيد، سميرة أحمد: الأسس الاجتماعية للتربية في ضوء متطلبات التنمية الشاملة والثورة المعلوماتية القاهرة، دار الفكر العربي.الطبعة الأولى، 2004م.

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

التربية والمجتمع.. علاقة تكاملية وركيزة أساسية لتطور الأفراد

تُعد التربية والمجتمع من المحاور الأساسية التي تُشكل هوية الإنسان وتحدد معالم تطوره. إن العلاقة …

2 تعليقات

  1. الشكر ااجزيل لموقع آفاق علمية وتربوية على المقالات الممتازة

  2. شكرا والتحية لكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *