من التدريبات الهامة في تدريب حاسة السمع عند الاطفال ما أطلقت عليه منتسوري درس الصمت والذي له اثر واضح في تعويد الأطفال على النظام والهدوء في عملهم .
وليتصور القارىء ثلاثين او اربعين طفلا جلسوا مع المرشدة في حجرة اغلقت نوافذها وسادها بعض الظلام وخيم السكون التام إلا من أصوات تسللت من الخارج بين الحين والأخر ولكنها لا تزعج مهابة الصمت، والأطفال اما جلوس على كراسيهم الصغيرة، وإما مفترشون ارضية الغرفة ولكنهم مستريحون من غير ملل.
وفي هذا الصمت الرهيب لا تصدر عن اي طفل اية همسة او حركة أو حتى شبه ضوضاء، فالعضلات في حالة استرخاء والرأس ثابتة وقسمات الوجه هادئة والتنفس بطيء غير مسموع كأنما انتقل الاطفال الى عالم التأمل والسكينة او كأنما وجد جدار بينهم وبين العالم الخارجي فهم في بوتقة تحتويهم في جو هذا الصمت والهدوء والسلام.
ويستمر درس الصمت وتنسحب المرشدة في هدوء شامل الى المؤخرة حيث لا يراها الأطفال، وتنادي على كل طفل في همس خفيف يحمله الهواء إلى الأذان فيشير الطفل بیده دليلا على انه سمع همسة اسمه حتى لا يكسر جدار الصمت.
عندما يتعرض الأطفال لعالم الصمت تصبح اذانهم مرهفة يضايقها الصوت المرتفع كما انها تكون قادرة على التقاط اضعف الأصوات، بعد هذا يسود جو الهدوء اثناء العمل وفي الحركة وفي الحديث وفي كل شيء، وهذا ما يميز بيت الأطفال.
وبالرغم من ذلك فالحركة دائبة مستمرة والنشاط لا ينقطع، والنظام لا يتطرق اليه الفوضى والخلل والتشويش، ويلمس الزائر هذا الهدوء الا في فترات يتطلب فيها عمل الأطفال بعض الأصوات.
هذه الطبيبة الرائعة ماری منتسوری حققت الكثير المبدع في بيوت الاطفال مما حدا بالحكومة الإيطالية لاختيارها ممثلة لإيطاليا في مؤتمر اليونسكو الدولي الذي عقد في مدينة فلورنسة في شمال ايطاليا سنة 1950، وقد رشحت ثلاث مرات لجائزة نوبل كما حضرت المؤتمر الدولي التاسع لجمعية منتسوري في لندن سنة 1951 كما اشتركت ونظمت دورة تدريبية لمرشدات بيوت الاطفال عقدت بالنمسا في نفس العام، والقت سلسلة من المحاضرات في روما في أوائل سنة 1952 وكان هذا اخر نشاط لها قبل أن تلبي نداء ربها في هولندا في اليوم السادس من ايار سنة 1952.
تلك هي ماريا منتسوري وطريقتها في بيوت الاطفال قبل المدرسة.
د. أوجيني مدانات