نسبه ونشأته:
ولد محمد بن أحمد البيروني في بيرون ، إحدى ضواحی خوارزم في الثاني من شهر ذي القعدة عام 362 هجرية الموافق الرابع من شهر سبتمبر سنة 73 ميلادية . وعرف باسمه الأخير هذا نسبة إلى الضاحية التي ولد فيها . نشأ هذا العالم في خوارزم وبالرغم من أنه أجاد استعمال اللغة العربية كتابة وقراءة إلا أن لغته الأصلية كانت الفارسية .
صفاته وأسفاره :
لقد هيأت الظروف والأسباب للبيروني لأن يتلقى تعليما جيدا بالإضافة إلى ذلك ، فإن أسفاره المتفرقة وحبه المتزايد للعلم والمعرفة قد زاد من توسيع مدارکه و هو في مقتبل عمره . ومما يذكر عنه أنه قد ركز على دراسة جوانب من علوم مختلفة لم تكن مألوفة لغيره من معاصریه . وكان من بين العلوم التي درسها حساب المثلثات والرياضة والجغرافيا والتنجيم والفيزياء و عدد من العلوم الاجتماعية.
وعرف عنه أنه كان يتردد على العلماء ويبحث عن المعرفة أينما كانت، ويقال إن عالما إفريقيا كان يعيش في خوارزم في تلك الفترة واعتاد البيروني أن يستفسر منه عن الأسماء اللاتينية الموضوعة في الأعشاب والأشجار والثمار والحبوب لیدونها عنده .
و من صفات البيروني أيضا أنه كان موضوعيا في دراساته وآرائه ، أي أنه كان يميل إلى تفسيرات الظواهر التي يعالجها بطريقة علمية . أما بالنسبة لأسلوبه في الكتابة فإنه لم يكن سلسا . ولا غرابة في ذلك إذا ما عرفنا أن لغته الوطنية كانت الفارسية .
اعتقد البيروني بأن اللغة العربية جديرة بأن تكون لغة العلم فقال : ( والى لسان العرب نقلت العلوم من أقطار العالم فازدانت وحلت إلى الأفئدة و سرت محاسن اللغة منها في الشرايين والأوردة …. )
ومما يعرف عنه أنه اعتاد أن يرفع كتبه بعد الانتهاء من كتابتها إلى حكام أو رسميين ما عدا كتابة واحدة اسمه « کتاب التفهيم » رفعه إلى سيدة من خوارزم تدعى “ريحانه ابنة الحسين ” كانت شديدة الاهتمام بالعلوم المختلفة .
كانت في خوارزم دولة محلية صغيرة عرفت بدولة « بنی عراق » و استرعت أعمال وأقوال البيروني انتباه أدباء وأمراء تلك الدولة فشملوه برعايتهم ولكن ذلك لم يدم طويلا بسبب بعض القلاقل والفتن التي عمت أرجاء دولة بني عراق .
رحل البيروني إلى سواحل بحر قزوين . وفي جرجان التقى بطبيب فلكي عرف باسم ” أبو سهل عیسی المسيحي ” ، ليتتلمذ على يديه . وعندما علم بأمره أمير جرجان و طبرستان قابوس الزیاری أكرم مثواه ، فرفع إليه البيروني أول مؤلفاته الكبرى ” الآثار الباقية “، ولكن ما لبث الأمير أن أدار للبيروني ظهر المجن فغادر هذا بدوره البلاد راجعا إلى مسقط رأسه . وفي تلك الأيام كان على اتصال بواسطة المراسلة مع ابن سینا . ومما يذكر عن البيروني أنه كان واسع الأفق تمتع بجرأة فكرية نادرة.
إنتاجه الجغرافي :
شملت أبحاث البيروني الرياضيات والفلك وبعض العلوم الأخرى ذات الصلة الوثيقة بهما وما يتعلق بذلك من عمليات حسابية ومخبرية و صناعة وتصميم أجهزة الرصد المختلفة .
ومن أشهر ما كتب عنه البيروني في الجغرافيا “علم البحار ” ، وجاء ذلك في أحد مصنفاته ” القانون المسعودی “. ولم يكن البيروني أول من كتب عن هذا الموضوع حيث ان هناك من سبقوه في هذا المضمار مثل البتاني (877 – 918 م) ولكن أسلوبه وطريقة عرض المعلومات ودقتها قد فاقت كل من سبقوه بما في ذلك البتانی .
تمكن البيروني من الاستفادة من المعلومات التي جمعها الجغرافيون المسلمون والذين أشار بعضهم إلى وجود مناطق في إفريقيا تقع على دائرة عرض 20 جنوبي خط الاستواء .
أخذ البيروني هذه الحقيقة العلمية و أضاف إليها الكثير من المعلومات التي حصل عليها من الرحالة والمكتشفين و التجار الذين أمكنهم الوصول إلى تلك المناطق ، وبناء على حصيلة
ما جمع من معلومات عن المناطق الواقعة في نصف الكرة الجنوبي فإنه أكد وجود أقاليم واقعة جنوبي خط الاستواء ، يكون فيها الوقت شتاء عندما يكون لدينا الوقت صيفا .
ومثل هذا التأكيد يمكن أن يتخذ كأساس للاكتشاف العلمي الذي جاء مؤخرة و الذي أثبت فكرة حدوث الفصول الأربعة نتيجة لميل المحور القطبي بمقدار 23.5 درجة على سطح الدوران و كذلك دوران الأرض حول الشمس .
ومما يعرف عنه أنه كتب عن بحر البلطيق ، والبحر الأبيض الشمالي وكتب عن النورمان سكان شبه جزيرة إسكندنافيا في تلك الفترة من الزمن. وذكر في إحدى كتاباته أنه سمع عن قصة ملاح أبحر شمالا في المحيط الأطلسي إلى أن وصل إلى منطقة لا تغرب شمسها وهذا يعني أن ذلك الملاح قد دخل في نطاق الدائرة القطبية خلال فترة من صيف نصف الكرة الشمالي .
هناك مسائل كثيرة واقعة في دائرة علم الجغرافيا طرقها البيروني وتناولها بالشرح والتحليل، مثل فكرة دوران الأرض حول محورها و كذلك أجاد في كتابته عن الجغرافيا الرياضية حيث أتي بتحليل مفصل لآرائه بخصوص الخرائط ، والتي عندما أطلع عليها بعض العلماء المعاصرين دفعت بأحدهم إلى الاعتراف بأن البيروني قد جمع إلى سعة العلم خیالا خصبا .
ومن أهم مؤلفات البيروني الجغرافية كتابه المعروف باسم ” تحديد نهاية الأماكن لتصحيح مسافات المساكن ” وهنالك كتاب آخر هو ” التفهيم لأوائل صناعة التنجيم ” والجدير بالذكر أن البيروني في كتابه الأخير هذا عالج مسائل فنية ومصطلحات فلكية و هندسية وحسابية وقد شمل الجغرافيا ضمن كلامه عن الفلك و حساب الأوقات ووصن الأجهزة الفلكية بالإضافة إلى أمور التنجيم.
ونجد في الجزء الثالث من كتابه الذي أفرده للفلك معلومات جغرافية مثل توزیع البحار على الأرض ، و كيفية ضبط خطوط الطول ودوائر العرض وخط الاستواء وارتفاع الشمس ( أي بعدها عن الأرض ) ، ووصفا لبعض الأقاليم المختلفة على سطح الأرض . ولقد أجاد البيروني في كتابة القسم الذي خصصه لدراسة البحار حيث شفعه بخريطة مستديرة بينت توزيع البحار في العالم المدون آنذاك .
وهكذا يبدو من الموضوعات المختلفة التي تناولها البيروني في كتابه ” التفهيم ” أنه لا يمكن أن ننظر إليه كمقدمة لعلم التنجيم بقدر ما هو کتاب جامع لعدد من العلوم المهمة.
ويجب ألا يفوتنا أن نذكر أن كتابه ” التفهيم ” ، كان يختلف في أسلوبه عن كتبه الأخرى لأنه عرض على هيئة أسئلة وأجوبة .
وبالرغم من أن الجغرافيين الذين جاءوا بعده أمثال یاقوت ، استفادوا من كتاباته إلا أن نظريات البيروني مثل نظرية ” مساقط الخرائط ” الأصلية لم تجد من يواصل البحث فيها أو تطويرها بعد وفاة مبتكرها .
البحث شامل عن البروني