بعد التخوفات المتزايدة من الآثار الناجمة عن التلوث وزيادة الطلب على الطاقة، تعالت الأصوات البيئية التي طالبت بتقليل الآثار البيئية الناجمة عن الأنشطة البشرية المختلفة ونادت بخفض المخلفات والملوثات والحفاظ على قاعدة الموارد الطبيعية للأجيال القادمة، ولهذا حرصت قطاعات الاستثمار العقاري على الحفاظ على البيئة قدر المستطاع، واعتماد إستراتيجية جديدة تمكن المؤسسات العقارية من الحفاظ على الموارد الطبيعية لاسيما أن هذه القطاعات تعتبر أحد أهم المستهلكين للموارد الطبيعية مثل الأرض، المياه، الطاقة، كما أن عمليات البناء والتشييد ينتج عنها كميات كبيرة من الضجيج والتلوث والمخلفات وهو ما يزيد نسبة التلوث في الأرض.
البناء صديق البيئة مصطلح ظهر مع بداية القرن العشرين، وأصبح له صوت مسموع وتأثير متنام يفي منطقة الشرق الأوسط، وأصبحت الأفضلية للمباني الخضراء التي تحقق التنمية المستدامة، وحرصت الدول علي استخدام التكنولوجيا والابتكارات في مجال البناء صديق البيئة، فنجح أحد المهندسين في بناء منزل في قطر يستهلك كمية قليلة من الماء، واستخدم في بناء جدرانه مواد عازلة للحرارة، فلا يحتاج إلى مصادر طاقة متعددة لخفض الحرارة خلال فصل الصيف، وتم بناء منزل آخر مجاور للمنزل الصديق للبيئة لاختباره ومقارنته بهذا المنزل على مدار ستة أشهر للوقوف على استهلاكه للطاقة ومعرفة إذا كان سيستهلك طاقة أقل أو أكثر، ومن المنتظر أن تنتقل عائلة للسكن في كلا المنزلين في الخريف القادم لمقارنة الاستهلاك أيضا أثناء الاستخدام.
وفي الإمارات العربية المتحدة اعتمدت جامعة دبي على طريقة البناء الأخضر الصديق للبيئة لإنشاء مبني جديد للجامعة، يحقق إستراتجية الترويج للمباني الخضراء، واعتمد المبني على نافورة مركزية تستخدم كنظام تبريد للمبردات، وستمتلك هذه المباني في المشروع الجديد حجابا شمسيا يحتوي على فتحات عامودية للأسطح الجانبية، وذلك بهدف تقليل الحمل الحراري مما يخفض من استهلاك الطاقة.
ومن المباني صديقة البيئة في مصر، مبني مكتبة الإسكندرية والمصمم بحيث لا تدخله شمس الصيف الحارة، ولكن تستطيع شمس الشتاء أن تدخل إلى المكتبة، ذلك لأن المبنى تم تصميمه بحيث يسمح للشمس الدخول بزاوية ميل مختلفة، مما يقلل من استهلاك المكتبة للطاقة، ليس هذا كل الأمر، فإن المبنى التزم بعدة معايير أساسية صديقة للبيئة مثل استهلاك الموارد غير القابلة للتجدد، وخفض استهلاك الطاقة مع تحسين البيئة الطبيعية، وعدم استخدام المواد الضارة والسامة في عمليات البناء.
ومن الجدير بالذكر أن نقابات المهندسين في كل من مصر والأردن، وعدد من البلدان العربية بدأت تعتمد مسابقات للابتكار في مجال البناء الأخضر، أما سلطنة عمان فقد نظمت مسابقة بين خمس جامعات في مجال البحث العلمي الخاص بالبناء صديق البيئة مما يؤكد أن الأبنية صديقة البيئة أصبحت ذات أفضلية وفقاً لاختيارات المستهلكين لأنها تبعدهم عن التلوث وعمرها أطول من عمر المباني التقليدية.
وفي الكويت تحاول القطاعات العقارية تلبية احتياجات المستهلكين الباحثين عن العمارة الخضراء، ومن هذه المؤسسات الشركات العقارية التابعة لرجل الأعمال فهد الرجعان، وذلك بعد أن لاحظت استهلاك أنشطة التشييد والبناء حول العالم لأكثر من 3 مليار طن من المواد الخام، وهو ما يقارب 40% من الاستخدام العالمي من المواد، مما دفعها لاعتماد أسلوب العمارة الخضراء، والذي يساعد على ترشيد مواد الطبيعة والتقليل من الأضرار التي قد تنتج عن عمليات البناء.
المؤسسات العقارية باتت أمام تحدى جديد هو تمكنها من إخضاع التكنولوجيا الهندسية لتوفير البنايات صديقة البيئة التي ترتفع أسهمها يومياً مع انحصار موارد الطاقة غير المتجددة والتي تعتمد عليها البنايات التقليدية، فالقضايا البيئية لم تعد بمعزل عن سوق العقارات وإنما أصبحت أحد الشروط الدالة على جودة البناء، وخلال التعاقدات يشترط المستهلكين والعملاء وجود مساحات خضراء تحيط بالمنزل للبعد عن كل أسباب التلوث ولحماية مستقبل الأجيال القادمة.