فاروق ابو طعيمة *
تتسبب ظاهرة الاحتباس الحراري بآثار سلبية على كافة عناصر البيئة من حولنا، ويمكن القول ان بحار العالم ومحيطاته وانهاره وبحيراته سوف تشهد تغيرات خطيرة تلحق الضرر بها وبالكائنات الحية التي تعيض فيها.
وفي العادة يطلق مصطلح المسطحات المائية على كافة المياه التي تتجمع في الأنهار والمستنقعات والبحيرات في مناطق منخفضة يكون فيها التساقط المطري أكبر من التبخر.
وتنقسم البحيرات الى نوعين : البحيرات المالحة والبحيرات العذبة وهي الغالبية العظمى من البحيرات . وتتميز البحيرات بضخامة مخزونها اذ تحتوي قرابة 40 ضعف لما تحوي الأنهار والجداول , كما أنّ حركة مياهها بطيئة لدرجة أنها تحتاج الى عشرات السنين بل بعضها يحتاج لى مئات السنين لتجديد مياهها وذلك وفقا لدراسة ( LENHER AND DOLL 2004)
وتقدر المساحة الكلية للبحيرات في العالم حوالي 2.7 مليون كيلو متر مربع أي ما يعادل 2% من مساحة القارات باستثناء المناطق القطبية ومن أكبر البحيرات في العالم بحيرة سوبيرير أحدى البحيرات الخمس الاميركية ومن أهم البحيرات العربية بحيرة قارون في مصر وقطينة ومسعدة في سوريا وبحيرة طبريا في فلسطين وتعد البحيرات في العالم بالآلاف الأمر الذي يصعب حصرها ويقدر ما تحتويه المياه العذبة حوالي 90000 كم3 أما لأنهار فهي مجاري تتجه صوب سطح البحر في مجاري طبيعية حفرتها لنفسها ويشترط لتكوين الأنهار وجود مصدر مائي من الأمطار والينابيع أو الأثنين معا مع انحدار في السطح ويوجد في العالم حوالي 263 نهرا رئيسيا ويقدر حجم المياه في الأنهار حوالي ( 2120كم3 )
ومن أهم الأنهار وأطولها نهر النيل الذي يبلغ طوله حوالي (6657) كم ، ويؤمن نهر النيل منها 84 مليار م3، ويؤمن نهر الفرات منها 30 مليار م3، ويؤمن نهر دجلة منها 40 مليارا م3.
ويحتوي الوطن العربي على كميات مهمة من المياه الجوفية تتوزعها ثلاثة أحوض كبيرة، هي الأرج الشرقي جنوب جبال أطلس في الجزائر، وتقدر كمية المياه المخزنة في هذا الحوض بنحو 1400مليار م3، وحوض النوبة بين مصر وليبيا والسودان وتقدر كميات المياه المخزنة في هذا الحوض بنحو 7000 مليار م3 ويمد هذا الحوض الواحات الصحراوية بالمياه مثل واحة الخارجة والداخلة والفرافرة في مصر، ويمد أيضا النهر العظيم في ليبيا الذي ينقل المياه الجوفية من الحوض إلى ليبيا ويقدر الماء المتدفق من خلاله بسبعمائة مليون م3 سنويا، وحوض الديسي بين الأردن والسعودية، وتوجد أحواض مياه أخرى أقل أهمية تتيح كميات من المياه بحدود 15.3 مليار م3 يستغل معظمها.
وبدأ الاحتباس الحراري يؤثر سلبيا عل بعض المسطحات المائية خاصة البحيرات والانهار الجليدية في بقاع شتى من العالم التي قد تطفح بسبب التغيرات المناخية، مما سيؤدي إلى فيضانات في المناطق المحاذية لها وحسب برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة فإن الاحتباس الحراري قد يؤدي إلى أن تطفح 40 بحيرة جليدية من بحيرات الهيمالايا، مما سيؤدي إلى فيضانات واسعة ومقتل آلاف الناس. وسيزداد الأمر سوءا إذا تحققت توقعات الخبراء من أن درجة حرارة الأرض ستزداد ما بين 1.4 و5.8 درجة مئوية مع حلول عام 2100 وسترتفع مستويات البحار بما بين 9 سم و88 سم، مما قد ينتج عنه غمر جزر كجزر المالديف ويهدد جزرا أخرى في البحر الكاريبي وجنوب المحيط الهادئ بالاختفاء ويقول مدير هيئة الأمم المتحدة الخاصة بمتابعة التغييرات المناخية في العالم راجندرا باشوري “إن أعظم مخاطر التغييرات المناخية هي التأثير العكسي على الزراعة وخاصة المزارعين الذين يعتمدون على الأمطار ويضيف باشوري “إن الذوبان السريع للجبال الجليدية وازدياد ارتفاع البحار سيكون لها آثار ضارة، إذ إن انحسار هذه الجبال الجليدية يعني تدفقا أقل للمياه في أنهارنا الشمالية، كما أن ارتفاع نسبة البحر سيؤدي إلى أعاصير وعواصف حتى قبل غمر المناطق الشاطئية”.
ذوبان الأنهار الجليدية
تشير الدراسات والابحاث والتقارير أن المسطحات المائية خاصة البحيرات والانهار الجليدية أخذت تتأثر بالاحتباس الحراري ففي عام 2002، قام باحثون في جامعة كولورادو، بالولايات المتحدة الأمريكية، بتحليل معدل ذوبان الأنهار الجليدية في جميع أنحاء العالم. ووفقًا لحساباتهم فإن الأنهار الجليدية تذوب أسرع مما كان يعتقد قبل ذلك، وبحلول عام 2100 سيرتفع مستوى البحر بمقدار يصل إلى 89 سم. ولكن الدراسات الأحدث تثير العديد من التساؤلات حول تلك التوقعات. وقد أظهرت دراستان نُشرتا في عام 2005، أنه خلال الفترة من عام 1992 إلى 2003 زاد معدل تساقط الثلج على أجزاء كبيرة من المناطق الداخلية لكل من القارة القطبية الجنوبية وجرينلند. فالأنهار الجليدية آخذة في الذوبان عند حوافها، ولكنها تزداد ثخانةً في الداخل. والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف ستتوازن تلك التوجهات المتناقضة وقد أخذت ثلاثة أنهر جليدية مثل نهر كانغردلُغزواك وهيلهايم وجاكوبشافنز، بالذوبان بسرعة كبيرة خلال الأعوام القليلة الماضية. وبدأ نهر جاكوبشافنز، وهو أكبر نهر جليدي في ساحل غرينلاند الشرقي يفقد 15 متراً منه سنوياً منذ العام 1997 كما يفقد النهران الجليديان الآخران بعض حجمهما هما أيضاً، إذ يفقد كانغردلغزواك 40 متراً سنوياً في حين يفقد هيلهايم 25 متراً سنوياً، في ظاهرة لا يمكن تفسيرها على أنها ضمن الذوبان وقد زادت سرعة ذوبان وانزلاق جميع هذه الأنهر الجليدية أيضا ولا يقتصر حدوث هذا الذوبان السريع على غرينلاند وحدها؛ ذلك أن العلماء يشاهدون حدوثه بشكل مماثل في آنتاركتيكا في القطب الجنوبي وقال بندشادلر : إن تدفق جداول الأنهر الجليدية العميقة الموجودة حول الأغطية الجليدية الرئيسية بدأ في التسارع، وهذا الجريان المائي يعني أن المياه الدافئة وصلت إليها. ولا أعرف أي إجراءات يمكنها عكس ما يجري وأتوقع استمرار جريان وانزلاق الغطاء الجليدي المتزايد، وربما انتشاره إلى مناطق أخرى، مما سيؤدي إلى التعجيل في ارتفاع منسوب مياه المحيطات والبحار
وتعتبر ولاية ألاسكا، من بين أكثر المناطق في أميركا الشمالية تأثرا بارتفاع معدل درجات الحرارة في العالم وذوبان الأنهار والكتل الجليدية واحد فقط من المشاكل التي تعاني منها ألاسكا، كما أكدت العالمة البيئية( ايت ترولش) التي تقول إنه إضافة إلى ذوبان الأنهر الجليدية، فألاسكا بدأت تعاني أيضا من انتشار الحشرات وحرائق الغابات، وغرق القرى، وارتفاع درجة حرارة المحيطات، وتآكل السواحل، وتغير تركيبة الحياة البرية. وأوضحت أن المزيد من التدهور بانتظار طبيعة ألاسكا في ظل تصاعد الحرارة بها بمثلي المعدل العالمي. وشهد العام الماضي اسخن فصل صيف يسجل في ألاسكا. وأوضح تقرير يقيم التغيرات المناخية بالمناطق القطبية، أن معدل درجة الحرارة بألاسكا ارتفع بـ3.3 درجة مئوية منذ العام 1949 إلى 2003، وشهدت بعض المناطق زيادة في درجة الحرارة، بلغت ضعفي ذلك وفي تقرير آخر أوضح أن درجة الحرارة ارتفعت بـ0.4 درجة مئوية منذ أواسط الستينيات. وأوضح التقرير أن العقد الأخير شهد اكبر ارتفاع في درجات الحرارة منذ بدء تسجيل درجات الحرارة وأنه غير مسبوق منذ العصر الجليدي الأخير. وتشير ادارة مراقبة الانهار الجليدية في العالم التي يدعمها برنامج الامم المتحدة للبيئة في جامعة زوريخ في سويسرا الى ان بعض اكبر فقدان للجليد في اوروبا كان في جبال الالب والبرانس والمنطقة الاسكندنافية.
واشارت هذه التقديرات التي تستند الى قياس كثافة الجليد بالانهار الجليدية الى فقد 1.5 متر في 2006 بارتفاع عن اكثر من مجرد نحو نصف متر في عام 2005. وقال برنامج الامم المتحدة للبيئة ان تراجع سمك الانهار الجليدية كان الاسرع منذ بدء المراقبة.
ومنذ 1980 قل سمك الانهار الجليدية بحوالي 11.5 مترا في تراجع وجهت لجنة الامم المتحدة للمناخ اللوم بشكل رئيسي بالمسؤولية عنه الى الاستخدام البشري للوقود الاحفوري.
ويمكن ان يؤدي هذا الذوبان الى احداث اضطراب في اي شىء ابتداء من الزراعة حيث يعتمد ملايين الاشخاص في اسيا على مياه الذوبان الموسمية من الهيمالايا. وذكر باحث في جامعة بورتلاند ان سبعة من أنهار سييرا نيفادا الجليدية التى تمت دراستها واعادة تصويرها هذا الصيف، قد اصبحت اصغر حجما عما قبل، اي القرن الماضي. ويعلق ناثان إل. ستيفنسون، الباحث البيئي الذي يعمل لحساب هيئة المساحة الجيولوجية الاميركية يو اس جيولوجيكال سورفاي ومركزها حديقة سيكويا الوطنية ان الذوبان لافت للانتباه. وكان ستيفنسون قد ترأس في شهر أغسطس (آب) فريق بحث خاص بالأنهار الجليدية المسماة ايفوليوشن راينج الواقعة في حديقة «كنغز كانيون» الوطنية. ولكن الكثير من الخبراء يعتقدون ان التحول في الأنهار الجليدية قد يزداد ويتسارع بسبب تزايد الدفء على كوكبنا وذلك نتيجة لاستعمال الانسان للبيوت البلاستيكية المنتجة للغازات ومنها ثاني اوكسيد الكربون. ويقول ستيفنسون: «لن اتهم الانسان بالتسبب بحالة الدفء التي وصلنا اليها ولكنه قد يكون السبب في تسريعها». الأنهار الجليدية وليدة الطقس والهطول (سواء هطول المطر او الثلج او هبوط الندى)، وهكذا فان الأمر يستوجب انهمار الثلج اولا ثم طقسا باردا لدرجة تسمح ببقاء الثلج طيلة الصيف وتراكمه سنة بعد سنة مضغوطا في كتلة جليدية واحدة بطيئة الحركة. وعندما ترتفع الحرارة فإن من الطبيعي أن يذوب الجليد.
تأثر بحيرات العالم بالاحتباس الحراري
وفي جبال الهيملايا وجد 20 بحيرة جليدية في نيبال و 24 بحيرة جليدية في بوتان قد غمرت بالمياه الذائبة فوق قمة جبال الهيملايا الجليدية مما يهدد المزروعات والممتلكات بالغرق والفيضانات لهذه البحيرات لمدة عشر سنوات قادمة. وبرجح العلماء أن سبب هذا إمتلاء هذه البحيرات بمياه الجليد الذائب. وحسب برنامج البيئة العالمي وجد أن نيبال قد زاد معدل حرارتها 1 درجة مئوية وأن الغطاء الجليدي فوق بوتان يتراجع 30 –40 مترا في السنة. وهذه الفيضانات لمياه الجليد جعلت سلطات بوتان ونيبال تقيم السدود لدرأ أخطار هذه الفيضانات وقد تم أيضاً إبراز ظاهرة تشكل البحيرات نتيجة ذوبان الأغطية الجليدية ومخاطر انفجار فيضان جليد البحيرات. وبإمكان هذه البحيرات إطلاق حوالي 100 مليون متر مكعب من المياه وذلك بسرعات تصل إلى 000ر10 متر في الثانية باتجاه الوديان المعرضة لهذا الخطر. وتشمل المناطق الجليدية التي تواجه هذا الخطر جبال الهملايا وتين شان وبامير في طاجاكستان وفي نفس الوقت جبال الانديز وجبال الألب في أوروبا. ففي شهر يوليو من عام 1998 أدى انفجار وفيضان جليد البحيرات في وادي شاهيماردان في جيرجيستان واوزبكستان إلى مقتل أكثر من 100 شخص. وأدى حادث مماثل في شهر أغسطس من عام 2002 في وادى شاكادارا في جبال بامير بطاجاكستان إلى مقتل 23 شخصاً.
ومن ناحية أخرى تتأثر حياة 4ر2 مليار من الناس والذين يشكلون نسبة 40 بالمائة من سكان العالم حالياً، بحوادث ذوبان الأغطية الجليدية في الصيف في مناطق جبال الهملايا وهندوكوش وكونلون شان وبامير وتيان شاندان.
وقد تنحسر هذه الأغطية الجليدية بنسبة تزيد عن 40 بالمائة وقد تصل إلى 80 بالمائة بحلول عام 2100 وذلك بموجب النماذج المناخية الحالية حيث ستصبح بعض السلاسل الجليدية خالية تماماً من الغطاء الجليدي.
وتشمل الأنهار التي تواجه هذا الخطر سير داريا وآمو داريا ونهر السند ونهر الكنج ونهر براهمابوترا ويانجتز وهوانج هي أو النهر الأصفر حيث قد يواجه حوالي 3ر1 مليار من البشر خطراً متزايداً وهو نقص المياه بينما يواجه أكثر منهم خطر فقدان مياه الري للمحاصيل بالإضافة إلى حالات إرباك بالنسبة للصناعة وتوليد الكهرباء.
ويعتبر جليد المياه العذبة عنصراً هاماً بالنسبة لسبعة من 15 من أكبر أنهار العالم و11 من أكبر 15 بحيرة في العالم، بما في ذلك النهر الأحمر في أمريكا الشمالية وبحيرة كالافيسي في فنلندا ونهر تورنيونجوكي ونهر أنجارا في جنوب شرق سيبيريا.
وتشير البيانات بشكل عام والتي تم الحصول عليها من جليد الأنهار إلى أن الارتفاعات في درجة حرارة الجو على المدى الطويل في فصل الخريف والربيع قد أدت إلى تأخير بلغ 10 إلى 15 يوماً “في التجمد” وإلى عملية عمليات سريعة مماثلة في التحطيم. وتشير النماذج إلى أن استمرار التغير المناخي قد يؤثر على توقيت وحجم الذوبان الربيعي والذي يؤثر على فيضان “الحشر الجليدي” في بعض الأماكن والمناطق. وقد يؤدي التغير المناخي في الحقيقة إلى تقليل هذه الحوادث الدرامية في أقصى الشمال ولكن هذا قد يؤدي إلى جفاف مناطق واسعة رطبة في دلتا الأنهار في القطب الشمالي وتحولها إلى مناطق عشبية. وهناك أيضاً مخاوف بالنسبة لآثار ذلك على الأسماك وعلى أشكال التنوع البيئي الأخرى وهي تربط بين النقل والناس الأصليين. وفي الوقت الحاضر تستخدم الكثير من المجتمعات النائية البحيرات والأنهار المتجمدة كطرق لصيد الحيوانات وصيد الأسماك ومناطق الصيد باستخدام المصايد أو للوصول إلى المستوطنات البشرية الكبيرة
المصادر
1- الإنسان والبيئة صراع أم توافق د ايمان غيث ومنى حسن دهبية دار الفكر 2008 ص 154
2- أرض واحدة ومستقبل واحد تشريل سيمون سيلفر ص 122- 130 الدار الدولية للنشر والتوزيع 1992
3-تلوث البيئة وملوثاتها دكتور حسين العروسي مكبة المعارف 1999 ص 51
4 – البيئة حمايتها وصيانتها وائل الفاعوري ومحمد الهروط دار المناهج 2003 ص 66 – 67
5- البيئة والانسان د . زين الدين عبد المقصود ص 212 – 216
6- اللوث الهوائي د طلعت الأعرج ص 100- 102
7 – كوكب الأرض د حسن ابو العينين ص 594 – 600
8 – جغرافيا البحار والمحيطات د. جودة حسن جودة ص 115- 131
9- www.savewater-sunna.com/linksa.htm
10- http://www.aljazeera.net
11 – geo2007.myfreeforum.org/archive
12- http://www.asharqalawsat.com
13- www.annabaa.org/nbanews/69/236.htm
14- www.unep.org
* باحث وكاتب في القضايا العربية والإسلامية المعاصرة والبيئة والتربية
farouqselawee@yahoo.com