تركزت الدراسات العلمية نحو الاستفادة من الأعشاب النباتية في الامور المتعلقة بصحة الإنسان ومختلف جوانب الطب البشري وذلك لإدراك العلماء والباحثين لأهمية الأعشاب الطبية في العالم والخوف من انقراضها في سنوات المستقبل جراء الاستثمار الجائر لهذه الثروات الوطنية في مختلف أنحاء العالم.
هناك حقيقة واضحة هي أن المنطقة العربية تتمتع بتراث حضاري عريق في استعمال الأعشاب الطبية وتمتاز : بامتلاك ثروات هائلة من الغطاء النباتي والتي تمثل فيه الاعشاب النباتية جزءا مهما وبنفس الوقت هناك شح في الأبحاث المنشورة والدراسات الموثقة عن استعمال الأعشاب في مختلف شؤون الطب البشري.
لذا فإننا نری ضرورة تركيز العلماء العرب نحو إجراء الابحاث العلمية، في هذا النطاق من المعرفة العلمية التطبيقية بتحقيق أغراض مشروعة حيث يمكن اعتبار الاهداف التالية نموذج استراتيجية متكاملة في البحث العلمي في قطاع النباتات الطبية، تشمل اهداف ومبررات ومحاور البحث العلمي الأكاديمي في سنوات المستقبل.
اجراء مسح شامل وتوثيقي لأنواع الأعشاب المستعملة في الطب التقليدي: ان توثيق المعرفة الحالية عن الأعشاب في العالم العربي يكتسب اهمية علمية ومعرفية كبيرة ذلك لأن هذه المعلومات المتداولة بين طبقات المجتمع العربي هي غير موثقة في سجلات علمية، أن مثل هذا : النوع من الدراسات الأكاديمية المنظمة ذات أهمية في تقييم : واقع وطبيعة طب الأعشاب في المشرق العربي والمغرب العربي ومدى الاستفادة منه من قبل السكان في واقعنا المعاصر، يتمتع هذا النوع من الدراسات الأكاديمية بأهمية علمية وذلك لعدم وجود تقارير علمية منشورة حول هذا القطاع من البحث العلمي او لأن الأبحاث المنشورة في هذا النطاق لا تساوي شيئا مقارنة مع الاهتمام العالمي بذلك، يمكن الإشارة إلى الجهود العالمية وخاصة برامج الجمعية الألمانية للنباتات الطبية التي تعقد مؤتمراتها السنوية في مختلف الجامعات الأوروبية لنشر مئات الابحاث العلمية عن استخدام الأعشاب في الطب الشعبي في العالم اضافة إلى دراسة كيمياء النباتات الطبية ومعرفة تأثيرات الاعشاب على الأعصاب والمناعة وتركيز السكر في الدم .
وهناك اتجاه علمي جديد بدأ – يظهر في السنوات الأخيرة وهو البحث في عالم الأعشاب الطبية عن نماذج من الأدوية النباتية الملائمة لعلاج مرضى الإيدز «متلازمة نقص المناعة المكتسبة» الذي يصیب ما يقرب من 40 مليون شخص من سكان مختلف القارات في العالم.
کشف النباتات السامة والخطيرة وتنسيق المعلومات وإعطائها إلى الجهات الصحية في مختلف البلدان العربية من اجل التوعية بمخاطرها من خلال وسائل الاعلام العلمي الجماهيري وحث الأطباء والعشابين على التقيد بشروط البحث العلمي والمعطيات المعاصرة من اجل الارتفاع بالخدمات الصحية وحماية الناس الذين يتعاطون الاعشاب الطبية في المستقبل.
ان المركبات السامة هي ذات تأثيرات خطيرة لأن هذه المركبات الكيميائية ذات فعالية سامة للخلايا او مواد مطفرة او مواد مولدة للتشوهات الخلقية في الأجنة، ان البحث العلمي المنظم حول سمية المركبات النباتية من خلال الطرق التحليلية الحساسة هو ذو هدف واضح من اجل تحديد الأمان من مخاطر المواد النباتية السامة.
إن دراسة الأعشاب في العالم العربي وفق أساليب البحث العلمي المنظم يكتسب أهمية بالغة في الوقت الراهن ذلك لأن البيئة الطبيعية تتعرض خلال هذا العصر إلى الاستنزاف المتمثل بقطع الغابات مما أدى الى فقدان الغطاء النباتي وتهديد التنوع الطبيعي إضافة إلى توسيع الرقعة الزراعية واستثمار الأرض في بناء الطرق والمدن الحديثة مما ادى الى اختفاء النباتات حتى أصبحت بعض أنواع الأعشاب مهددة بخطر الانقراض مما يوضح احتمال فقدان مجاميع من الأعشاب ذات الأهمية الطبية التي تضاهي الأعشاب المعروفة.
ان تطبيق سياسة علمية لدراسة الأعشاب الطبية في المنطقة العربية له أهمية عالمية وخاصة موضوع تقاطع الثقافات مما يساعد على توجيه اتجاهات البحث العلمي في العالم نحو دراسة انواع محددة من الأعشاب من مختلف بقاع كوكب الأرض.
أن أهم وسيلة لتطوير البحث العلمي في هذا النطاق تتركز على إجراء الدراسات في جامعات الوطن العربي حول كيمياء الأعشاب الطبية ومعرفة التأثيرات الصيدلانية والدراسات السمية وتقييم الفعالية العلاجية اذ ان كل هذه الاتجاهات تقود الى هدف اكتشاف الأدوية ولا بد من الربط بين طرق المسح الكيميائي والمسح البيولوجي لفعالية الاعشاب الطبية، فمن خلال هذه الخطوات يمكن انجاز الانتخاب المبكر للجزيئات المقصودة للأبحاث العلمية المستقبلية، وقد اقترح الباحثون الاستفادة من تقنيات التحليل الكروماتوغرافي والتي تعطي معلومات انتخابية دقيقة عن المركبات البيولوجية الفعالة والتي يؤمل استعمالها في المستقبل كدواء علاجي مناسب.
وقد أوصى الباحثون ايضا بأهمية تطوير تقنيات تحليل وتشخيص ومعايرة وتقييس للأدوية من المصادر العشبية وقد أوصى العلماء خلال السنوات الأخيرة باستعمال موديلات صيدلانية تركز على دراسة الآليات الجزيئية والآليات الخلوية، فهذه التقنيات ذات ضرورة ملحة للسيطرة النوعية على التحضيرات الدوائية من الأعشاب الطبية.
لا بد من دراسة تقاليد الطب الشعبي لأهمية مواكبة حركة البحث العلمي العالمية في هذا الاتجاه وذلك بالتركيز على الجزيرة العربية والهلال الخصيب وشمال أفريقيا، وكذلك جرد المعلومات النباتية وحفظ نماذج النباتات في المعاشب الوطنية ولا بد من دراسة طب الأعشاب لدى البدو خوفا من موت الشيوخ وانقراض الثقافة التي امتلكوها عبر السنين.
لا بد من تطوير إستراتيجية عربية لحماية الغطاء النباتي من خطر الاستثمار التجاري مما يتطلب حماية وإكثار الأعشاب الطبية بواسطة البذور والأبصال والجذور وصيانة الأعشاب المهددة بخطر الانقراض اذا أن ذلك يمكن انجازه بمختلف التقنيات الحياتية الحديثة مثل زراعة الأنسجة و زراعة البروتوبلازم إضافة الى صيانة الأعشاب الطبية في الطبيعة او الحدائق النباتية والمحميات الطبيعية ويمكن القول بأنه يتطلب من الباحثين العرب المتخصصين في هذا القطاع تطوير إستراتيجية متكاملة نحو حماية الأعشاب النباتية والغطاء الخضري، لأن مثل هذه الخطط العلمية قد أعدت بشكل علمي دقيق في مختلف البلدان.
أ. د. محمد حسن الحمود