أصبح من الشائع استخدام كريمات تفتيح البشرة وخصوصا من قبل الفتيات والسيدات، وتؤكد كثير من الدراسات على مضار تلك الكريمات ومخاطرها على الجسم.
ففي عالمنا المعاصر، غالبا ما ينظر الى البشرة الفاتحة بانها البشرة المثالية، مما يجعل أصحاب البشرة الداكنة يسعون لتفتيح بشرتهم.
نتيجة لذلك ارتفع الطلب على كريمات تفتيح البشرة بشكل كبير، وأصبحت الشركات العالمية تتسابق في تطوير منتجاتها الخاصة بتفتيح البشرة.
ولذلك فان مروجي تلك الكريمات يدعون أن هذه المنتجات تعمل على تفتيح لون البشرة وتقليل العيوب وخلق بشرة أكثر تناسقًا.
ومع ذلك، وتحت هذه الادعاءات تكمن حقيقة أكثر قتامة، وهي الآثار الضارة لهذه الكريمات والمواد السامة المحتملة التي تحتوي عليها.
السعي نحو اهداف مضللة
أدى الهوس بلون البشرة الفاتحة الى البحث عن حلول سريعة للحصول على تلك البشرة الفاتحة، حيث تم سابقا اعداد كثير من الخلطات الشعبية لتفتيح البشرة.
بعد ذلك اخترعت كريمات تفتيح البشرة والتي تباع في الأسواق وأماكن التجميل والصيدليات دون وصفة طبية.
لقد أصبحت تلك المنتجات خيارا سهلا للجميع وأصبح الوصول إليها متاحا للجميع وفي نفس الوقت أصبحت تحقق أرباحا طائلة لمروجي تلك المنتجات.
اذ أن الرغبة في الحصول على بشرة فاتحة اللون أدت عن غير قصد إلى انتشار استخدام الكريمات التي يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة على صحة الفرد.
مركبات كيميائية خطيرة
تحتوي تلك الكريمات على العديد من المركبات الكيميائية التي يصنف بعضها بأنها خطيرة، وقد تناولنا في موقع آفاق علمية وتربوية مخاطرها في أثر من مقال.
الزئبق سم صامت:
يعد الزئبق من أكثر المواد المثيرة للقلق الموجودة في العديد من كريمات تفتيح البشرة.
وعلى الرغم من حظره في مستحضرات التجميل بسبب طبيعته السامة، لا يزال الزئبق يجد طريقه إلى هذه المنتجات، مما يشكل مخاطر صحية شديدة.
وللتوضيح فإن التعرض لفترات طويلة للزئبق يمكن أن يؤدي إلى التسمم بالزئبق، مما يسبب أعراض مثل الطفح الجلدي، وتلف الكلى، والاضطرابات العصبية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون لامتصاص الزئبق عبر الجلد آثار ضارة على الجهاز العصبي المركزي، خاصة عند النساء الحوامل، مما قد يضر بالجنين.
الهيدروكينون مركب مثير للجدل:
الهيدروكينون hydroguinone ، وهو مكون آخر شائع الاستخدام في كريمات تفتيح البشرة، كان موضع جدل منذ فترة طويلة.
في حين أنه يمنع إنتاج الميلانين بشكل فعال، مما يساعد على تفتيح البشرة، إلا أن سلامته موضع تساؤل.
لذلك تم ربط الاستخدام المطول للهيدروكينون بالتزامن، وهي حالة جلدية تتميز بتغير اللون الأسود المزرق.
علاوة على ذلك، أدت المخاوف بشأن خصائصه المسببة للسرطان إلى حظره أو تقييد استخدامه في مستحضرات التجميل في العديد من البلدان.
الكورتيكوستيرويدات السيف ذو الحدين:
الكورتيكوستيرويدات Corticosteroids ، والتي غالبًا ما يتم تضمينها في كريمات تفتيح البشرة لخصائصها المضادة للالتهابات، يمكن أن تلحق الضرر بالجلد عند استخدامها دون إشراف طبي.
باختصار يمكن أن يؤدي الاستخدام المطول لهذه المركبات إلى ترقق الجلد وزيادة التعرض للعدوى وتطور ظاهرة الارتداد حيث يصبح الجلد داكنًا أكثر من ذي قبل بمجرد إيقاف الكريم.
وبالتالي فقد دفع إغراء النتائج السريعة العديد من المستخدمين إلى الإفراط في استخدام هذه الكريمات، مما أدى إلى تفاقم آثارها الضارة.
الكورتيزون:
تعتبر مادة الكورتيزون من المواد الخطرة وتتسبب عند استخدامها لتفتيح البشرة، في ضمور الجلد وتزايد نمو الشعر في بعض مناطق الجسم.
التأثير النفسي لفكرة البشرة الفاتحة:
من ناحية اخرة وبعيداً عن المخاطر الجسدية، فإن استخدام كريمات تفتيح البشرة يمكن أن يكون له أيضاً آثار نفسية عميقة.
حيث يبين المتخصصون في مجال الطب النفسي أن الضغط المجتمعي للتوافق مع معايير الجمال غير الواقعية يتسبب في تدني احترام الذات ومشاكل صورة الجسم.
علاوة على ذلك، فإن السعي للحصول على بشرة فاتحة قد يؤدي إلى إهمال الأفراد لجمالهم الطبيعي وسماتهم الفريدة، مما يؤدي إلى إدامة دائرة عدم الرضا.
إجراءات لا بد منها:
وبناءا على ما سبق، فإن مثل هذه الكريمات يجب قبل أن يتم تداولها في الأسواق ، فحصها من قبل المختبرات الطبية المتخصصة والتابعة مثلا لوزارة الصحة أو في مختبرات الرقابة الدوائية.
كما يجب أن تحصل على موافقة F.D.A
كذلك ينبغي منع صالونات التجميل والصيدليات والمحلات التجارية المتخصصة في مواد التجميل، من تداولها وإعطائها لكل من ترغب في تغير لون بشرتها.
حيث تبين في الكثير من الحالات احتواء بعض هذه الكريمات على نسب من المواد السابقة الذكر أكثر بعشر مرات من النسب المسموح بها طبيا.
فمثلا نصت اللوائح الطبية على أن نسبة الهايدروكينون في كريمات التجميل يجب أن لا تتجاوز 2% .
إذ انه عند تجاوز هذه النسبة فإن تلك الكريمات تؤدي إلى ما يسمى ب Ochronosis أي ترسيب مادة الميلانين داخل بعض أنسجة الجسم كالغضاريف والمفاصل.
كما تتسبب في الإصابة بحساسية الجلد والحكة الشديدة.
إن الكثير من الأطباء يجمعون على أن كريمات تفتيح البشرة والتي تحتوي على تلك المواد الخطيرة جدا يجب عدم صرفها إلا بوصفات طبية وليست وصفات تجميلية .
وبالتأكيد مما يدفعهم إلى إطلاق تحذيراتهم بشكل متكرر، الآثار الجانبية الخطيرة التي تنجم عنها.
وأيضا تعذر إصلاح الضرر الذي يلحق ببشرة الفتاة أو السيدة عند حدوثه، مما يخلق حالة مرضية شديدة التعقيد تفشل عندها الوسائل الطبية في علاجها.
مواجهة الجانب المظلم
في الختام ومع ظهور الجانب المظلم من كريمات تفتيح البشرة، من الضروري زيادة الوعي حول المخاطر المحتملة المرتبطة بهذه المنتجات.
كذلك يجب على المستهلكين إعطاء الأولوية لصحتهم على حساب التوقعات المجتمعية واختيار أنظمة العناية بالبشرة الآمنة والسليمة.
تحتاج الحكومات والهيئات التنظيمية إلى تعزيز اللوائح للحد من إنتاج وبيع كريمات تفتيح البشرة التي تحتوي على مواد ضارة.
في نهاية المطاف، فإن كافة ألوان البشرة المتنوعة بها ناحية جمالية يجب التركيز عليها وإظهارها بشكل لائق يحترم إنسانية الانسان وصنع الله الخالق المبدع.
المهندس أمجد قاسم
كاتب علمي متخصص في الشؤون العلمية
اقرأ أيضا