إعداد: الدكتور محمد فخري مقدادي
تتناول هذه المقالة تحديد مفهوم تربوي هو التعلم للإتقان Mastery Learning مبينة ماهيته وعناصره مشيرة بإيجاز إلى تاريخ استخدامه، والمداخل والاستراتيجيات المتعددة التي تمثله ، والنقاط التي يلتقي عليها أصحاب هذه المداخل ومن ثم ستعرض المقالة بإيجاز لأحد هذه المداخل وهو الذي اقترحه (John Caroll) في مقالة له بعنوان ( A Model Of School Learning ) نشرت عام 1963 في مجلة ( Teacher College Record ) الأمريكية ويعتبر مدخل كارول هذا حجر الزاوية فيما تلاه من مداخل حذا أصحابها حذوه. وأخيرا تشير المقالة إلى أهم الانتقادات التي وجهت إلى هذا النمط من مداخل التعلم.
تتصف مداخل التعلم للإتقان بالمرونة ومراعاة الجوانب الإنسانية والتربوية، كما يمكنها تزويد التلاميذ بالمهارات اللازمة للنجاح في مجتمع مفتوح، وهي مداخل تنسجم مع قيم المجتمع الديمقراطي حيث يمتلك كل طفل في مجتمع كهذا الحق في تعلم ما تقدمه المدرسة ، كما تتحمل المدرسة فيه المسؤلية في أن ترى أن ما تقدمه من تعليم قد تعلمه الطلبة الملتحقون بها.
يفترض مدخل التعلم للإتقان أن بإمكان غالبية الطلبة الوصول إلى أقصى مستوى من قدراتهم على التعلم إذا كان نمط التدريس المستخدم منظما، وإذا ما قدم العون للطلبة في الوقت والمكان اللذين يواجهون فيهما صعوبات مختلفة.
وكذلك إذا ما توفر لهؤلاء الطلبة الوقت الكافي لإتقان ما يتعلمونه، وأخيرا إذا ما كان
هناك معايير واضحة لمكونات الإتقان. ومن الأمور الهامة في التعلم للإتقان كذلك
وجود تسلسل وترابط في وحدات التحليل. وأن تكون كل وحدة تعليمية قابلة للمعالجة
والتحليل .
في ضوء هذا يمكن تحديد الافتراضات التالية للتعلم للإتقان :
1. يمكن لجميع التلاميذ أن يتعلموا بالتساوي معظم مهمات المدرسة الأساسية ٠
2. ينبغي أن يكون الاهتمام الأساسي في المدرسة موجها نحو التعلم لا التعليم.
3. إن الغرض من إنشاء المدارس هو تأكيد المساواة في النواتج التربوية، والمساواة في توفير الفرص التربوية للمتعلمين.
4. إن الفروق الفردية لا تقرر كمية ما يحويه المنهج المدرس المتعلم.
5. من الضروري توفير الوقت الكافي لانجاز المهمة المراد توكيد إتقانها.
6. يمكن تحديد معظم التعلم المدرسي من خلال أداء الطلبة والذي يمكن ملاحظته وقياسه.
7. التعلم تتابعي منطقي في طبيعته ٠
8. تعتبر دافعية الطالب سبيلا لزيادة كمية التعلم المدرسي ونوعيته.
ويتكون مدخل التعلم للإتقان الفعال من العناصر التالية :
الأهداف المحددة الواضحة: إذ ينبغي أن تذكر الأهداف بطريقة واضحة ومحددة، وبعبارات تقرر النواتج والأهداف المتوقع انجازها في نهاية كل مهمة تعليمية. وينبغي تحديد المهارات التي يتوقع التمكن منها بطريقة واضحة في بداية عملية التعلم.
اختبار مسبق للمتعلم : وهذا الاختبار المسبق يقرر المستوى الحالي لتعلم الطالب مما يجعل بالإمكان وضعه في المكان الصحيح من مسار التعلم وتوفير مواد التعلم الفعالة ، وهذا الاختبار قد يحتوي تحليلا لعمل الطالب السابق مثل مقابلاته وبيانات عن أدائه أو أية معلومات أخرى عنه.
التدريس: في أي نموذج مصمم للتعلم من أجل الإتقان يكون الهدف أن يعمل كل طالب على نحو يتلاءم مع درجة تقدمه ، حتى يصل إلى درجة انجاز أهداف التعلم بإتقان. والسؤال الذي ينبغي الإجابة عنه هنا هو: هل تساعد الإستراتيجية التعليمية المختارة الطالب على الارتفاع بمستوى تحصيله الحالي وجعله يتقدم نحو إتقان الأهداف المرجوة؟
ومن الأنشطة والوسائل التي يمكن تقديمها له القيام بحل واجباته والقيام بنشاطاته فردية، واستخدام مواد سمعية وبصرية ، بالإضافة إلى التعلم في مجموعات صغيرة أو كبيرة أو تعليمه فرديا.
اختبار تشخيصي، ويستخدم هذا الاختبار لمعرفة مدى فعالية التدريس وهذا الاختبار يتم أثناء القيام بعملية التدريس،لبيان ما إذا كان المتعلم يتقدم كما هو متوقع منه ، وأنه لم يفته تعلم مهارات أساسية أو مفاهيم أو حقائق بصورة كاملة أو بصورة جزئية . ويستخدم كذلك لترتيب المتعلمين حسب درجات تقدمهم واختيار طريقة التدريس التي يحتاجون إليها بما يلائمهم.
الإرشاد : وهذه الخطوة قد تتضمن استراتيجيات علاجية مختارة من عدد كبير من الخيارات الممكنة ٠ وقد تزودنا هذه الخطوة بما يؤكد أن الطالب يحرز تقدما ملائما أو أن هناك حاجة إلى مادة غنية أو تعليم فردي من قبل الأقران ٠
اختبار بعدي: عند هذا الحد يكون بمقدور المعلم أن يقرر إلى أي حد أنجزت أهداف التعلم ويقاس تعلم كل طالب لبيان ما إذا كانت المهارات الأساسية، والمفاهيم والحقائق المنصوص عليها في الأهداف قد تمت السيطرة عليها من قبله.
إن فكرة التعلم للإتقان قد أكدها عدة مربين مثل كومنيوس في القرن السابع عشر، وبستولوزي في القرن الثامن عشر وهربرت في القرن التاسع عشر. وفي القرن العشرين استخدم موريسون في مختبر جامعة شيكاغو نتائج اختبارات تشخيصية متعددة كتغذية راجعة قرر على أساسها ما يحتاج إليه كل طالب من الوقت والمساعدة قبل الوصول بها إلى درجة الإتقان لما تعلمه.
هذا وتتفق مداخل التعلم للإتقان فيما بينها في الخصائص التالية:
1. حددت نماذج التعلم على صورة أهداف تربوية يتوقع انجازها من قبل كل متعلم ٠
2. يتألف كل نموذج من وحدات تعلمية محددة بصورة واضحة.
3. رتبت مواد التعلم فيها بصورة منطقية.
4. كان إتقان المهمات الأسهل والايسر متطلبا سابقا قبل السماح للمتعلمين بالتقدم نحو المهمات الاكثرتعقيدا٠
5. هناك تتابع مرغوب فيه في المواد التعليمية بحيث يبنى التعلم الجديد على سابقة.
6. استخدمت اختبارات تقيس التقدم التشخيصي كجزء متمم للعملية التعليمية.
7. تزود الدارسون بتغذية راجعة على فترات معينة.
8. تقدم المهمة التعليمية مع مادة التعلم الصحيحة وأثناءها .
ومن بين المربين وعلماء النفس الذين أكدوا مثل هذه الأمور جيروم برونر، وروبرت جانيه ، وسكنر في أعماله المتعلقة بالاشراط الإجرائي وتطبيقاتها في التعليم المبرمج. ومن بين الأشكال
الأساسية التي أكدها هؤلاء المربون:
1. ينبغي تزويد المتعلم بصورة واضحة عن مساره في التعلم مثل السلوك النهائي المطلوب منه.
2. ينبغي تجزئة التعليم الذي يقود إلى تعلم هذا السلوك إلى خطوات قصيرة.
3. ينبغي أن يعمل كل متعلم في كل خطوة بحسب قدراته الخاصة ٠
4. ينبغي تشجيع المتعلم في كل خطوة على أن يستجيب أثناءها بنشاط.
5. ينبغي أن يعلم المتعلم حالا بالنتائج المتعلقة بمدى ملائمة استجاباته وصحتها.
وقد ذكر برونر أشكالا أربعة أساسية قي نظرية التدريس التي اقترحها :
1. ينبغي لمثل هذه النظرية التدريسية أن تحدد الخبرات التي ينبغي ان يمر بهاالفرد.
2. ينبغي لمثل هذه النظرية التدريسية أن تحدد طرق الحصول على كمية من المعلومات المطلوب تدريسها.
3. كما ينبغي أن تحدد النظرية التتابع الفعال لتقديم المواد المراد تعلمها.
4. ينبغي تحديد طبيعة وأنواع المكافآت ( الجوائز) والعقوبات التي ستقدم أثناء العملية التعلمية.
أما جانييه فقد حدد عناصر التعلم يما يلي:
1. جذب الانتباه وضبطه: باستخدام تعليمات لفظية ، حركات في الحواجب أو استخدام الألوان المختلفة.
2. إخبار المتعلم بالنواتج المتوقعة من تعلمه.
3. استدعاء القدرات السابقة.
4. تقديم المثيرات الملازمة للمهمة التعلمية.
5. تقديم التوجيه اللازم للتعلم.
6. تقديم تغذية راجعة.
7. إطراء الأداء.
8. إيجاد استعداد للتحويل (الانتقال)
9. التأكيد على الاحتفاظ.
أما دوفى و شيرمان فقد اقترحا ما يلي للتعلم الفعال:
لكي تقود المتعلم إلى استجابة المهارة المطلوبة ينبغي على المعلم أن يوجه ويقود موقف التعلم، إن نظرية التعلم تزود المعلم بسلسلة من العلامات التي تشير إلى استخدام قصص تدريسية فعالة وخلاقة تتضمن هذه العلامات شروطا تحقق الانتباه، العرض، الاستجابة. التعزيز، الممارسة والتطبيق. وفيما يلي تفصيل لهذه الشروط:
الانتباه: وتعني الشروط الجسمية والنفسية الخاصة بغرفة الصف والمتعلم وسلوك الانتباه الذي يأتي نتيجة لاهتمام المتعلم بمهمة التعلم. وهناك عدة تقنيات يمكن أن تستخدم لانجاز هذا الشرط.
وتتضمن هذه التقنيات:
مواجهة المتعلم بموقف يتحداه أو توجيه سؤال له أو القيام بحركات وإرشادات جسمية ملائمة.
العرض: هناك ثلاثة نماذج يمكن استخدامها لجعل الفرض واضحا:
إخبار المتعلم بما نريده أن يتعلم ٠
جعل المتعلمين يعممون التعلم بأنفسهم.
تقديم النموذج : ويعني هذا شرح المهمة للمتعلم وأداءها أمامه.
الاستجابة: وهي الدليل على أن المتعلم قد تعلم أو لم يتعلم المهارة التي يقوم المعلم بتعليمها له.
التعزيز: إن التعزيز الملائم يساعد المتعلم على الاحتفاظ بالاستجابة عندما يحتاج إليها. وقد تكون فزيقيه، أو إشارة استحسان أو مدحا بالكلمات.
وينبغي تقديم المكافأة حالا بعد الاستجابة الصحيحة التي يقوم بها المتعلم.
الممارسة: وتؤدي غرضين فهي تعطى المتعلم الخبرة المتعلقة بالاحتفاظ بالاستجابة التي قام بها من قبل بمساعدة من المعلم، وثانيا وفي عملية الاحتفاظ سيقوم المتعلم بالاستجابة التي ستتحول إلى عادة لديه.
التطبيق: ويركز على انتقال المهارة إلى الموقف الحقيقي.
هناك عدة مداخل للتعلم للإتقان استخدمت في تعليم مختلف المواد الدراسية لصفوف متفاوتة في أحجامها وفى مدارس عامة وخاصة في كل مراحل التعليم. ومن أبرز هذه المراحل تلك التي اقترحها بلوم Learning for Mastery وكيلر Personalized system of Instuction
ونموذج بلوم متأثر إلى حد كبير بنموذج John Caroll ، لذا فإن الفقرات التالية ستعرض بإيجاز لهذا النموذج الأخير٠
ينص نموذج كارول على أن المتعلم سينجح في تعلم المهمة المقدمة له إلى الحد الذي يدفعه إلى أن يمضي كمية الوقت الذي يمضيه المتعلم وهو متنبه ويحاول أن يتعلم. وينبغي التمييز ما بين الوقت الذي يمضيه المتعلم وهو نشط وفعال أثناء التعلم، وبين الوقت الذي يحتاج إليه لكي يتعلم ما يراد منه تعلمه ٠
وقد بحث كارول العوامل التي تعزز الوقت المحتاج إليه أو الذي صرف حقيقة في تعلم المهمة، والعوامل الخمسة قدمت في نموذج كارول تحث عنوانين رئيسيين هما:
1. ما يقرر الوقت الذي يحتاج إليه في التعلم.
2. ما يقرر الوقت الذي يمضى في التعلم حقيقة.
1- الوقت المحتاج إليه لتعلم ويتضمن:
أ- القدرة:
يعتقد كارول أن المتعلمين الذين يحتاجون إلى ويتم قصير هم أولئك الذين يمتلكون قدرات عقلية عالية. وأن المتعلمين الذين يحتاجون إلى وقت أطول يمتلكون قدرات أقل، ان قياس القدرة يتناسب مع المهمة موضع الاعتبار وقد تعتمد الدرة على كمية اللتعلم السابقة التي قد تكون ملائمة للمهمة موضع الاعتبار، وقد تعتمد كذلك على سلسلة الخصائص المتصلة بالمتعلم والتي تدخل في تنوع واسع من المهمات.
ب- القدرة على فهم التعليم:
يمكن لكارول أن يقبل بمقياس للمقدرة العامة والذكاء اللفظي للتنبؤ بالوقت المحتاج إليه لانجاز مهمة ما ، وفي المدرسة حيث التعليم اللفظي هو الوسيط الرئيس لبناء وتنفيذ مهمة التعلم فالذكاء اللفظي يرتبط ارتباطا عاليا بالنجاح في مهمة التعلم. إن الوقت اللازم لإحراز النجاح سيزداد عندما يمتلك المرء مقدرة منخفضة لفهم الرسائل اللفظية خلال وحدة تعليمية وعندما لا تقدم مساعدة إضافية لتغير مطالب التعليم.
ج- نوعية التعليم:
وهذا يعني أنه ينبغي وضع المتعلم في موضع اتصال حسي ملائم مع المادة المتعلمة ، إن مختلف جوانب مهمة التعلم ينبغي تقديمها بترتيب وتفصيل بحيث تكون كل خطوة تعلمية معدة بصورة ملائمة. وأخيرا فانه يعنى أن التعليم ينبغي اختياره يحيد يلائم حاجات وخصائص المتعلم ٠ هذا المتغير ينطبق ليس فقط على أداء المعلم ولكن أيضا على خصائص الكتب ، والأفلام وآلات التعليم.
2- الوقت الذي يقضى في التعلم . وهذا يتضمن:
أ- الوقت المتاح للتعلم (الفرصة)
كثير من الأطفال من ذوي القدرات الدنيا على فهم التعليم يحتاجون إلى وقت أطول مما يتاح لهم فعلا .
ب- المواظبة والمثابرة
وهذا يعني الوقت الذي يرغب المتعلم في قضائه وهو يتعلم . إن المتعلم الذي يحتاج إلى كمية معينة من الوقت لتعلم مهمة ما قد يكون وقد لا يكون راغبا في المواظبة طوال الوقت في أثناء محاولته التعلم. من المفترض أن المتعلم لن يمضي حقيقة وقتا أطول أكثر مما يحتاج لإتقان المهمة كما قدمت له .
وهذا يعني انه سيوقف التعلم حالما يضمن مهمة التعلم وتعتبر المواظبة على التعلم وظيفة جزئية للدافعية أو الرغبة في التعلم، وهي وظيفة ما يدعى بالمتغيرات الانفعالية.
إن نموذج كارول كما فسره بلوم 1976 أوضح انه إذا ما وزع الطلبة توزيعا اعتياديا بناء على قدراتهم المتصلة ببعض الموضوعات ، وأن جميع الطلبة أعطوا نفس التدريس فان التحصيل المقيس في نهاية الموضوع سيكون موزعا بصورة اعتيادية. وتحت ظروف كهذه فان العلاقة بين المقدرة مقيسة في بداية التدريس والتحصيل المقيس في نهاية التدريس سيكون معاكسا بدرجة عالية ٠
وإذا ما وزع الطلبة اعتياديا بناء على قدراتهم ولكن نوعية التدريس والوقت المسموح به للتعلم وبصورة ملائمة لخصائص وحاجات كل متعلم فان غالبية الطلبة سيحرزون اتقانا للموضوع. وأن العلاقة بين التحصيل المقيس في نهاية التدريس يصل إلى درجة الصفر.
وبعد هذا العرض لأهم عناصر التعلم للإتقان بنماذجه المختلفة بعامة ونموذج كارول بخاصة، سأورد بعض الانتقادات التي وجهت إلى هذا النوع من التعلم.
فقد وجهت انتقادات إليه من حيث تركيزه في إلقاء مسؤولية التعلم كاملة على عاتق المدرسة والتعلم فيها وإزاحتها عن كاهل المتعلمين .
ولكونه يبنى على أساس تجزئة المادة المتعلمة إلى وحدات صغيرة دون إعطاء المتعلم فرصة كافية لملاحظة التكامل المعرفي بين وحدات التعلم المجزأة. كذلك انتقد التعلم للإتقان عندما افترض مؤيدوه إمكانية وصول المتعلمين إلى مستوى معين واحد مما يعني التجاوز عن حقيقة ما بينهم من فروق في سرعة التعلم ٠
أيضا فان نفقات إضافية تترتب على تطبيق هنا النوع من التعلم تأتى من تخصيص وقت إضافي ليتلاءم التعلم مع أولئك المتعلمين البطيئين وأخيرا فان التعلم للإتقان لا يعطي فرصا كافية لإتاحة فرص معقولة لقيام تنافس ببن المتعلمين يحفزهم إلى مزيد من بذل الجهد أثناء التعلم.