تعود أسباب ظاهرة الاحتباس الحراري الى عدة أسباب كما يراها العلماء والمهتمون بالبيئة. إذا يرى فريق من العلماء أن غازات الاحتباس الحراري هي المسؤولة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض والتغيرات المناخية. فيما يرى فريق آخر أن الأسباب تعود الى تأثير العوامل الطبيعية مثل حرائق الغابات والبراكين والتذبذب في شدة الأشعة الشمسية والاختلاف في مدارات الأرض والأقطاب الجغرافية والمغناطيسية.
وقد مرت الكرة الأرضية خلال الـمليون سنة المنصرمة بمجموعة من الاطوار بعضها جليدي زحفت خلالها الثلوج الى وسط وجنوب اوروبا وانخفضت خلالها معدلات درجة حرارة كوكب الارض ومحيطها الغازي وبعضها وصلت عندها درجات الحرارة ضمن الحدود الطبيعية، وقد مر كوكب الأرض باخر عهد جليدي قبل حوالي عشرين ألف سنة.
وخلال تلك الحقبة الزمنية سادت الكرة الأرضية عصور جليدية كل حوالي مئة ألف عام تقريباً تتبعها عصور يسودها المناخ الطبيعي. وفي تلك العصور لم تكن مستويات تركيزات غازات الاحتباس الحراري ترتفع عن المعدلات الطبيعية (270 جزء بالمليون) ولذلك لم يكن لها اي تأثير في ارتفاع درجة حرارة الأرض وغلافها الغازي أو في التغير المناخي لكوكب الارض. يمكن القول ان العوامل الطبيعية مثل البراكين وحرائق الغابات والهزات الأرضية تؤثر في التغير المناخي لكن هذا التأثير يكون محدوداً ولا يدوم لفترة طويلة.
إن ما يحصل الان من تغير مناخي ملحوظ وارتفاع في درجات حرارة الأرض ومحيطها الغازي يترافق مع ارتفاع متواصل في تركيزات غازات الاحتباس الحراري وخصوصاً غاز ثنائي اوكسيد الكربون حيث ارتفعت نسبته من 270 جزء بالمليون قبل الثورة الصناعية الى حوالي 380 جزء بالمليون تقريباً عام2005 (بزيادة مقدارها 30%). إن تركيزات غاز ثنائي أوكسيد الكربون قد ارتفعت كذلك في مياه المحيطات والبحار مما أدى الى زيادة حمضية المياه الأمر الذي أثر على حياة الأحياء البحرية.
تشير الابحاث والدراسات والتجارب المختبرية الى ان هذه التركيزات لغاز ثنائي اوكسيد الكربون هي الأعلى منذ 700 ألف سنة مضت. يعكس ذلك العلاقة المباشرة بين التغير المناخي الذي يسود الأرض حالياً وزيادة معدلات تركيزات الغازات المسببة للاحترار الأرضي. يتحمل الإنسان المسؤولية المباشرة عن هذه الظاهرة وما تسببه من كوارث طبيعية وتغيرات سلبية في البيئة الطبيعية (تلوث الهواء والماء والتربة) واختلال في التوازن البيئي الطبيعي الذي كان يسود كوكب الأرض.
إن تزايد نشاط الإنسان في المجال الصناعي والزراعي والمنزلي وغيرها من النشاطات البشرية الأخرى مثل عمليات التعدين وعمليات توليد الطاقة في المحطات التي تعمل على حرق الوقود الأحفوري والاستعمال المتزايد لوسائل النقل ( طائرات , قطارات , باصات , سيارات صغيرة ) وما تستهلكه من انواع الوقود ناهيك عن الاستخدام المتزايد والمفرط للأجهزة الكهربائية في البيوت ( طبخ , كوي , غسل , تدفئة .. الخ ) هو من العوامل الأساسية لزيادة استهلاك الطاقة والتي تأتي نسبة عالية منها عن طريق استهلاك مختلف انواع الوقود والذي يؤدي الى انطلاق مختلف أنواع الغازات الى الغلاف الجوي وعلى راسها الغازات المسببة للاحتباس الحراري .
من جهة ثانية تسبب الإنسان عن قصد بقطع الأشجار المعمرة وبتحويل ملايين الكيلومترات المربعة من الغابات الاستوائية في منطقة الامازون في أميركا الجنوبية وفي الغابات الاستوائية في جنوب شرق آسيا الى أراضي للزراعة الحقلية ولرعي الابقار وبذلك فانه قلل إمكانية التخلص من غاز ثنائي أوكسيد الكربون التي تستهلك في عملية التمثيل الضوئي.
يؤثر العامل الطبيعي في ظاهرة الاحتباس الحراري، إذ تعمل البراكين مثلاً على إطلاق كميات كبيرة جداً من بخار الماء وغاز ثنائي أوكسيد الكربون علاوة على غازات ثنائي اوكسيد الكبريتSO2 وكبريتيد الهيدروجين H2S. ويعد الرماد البركاني المنطلق من فوهات البراكين بمثابة مواد عالقة في الجو تؤثر على الإشعاعات المنطلقة من الارض وتحبسها في الطبقات الهوائية القريبة من الارض، فضلاً عن الحرارة المنطلقة من فوهة البراكين التي ترفع درجة حرارة الهواء ودور الطمى البركاني في تسخين الأرض والهواء في آنٍ واحد.
فيما يتعلق بتأثير العوامل الكونية والطبيعية الأخرى في الاحترار الكوني، لم تسجل العوامل الكونية مثل إنحراف الارض عن مسارها عند دورانها حول الشمس وشدة الأشعة الشمسية الواصلة إلى الارض ولا الظواهر الطبيعية كالبراكين تغيراً ملحوظاً كبيراً خلال القرن الماضي. يدل ذلك على أن تأثير ذلك لم يكن مؤثراً في ارتفاع درجة حرارة الأرض والتغير المناخي خصوصاً منذ الثورة الصناعية ولحد يومنا هذا.
من هنا يبرز دور العامل البشري على اعتباره أهم عامل مؤثر في الاختلال الحاصل في التركيبة الغازية للهواء والتي ينتج عنها تغيراً ملموساً في مناخ كوكب الارض إن الإنسان وإفراطه في حرق مصادر الطاقة (الوقود الأحفوري) واستهلاكه المتزايد للطاقة وعدم اهتمامه بالإجراءات والمساعي التي تهدف الى التقليل من استخدام الطاقة والتقليل من الانبعاثات الغازية الملوثة للغلاف الجوي يعتبر هو المسؤول المباشر عن التغير المناخي الذي طرأ على مناخ الأرض اعتباراً من الثورة الصناعية والى يومنا هذا.
ان انتباه الانسان لسوء سلوكه اتجاه البيئة جاء متأخرا ومتأخرا جداً وان انتقاله للحصول على الطاقة التي يحتاجها لمصادر الطاقة المتجددة والبديلة والمتمثلة بالطاقة المنتجة عن طريق الرياح وتيارات المياه واستخدام المياه الجوفية الحارة كان متأخرا جداً ايضاً. على الإنسان ان يعي الخطر الذي يواجه البشرية والحياة البرية ويتحمل المسؤولية كاملة عن دوره في تلويث البيئة وتغيير معالمه