كتب جان جاك روسوعام 1762 م منتقدا النسوة اللواتي لا يرضعن أطفالهن بأنفسهن بل اعتمادهن على المرضعات بقوله إنه تصرف غير محمود وانه يضعف الأمة.
في تلك الحقبة كانت نسبة وفيات الأطفال مرتفعة جدا وتعطي الإحصاءات أرقاما مرعبة فبين عامي ( 1771 – 1777 ) أدخل الى حضانة مستشفى باريس للأيتام ( 31951 ) توفي منهم ( 25476) في السنة الأولى منذ ولادتهم.
وفي مستشفى مدينة دبلن في إيرلندا للأيتام أدخل ما بين عام 1775 وعام 1796 أي على مدى عشرين عاما 1272 طفل، كتبت الحياة الى 45 طفل فقط أي نسبة الوفاة بلغت 99.6 %.
وقد كتب الطبيب الشهير السير هانزسلون الذي عاش في تلك الحقبة أن من بين عشرة أطفال لا ترضعهن أمهاتهن بل يعتمد الغذاء على السوائل المختلفة تصل نسبة الوفاة الى أكثر من ثمانين بالمئة خلال السنة الأولى من أعمارهم ، والواقع أنه لم يكن هناك أساليب عملية لإطعام الطفل في غياب الأم أو عدم وجود المرضعة ولم يكن استعمال حليب المواشي قد عرف بعد ، ولذلك كانت المرضعات يتقاضين أجورا مرتفعة مقابل إرضاع الأطفال الذين لا يرضعون من أمهاتهم نتيجة أسباب مختلفة حتى أنه كان معروفا أن المرضعة وبخاصة في بريطانيا يكون لها سلطة مطلقة في البيت الذي تكون هي المسؤولة عن إرضاع الطفل فيه.
وأول طعام أستعمل كبديل عن حليب الأم كان في القرن الثامن عشر حيث بدأوا بغلي الطحين ومن ثم تصفيته وإعطاء السائل للطفل الرضيع (وهي ما يطلق عليه بالعربية: الثريد) ثم بدأوا يضيفون إليه السكر وتنوعت بعد ذلك أنواع الأغذية مثل حساء لحم الحمام وماء الشعير وليس الحليب.
وفي عام 1784 اقترح الطبيب مايكل أندروود ( Mickel Underwood) إعطاء حليب البقر الممزوج بماء الشعير وإمكانية إضافة الرز ومحلول النشا أو السميد . واقترح أن يفطم الطفل عند بلوغه عاما واحد من العمر وهكذا بدأت أساليب إرضاع الطفل تتطور منذ منتصف القرن الثامن عشر.
ومع بداية القرن التاسع عشر بدأت توضع قوائم بأنواع الأطعمة وتحديد أوقات إطعام الرضيع وأصبح إعطاء الرضيع حليب البقر المخفف وخلطه بمحلول الشوفان وماء الزهر وماء الشعير واليانسون ومحلول السكر وغراء السمك والهلام (Jelly) .
ومما سبق يتبين كيف بدأ التطور في تنويع الطعام الذي يعطى للرضيع والأطفال الصغار خلال فترة الفطام ولكن كيفية إعطاء الرضيع تلك السوائل لم تكن معروفة باستثناء استعمال قرن البقرة وذلك بملئه بالسائل المراد إطعامه ووضع طرفه المدبب بفم الطفل وكانت تلك الطريقة معروفة عام 1783. ولا شك أن قرن البقرة كانت تستعمل كأداة لوضع السوائل بها. وبعد ذلك التاريخ ابتكرت زجاجة الرضاعة وكان شكلها في البداية يشبه القارب.
ولكن المعضلة كانت في ابتكار حلمة يصلح تركيبها على طرف الزجاجة فصنعت في البداية من رق الغزال، ومن الإسفنج ثم بدأوا يستعملون حلمة البقرة حيث كانوا يحضرونها من عند الجزار ويضعونها على طرف زجاجة الرضاعة وعند الانتهاء من إرضاع الطفل توضع في الكحول لحفظها ولكن كان من الضروري استبدالها بعد يومين أو ثلاثة بحلمة جديدة. ومن محاولاتهم في ابتكار الحلمة صنعوها من الخشب وظلت التجارب تنشط الى أن صنعت من المطاط . وظهرت لأول مرة في المعرض الصناعي الذي أقيم في باريس عام 1867 وأدخل عليها بعد ذلك تحسينات الى أن وصلت الى شكلها المألوف في وقتنا الحاضر.
المرضعة وزجاجة الرضاعة
عرفت عادة إعطاء الطفل للمرضعة منذ قديم الأزمان عند وفاة الأم أو مرضها ، وكان الطفل يستبقى عند المرضعة لمدة ثلاث سنوات، ويتوجب على أهله خلال هذه المدة توفير الملابس والزيت والحبوب لها.
وكان من معتقدات البابليين أن صفات المرضعة تنتقل الى الطفل بواسطة الحليب ومن أجل ذلك كان الملوك يختارون مرضعات أطفالهم من الأوساط المقدسة، فقد عرفت الألهة ( ننخرساك ) بأنها مرضعة الأبطال ويفخر الأمير ( ایناتم ) بأنه رضع من حليبها الطاهر وقد جاء في الرٌقٌم أن ملك اوروك (2750 ق.م ) قد جعل (أنانا) إبنة (نيسابا) ترضع حليب ( ننخرساك).
وقد فرضت عقوبات شديدة على المرضعة التي يؤدي إهمالها الى وفاة الطفل فالمادة (194) من شرائع حمورابي تنص على ما يأتي:
إذا أعطى رجل طفله المرضعة ترضعه ومات الطفل أثناء وجوده عند المرضعة، وكانت المرضعة قد قبلت طفلا آخر لإرضاعه في الوقت نفسه دون أن تعلم أبيه وأمه فإنها تدان بقطع ثديها .
وقد عثر على عدة رٌقٌم کتب عليها تعاليم حول الرضاعة ومن الأمور التي تستدعي الانتباه ملاحظتهم عدم ملاءمة حليب الأم لطفلها في بعض الأحوال فقيل :
إذا كان جلد الطفل مترهلا وهو رضيع مع أن غذاءه هو الحليب وكان ثدي أمه معدا له وهو لم يأكل بعد فليس لك إلا أن تستبدل ثدي أمه بثدي آخر لكي يشفي ، و إذا ذوى لإصابته بالمرض الأحمر فليس لك إلا أن تضعه على ثدي آخر.
مصدر هذه المعلومات هو كتاب الطب في العراق القديم تأليف الدكتور عبد اللطيف البدري صفحة 156.
عن مجلة الطبيب الخاص
الدكتور نبيه معمر