مضادات حيوية في غذاء الحيوانات وأخطارها المستقبلية

تشير الاحصاءات ان 40 % من المضادات الحيوية التي تنتج في الولايات المتحدة الاميركية يتم اعطاؤها للحيوانات بصورة مباشرة في الاعلاف عبر خلطها بطريقة مدروسة مسبقا كوقاية من احتمال اصابة هذه الحيوانات والقسم الصغير منها يستهدف العلاج او الوقاية من الامراض.

لكن حصة الاسد تمزج بغذاء الحيوانات لمساعدتها على النمو والحصول على كميات اكبر من اللحوم، عبر زيادة مناعتها وهي لدى الاقتصاديين طريقة مدروسة لزيادة الانتاج الحيواني كون المرض يشكل العامل الاكثر خطورة في نفوق الحيوانات.

ولأن المضاد الحيوي المخلوط بالغذاء يكون بكميات قليلة نسبيا لا تكفى للقضاء على الجراثيم فمن البديهي ان تظهر سلالات من البكتيريا المحصنة التي يكون لديها مناعة مسبقة لهذه المضادات الحيوية والتي قد تنتقل الى الاشخاص الملامسين لهذه الحيوانات والمشرفين ايضا عليها ثم تمتد القائمة الى الاشخاص الذين يتعاملون مع لحومها بما في ذلك الذين يتناولونها من المستهلكين خصوصا عندما تكون غير مطهوة جيدا وبخاصة ان الاساليب الجديدة في الطبخ لا يتم فيها طهي اللحوم جيدا.

هذه الصورة المزعجة برزت في تقرير علمي نشر مؤخرا وبين فيه ان الدنمارك مثلا قد انتجت 42 الف كيلوجرام من المضاد الحيوي للمجال الطبي البشري، وفي العام نفسه استخدم 3400 كيلوغرام من أجل الماشية والجزء الأكبر لأغراض غير طبية تتمثل باسراع عملية نموها، ومن شأن هذا الاستعمال المكثف ان يساعد على ظهور جراثيم مقاومة للمضادات وقد تحولت هذه فعلا في السنوات الخمس الماضية الى خطر يصعب التكهن بآثاره الكاملة الآن .

التحذير من هذا الخطر بدأ منذ سنوات طويلة، ففي عام 1985 صدر اول تقرير علمي. يشير بصراحة إلى ان المزارعين يستخدمون مضادات حيوية يتم مزجها بعلف الماشية والدواجن للحصول على المزيد من لحومها، وهذه العملية تحدث منذ عام 1955 لأهداف اقتصادية بحتة وأكد هذا التقرير أن 41 % من مجموع مبيعات المضادات الحيوية في الولايات المتحدة تقدم الى الماشية، وان هذه العملية من شأنها اكتساب بعض الجراثيم المناعة ضد المضادات وان سلالات جديدة من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية تم انتاجها لأسباب اقتصادية بحتة مما يتسبب في ظهور أمراض خطيرة يصعب ايجاد دواء فعال لها وبخاصة ان عملية اكتشاف وتطوير المضادات الحيوية لم تعد مكثفة كما في السابق.

هذا التحذير المبكر من الطبيعي ان يقابل بالرفض من المزارعين وبخاصة انه تزامن مؤخرا بظهور مرض جنون البقر التي يتسبب بها البريون الذي لم يكن معروفا في السابق، مما كلف الحكومة البريطانية أكثر من مليار جنيه لتعويض المزراعين الخسارة الناجمة عن حرق الابقار المصابة، وفي ماليزيا بلغت الكلفة اكثر من 700 مليون دولار لظهور مشكلة مشابهة لها في الخنازير ثم تدخلت هيئة الاغذية والعقاقير الاميركية واكتفت بحظر مزج “التتراسيلكين والبنسلين” مع علف الماشية، والاستعاضة عنها بمضادات حيوية اخرى غير مخصصة للبشر، الا ان قوة اللوبي الاقتصادي ادى الى الغاء الحظر.

ويعتبر العالم الاميركي مايكل اوستهول أولم اول من اثار هذه القضية، فقد لاحظ منذ سنوات عدة احتمالية وجود علاقة بين بداية ظهور سلالات محصنة ضد المضادات وبين علف الماشية من ناحية، وسوء استخدامها من جانب البشر من ناحية أخرى.

وعندما برزت هذه المشكلة بوضوح بعد الحملات الاعلانية بشكل واضح وصارخ تحركت الدول الاوروبية وتم التوصية بحظر الاستخدام الكامل للمضادات الحيوية في أعلاف الماشية او تحديد وتنظيم هذا الاستخدام اذ لوحظ ان الحيوانات التي يتم اعطاؤها مضادات حيوية مخلوطة مع الاعلاف تقل نسبة استهلاكها للأعلاف وتنتج في الوقت نفسه المقدار الوفير من اللحوم، ويتوقع العلماء بأن اضافة المضادات الحيوية للاعلاف تقضي على بعض البكتيريا التي تعيش في أمعاء الحيوانات مما يؤدي الى تقليل الاستهلاك وهذا متوقع لأن احد الاضرار الجانبية للمضادات الحيوية هو الاسهال الذي ينجم عن القضاء على البكتيريا الطبيعية الموجودة في الامعاء والتي تساعد في تنظيم حركة الامعاء.


لكن الثمن الذي يدفع مقابل هذه الفائدة يصعب تقديره خصوصا في ميدان السلالات المتوحشة من البكتيريا المتحدية لأقوى المضادات الحيوية والمسؤولة عن عودة امراض أليمة من جديد كانت المضادات الحيوية في الماضى قد أسدلت عليها ستار النسيان، وأهمها مرض السل .. مما يعني ان المشكلة خطيرة. فالجراثيم عند الحيوانات قادرة على اكتساب المقاومة، شأنها شأن جراثيم الإنسان وقد تكون هي المصدر الرئيس لما حدث مؤخرا في عالم البكتيريا، الى جانب سوء الاستخدام البشري لهذه المضادات.

صيدلاني: ابراهيم علي ابو رمان

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

زيت الزيتون وفوائده الصحية ودوره في حماية القلب ومكافحة الأمراض

يُعدُّ زيت الزيتون من أبرز المكونات الغذائية التي تشتهر بها منطقة الشرق الأوسط، ويحتل مكانة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *