مصادر القيم عند الأطفال

يكسب الاولاد القيم من عدة مصادر وحسب الفئات العمرية التالية:

1- الفئة العمرية (1-7) سنوات : مصدر القيم في هذه المرحلة هي العائلة، وقد بين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله ” يولد المرء على الفطرة ( على توحيد الله) فأبواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه ” فتأثير الاسرة في السبع السنوات الاولى كبير جدا، فاذا احسنا التربية حصدا نتائج باهرة، واذا اساءا التربية حصدا شرا، وقدما للمجتمع اولادا غير صالحين. كما لا بد في هذه المرحلة من الانتباه الى البرمجة الايجابية للاولاد، والبعد عن البرمجة السلبية، فكثيرا ما يصف الاب ابنه بقوله: انت كسلان، انت غير منظم، انت لا تفهم، انت غبي، انت لا تصلح لشيء، انت فاشل ولن تفلح في حياتك، وقليلا ما يوجه الايحاءات الايجابية لابنه كأن يقول له: انت ذكي ، انت نشيط ، انت ناجح.

يقول د. تشارد هيلمتز في كتابه ( ماذا تقول عندما تحدث نفسك) انه خلال ال18 السنة الاولى من عمرنا وعلى افتراض نشأتنا وسط عائلة ايجابية الى حد معقول فانه قد قيل لك اكثر من 148000 مرة “لا” “لا تعمل ذلك”.. وفي نفس الفترة كان عدد الرسائل الايجابية لا تتجاوز 400 مرة.

2- الفئة العمرية (7-14) : ومصدر القيم عند هذه الفئة المدرسة والاصحاب ، فلا يقتصر اخذ القيم من العائلة . بل ان تأثير الاصحاب ومعلم المدرسة يكون اشد من تأثير العائلة من الناحية الثقافية والتعليمية، لذا على الاهل ان يكونوا دائمي المراقبة للناحية الفكرية والثقافية عند ابنائهم، وهذا يوجب على الاهل السعي لتثيقف انفسهم واقناع اولادهم بهم، ولا يمنع ذلك الاهل من الاستعانة بالاصحاب والمدرسين في ترسيخ بعض القيم اذا فشلوا في غرسها مباشرة بأولادهم. ولا ينبغي ان يكون ذلك مصدر ازعاج للاهل وضيق للوالدين، وان يشكا في مقدرتهما على التأثير في اولادهما، وان اولادهم يعصونهم ويطيعون الاغراب، لان ذلك يعتبر امرا طبيعيا في هذه المرحلة. ومع تأثر الاولاد في هذه المرحلة بالاصحاب والمدرسين اكثر من والديهم الا انه يجب على الاهل ان يستمروا في اداء واجبهم في غرس القيم الروحية والخلقية والانسانية والمادية في نفوس ابناءهم، وان لا يستقيلوا من تربية ابنائهم ويلقون بها على الاخرين، فهذه المرحلة التي على الاهل تأديب اولادهم فيها وتدريبهم على الالتزام بالاحكام الشرعية من صلاة وصيام وتلقينهم امور العقيدة. واذا ما قصروا في ذلك فقد ارتكبوا اثما عند الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها… ” ويقول علي رضي الله عنه ” لاعب ابنك سبعا وادبه سبعا وصاحبه سبعا ثم اتركه بعد ذلك ” فالسبع سنوات الاولى غرس للقيم عن طريق اللعب اما السبع سنوات الثانية فهي غرس للقيم والمفاهيم والمعتقدات من خلال التعليم والتأديب والاستعانة باصحاب الاختصاص والمدرسين للتأثير عليهم.

3- الفئة العمرية (14-21) : يصبح مصدر القيم في هذه الفترة المجتمع بما فيه من وسائل الاعلام والمدرسة والجامعة والاصحاب والنظام الحاكم وفيما ينفذ من انظمة وقوانين. وقد وجد ان معظم الشباب يمضون 39 ساعة اسبوعيا في مشاهدة التلفاز، واذا رأى الشاب المطرب او الممثل المفضل لديه يتصرف بطريقة معينة فانه يقوم بتقليده حتى لو كان ذلك السلوك محرما، فقد ظهرت احدى المطربات ترتدي لباسا يكشف عن سرتها وجزء من بطنها فما حدث؟

– في نفس الاسبوع كانت اكثر من 50 الف فتاة ترتدي نفس الرداء، وكثيرا ما سمعنا عن اولاد قاموا بارتكاب جرائمهم لانهم شاهدوا الجريمة على شاشة التلفاز او شاشة السينما.

– اننا نعيش في تناقض كبير، فالأسرة المسلمة تحرص على غرس القيم الاسلامية والمفاهيم الاسلامية في نفوس ابنائها، ولكن ما ان يخرج الولد الى المجتمع حتى يجد قيما متناقضة معها. قيما علمانية تفصل الدين عن الحياة، فما هو واجب الوالدين في هذه الحالة ؟

عليهما تكثيف جهودهما في بيان مفاسد القيم والمفاهيم المغلوطة التي يتعرض لها الاولاد في المدرسة او وسائل الاعلام المختلفة، والتكرار على مسامع الاولاد بمناقضة هذه القيم للاسلام، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى عليهما التعاون مع المسلمين العاملين لتغيير المجتمع تغييرا جذريا شاملا والعمل لاسئناف الحياة الاسلامية ، فلا يجوز للوالدين حصر انفسهما داخل جدان البيت واقناع انفسهما بعدم القدرة على تغيير المجتمع، لان ذلك سيؤدي بنا جميعا آباءا وأبناءا الى نار جهنم ، ونحن الاباء نبذل كل جهدنا في سبيل توفير حياة افضل لابنائنا ، يجب ان نسعى لتوفير هذه الحياة الفضلى ليس فقط في الدنيا ولكن في الدنيا والاخرة معا، لنا ولهم جميعا. وجب علينا آباءا وامهاتا العمل لاستئناف الحياة الاسلامية وتغيير الانظمة الحاكمة الى نظام حكم اسلامي حتى نحمي انفسنا واولادنا من التناقضات والصراعات والشقاء في الدنيا والاخرة، قال تعالى” ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكى” وقال عز جلاله” يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين”.

سلم القيم

اختلف الناس في تحديد اولويات القيم التي يجب تحقيقها فاذا ما تعارضت قيمة مع اخرى وكان الوقت لا يتسع الا لتحقيق قيمة واحدة، فما هو المحك الذي يجب الرجوع اليه في تحديد القيمة المطلوب تحقيقها.

ان هذا الامر لا يصح ان يترك للعقل البشري لانه يتأثر بالبيئة والظروف ولانه يحمل مواصفات الانسان من العجز والنقص والاحتياج ولذلك تأتي احكام العقل كذلك، كما ان الانسان في حكمه على الافعال والاشياء بالقبح والحسن والسلب والايجاب والمرغوب وغير المرغوب ينطلق من رغبته في الشيء او عدم رغبته، كما يتأثر بحصوله على المنفعه او عدم حصوله عليها فتأتي احكامه متناقضة، فاذا رأى احدهم ان هذا الامر عزيز عليه يحبه فانه يعتبره مرغوبا وحسنا وايجابيا، واذا كرهه وصفه بابشع الصفات، فيقع الناس فريسة التخبط والاضطراب في احكامهم. وهذا ينعكس على اوامرهم تجاه اولادهم فيتأثر الولد بتخبط ابيه. واسلم طريقة لتحديد الاولويات في القيم هو الرجوع الى الاسلام الذي انزله الله على الناس وهو رب خبير بالنفوس عليم يما يحتاجون اليه ( الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير). واحكام الله لا يوجد فيها تناقض واختلاف واضطراب ولا تأثر بالبيئة والظروف.

والاسلام لم يضع سلما محددا ثابتا للقيم فربما طلب تحقيق قيمة انسانية على حساب قيمة روحية فمثلا اذا كانت الام تصلي وابنها واقف قريب من مصدر النار فاذا انتظرت حتى تكمل صلاتها وتبعده عن مصدر الخطر، فربما قضي على الولد او اصابه مكروه، لذا عليها فورا ترك الصلاة وابعاد الولد عن مصدر الخطر.

وربما قدمت القيمة المادية على القيمة الروحية، فقد روي ان عمر بن الخطاب مر على جماعة في المسجد يعبدون الله في غير وقت الصلاة، وفي وقت ذهاب الناس الى اعمالهم، فقال لهم: من انتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، فضربهم بالعصا وقال لهم : بل انتم المتواكلون، لقد علمتم ان السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة .

لكن في الاعم الاغلب فان القيمة الروحية مقدمة على القيم المادية قال تعالى ( يا ايها الذين آمنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون) الجمعة9 بل ان القيمة الروحية مقدمة على القيمة الانسانية اضافة الى القيمة المادية قال تعالى ( قل ان كان آباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بامره والله لا يهدي القوم الفاسقين) التوبة 24

اهمية الحوار والمشورة

هذه بعض القواعد السلوكية التي ينبغي ان يتفق عليها الوالدان ومما يساعدهما على الاتفاق بشكل كبير مناقشتهما اراء بعضهما بصراحة. فاذا عرف كل واحد منهما رأي الاخر وحددا الفروق بينهما، استطاعا العمل على ايجاد حل لتقريب وجهات النظر. فالحديث عن الموضوع وتعزيزه بالمعلومات الصحيحة من المراجع المعتمدة يساعد على الاتفاق الى حد كبير. وعلى الوالدين ان يتحدثا باستمرار مع جميع الاشخاص الذين تهمهم مصلحة الطفل كالجد والجدة او الاخوة او المربية عن اهدافهم الثابتة بالنسبة لاطفالهم.


اهمية اشراك الاطفال في وضع القواعد السلوكية

وكلما امكن على الوالدين تشجيع الاطفال على المشاركة في وضع القوانين او التعديل عليها لان ذلك يساعد الطفل على طاعة والديه وعدم مقاومة اوامرهما. مثلا قد يضع الوالدين قانونا بشأن اللعب بالدمى والالعاب في غرفة الاولاد وان لا يحضرونها الى غرفة الجلوس او غيرها او قد يتفق الوالدان مع الولد على عدم اخراج الدراجة الى الشارع واللعب بها في حديقة المنزل فقط، وعلى الولد ان يعرف تعليمات الوالدين جيدا وان يكررها كلما سئل عنها.

نجاح السباتين

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

طرق التربية بين الماضي والحاضر

لطالما كانت التربية أحد الأسس الرئيسية لتشكيل شخصية الإنسان وتطوير المجتمع. ومع تغير الزمن، شهدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *