الأستاذة سارة سعيد
من منًا لا يعلم أن أول كلمات القرآن كانت تحثنا على القراءة حين استهل الله سورة العلق بكلمة اقرأ؟ مما يعطينا مدلول قوي بأن القراءة من أهم الأفعال لما لها من تأثير إيجابي واضح على تطور عقولنا ونفسيتنا ومما لا شك فيه ثقافتنا.
في صغري علمني والدي أن القراءة هي متنفس عقولنا وكما يحتاج جسدنا للطعام والشراب والرياضة فلعقلنا علينا حق تغذيته بالقراءة والمعرفة. وعليه، كان شراء الكتب والقراءة اليومية قبل النوم أساسيات كوجبات الطعام. وكنتيجة، أصبحت القراءة من عاداتي حين بدأت تتشكل شخصيتي. وكلما كبر عمري كلما انجذبت لها أكثر واستفدت منها وقدرت قيمتها وأثرها البالغ علي. لكن هل هذا وضع القراءة بالنسبة لأطفال اليوم؟
القراءة والطفل العربي الآن
منذ فترة قرأت عن انخفاض مستويات القراءة في العالم العربي بشكل ملحوظ، فبلغ متوسط وقت القراءة للطفل العربي ست دقائق في السنة مقابل 12 ألف دقيقة للطفل الغربي وفقًا لتقرير مؤسسة الفكر العربي للتنمية الثقافية. وأوضحت الدراسات أن الأطفال العرب يقرأون كتابًا واحدًا سنويًا مقارنة بالأطفال البريطانيين الذين يقرؤون سبعة كتب سنويًا والأطفال الأمريكيين يقرأون 11 كتاب.
بالطبع ذُهلت من تدني مستوى القراءة في العالم العربي وبحثت كثيرا عن الأسباب خلف هذه النتيجة. هل لم نعد نقدر قيمة القراءة في البلاد العربية فباتت في ذيل قائمة الأولويات وبالتالي ورثنا هذا الفكر لأطفالنا؟ أم أن شاشات الحاسوب وشبكات الانترنت أحكمت قبضتها على وعينا وفازت في سباق غير متكافئ شكليا مع القراءة؟ أم أن القائمين على صناعة الكتب لم يدركوا أن سحر القراءة طاغي ولا يعنيهم تطور تقنيات القراءة لتوائم تفكير الجيل الجديد؟
لماذا تراجع معدل القراءة في الوطن العربي؟
قادني البحث إلى أن معدل نشر الكتاب في العالم العربي لا يتجاوز 7 في المئة، وإن نصيب كل مليون عربي من الكتب المنشورة في العالم لا يتجاوز 30 كتابا مقابل 584 كتابا لكل مليون أوروبي و 212 مليون أمريكي وهذا يعني ان تراجع مستوى قراءة الأطفال هو نتيجة مباشرة لتراجع قراءات الكبار. فإذا لم يقرأ الوالدان فكيف للطفل أن يحب القراءة ويتعلق بها؟
بدأ تهميش الشغف بالقراءة على أعتاب الألفية الثالثة ومع انتشار الحاسوب في كل بيت فقد بدأت الصورة تجتاح وتكون لها الأولوية للجيل الذي أصبح الآن آباء وأمهات وتطور الأمر طبقا للاعتماد على الهواتف المحمولة وتطبيقاتها لتحديث معلوماتنا وتطوير ثقافتنا لأنها تتسم بالسرعة وضخ محتوى أحدث كل ثانية.
ولكن، هل انتشرت الهواتف المحمولة والتطبيقات في عالمنا العربي فقط؟ فهاهي منتشرة في العالم أجمع ومع ذلك لم يكن لها تأثير على انخفاض معدل القراءة كما حدث في عالمنا. وعليه، فالحل هو تنشيط ثقافة القراءة من جديد لدى النشأ وتشجيعهم وترغيبهم في القراءة وتوعيتهم بأهميتها وفوائدها بأنها مصدر ثقافي متفرد ومختلف ولا يجوز مقارنته بل وانحصاره أمام وسائل المعرفة الأخرى.
كيف نشجع أطفالنا على القراءة؟
بالطبع لن يكون الأمر سهل كلما كان الطفل في سن كبير. فالسن المثالي لبناء هذا الشغف بالقراءة يبدأ مع السنوات الأولى من عمر الطفل حين يرتبط لديه شكل الكتاب بحكاية شيقة يرويها له أحد الوالدين ويتعلق بها ويطلب تكرارها عشرات المرات، وهنا تُخلق العلاقة الوثيقة بين حب القراءة والفضول والمتعة في المعرفة والتخيل. ولكن لم يكن الوقت أبداً متأخرا لإدراك ما فات فكلما كان لدينا العزيمة مع أولادنا كلما استطعنا إكسابهم هذه المهارة الغالية باتباع هذه النصائح
– في أول سنوات الطفل، اقرأ له القصص قبل النوم أو في وقت محدد كل يوم لتكون عادة يومية
– تعمد أن تقرأ أمام طفلك وأن تشركه في معرفة المعلومات التي اكتسبتها من قراءتك اليومية
– اجعل في غرفة طفلك مكان مخصص للقراءة أو مكتبة صغيرة فيدرك أن الكتب شيء أساسي في المنزل
– أدخل القراءة في أسلوب حياته وأقنعه أنه يساعدك بها، فليقرأ لك اللافتات في الشوارع وقائمة الطعام حين تختار منها وحالة الطقس اليومية واسم المنتج الذي تبحث عنه في المتاجر وأسماء أبطال فيلمه المفضل وهكذا. بحيث يدرك فعليا أن القراءة أمر أساسي في حياته
– اصطحب الطفل إلى المكتبة أو معارض الكتاب المتاحة وخصص بعض المال لشراء الكتب باعتبار القراءة أحد الاحتياجات الأساسية كالطعام والشراء والملابس
– في سن الالتحاق بالمدرسة، اعطي الطفل الفرصة لاختيار روايته المفضلة بتخييره بين المجموعة المناسبة لعمره ومهاراته في القراءة
– إذا كان ابنك منجذب الى الشاشات والألعاب الإلكترونية فيمكنك استخدام الكتاب التفاعلي أو تطبيقات القراءة الإلكترونية لما بها من عناصر مرئية جاذبة بجانب النصوص كالصور ومقاطع الفيديو والروابط
– امدح الطفل حين يقرأ وحفزه بعمل تحديات بجوائز تناسب ميوله وشخصيته
– ركز في نوعية الكتب التي يحبها واجلب المزيد منها لترسيخ حبه للقراءة ولا تنسى أن غالبا ما ينجذب الطفل للقصص لما بها من خيال وشخصيات أسطورية.
أثبتت الدراسات أن الطفل بدءاً من عمر السنتين يمكنه تمييز الصور والحروف المطبوعة وصوت الحروف من خلال سماع الأغاني أو صوت الأطفال والبالغين حوله. وفي سن 3 أو 4 سنوات يبدأ الطفل في الربط بين شكلها وبين الصوت الذي ينطقه. وبإتمامه 5 سنوات يمكنه نطقها وتمييزها وقراءتها وكتابتها أيضًا بالتدريج والتدريب وليس حتماً أن ينتظر حتى يرتاد المدرسة ليبدأ حينها من الصفر. ولهذا احرص على تقديم الكتاب له قبل وخارج إطار الكتب المدرسية لتولد لديه شغف حقيقي بالقراءة فلا يشعر أنه واجب عليه يجب عمله، بل هواية يفسح لها الوقت.
فزراعة بذرة حب القراءة في نفس طفلك ستؤتي بثمارها مع كل عام جديد في عمره كلما ترويها اهتمام وتحفيز واستماع. فمع كل يوم تغذي عينه بالقراءة سيمتلئ عقله بالعلم والمعرفة وستطور شخصيته وقدراته التحليلية وسيكون لخياله وتحليله دور فعال في اكتشاف ما حوله، هذا إلي جانب إهدائه القراءة كصديق وفي متاح متى احتاجه لا يبخل عليه بمعلومة ولا يتأخر عن تسليته متى شعر بالملل يذهب معه أينما ذهب.
المراجع:
– https://www.albayan.ae/science-today/studies-research/2013-01-13-1.1802196
– https://www.twinkl.ae/blog/summer-reading-hacks-to-ignite-a-love-of-reading