كيف يتحمل الجنين ظروف الولادة ويعتاد العيش خارج الرحم ؟

توصلت الأبحاث الطبية إلى حقيقة علمية وهي أن عملية الإجهاد التي يتعرض لها الجنين أثناء الولادة عملية طبيعية غير مؤذية للجنين من النواحي الفسيولوجية. وقد توضح بأن الجنين يفرز كميات كبيرة من الهرمونات من الغدة الكظرية أثناء الولادة ذات أهمية كبيرة في معيشة الوليد خارج بيئة الرحم.

وقد كان الاعتقاد السائد في الفترة السابقة يؤكد على أن عملية الولادة ذاتها هي عملية خطيرة حيث يعيش الجنين لساعات عديدة محصورة في قنوات الولادة أي أن الجنين يتعرض للضغط العضلي من قنوات الأم إضافة إلى شح كميات الأكسجين الواصلة إليه.

كما أن عملية الولادة ذاتها تنقل الجنين من بيئة ظلماء دافئة الى بيئة مضيئة باردة نوعا ما.

وقد لاحظت الأبحاث الطبية بأن الطفل الوليد يفرز معدلات عالية من الأدرينالين والنورأدرينالين وهي معدلات أعلى من مستوى هذه الهرمونات لدى البالغين وأعلى من مستوياتها في دم الأم أثناء عملية الولادة !

يعتقد الباحثون بأن الامينات البيوجينية (الأدرينالين مثلا) يوفر الحماية الكاملة للوليد من أخطار الاختناق وقلة الأكسجين. وقد توضح ايضا بأن هذه الهرمونات العصبية تساعد في تسريع العمليات الأيضية وبالتالي توفير الغذاء الكامل والطاقة اللازمة لخلايا الجسم المختلفة، وتعمل هذه الهرمونات ايضا على فتح القنوات التنفسية والسماح في دخول الأوكسجين إلى الجسم.

كما ان افراز هذه الهرمونات يضمن وصول كميات كافية من الدم الى القلب والدماغ او انه يساعد على زيادة ترابط الوليد مع امه.

وقد جاءت أول البراهين العلمية حول أهمية الأمينات البيوجينية Catecholamines للحياة الجنينية من خلال الأبحاث التي نشرها روبرت كوملن وماريان سلفر خلال الستينات في جامعة كيمبرج في بريطانيا.

وتشير المراجع العلمية إلى أن الأدرينالين الذي يفرز من نخاع الغدة الكظرية يعمل على زيادة معدل ضربات القلب وزيادة قوة عضلات القلب ويؤثر في الأوعية الدموية. وبالتالي يسمح للدم في الانتقال إلى القلب والدماغ والعضلات ويقلل من مستوياته الذاهبة الى الجلد والأمعاء والكلى.

وقد دفعت هذه الحقائق الباحثين الى طرح مجموعة من الأسئلة حول المستويات الاعتيادية الموجودة في جسم الجنين أثناء مراحل الحمل ؟ وكيف تعمل الأمينات – البيوجينية على حماية الجنين من أخطار نقص الأوكسجين؟ وهل تختلف وظيفة الأدرينالين بين الأطفال الصغار والبالغين؟


أوضحت التجارب المخبرية التي أجراها نخبة من الباحثين على الفئران البيضاء في المدرسة الطبية في جامعة ديوك الأميركية بأن نضج الجهاز العصبي بعد الولادة هو الذي يمنع تأثر الغدة الكظرية بالإجهاد بشكل مباشر حيث تتأثر الغدة بالإجهاد من خلال أعصاب الجملة الودية. ويعتقد بأن الوظيفة الثانية لارتفاع مستويات الامينات البيوجينية في الدم هي زيادة تحمل الجنين بعد الولادة للجوع وقلة الغذاء والاوكسجين حيث تساعد هذه الهرمونات على امتصاص السوائل من الرئتين وتوفير المجال المناسب القيام الرئتين بفعاليتها الطبيعية.

وقد لاحظ الباحثون ارتفاع مستويات سكر الغلوكوز والحموض الدهنية في الدم في الساعات التالية للولادة مما يوضح دور الأدرينالين في حث عملیات تولید الطاقة ومساعدة الوليد في الحياة خلال الساعات الأولى بعد ترك بيئة الرحم.

ا.د. محمد حسن الحمود

About فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

Check Also

زيت الزيتون وفوائده الصحية ودوره في حماية القلب ومكافحة الأمراض

يُعدُّ زيت الزيتون من أبرز المكونات الغذائية التي تشتهر بها منطقة الشرق الأوسط، ويحتل مكانة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *