جرت عادة أغلب كتاب قصص الأطفال المقروءة منها أو المشخصة إغراق هذه القصص بعنصر الخيال الجامح فيجعلون من الحيوانات بمختلف أصنافها الأليفة والسامة والمفترسة، وكذا من الكائنات التي يتصورون أنها آتية من الفضاء البعيد، مخلوقات عاقلة تتعامل مع الأطفال ويتعاملون معها دون مراعاة لجوانب الاختلاف في التركيبة الجسدية والنفسية والدماغية بين الطرفين.
كما يضمن بعض هؤلاء الكتاب المدعون تخصصهم في الكتابة للطفل ،قصصهم تلك مغامرات مثيرة لأشخاص آدميين كالقفز من أعالي السطوح و الجبال ، و ارتماء في لهيب النيران،وكذا مصارعة حيوانات مفترسة فتاكة وغيرها من الأحداث الغريبة المبنية على الخيال المحض ، كل هذا بدعوى أن مثل هذه القصص المتضمنة لهذه الشخوص و هذه الأحداث هي أقرب الى عقلية الطفل و نفسيته ، وهي الأكثر جلبا لاهتماماته من القصص المرتبطة بواقعه المعيش ، و هو تبرير يبقى في نظرنا مرفوضا رفضا باتا باعتباره خارجا عن قواعد التربية الحديثة الداعية إلى تقريب كل ما يدور حول الطفل كما هو بعيدا عن التزييف وقلب الحقائق.
إذ كيف يعقل أن نقدم له حيوانات تحكمها غريزة الفتك بكل ما هو أضعف منها في صورة من الوداعة والبراءة قد تدفعه في حياته الواقعية أن ينساق معها لتكون النتيجة وبالا عليه؟
وكيف يعقل أن نؤكد للطفل من خلال هذه القصص أن هناك مخلوقات حية قادمة من فضاء العلوي البعيد لها نفس خصائص البشر الذي يعيش على كوكب الأرض ويتحدث بلغته بدعوى أن هذا الخيال قد يصير حقيقة واقعة في الآجل القريب؟
كما أن هذا التبرير قد يدفع بالأطفال المقلدين للحركات البهلوانية التي يتفنن كتاب مثل هذه القصص في تصويرها إلى تعريض حياتهم لخطر الموت مثلما حدث حين حاول أحدهم تقليد حركات الشخصية الوهمية المعروفة بسبيدرمان ،في القفز و الطيران فسقط فاقدا الحياة ، و غيرهم ممن لم تصلنا أخبارهم من المقلدين المغرر بهم وهم ولاشك كثيرون .
كيف نسوغ أنفسنا خداع الطفل و إيهامه بأن الحياة عبارة عن وردة ناعمة لا أثر للشوك فيها و عندما يصل إلى مرحلة النضج العقلي و العاطفي يصطدم بواقعها المر في بعض جوانبه حينها تتزعزع الثقة في نفسه و في كل أولئك الذين أوكل إليهم أمر توجيهه و تنشئته؟
لقد أثبتت كل الدراسات العلمية في مجال التربية و الاجتماع أن ارتفاع نسبة الاختلالات العقلية و النفسية لأفراد المجتمعات سواء منها المتحضرة أو المتخلفة تعود الى مثل هذا السلوك مع الناشئة الصغيرة عن طريق اعتماد مثل هذه القصص الزاخرة بالخرافات و الخيالات الجامحة .
إذا كان للمجتمعات المتخلفة عذرها في نهج هذا السلوك المعوج فماذا يكون الأمر بالنسبة للمجتمعات المتفق على وصفها بالمتحضرة ؟ و اذ الغريب في الأمر أن هذه الأخيرة المشهود لها بالتقدم في جميع المجالات العلمية و التقنية ، و التي أنجز علماؤها في المجال التربوي العديد من النظريات و الأبحاث و الدراسات التي تخص نفسية الطفل و عقليته خلال مراحلها المتطورة ما تزال تسمح بتمرير مثل هذا النوع من القصص القائمة على الخرافة و تشويه الحقائق .
لا أحد ينكر ضرورة اعتماد عنصر الخيال في الإبداعات القصصية والأدبية عموما سواء بالنسبة لفئة الكبار أو الصغار شريطة ألا يتجاوز هذا الخيال الحد المقبول واقعيا ومنطقيا، وهو بهذا يكون بمثابة الملح للطعام يكسبه نكهة طيبة في حالة استعماله بالقدر المناسب، كما تمجه الأذواق في حالة الاكثار منه، و قد تكون له انعكاسات صحية خطيرة على متناوله.
بقلم محمد أمزيان الحسني