الإنسان ومن خلال تنوع أنشطته المختلفة أخل بالتوازن الغازي لمكونات الغلاف الجوي / pixabay

غازات الاحتباس الحراري ومصادر غاز ثنائي أكسيد الكربون

آفاق علمية وتربوية – من المعروف أن غازات الاحتباس الحراري وخصوصاً بخار الماء وثنائي أكسيد الكربون وأكسيد النتروز والميثان لهم دوراً مهماً في رفع درجة حرارة الأرض ولولاهم لكانت معدلات درجة حرارة الارض وغلافها الجوي تقل عن درجة الصفر المئوي بكثير ولانعدمت الحياة على هذا الكوكب. تلعب غازات الدفيئة دوراً مهماً في رفع درجة حرارة كوكب الأرض من 18 درجة تحت الصفر إلى خمسة عشر درجة مئوية وبذلك تساهم في بقاء كوكب الأرض مكاناً قابلاً للحياة.

الا ان الزيادة في تركيزات هذه الغازات التي أطلقت بعد الثورة الصناعية قاد وسيقود الى ارتفاع في درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية مما يهدد بحصول كوارث طبيعية كالأعاصير والفيضانات والجفاف والحرائق.

وقد بينت القياسات الحديثة لتركيزات غازات الاحتباس الحراري بوضوح أن الإنسان ومن خلال تنوع أنشطته المختلفة أخل بالتوازن الغازي لمكونات الغلاف الجوي مما أدى إلى ارتفاع في نسب بعض الغازات وبشكل خاص الغازات التي تؤثر وبشكل مباشر في رفع درجة حرارة الغلاف الجوي. وكانت نتيجة زيادة استهلاك الإنسان للطاقة أن ازدادت تركيزات غاز ثنائي أوكسيد الكربون بمعدل30% والميثان بمعدل 150% وأوكسيد النتروز بمعدل 17% عن معدلاتها قبل الثورة الصناعية.

أثبتت القياسات التي أجريت بعد القياسات الأولى لغاز ثنائي أوكسيد الكربون التي قام بها العالم تشارلز كيلنك عام 1950 في منطقة Mauna Loa في جزيرة هاواي إلى وجود تزايد في تركيزات هذا الغاز حتى بلغت380 جزء بالمليون (0.038%) عام2005 م تمثل هذه التركيزات لغاز ثنائي أوكسيد الكربون الأعلى منذ 700 الف عام مضت .

تتكون المركبات العضوية من عنصري الكربون والاوكسجين بشكل اساسي وان احتراقها (تفاعلها الكيميائي مع الأوكسجين) يولد غاز ثنائي أوكسيد الكربون كناتج لعملية التفاعل. يولد حرق الوقود الأحفوري (الفحم حجري والنفط والغاز الطبيعي) غاز ثنائي أوكسيد الكربون الذي يتصاعد الى الغلاف الجوي. يقوم الغطاء النباتي بالاستفادة من ربع كمية هذا الغاز في عملية التركيب الضوئي بينما تقوم المحيطات والبحار بامتصاص نفس الكمية من هذا الغاز المنطلقة للغلاف الجوي.

وهذا يعني ان نصف كمية غاز ثاني اوكسيد الكربون تبقى في الغلاف الجوي للأرض مما يزيد من تركيزات هذا الغاز وهذا هو سبب التغير الذي طرأ على مناخ الأرض بعد الثورة الصناعية.

وتمكن هانز سويس Hanz Swiss في خمسينيات القرن الماضي عند تحليله لنظائر الكربون من اثبات ان مصدر ثنائي أوكسيد الكربون الموجود في الجو يعود الى حرق الوقود الإحفوري. من جانب اخر اثبتت التحاليل العديدة التي اجريت في أماكن مختلفة لمياه البحر الى تطابق النتائج مع النتائج التي توصل لها العالم هانز سويس.

الجدير بالذكر هنا ان أية زيادة في عدد البراكين وحرائق الغابات تؤثر بشكل ملحوظ على نسب غازات الاحتباس الحراري في طبقة الغلاف الجوي القريبة من الأرض. تؤدي الزيادة في تركيز غاز ثنائي أوكسيد الكربون الى زيادة في زيادة في حالات الجفاف وعدد حرائق الغابات وهذا ما اثبتته الأعوام مابين2002 -2003 م إذ ارتفعت درجة حرارة الصيف مما أدى إلى حصول جفاف ونشوب حرائق للغابات في كل من الولايات المتحدة الأمريكية والبرتغال وايطاليا وتركيا واليونان ولبنان.

يتحمل الإنسان ومن خلال تعدد أنشطته الحياتية (الصناعية والزراعية والمنزلية) المسؤولية الكاملة عن زيادة انبعاثات غازات الدفيئة وهو الوحيد القادر على خفض هذه الانبعاثات. تمثل تأثيرات غاز ثنائي أوكسيد الكربون 64% من تأثيرات غازات الاحتباس الحراري اما بقية غازات الاحتباس الحراري مثل الميثان و الفريون وأوكسيد النتروز ورابع فلوريد الميثان وغيرها فان تأثيراتها تمثل 36% فقط من تأثيرات غازات الاحتباس الحراري باستثناء تأثيرات بخار الماء .

يعد بخار الماء الموجود في الغلاف الجوي اكثر الغازات المسببة لظاهرة احترار الأرض وان نسبته تفوق مجموع نسب بقية الغازات المسببة لهذه الظاهرة. غير ان العلماء والمهتمين بدراسة التغير المناخي يركزون على بقية الغازات لسببين أولهما ان الإنسان وحده المسؤل عن زيادة تركيزاتها وهو الوحيد القادر على خفض هذه الانبعاثات الغازية وثانيهما ان الإنسان مسؤول بشكل غير مباشر عن زيادة تركيزات بخار الماء في الغلاف الجوي لكنه غير قادر حاليا على خفض هذه النسبة.

ان مصدر بخار الماء الموجود في الغلاف الجوي هو عمليات التبخر المائي للمحيطات والبحار والبحيرات والانهار وعملية النتح للغطاء النباتي وتنفس الإنسان وبقية الحيوانات وخطوط المياه التي يخلفها الطيران المدني والحربي في الجو. تبلغ نسبة بخار الماء في الهواء 0.25% وتختلف من موقع لاخر ومن وقت لاخر في المكان الواحد على عكس من بقية غازات الدفيئة التي تنتشر في الغلاف الجوي والتي تكون تركيزاتها متساوية في جميع المناطق فوق سطح الكرة الأرضية.

تقدر كمية بخار الماء الموجودة في الغلاف الجوي لكوكب الارض بـ 4 x 1021 متر مكعب/عام وهي كمية تعادل تقريباً كمية المياه الموجودة في بحر الشمال الواقع بين السويد والدنمارك وفنلندا والمانيا وبولونيا ودول البلطيق في شمال أوربا وتتكاثف وتسقط على شكل أمطار او ثلوج على الأرض.

يعتمد تركيز بخار الماء في الجو على درجة الحرارة حيث ان إرتفاعها يؤدي الى زيادة عملية التبخر وذلك لان جزيئات الماء وبارتفاع درجة الحرارة تزداد طاقتها الحركية فتتباعد الجزيئات فيما بينها وتزداد التصادمات بينها وتتحرر من قوة الشد التي تربطها بالجزيئات الأخرى وتتحول بذلك من الحالة السائلة الى الحائلة الغازية على شكل بخار ماء يتصاعد الى الغلاف الجوي.


وبعكس هذه العملية حيث تؤدي انخفاض درجه الحرارة إلى فقدان الجزيئات للطاقة الحركية فتتقارب الجزيئات فيما بينها وتقل تصادماتها وتتكاثف وتتحول الى قطرات من الماء (مطر). ان مدة بقاء بخار الماء في الغلاف الجوي وهي المدة الزمنية مابين التبخر والتهطال قصيرة جداً لا تتعدى بضعة أيام عكس بقية غازات الدفيئة التي تقدر مدة بقائها بالغلاف الجوي بالأعوام.

تؤدي الدقائق الصلبة العالقة بالهواء (Aerosols) دوراً ثانوياً في ظاهرة الاحتباس الحراري لان لها دوراً مزدوجاً، فهي من جانب تساهم في عكس الأشعة الكونية الحرارية المتجهة للأرض مروراً بالغلاف الجوي وبهذا تساهم في خفض درجة حرارة الأرض، ومن جانب آخر تمنع الأشعة الحرارية طويلة الموجة من الإفلات للفضاء الخارجي وتحبسها في طبقات الجو القريبة من سطح الأرض وهي بذلك تساهم في رفع درجة حرارة كوكب الأرض.

عن المهندس أمجد قاسم

كاتب علمي متخصص في الشؤون العلمية عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين

شاهد أيضاً

شبكة بيئة ابوظبي تنظم منتدى حفظ النعمة الأول في شهر رمضان

خلال منتدى حفظ النعمة الأول الذي نظمته شبكة بيئة ابوظبي خبراء حفظ النعمة يستشعرون خطر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *