دور الأسرة والبيت في تشجيع الطفل على القراءة

يأتي البيت في مقدمة المؤسسات الأكثر تأثيرا في الطفل وتكوينه لشخصيته. إنه النافذة التي يطل منها على العالم، والمنهل الاول الذي يستقي منه القيم ، والنموذج الذي يتعلم منه أنماط السلوك .

والقراءة سلوك يكتسبه الطفل من مصادر متعددة، منها البيت وأجهزة الإعلام، والمدرسة ، والأصدقاء ، والمكتبات العامة والمدرسية وغير ذلك .

ومن بين هذه المصادر جميعا يبرز البيت بوصفه المصدر الأول الذي تتكون عن طريقة الصلة بين الطفل والكتاب، وتنشأ بينهما علاقة يتحدد على ضوئها مستقبل الطفل الثقافي والعلمي الى حد كبير .

من الحقائق التي أثبتها البحث العلمي وأيدتها الملاحظة.. أن الطفل الذي يشب بعيدا عن القراءة يظل عازفا عنها كارهة لها باستثناء حالات شاذة لا تنقض القاعدة قدر ما تثبتها ويهمنا أن نجيب عن سؤالين :

الأول : ما دور القراءة في حياة الأطفال والى أي مدى تسهم في نموهم وفي تكوين مستقبلهم ؟.
الثاني : ما دور الأسرة في تنمية ميول الأطفال في القراءة وتشجيعهم عليها ؟.

أولا : الأطفال والقراءة :

إن للقراءة دورا في حياتهم لا يقل عن الدور الذي تلعبه في حياة الكبار إن لم يزد ، فمن خلالها تدرس القيم ، وتعمق المباديء ، وتكون الاتجاهات ، وتوسع الميول وترهف الاحساسات وتنمي التذوق ، وتشبع الحاجات النفسية المختلفة وتوثق الصلة بين الطفل والصفحة المطبوعة ، إنها باختصار تضيف الى عمره عمرا ، والى حياته حياة، ما كان له أن يحظى بهما لو نشأ عزوفة عن القراءة، بعيدا عن مصادر المعرفة والتثقيف …. إن للطفل حاجات نفسية متعددة يستطيع أدب الأطفال أن يسهم في أشباعها ولنضرب أمثلة أربعة لتلك الحاجات :

أ- الحاجة إلى الأمن :

القصص التي يشيع فيها حب الآخرين وحرص أفراد الأسرة بعضهم على بعض ، والتآزر بينهم في مواجهة مواقف الحياة المعقدة ومشكلاتها المختلفة .

إن أمثال هذه القصص تشبع الى حد كبير حاجة الطفل الى الإحساس بالطمأنينة والأمن . إنه يتابع باهتمام شديد أحداث القصة ليري كيف يسلك كل من أفراد العائلة تجاه الآخرين . ومما يؤلم الطفل أن يتنازع أفراد الأسرة الواحدة في القصة بالشكل الذي يجعل الحياة قاتمة يسيطر عليها الصراع ، فيذهب بهجتها ويحرم الانسان من الأمن فيها حرص الآخرين على الفوز مهما خلف ذلك من عواقب أو أعقبه من آثار ..

ب- الحاجة الى الحب :

إن قراءة الطفل القصص الأطفال تساعده في إشباع هذه الحاجة عنده .. فالطفل الذي يقرأ قصة عن أسرة سعيدة بأبنائها يشيع الحب بين أفرادها أخذا وعطاء . تتاح له الفرصة لأن يبادل أفراد أسرته هذا الحب ، وأن تنتقل اليه هذه المشاعر ، والحاجة الى الحب كما هو معروف يبدأ اشباعها في أسرة الطفل ثم تتسع لتشمل الكون كله بمختلف كائناته .

والطفل الذي ينشأ على حب الآخرين يتقبل منهم ضعفهم ويشاركهم الآمهم ويرثي لأشكال العجز التي تصيب بعضهم .. إنه يتوحد مع الكون . يحترم فيه عناصر القوة ويخافها . ويقدر فيه أشكال الضعف ويحس بها .

ج – الحاجة الى تحقيق الذات :

إن لدى كل منا إحساسا بأنه يستطيع عمل شيء ما .. و أن هذا الشيء ذو قيمة له ولغيره ، ومفهوم المرء عن ذاته وتصوره لقدراته من الأمور الهامة التي تحدد له الى حد كبير مستقبله وأسلوب حياتي ومن الكتب التي تشبع عند الطفل حاجته الى تأكيد ذاته قصص البطولة التي تلعب فيها إحدى الشخصيات الدور الرئيس . كما أن قصص المغامرات التي يلعب الأطفال فيها دورا مؤثرا تشبع عند الطفل الإحساس بقيمته ، وأنه مثل غيره من الأطفال يستطيع أن يلعب دورا مؤثرا ، بل إن القراءة نشاط يلجأ اليه برغبة وحماس ، إذ يجد فيها ذاته ويقضي معها فترة من الزمن بعيدا عن قيود الآخرين . إن القراءة تخرج الطفل لسويعات عن طوق عاطفة الأمومة والأبوة التي تعود في كثير من الأحيان على الأنانية وحب الذات .

د- الحاجة إلى المعرفة والفهم :

منذ أن يدرك الطفل العالم من حوله تنشأ لديه حاجة هامة من حاجاته العقلية ، وهي الحاجة الى الاستطلاع ، إنه يجب أن يتعرف على أشياء كثيرة تحيط به ، يؤثر فيها أحيانا وتؤثر فيه أحيانا أخرى . وهو في كل موقف يطرح اسئلة كثيرة ينشد الإجابة عليها . وأدب الأطفال ، وبخاصة كتب المعلومات تقف في مقدمة الوسائل التي يمكن عن طريقها اشباع هذه الحاجة .

إن طفل القرن الحادي والعشرين يعيش في عصر التكنولوجيا . عصر مركبة الفضاء وتخطي حدود الكوكب الأرضي والإنترنت والتطبيقات الرقمية . ولا شك أن القصص الخيالية وقصص المستقبل تتيح للطفل أن يتخيله وأن يتناغم معه بصورة عقلية مسبقة . إن هذه القصص تنمي لديه الخيال العلمي ، وتوقظ عنده الفكر الناقد وتستثير فيه الملاحظة الواعية ، كما تدربه على الربط بين الظواهر والتنبؤ بها .

يضاف الى كل ما سبق أن قراءة الكتب والقصص تنمي عند الأطفال ثروتهم اللغوية ، وتساعدهم على التحديد الدقيق لمفاهيمهم اضافة إلى تنمية بعض المهارات لديهم .. إن قراءة الكتاب تصاحبه عادة مشاهدة الصور والرسوم وتأمل الحروف مما يدعو الطفل الى أن يمسك بالقلم ، ويحاول رسم ما يرى أو يقلد أشكال الحروف . وتعتبر هذه الممارسة بلا شك أولى خطوات طريق الفن .

ولقد ثبت من كثير من الأبحاث والدراسات أن الأطفال الذين يقرأون قراءات حرة خاصة بهم يأتون في مقدمة التلاميذ تحصيلا وذكاء ، كما ثبت أن عجز الأطفال في القراءة يعوق تحصيلهم ، ولعل هذه النتيجة العلمية تسد على الآباء غير مشجعي القراءة الحرة عند أطفالهم منافذ الجدل .

ثانيا : مسئولية الأسرة :

فيما يلي مجموعة من التوصيات التي يمكن عن طريقها تشجيع الأطفال على القراءة وتنمية ميولهم نحوها فيما لو لقيت من الأسرة عناية أو حظيت باهتمام .

1 – للقدوة دور كبير في ذلك .. إن القراءة مثل أي سلوك أخر ، تلعب القدوة فيه دورا كبيرا في تنميته . ولنتصور طفلين أحدهما يرى والده يتصفح قبل أن ينام مجلة أو يقرأ كتابة ، وثانيهما طفل لا يعرف إلى
الكتاب طريقة الى منزله .

2 – ينبغي أن يكون الكتاب جزءا أساسية من الحياة العادية للأسرة . ما أجمل أن يتناقش الوالدان أمام أطفالهما حول كتاب جميل ، يعبر كل منهما عن رأيه فيما قاله المؤلف تأييدا أو معارضة . حبذا لو أستحث الوالدان أطفالهما على الاستماع إلى برنامج إذاعي عن الكتب ، أو مشاهدة برنامج تليفزيوني عن احدث المطبوعات . ولا شك أن تعريض الطفل لمواقف تناقش فيها الكتب ويتبادل الناس آراءهم عنها خليق بأن ينمي عنده حب القراءة ، والشوق الى الاتصال بما يتحدث الناس عنه .

3- ينبغي تخصيص جزء من ميزانية الأسرة ولو قليلا لشراء ما يناسبها من کتب او تنظيم علاقة بين الطفل ومجلة ما يشتريها بنفسه او تشتري له ، يقرأ أو تقرأ له ، وليس المهم في ذلك عدد الكتب المشتراة أو ثمنها وإنما المهم جودتها ومداومة اتصال الطفل بها .. إن كتابا يشترى كل أسبوع ويقرأ على مدې عشرة أسابيع متصلة خير من شراء عشرة كتب مرة واحدة لا يقرأ منها شيء، ومما يؤسف له أن ثقافة الطفل لم تدخل بعد في حياة كثير من الأسر العربية سواء أكان ذلك في برنامج حياتها أم في ميزانيتها . ولا ينبغي أن تقف محدودية الدخل حائلا يعوقها أو عذرآ تعتذر به . إن من قصص الأطفال ما لا تزيد قيمته عن ثمن علبة السجاير التي يدخنها الأب ، أو أجر مصففة الشعر الذي تدفعه الأم !.

4 – ينبغي اصطحاب أولادنا الى مكتبات الأطفال أو أقسام كتب الأطفال في المكتبات العامة . إن تنظيم زيارات دورية لهذه الأماكن ينمي عند الطفل الاستقلال في تحصيل المعرفة ، ويدربه على استخدام الكتب واختيار ما يناسبه منها ، فضلا عن خلق صلة طيبة بينه وبين المكتبة تستمر معه طيلة حياته .

5- ينبغي تشجيع كل مبادرة عند الطفل للقراءة ، بل يجب أن نخلقها فيه إن لم نشهدها عنده . وأن نحثه على تصفح مجلة تعدها له ، أو كتاب نهيئه له . ولنتصور الفرق بين طفلين أحدهما قد اعتاد والده استحضار ما يصدر من الكتب والمجلات والقصص وثانيهما تبخل أسرته بقرش ينفق في شراء قصة أو كتاب ما دام الطفل لن يمتحن فيها .


6- ينبغي أن يستمع الوالدان الى الطفل وهو يقرأ القصة . إن الطفل يجني من ذلك متعة لا تعادلها متعة ، إن استماع الوالدان اليه وهو يقرأ وإبداء إعجابهما بأدائه ومناقشته فيما يقرأ يترك في نفسه اكثر من مجرد ميل الى القراءة ، إن هذا يشبع حاجات نفسية مختلفة منها الحاجة إلى الحب والحاجة الى التقدير ثم إلى الإحساس بالذات وتأكيدها ، ناهيك عن الحاجة إلى الشعور بالانتماء .

7 – ينبغي أن يكون الوالدان على صلة مستمرة بالمدرسة يتعرفان منها على عادات أطفالهم في القراءة ، وميولهم نحوها ومشكلاتهم ازاءها.

خالد أبو طير

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

استكشاف أفضل طرق التعلم

تتعدد طرق التعلم من شخص الى آخر، كما تختلف باختلاف المواضيع الدراسية التي يراد تعلمها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *