جابر بن حيان وتطور علم الكيمياء عن العرب

بدأت الكيمياء في الإسلام بالصنعة، ذلك لأن العرب اعتمدوا الكتب المنقولة عن اليونانية، وكتب الإسكندرانيين التي نقلت إلى العربية.

ويعتبر خالد بن يزيد بن معاوية أول من اشتغل في علم الصنعة عند العرب، حيث استقدم بعض الرهبان الأقباط المتفحصين بالعربية، كمريانوس، شمعون، وغيرهم، وطلب إليهم نقل علوم الصنعة إلى اللغة العربية عله يتمكن من تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب.

وهكذا وصلت الصنعة إلى العرب بواسطة الإسكندرانيين ممتزجة بالأوهام والأضاليل، تهدف إلى تحقيق غايات وهمية تتعلق بالصحة والخلود والثروة بعيدة عن الكيمياء التي ترتكز علی قواعد وقوانين علمية.

وقد انتقل هذا المفهوم إلى العلماء العرب فاعتقدوا كاليونان والسريان أن طبائع العناصر قابلة للتحويل، وأن جميع المعادن مؤلفة من عناصر واحدة هي الماء، الهواء، التراب، النار، وسبب اختلافها فيما بينها يعود إلى اختلاف نسب هذه العناصر في تركيبها، فلذلك لو توصلنا إلى حل أي معدن إلى عناصره الأساسية، وأعدنا تركيبه من جديد بنسب ملائمة لنسب أي معدن آخر كالذهب والفضة مثلا، لاستطعنا الحصول على هذا المعدن.

من أجل ذلك قام العلماء العرب بتجارب عديدة، أحاطوها بالسرية التامة، واستعملوا الرموز في الإشارة إلى المعادن فأشاروا إلى الذهب بالشمس، والى الفضة بالقمر، فاكتشفوا مواد جديدة، واختبروا أمور مختلفة، وتوصلوا إلى قوانين عديدة، واستطاعوا أن ينقلوا الخيمياء إلى الكيمياء وذلك لعدة أسباب منها:

1- فشل محاولات الصنعة في تحقيق أهدافها، وتحولها إلى علم تجريبي على يد العالم جابر بن حيان ومن ثم الرازي.

2- تكثيف التجارب المادية والتماس منهج علمي صحيح قائم على التجربة والبرهان .

ومع جابر بن حیان انتقلت الكيمياء عن العرب من طور صنعة الذهب الخرافية إلى طور العلم التجريبي في المختبرات.

جابر بن حیان:

ترتبط نشأة الكيمياء عند العرب بشخصية أسطورية أحيانا وتاريخية حينا آخر، هي شخصية جابر بن حيان، ونستنتج من خلال الكتب التي تحمل اسمه أنه من أشهر الكيميائيين العرب، ويعد الممثل الأول للكيمياء العربية.

وقد أثر جابر في الكيمياء الأوروبية لظهور عدد لا يستهان به من المخطوطات اللاتينية في الكيمياء منسوبة إلى جابر بن حيان .

مولده – نشأته :

هو أبو عبد الله جابر بن حيان بن عبد الله الكوفي المعروف بالصوفي. ولد في طوس (خراسان) وسكن الكوفة، حيث كان يعمل صيدلانيا . وكان أبوه عطارة . بنسبته الطوسي أو الطرطوسی، وينحدر من قبيلة الازد.

يقال إنه كان من الصابئة، ومن ثم لقبه الحراني، كان من أنصار آل البيت (بعد أن دخل الإسلام وأظهر غيرة عظيمة على دينه الجديد)، ومن غير الموالين للدولة العباسية في بداية حياته .

كان يعيش في ستر وعزلة عن الناس فقيل عنه إنه كان صوفيا.

ويقدر الزمن الذي ولد فيه جابر بين 721 م – 722 م، أما تاریخ وفاته فغير معروف تماما . ويقال أنه توفي سنة 200 هـ أو ما يوافق 815 م.

ويقول هولیارد Holmyard أن جابر عاش ما يقارب 95 سنة، ودليله في ذلك أن المؤلفات التي ألفها لا يمكن إنجازها بأقل من هذا الزمن .

رحل إلى الجزيرة العربية وأتقن العربية وتعلم القرآن والحساب وعلوم أخرى على يد رجل عرف باسم (حربي الحميري) وقد يكون هو الراهب الذي ذكره في مصنفاته وتلقن عنه بعض التجارب .

اتصل بالإمام جعفر الصادق (الإمام الخامس بعد على بن أبي طالب ) ت 148 هـ ، ويقال إنه أخذ علم الصنعة عنه، وتتلمذ على يديه، وعن طريقه دخل بلاط هارون الرشید بحفاوة .

اختلاف الرواة والمفكرين في أمره ووجوده:

اختلف الرواة في أمر جابر، فقد أنكر قوم أن يكون قد مر في هذه الحياة رجل يحمل هذا الاسم وقال آخرون إنه رجل معروف في التاريخ، وقد اشتغل بصناعة الكيمياء، واستطاع أن يحول المعادن الخسيسة إلى معادن شريفة.

وزعم قوم من الفلاسفة أنه منهم، وله كتب في المنطق والفلسفة. وزعم آخرون (أهل صناعة الذهب والفضة ) أن الرئاسة انتهت إليه في عصره وأن أمره كان مكتوم .

لكن جابر بن حيان حقيقة واقعة لا يمكن إنكارها، وعلم من أعلام العرب العباقرة، وأول رائد للكيمياء، وقد أيد هذه الحقيقة أبو بكر الرازي، عندما كان يشير إلى جابر في كتبه فيقول ” أستاذنا”.

مدرسته :

أخذ جابر مادته الكيمياء من مدرسة الإسكندرية التي كانت تؤمن بانقلاب العناصر، وقد كان تطورها من النظريات إلى العمليات وقد درس جابر ما خلفه الأقدمون، فلم ير من تراثهم من الناحية الكيميائية إلا نظرية أرسطو عن تكوين الفلزات، وهي نظرية متفرعة عن نظريته الأساسية في العناصر الأربعة: الماء، الهواء، التراب، النار .

ولم يعرف فقط كبار مفكري وعلماء العالم اليوناني، بل كان يعرف الكتب ذات المحتوى السري جدا مثل كتب أبو لينوس التيتاني ، وزعم هوليارد أن المصدر الذي استقى منه جابر علومه في الكيمياء هو الأفلاطونية الحديثة.

منهجه العلمي:

العلم عند جابر يسبق العمل، فليس لأحد أن يعمل ويجرب دون أن يعلم أصول الصنعة ومجالات العلم بصورة كاملة وقد قال: “إن كل صنعة لابد لها من سبوق العلم في طلبها للعمل”.

وقطع جابر كأحد رواد علماء العرب خطوة أبعد مما قطع اليونان في وضع التجربة أساس العمل لا اعتمادا على التأمل الساكن، ولعله أسبق عالم عربي في هذا المضمار، فنراه يقول ( وملاك هذه الصنعة العمل، فمن لم يعمل ولم يجرب لم يظفر بشيء أبدا ).

وقد كان جابر انطلاقا من قناعته بإمكانية قيام العلم الطبيعي على قاعدة الإتقان المتين، كان شجاعة بما فيه الكفاية، فهو يؤمن بأنه انتزع من الطبيعة آخر خفاياها، سمة علمه أنه لا يعترف بوجود أي حد للتفكير البشري.

تساءل جابر ؟! ألا يمكن أن يكون التوليد ممكنا، ( فالكائن الحي بالنسبة له بل الإنسان نفسه، إنما هو نتيجة تفاعل قوى الطبيعة، فمن الممكن من الناحية النظرية على الأقل محاكاة تدبير الطبيعة بل تحسينه عند الحاجة )

ومهما يكن من أمر، فإن قيام جابر كعالم كيميائي ابتكر المنهج التجريبي في الكيمياء، لا يعني أن هذا العالم قد تخلص من الأفكار القديمة، وحرر فكره ومذهبه منها، إذ أن له بعض الكتابات الغريبة والطلسمات، لكن هذا لا يعني أيضا أنه لم يشق طريقه في الظلمات عبر العصور المظلمة إلى النور .

ولجابر الأثر الكبير في تطور الكيمياء وانتقالها من صنعة الذهب الخرافية إلى طور العلم التجريبي في المختبرات، حيث أن موضوع الحصول على الذهب لم يشغله عن غيره من النواح العلمية الأخرى، فشمل نشاطه المسائل النظرية والعلمية العادية وغير العادية.

فقد عرف جابر الكثير من العمليات العلمية كالتقطير، والتبخير، والتكليس، والإذابة، والتبلور، وغيرها .

كما شمل عمله الناحية التطبيقية للكيمياء، من ذلك أنه أدخل طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحل بواسطة الحامض، وهذه طريقة لا زالت مستخدمة حتى الآن، ولها شأن في تقدير عيارات الذهب في المشغولات والسبائك الذهبية .

رأي جابر في طبائع العناصر، وإمكانية تحويلها إلى ذهب:

ينطلق جابر في الصنعة من أن لكل عنصر روحا (نفسا، جوهرا ) كما نجد في أفراد الناس والحيوان، وأن للعناصر طبائع، وهذه الطبائع في العناصر قابلة للتبدل.

ویری جابر أن العنصر كلما كان أقل صفاء (ممزوجا بعناصر أخرى كان أضعف تأثيرا، فإذا أردنا عنصرا قوي الأثر (في غيره)، وجب تصفيته، والتصفية تكون بالتقطير، فبالتقطير تصعد الروح من العنصر فيموت العنصر. يقول جابر:

( فإذا استطعنا أن نسيطر على روح هذا العنصر، ثم القينا شيئا منه ( الروح وهي مذكر) على مادة ما، انقلبت تلك المادة فكانت مثل العنصر الذي القينا فيه شيئا من روحه ) .

تطبيق هذا الرأي على الذهب:

يقول جابر: إن أصفى العناصر الحاضرة الذهب، لكن صفاءه غير تام، فيجب أن نصفيه مرة بعد اخرى حتى نبلغ به درجة الصفاء المطلقة، ونستخرج روحه في ايدينا إكسيرة او دواء، يعمل في المعادن عمل الخميرة في العجين ).

فكما أن الخميرة تجعل العجين الفطير كله عجينة مختمرة، فكذلك الإكسير الأحمر المستخرج من الذهب يقلب المعادن ذهبا، والإكسير الأبيض المستخرج من الفضة يقلب المعادن فضة.

أما العناصر التي تقبل عند أصحاب الصنعة الانقلاب ذهبا وفضة (بسهولة) فهي النحاس والزئبق والرصاص والحديد .

ويبدو أن (الروح، الخميرة، الإكسير، حجر الفلاسفة، الكيمياء) أسماء مختلفة لشيء واحد.

فالإكسير برأي جابر يمكن الحصول عليه بغلي الذهب في سوائل مختلفة مرة بعد مرة ألف مرة، ولا شك في أن هذا الزعم باطل.

ولجابر رأي روحاني متطرف في طبائع المعادن (ذكر ذلك في كتاب الرحمة)، فهو يعد المعدن کائنا حيا ينمو في باطن الأرض أمدا طويلا آلاف السنين، وينقلب من معدن خسیس کالرصاص إلى معدن نفيس كالذهب، وغاية علم الكيمياء الإسراع بهذا الاقلاب، وهو يطبق مذاهب التناسل والزواج والحمل والتعليم على المعدن، وكذلك مذاهب الحياة والموت.

كان جابر يرى أن المعادن تحت تأثير الكواكب، تتكون في الأرض من اتحاد الكبريت الحار واليابس مع الزئبق البارد والرطب.

ويرجع وجود المعادن بأنواع مختلفة إلى أن الكبريت والزئبق ليسا نقيين على الدوام، ولأنهما فضلا عن ذلك لا يتحدان بالنسب ذاتها، فإذا كانا نقيين تماما، وحصل الاتحاد کاملا بالميزان الطبيعي، نشأ الذهب أكمل المعادن.

أما الأخلاط والنسب غير الكاملة فتؤدي إلى تكوين الفضة أو الاسرب أو الحديد أو النحاس. ولما كان لهذه المعادن في الأصل التركيب ذاته الذي للذهب، فيمكن تصحيح (تأثير) المصادفات في طريقة تركيبها بتدبير مناسب، وهذا التدبير يشكل غرض الصنعة، ويعول على استعمال الأكاسير .

ومن هنا نستنتج أن جابر يرى أنه من غير المستحيل تكوين الذهب نظريا على الأقل، وإن كان ذلك صعبة تجريبية .

تدبير جابر للأكاسير:

من أهم جوانب علم الكيمياء عند جابر، استناده على الإكسير العضوي، بالإضافة إلى الإكسير غير العضوي.

فمن العلامات المميزة في الصنعة عند جابر تدبير الأكاسير لا على أساس معدني فحسب بل كذلك على أساس مواد حيوانية ونباتية، بل إنه يفضل الإكسير الذي يرجع إلى مواد حيوانية لما لهذه المواد من فعل أقوى بكثير مما للاكاسير الأخرى.

يرى جابر أنه يمكن عمل اكاسير مختلطة بهذه المواد المذكورة، من ذلك مثلا إكسير نبات – حيواني، إكسير نباتي – معدني، إكسير حيواني – معدني، إكسير نباتي – حيواني – معدني.

ولا يمكن بلوغ هذه الأكاسير المختلفة، وكذا الإكسير الأعظم، أي العقار العام لكل المعادن .

ولا بد للحصول على الإكسير الصحيح من الرجوع إلى أصول أكيدة، واستيفاء كل أسباب الدقة.

وقد اعتمد جابر في ذلك على فكرة أن كل الأشياء في العالم الطبيعي تتركب من عناصر أربعة، تشكلت بدورها من أربع كيفيات.

ومن الممكن عن طريق (الميزان) معرفة نصيب الطبائع الأربع في كل جسم، وبالتالي تجديد تركيبه بدقة تامة.

وبهذه الطريقة يمكن للكيميائي أن يتحكم في كل التغيرات التي تحصل في الجسم، ما دام في وضع يدبر فيه كلا على حدة الأصول والكيفيات التي تعمل بها الطبيعة، كما يصبح في وضع يمكنه من تدبير أجسام جديدة، وبخاصة اكاسير مختلفة تفعل في المعادن.

وما الصور المختلفة للاكاسير إلا مزائج تجانست قليلا أو كثيرا، مع الطبائع أو الخواص الأربع، مزائج تتفق مع تركيب الأجسام التي استعملت عليها.

وها هو ذا تحديد عمل الإكسير كما بينه جابر نفسه في كتاب السبعين:

إن الأصول الأربعة العاملة في الأجسام من الأجناس الثلاثة المؤثرة فيها والمحددة لصبغها هي: النار، الماء، الهواء، الأرض.

وفي الواقع ليس هناك فعل واحد من هذه الثلاثة اجناس إلا بتلك العناصر الأربعة. ولهذا كان معولنا في هذه الصناعة على تدبير هذه العناصر، نقوي ضعيفها، ونضعف قويها، ونصلح فاسدها. فمن وصل إلى عمل هذه العناصر الأربعة في هذه الثلاثة أجناس، فقد وصل إلى كل علم، وأدرك علم الخليقة وصنعة الطبيعة.

يقول جابر في كتابه السبعين على سبيل المثال:

إن الأسرب بارد یابس في الظاهر، وحار رطب في الباطن، وكذلك بالنسبة للفضة، بينما الذهب حار رطب في الظاهر، وبارد یابس في الباطن .

ويقال أن جابرا، كان أكثر مقامة في الكوفة، وبما كان يدبر الإكسير لصحة هوائها .

وذكر جابر في كتابه (الخواص الكبير)، قصة اتصاله بيحيى البرمكي، وعمل إكسيره، وكيف خلص به كثيرا من الناس وشفاهم !

تطلعنا قصته هذه، على أن جابر كان طبيبا، وكان يستخدم في العلاج دواء يسميه الإكسير، يبدو أنه كان يشفي كثير من العلل .

أما ما له علاقة بالإكسير من جهة المسؤولية الكبرى، واكتشاف سر الله الأعظم، فله علاقة بالإمام جعفر علاقة شديدة .

فجابر يعتقد بوجود طريقتين لإدراك الصنعة:

أ- طريق ظاهري: وذلك باقتفاء أثر الطبيعة.
ب- طريق باطني : بمعرفة الفرضيات الكبرى، وتطهير النفس البشرية.

والثاني يشير إلى تصوفه وتشيعه الواضحين . إذ أن أهم مصادر معرفته، الإلهامات الباطنية التي اقتبسها عن إمامه جعفر الصادق، فعلاقته مع الإمام جعفر الصادق هي علاقة فكرية فلسفية.

والعلاقة بين جابر وإمامه الصادق لا تقف عند حد واحد، إنما تتعداه إلى أمر كشف سر الله الأعظم ألا وهو الإكسير ؟! .

ولن أشير أكثر إلى العلاقة بين العالم جابر بن حيان وإمامه جعفر الصادق لسعة البحث في هذا الأمر، ولاختصار دراستنا على جانب علمي معين في علم العالم الكيميائي جابر بن حيان .

اکتشافات جابر الكيميائية الأخرى:

سنذكر بعضا منها:

1- عرف جابر بأن الشب يساعد على تثبيت الأصباغ في الأقمشة، والعلم الحديث اثبت ذلك، ( الشب = أملاح الألمنيوم).

2- توصل جابر إلى تحضير بعض المواد التي تمنع البلل عن الثياب، وهذه المواد هي أملاح الألمنيوم المشتقة من الحموض العضوية.
3- توصل إلى استخدام كبريتيد الانتمون، الذي له لون الذهب، ليعوض عن الأخير الغالي الثمن.
4- تمكن من صنع ورق غير قابل للاحتراق، والعلم الحديث لا يعرف حتى الآن نوع هذا الورق.
5- أدخل طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحل بواسطة الحامض (الماء الملكي) وهذه الطريقة لازالت مستخدمة حتى الآن.
6- مارس كثيرا من العمليات الكيميائية، كالتقطير، التكليس، التبلور، التصعيد، وعرف واكتشف الكثير من المواد الكيميائية .

لمحة عن كتبه:

ألف جابر عددا كبيرة جدا من الكتب، يقال أنها تجاوزت 3900 کتاب، كانت سببا في الشك بوجوده، أو حتى نسبها جميعا إليه.

له كتب في الكيمياء، الفلسفة، التنجيم، الرياضيات، الموسيقى، الطب والسحر ورسائل دينية أخرى.

تميزت مخطوطاته وكتبه بوحدتها، مما يدل على أنها تابعة لمدرسة واحدة، والكتب التي تغلب عليها نزعة الكيمياء هي كتب السبعين والرحمة، أما الكتب التي تغلب عليها النزعة الطبية فهي رسائل السموم .

ولجابر أسلوب لا يشبه أسلوب باقي المؤلفين، فأسلوبه يتميز بالجدية، والفكرة الواحدة والتفكير العميق .

وقد ذكر ابن النديم ما يزيد عن 360 مؤلفا لجابر، يمكن الرجوع إليها في كتاب الفهرست، وكذلك ذكرها کرواس في مؤلفه رسائل جابر .

يمكن أن نعد رسائل جابر في الكيمياء أول مظهر من مظاهر الكيمياء في المدنية الإسلامية على الرغم من أن عددا عظميا من رسائله كان نصيبها الفناء، بينما بقيت بعض الكتب اللاتينية التي أخذت عنها .

تلاميذه:

قال ابن النديم: أسماء تلامذته (الخرقي) الذي ينسب إليه سكة الخرقي بالمدينة، (وابن عياض المصري )، و(الاخميمي) .

ويقول الرازي في كتبه المؤلفة في الصنعة:

قال استاذنا أبو موسی جابر بن حيان ، ومراده بقوله استاذنا، أنه استفاد من مؤلفاته، لا أنه تعلم منه، لأن عصر الرازي متأخر عنه كما هو معلوم .

مشاهير العلماء الآخرين في الكيمياء: ورأيهم في مسألة تحويل المعادن الخسيسة إلى ثمينة

أ- الكندي: ت 252 هـ / 866 م

يعتبر الكندي أول من اتخذ موقفا سلبيا من مسألة تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب أو فضة، وقال باستحالة ذلك، ووضع رسالة في (بطلان دعوى المدعين صنعة الذهب والفضة وخداعهم )

ب- الرازي: ت 321 هـ / 942 م.

برع في الكيمياء كما برع في الطب، ووضع الرازي كتبا عديدة في الكيمياء، ويبدو فيها غير مقتنع بتحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب وفضة تارة، وتارة أخرى تظهر الكتب اقتناعه بذلك، منها كتاب محنة الذهب والفضة، وكتاب الأسرار .

ج- ابن سينا: ت 428 هـ / 1037 م

لم يضع أي مؤلف بهذا الشأن، له كتاب في بطلان الكيمياء والرد على أصحابها . في مستهل القرن الحادي عشر الميلادي، مر على الكيمياء فترة من الجمود استمرت حوالي القرنين حتى أتی عالم من العراق اسمه السماوي.

د- محمد بن أحمد العراقي السماوي:

اشهر مؤلفاته كتاب المكتسب في زراعة الذهب، ودافع فيه عن إمكانية تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب، واعتمد في طريقته على وصف الإكسير على العالم جابر بن حيان ومن شایعه .

وأخيرا نقول … مما لاشك فيه، أن جابرا عبقرية علمية بارزة في علم الكيمياء، وكان تأثيره واضحا وكبيرا في أوربا في القرون الوسطى حتى القرن الثامن عشر، عندما ظهر لافوازييه وغيره.


ولم يقف جابر عند الآراء النظرية فقط كما فعلت الأمم القديمة، وإنما دخل المختبر، وأجرى التجارب وربط الملاحظات على أسس علمية، وهي الأسس التي بني عليها العلم الحديث منجزاته في هذا الميدان وفي غيره من الميادين الأخرى .

لكن على الرغم من هذه الجهود التي بذلها العلماء العرب، والمواد التي توصلوا إليها، والعمليات التي مارسوها، فإنهم لم يهتدوا إلى القوانين التي تضبط العمليات الفيزيائية، ولم يضعوا للكيمياء قوانين عامة، أو رموزا تدل عليها، فهذه أمور كانت وليدة الكيمياء الحديثة .

مصدر الصورة
fadaeyat.co

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

في المستقبل المزارع العمودية داخل بنايات المدن الحديثة

على غرار حدائق بابل المعلقة والتي اعتبرت من عجائب الدنيا، برزت فكرة بناء المزارع العمودية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *