تعريف صعوبات التعلم وأنواعها ودورها في تطوير الأداء الأكاديمي

تعتبر صعوبات التعلم من التحديات المعقدة التي تواجه الأطفال في مراحل التعليم المختلفة، حيث تعد من المجالات الحديثة والمتسارعة في التطور داخل ميادين التربية الخاصة.

تنبع أهمية هذا المجال من الاهتمام الكبير من قبل الأهل والمتخصصين بالمشكلات التعليمية التي تظهر عند الأطفال دون أن يكون لها تفسير في إطار الإعاقات العقلية، الحسية، أو الانفعالية.

لقد أصبح مصطلح “صعوبات التعلم” أكثر قبولًا واستخدامًا على نطاق واسع نظرًا لفهم أعمق للمشكلات التي يواجهها الأطفال.

ما هي صعوبات التعلم؟

صعوبات التعلم تشير إلى مشكلات معينة تواجه الأطفال في اكتساب المعرفة والمهارات الأساسية مثل القراءة، الكتابة، والرياضيات، على الرغم من أن هؤلاء الأطفال يتمتعون بقدرات عقلية طبيعية ولا يعانون من إعاقات حسية أو اضطرابات انفعالية أو ظروف أسرية غير عادية.

تُظهر هذه الصعوبات عدم قدرة الأطفال على استيعاب بعض المواد الدراسية الأساسية أو المهارات التعليمية، مما يؤدي إلى مشاكل في الانتباه، الاستماع، التحدث، القراءة، الكتابة، أو الحساب.

تطور تعريف صعوبات التعلم

في عام 1963، قام عالم النفس صموئيل كيرك بمحاولة وضع تعريف محدد لمفهوم صعوبات التعلم، حيث وصفها بأنها تأخر أو اضطراب في واحدة أو أكثر من العمليات الأساسية مثل الكلام، اللغة، القراءة، التهجئة، الكتابة، أو الحساب.

وقد اعتبر كيرك أن هذه الصعوبات ناتجة عن خلل وظيفي في الدماغ أو اضطراب عاطفي أو مشكلات سلوكية.

كان كيرك حريصًا على استثناء الأطفال الذين تعزى مشكلاتهم إلى إعاقات حسية أو تخلف عقلي أو حرمان ثقافي، مما جعل تعريفه أساسًا لفهم الصعوبات التعليمية بعيدًا عن العوامل الخارجية الظاهرة.

في عام 1968، قامت اللجنة الوطنية الاستشارية لشؤون المعوقين في الولايات المتحدة بتطوير تعريف كيرك، واعتُمد هذا التعريف لاحقًا في قانون المعاقين الأمريكي لعام 1975، مع تعديلات لاحقة في عام 1990.

وقد نص التعريف على أن صعوبات التعلم هي اضطراب في العمليات النفسية الأساسية اللازمة لفهم أو استخدام اللغة المنطوقة أو المكتوبة. ت

وتظهر هذه الصعوبات على شكل قصور في القدرة على الإصغاء، التفكير، النطق، القراءة، الكتابة، التهجئة، أو الحساب.

وضمن هذا الإطار، شمل التعريف حالات مثل التلف الدماغي، الاضطرابات الإدراكية، عسر القراءة، وحبسة الكلام، بينما استثنى الأطفال الذين تعود صعوباتهم إلى التخلف العقلي أو الصعوبات البصرية أو السمعية أو الحركية أو الانفعالية.

الانتقادات والتطورات اللاحقة

رغم قبول هذا التعريف على نطاق واسع، إلا أنه لم يخلُ من الانتقادات، اذ اعترض العديد من المختصين على استخدام مصطلحات مثل “العمليات النفسية” و”الاضطرابات الإدراكية” و”الخلل الوظيفي في الدماغ” بسبب صعوبة وصفها بشكل إجرائي.

إضافةً إلى ذلك، أُنتقد التعريف لعدم توضيح مدى شدة الاضطراب أو التأخر، مما دفع الباحثين إلى تقديم تعريفات جديدة ومتنوعة عبر العقود التالية.

من بين تلك التعريفات البارزة، كان تعريف اللجنة الوطنية الأمريكية لصعوبات التعلم (NJCLD) التي اعتبرت صعوبات التعلم مجموعة من الاضطرابات المتجانسة التي تتمثل في صعوبات واضحة في اكتساب واستخدام القدرات المختلفة مثل الاستماع، الكلام، القراءة، الكتابة، والاستدلال الرياضي.

وأشار هذا التعريف إلى أن هذه الاضطرابات قد تكون نتيجة خلل في الجهاز العصبي المركزي، وربما تتزامن مع حالات أخرى مثل التخلف العقلي أو العجز الحسي أو الاضطرابات الانفعالية والاجتماعية.

كما أكد التعريف على أن هذه الصعوبات ليست ناتجة مباشرة عن هذه الحالات الأخرى أو عن التأثيرات البيئية.

العوامل المؤثرة في انخفاض التحصيل العلمي

في محاولة لفهم الفروق بين صعوبات التعلم والظروف الأخرى التي تؤدي إلى انخفاض التحصيل العلمي، تم تحديد نمطين رئيسيين من العوامل:

1. العوامل الخارجية: تتعلق بالعوامل البيئية مثل الظروف الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ويمكن أن يؤدي نقص فرص التعليم والتعلم إلى تأثيرات سلبية على التحصيل العلمي، وهي عوامل تمت الإشارة إليها في تعريف NJCLD على أنها “المؤثرات البيئية”.

2. العوامل الداخلية: تتعلق بظروف الفرد الداخلية مثل التخلف العقلي والإعاقات الحسية والاضطرابات الانفعالية الشديدة.

هذه العوامل تؤثر بشكل مباشر على قدرة الفرد على التعلم، وهي العوامل التي أشار إليها تعريف اللجنة الوطنية الاستشارية لشؤون المعوقين بأنها “الاضطرابات النفسية”.

أنواع صعوبات التعلم وفقًا للحكومة الفيدرالية الأمريكية

في عام 1977، قامت الحكومة الفيدرالية الأمريكية بتصنيف صعوبات التعلم إلى ثلاث فئات رئيسية:

1. مشكلات لغوية: تتعلق بالتعبير الشفهي القائم على الاستماع.
2. مشكلات القراءة والكتابة: تشمل مهارات القراءة والتعبير الكتابي.
3. مشكلات رياضية: تتعلق بالعمليات الحسابية والاستدلال الرياضي.

هذا وتعكس التعريفات المختلفة لصعوبات التعلم تطور الفهم العلمي لهذه المشكلة عبر العقود، فمن خلال تقديم تعريفات دقيقة ومستندة إلى البحث العلمي، يمكن للمجتمع الأكاديمي والتربوي أن يقدم الدعم الأمثل للأطفال الذين يعانون من هذه الصعوبات.

فمن الضروري أن يتم فهم صعوبات التعلم كجزء من التحديات النفسية والبيولوجية التي يمكن أن تؤثر على الأطفال، مع التركيز على أهمية التشخيص المبكر والتدخل العلاجي الفعّال لضمان تحقيق أفضل النتائج التعليمية لهؤلاء الأطفال.

أنواع صعوبات التعلم

يمكن تصنيف صعوبات التعلم إلى نوعين رئيسيين:

1. صعوبات التعلم النمائية:

هذه الصعوبات تتعلق بالمهارات الأساسية التي يحتاجها الطفل قبل أن يتمكن من التعلم الأكاديمي، وتشمل هذه الصعوبات مشاكل في الإدراك، التآزر البصري الحركي، الذاكرة، وغيرها من العمليات النمائية التي إذا تعطلت أو تأثرت بشكل كبير، ستؤدي إلى مشاكل في تعلم القراءة، الكتابة، التهجئة، أو الحساب.

فعلى سبيل المثال، يحتاج الطفل إلى تطوير مهارات الإدراك البصري والذاكرة البصرية لكي يتعلم كتابة اسمه أو إجراء العمليات الحسابية البسيطة، وعندما تتعطل هذه المهارات، يواجه الطفل صعوبة في تحقيق تقدم أكاديمي.

2. صعوبات التعلم الأكاديمية:

هذه الصعوبات تظهر في الأداء المدرسي لدى الأطفال وتتمثل في مشكلات في القراءة، الكتابة، التهجئة، التعبير الكتابي، والحساب.

وتعبر هذه المشكلات عن صعوبات مباشرة في اكتساب المعرفة والمهارات الأساسية اللازمة للنجاح في المدرسة.

فعلى سبيل المثال، قد يعاني الطفل من مشكلة في القراءة بسبب عدم القدرة على تمييز الأصوات أو الكلمات، أو قد يجد صعوبة في الكتابة بسبب مشاكل في التآزر الحركي أو الذاكرة.

مظاهر صعوبات التعلم

لصعوبات التعلم مظاهر متنوعة ويمكن تقسيمها إلى عدة أنواع أكثر تفصيلًا، منها:

1. صعوبات القراءة (عسر القراءة):

تُعتبر من أكثر أنواع صعوبات التعلم شيوعًا، ويعاني الأطفال الذين يواجهون عسر القراءة من صعوبة في تفسير الحروف والكلمات والجمل، مما يؤثر على قدرتهم على فهم النصوص المكتوبة.

وتتراوح هذه الصعوبات بين صعوبة في التعرف على الكلمات وصعوبة في فهم المقروء، مما يؤثر بشكل كبير على الأداء الأكاديمي العام.

2. صعوبات الكتابة (عسر الكتابة):

تظهر هذه الصعوبات في القدرة على الكتابة بطريقة صحيحة وواضحة، ويعاني الأطفال المصابون بعسر الكتابة من مشاكل في التهجئة وتكوين الجمل، إضافة إلى صعوبة في تنسيق حركة اليد مع العين، مما يجعل عملية الكتابة مرهقة وغير منتجة.

3. صعوبات الرياضيات (عسر الحساب):

تعكس هذه الصعوبات عدم القدرة على فهم الأرقام والعمليات الحسابية الأساسية، حيث يجد الأطفال الذين يعانون من عسر الحساب صعوبة في إجراء العمليات الحسابية البسيطة مثل الجمع والطرح، بالإضافة إلى مشاكل في فهم المفاهيم الرياضية الأساسية مثل الأشكال والمسافات.

4. صعوبات اللغة والتواصل:

تتعلق هذه الصعوبات بمشاكل في فهم أو استخدام اللغة، وقد يواجه الطفل صعوبة في الاستماع أو التحدث أو فهم ما يقال له، مما يؤثر على قدرته على التفاعل مع الآخرين ويعيق تقدمه في المواد الدراسية التي تعتمد على الفهم اللغوي.

5. صعوبات الانتباه والتركيز:

ترتبط هذه الصعوبات بمشكلات في القدرة على التركيز والانتباه لفترات طويلة، اذ يعاني الأطفال من تشتت الذهن وعدم القدرة على متابعة المهام الدراسية بشكل منتظم، مما يؤدي إلى ضعف في التحصيل الدراسي.

أهمية التشخيص والتدخل المبكر

تشخيص صعوبات التعلم في وقت مبكر هو خطوة حاسمة نحو توفير الدعم اللازم للأطفال.

ويتيح التشخيص المبكر للمعلمين والأهالي تقديم برامج تعليمية وعلاجية تتناسب مع احتياجات الطفل، مما يساعده على تطوير مهاراته الأكاديمية والتغلب على الصعوبات التي يواجهها.

إن التدخل المبكر يعزز من قدرة الطفل على تحقيق النجاح في المدرسة ويقلل من التأثيرات السلبية على مستقبله التعليمي.

هذا وتعتبر صعوبات التعلم من التحديات التي يمكن التغلب عليها من خلال الفهم العميق لها وتقديم الدعم المناسب، ويتطلب ذلك تعاونًا مستمرًا بين الأهل والمدرسة والمتخصصين لضمان أن يحصل الطفل على البيئة التعليمية التي يحتاجها، فمن خلال هذا الفهم الشامل لأنواع صعوبات التعلم والتدخل المبكر، يمكن للأطفال الذين يواجهون هذه التحديات أن يحققوا إمكاناتهم الكاملة في التعليم والحياة.

عن المهندس أمجد قاسم

كاتب علمي متخصص في الشؤون العلمية عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين

شاهد أيضاً

التعلم التعاوني.. نهج تعليمي حديث لتعزيز التفاعل والمشاركة

التعلم التعاوني هو نهج تعليمي يعتمد على تفاعل الطلاب مع بعضهم البعض لتحقيق أهداف تعليمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *