تطور تربية الطفل على مر العصور

السيد ترك

ينقسم تاريخ الأسرة الى ثلاث مراحل هي :

1- الوحشية.
2- البربرية.
3- المدنية .

الأسرة منذ فجر التاريخ لها علاقتها الوثيقة بطفلها الذي هو رمز لاستمرار وجودها وحياتها على الأرض، وتتمثل هذه العلاقة في الحب والحماية والرعاية.

المرحلة الأولى : الوحشية : كانت الاسرة تحمي الطفل من الطبيعة والحيوانات المفترسة، وكانت الأسرة في ذلك الحين هي مجتمع الطفل ومدرسته الوحيدة ونتركه يعتمد على نفسه في سن مبكرة، فكان الطفل في هذه المرحلة لا يكلف الأسرة كثيرا ولا يضيف شيئا لأسرته.

المرحلة الثانية : البربرية : في هذه المرحلة أصبح الطفل مصدر دخل للأسرة فقد عرف الانسان اسئناس الحيوان وتربيته وزراعة الأرض فقام الطفل برعي الحيوانات وقام بأعمال الزراعة التي لا تتطلب مجهودا جسمانيا أو خبرة واسعة، وفي هذه المرحلة لا يكلف الأسرة الكثير ولكنه يضيف ويفيد.

المرحلة الثالثة : المدنية : في هذه المرحلة تعلم الانسان وتدرب على الإنتاج الصناعي وابتكر العلوم والفنون وراح ينشئ المؤسسات الخاصة بالطفل وزاد اهتمام الأسرة بالطفل ورعايته، فضلا عن البحوث والدراسات الخاصة بهذا الانسان الصغير الذي هو أمل الإنسانية وهو مستقبلها، كما أقيمت المدارس والجامعات لتشارك في تربية الطفل دسميا وعقليا وخلقيا وتعده للحياة ، رغم هذا الا أن الأسرة ما زالت هي الخلية الأولى وأولى المؤسسات الإنسانية التي ترعى الأجيال الجديدة والتي تربيها وتنشئها وترعاها وتسد مطالبها وتعمل على اشباع حاجاتها المادية والروحية والعاطفية والنفسية كما ان الأسرة ستبقى دائما وسيلة توارث الثقافات والناقلة للتراث الحضاري واللغة والدين من جيل الى جيل، وفي مجال الأسرة في هذه المرحلة نسأل هل يستأثر الأب لنفسه مثلا بنسبة كبيرة ينفقها على ذاته وعلى رغباته ؟ وما علاقة أقراد الأسرة بعضهم ببعض ؟

وهل يقوم الأب بدور الدكتاتور ويحيا الأفراد في ظله بلا شخصية ؟ وهل العلاقة بين أفراد الأسرة وطيدة بسودها الحب والاحترام؟ أم أن هناك منازعات وشقاق يمزق شمل الأسرة ؟ ما هي القيم التي تتجلى في حياة الأسرة وتسود ؟ ثم نسأل ما هو دور الأسرة مع الطفل بالنسبة للمدرسة بشكل خاص وبالنسبة للمجتمع بشكل عام ؟

كل هذه التساؤلات لا بد أن تبحث لأن كل منها يثير قضية تحتاج الى بحث خاص.

وكما ذكرت أن المؤسسات والمدارس والجمعات تشارك في تربية الطفل يجب أن أذكر أن الأسرة يجب أن تتحمل مسئوليات أبنائها لأن الأسرة كانت وما زالت وستبقى المسئولة الأولى عن صغيرها.

ويجب أن نعرف ان دور المدرسة في كثير من الأحيان قاصر على التعليم ، والتربية لا تأتي بالتعليم فحسب كما أن التعليم وحده لن يخلق مواطنا صالحا وبذلك يبقى دور الأسرة لكي يتحول هذا التعليم وتتكور هذه المعارف الى سلوك انساني.

ولذلك لا بد أن تسود قيم رفيعة جو الأسرة ولا بد أن يكون كبارها قدوة لصغارها ومثلا اعلى لهم ولا بد للأسرة ان تستحوذ على وجدان الطفل وتهذيب شفتيه لنطق أحلى العبارات وتعويد عينيه للنظر الى الجمال وتعويد أذنيه بسماع الكلمات الحلوة وبذلك تربي جسمه وعقله ووجدانه.

ولو نظرنا الى الأطفال الذين يعانون الذين يعانون مشاكل نفسية لوجدانهم ثمرة لأسرة منهارة.

لذلك فان محاولة الإصلاح بين الزوجين المختلفين والحياة في جو اسرة يسودها التفاهم والحب وكذلك الحد من الطلاق، كلها من المور الضرورية التي تجعل الطفل يتشأ سليما ، لأن الصغار شديدو الحساسية ويتأثرون تأثرا بالغا بكل ما يجري حولهم داخل نطاق الأسرة، وبهذا نجد الحب والحنان ضروريين للأطفال ولا يقلان ضرورة عن الطعام والشراب، وتتصور بعض الأسر أن القسوة هي التربية الصحيحة فتشتد الأوامر والنواهي وتزيد من عقاب الطفل ولكن كل هذا يورث الصغار الجبن وسبب لهم من العاهات النفسية الكثير مما يصعب علاجه مستقبلا، كما أن تهديد الأطفال واخافتهم ينتج عنه عواقب وخيمة، اذ يصبحون عرضة لاهتزازات نفسية تصاحبهم بقية العمر.

ولا يفوتني أن أذكر أن مهمة الأسرة ليست انجاب الأطفال واطعامهم فحسب بل تقديم مشاعر الحب ، وبهذه المشاعر وحدها تستطيع الأسرة أن تواجه بواسطتها كل المتاعب والعقبات.

وفي هذا المجال أذكر قصة عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين دخل عليه أحد الولاة فوجده يلاعب الصغار ودهش الرجل ولم يكتم دهشته وقال كيف وهو أمير المؤمنين يضيع وقته في مثل هذا ؟

وسأله سيدنا عمر بن الخطاب: ماذا تفعل أنت مع أطفالك حين تعود الى بيتك؟
أجاب الرجل: الكل يصمت ويهدأ هيبة واحتراما لي.
فعزله عمر قائلا : اذا كان يفعل هكذا مع أبنائه فكيف هو مع الآخرين؟

وأذكر ان الأسرة مطالبة فوق هذا بمتابعة امتحانات أبنائهم وتحصيلهم الدراسي والاستفسار من الأساتذة عن حال الأبناء في دراستهم ويجب أن ندرب الطفل على الاعتماد على النفس وبعده عن الدروس الخصوصية لأننا نريد ان يجتاز التلميذ امتحانه المدرسي فحسب بل اننا نريد أن نربيه على قيم وأولى هذه القيم تحمل المسؤولية.

بقي سؤال وهو : هل بذلت المرأة بعض الجهد من أجل تربية الطفل وفق أصول التربية الحديثة، فقد يكون الطفل في المستقبل بطلا أو زعيما يقود امته الى ما فيه الخير، ويجب ألا تعتمد المرأة في تربية طفلها على ما تلقته من بيت أسرتها او في سنين دراستها التي تطول او تقصر ولكن يبجب ان تعمل على تثقيف نفسها حتى تكون الأم دائرة معارف لأبنائها لكي ترد على اسئلتهم في ثقة بالنفس.

ولقد رسم القرآن الكريم لنا طريقا وأسلوبا في كيفية معاملة الأبناء وتربيتهم ومن الأمثلة الفاضلة بأصول تربية الأطفال ما تحدث عنه القرآن الكريم عن لقمان وهو يربي ابنه ويقول ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) لَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18() ( سورة لقمان)

وأوصى القرآن الكريم الآباء برعاية أولادهم وتربيتهم بأسلوب نموذجي سليم مقرون بتقوى الله عز وجل ، قال تعالي ( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ((9) ( سورة النساء) .
وهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عندما تشفع أحد الصحابة بحد من حدود الله ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَد، وَأيْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا(


ان الأمة الإسلامية بحاجة الى شباب يتنافسون لإدراك النصر وانتزاعه والوقوف مع الحق والعدل ، التي حث عليها ديننا الإسلامي الحنيف.

الآيات القرآنية الكريمة من موقع
http://quran.ksu.edu.sa

مصدر الصورة
pixabay.com

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

طرق التربية بين الماضي والحاضر

لطالما كانت التربية أحد الأسس الرئيسية لتشكيل شخصية الإنسان وتطوير المجتمع. ومع تغير الزمن، شهدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *