تأثيرات التغير المناخي على المنطقة العربية

تصنف الدول العربية على إنها دول نامية وبعضها تصنف ضمن دول العالم الفقيرة. تقع هذه الدول في مناطق جغرافية يسودها مناخ المناطق الجافة وشبه الجافة. تساهم الدول العربية بنسبة 4.2 % من مجموع إنبعاثات غازات الدفيئة عالمياً, تساهم المملكة العربية السعودية بأعلى نسبة بين الدول العربية تليها كلاً من مصر والجزائر. رغم المساهمة القليلة للدول العربية في الأنبعاثات الغازية العالمية إلا ان المنطقة العربية هي من أكثر المناطق تأثراً بالتغير المناخي الذي يسود العالمً. ارتفعت درجة حرارة الهواء في هذه المنطقة من 0.2-2 درجة مئوية خلال الفترة مابين 1970-2004 م.

يؤدي التغير المناخي إلى إرتفاع في درجة الحرارة مما يجعل فصول الشتاء أقصر وفصول الصيف أسخن وأجف وأطول, زيادة ملحوظة في نسب التبخر والنتح النباتي. تمر المنطقة العربية حالياً بموجات من الكوارث الطبيعية أهمها الجفاف, التصحر, الأعاصير, الفيضانات المفاجئة. تتوفر في المنطقة العربية مصادر مياه محدودة غالبيتها مياه سطحية تنبع من خارج هذه الدول ( النيل, دجلة, الفرات). تمتلك كلاً من العراق والسودان ومصر أكبر موارد مائية عربياً مقدارها على التوالي 58.65.75  بليون متر مكعب سنويا ً.

بينما تعتبر الكويت من أفقر دول العالم مائياً حيث تبلغ مجموع مواردها المائية 0.02 بليون متر مكعب سنوياً. تتفاوت المعدلات السنوية للتساقطات بين بلدان المنطقة حيث تكون أعلاها في لبنان 600 مليمتراً سنوياً وأقلها في الكويت 121 مليمتراً سنويا.

تقدر المساحة الإجمالية للوطن العربي بحوالي 1402 مليون هكتار (أي ما يعادل حوالي 14 مليون كيلومتر مربع)، وهي تمثل حوالي 10.2% من مساحة العالم. كما لا تتجاوز مساحة الأراضي القابلة للزراعة منها سوى 197 مليون هكتار وهو ما يعادل نسبة 14.1% من المساحة الكلية للوطن العربي. وتشير الإحصائيات إلى أن المساحة الزراعية الكلية في المنطقة العربية وصلت عام 2000 حوالي 70 مليون هكتار فقط, ويعني ذلك أن حوالي ثلثي الرقعة الأرضية القابلة للزراعة في الوطن العربي لا يزالان غير مستغلين، كما يعكس ذلك الطاقات الكامنة العربية للتوسع الأفقي في الأراضي المزروعة عندما تتوافر شروط ومقومات يفتقر إليها حالياً الواقع الزراعي العربي] (الكحل, 2004). رغم إرتفاع نسبة مساحة الوطن العربي ضمن المساحة الكلية للعالم الا ان موارده المائية لا تمثل سوى 0.5% من الموارد المائية العذبة المتجددة عالمياً. إن حصة الفرد من المياه العذبة في المنطقة العربية سنوياً تعادل حوالي 1000 مترمكعب مقابل حوالي 7000 متر مكعب للفرد كمتوسط عالمي.

توزيع مصادر المياه السطحية في الوطن العربي (التقرير الإقتصادي العربي الموحد,  2001).

               المنطقة النسبة المئوية للمياه السطحية
مصر والسودان و الصومال و جيبوتي                38.5
العراق وسوريا و الاردن و لبنان وفلسطين                37.0
دول المغرب العربي                19.7
اليمن ودول الخليج العربي                4.8

 

تعتبر شبه الجزيرة العربية من أفقر المناطق عالمياً بالمياه وهي تعتمد حالياً بشكل كبير على إستهلاك المياه الجوفية وعلى تحلية مياه البحر في الحصول على إحتياجاتها من المياه لمختلف الأغراض. تستنزف الكثير من دول منطقة الخليج العربي وبشكل خاص كل من المملكة العربية السعودية والكويت إحتياطياتها من المياه الجوفية مما يؤدي بالمستقبل القريب إلى حصول ازمة شديدة في المياه العذبة في هذه المنطقة. في ظل الأوضاع المائية الصعبة التي تعيشها المنطقة العربية بسبب زيادة كميات إستهلاك المياه نتيجة لتزايد عدد السكان, عدم الترشيد في الإستهلاك منزلياً وزراعياً, ورود نسبة كبيرة من المياه العذبة للدول العربية من خارج أراضيها, زيادة نسبة التبخر في المياه السطحية بسبب إرتفاع درجات الحرارة يتوقع أن تصل حصة الفرد العربي من المياه العذبة في حدود عام 2025م حوالي 460 متر مكعب من المياه سنويا ً.

إن التغير المناخي و الإحترار العالمي والنمو السكاني والحضري وشحة المياه وتدهور الأراضي الزراعية والتصحر والقدرات غير الوافية في إدارة النفايات وتدهور البيئة الساحلية والبحرية وتلوث الهواء هي من أهم التحديات البيئية ألتي تواجه البلدان العربية.

تواجه الكثير من بلدان المنطقة شحة واضحة في الموارد المائية بسبب محدودية مواردها المائية المتجددة والتوسع السكاني وإنعدام التخطيط السكاني المبرمج. يلعب التغير المناخي وأرتفاع درجة الحرارة في المنطقة دوراً اساسياً في إنخفاض إحتياطيات هذه الدول من المياه وزيادة ملوحتها. تتاثر نوعية المياه في المنطقة العربية بالتلوث البيئي والإستخدام المفرط للمياه العذبة في الزراعة وتردي نوعية المياه وزيادة نسبة الملوحة فيها. مرت الكثير من الدول العربية في العقود الأخيرة بموجات من الجفاف كانت نتيجتها زيادة التصحر وزحف الرمال إلى المناطق الزراعية والمدن. يرافق الجفاف والتصحر في بعض المناطق تزايد حالات التساقط المتطرف للأمطار في مناطق أخرى مما يؤدي إلى حدوث فيضانات شديدة كما حصل في سلطنة عمان أثناء إجتياح إعصار غونو لأراضيها في حزيران 2007. تعتمد شدة موجات الجفاف على طول فترة إنعدام تساقط الأمطار وإخفاظ معدلات تساقط الامطار في المواسم التي يفترض ان ينزل المطر فيها وتؤدي إلى خسائر إقتصادية كبيرة في المناطق الزراعية التي تروى بواسطة مياه الأمطار. تضررت الأراضي الزراعية في المنطقة العربية نتيجة إنخفاظ كمية الأمطار الناتج عن التغيرات المناخية التي تمر بها المنطقة.

 

 

الأراضي الزراعية في الوطن العربي بالألف هكتار (المنظمة العربية للتنمية الزراعية, 2000)

المعطيات 1991 1995 1998 1999 2000
أولا-المساحة الزراعية

الكلية

58942 67301 66882 67131 70023
الاراضي المستديمة 5632 6492 6737 6961 7082
ألأراضي الموسمية 53310 60809 60145 60170 62941
الزراعة المطرية 35037 35265 33009 10330 11063
الزراعة المروية 8998 10280 10663 10330 10063
الأراضي البور 9275 15264 15082 16831 18623
ثانياً -الغابات 64960 90013 93256 92127 100499
ثالثاً–المراعي 32413 35853 33753 34611 35039

 

 

يلاحظ من خلال الجدول أعلاه ان مساحة الأراضي المروية بمياه الأمطار قد تناقصت من 35.037 مليون هكتار عام 1991 إلى 10.036 مليون هكتار عام 2000 وهذا يعود بالتاكيد لتناقص معدلات الأمطار في المنطقة العربية الأمر الذي يعكس وبوضوح التاثيرات السلبية لظاهرة التغير المناخي على المنطقة العربية.

يمكن تلخيص أهم أسباب أزمة المياه في المنطقة العربية بالتالي:

زيادة النمو السكاني في المنطقة وما يصاحبه من زيادة في إستهلاك السكان للمياه وبشكل خاص في مجال الأنتاج الزراعي والحيواني.

زيادة نسب التلوث المائي والملوحة في المياه العذبة يجعلها غير صالحة للاستخدام البشري والزراعي مما يفلل من كمية المياه العذبة المتاحة للسكان.

تخلف وقدم نظم الري يجعلها تستهلك كميات كبيرة من المياه العذبة مما يقلل إحتياطيات المنطقة برمتها من المياه العذبة.

 

مرت المغرب خلال ألعقدين الأخيرين بعشر سنوات من الجفاف شملت ثلاث سنوات جفاف متتالية هي   1999- 2001.

تعد جميع الدول العربية مهددة بيئياً نتيجة التغير المناخي وأرتفاع معدلات درجات الحرارة فيها. تعاني دول الخليج العربي ودول شمال أفريقيا بشكل خاص من تفشي هذه الظاهرة ومن أخطارها على خطط التنمية المستدامة في هذه البلدان. سجلت درجات الحرارة إرتفاعاً ملحوظاً في الكويت في نهايات القرن الماضي بلغت أعلى درجة حرارة سجلتها دائرة الأرصاد الكويتية عام 1998 في الكويت 51.3 درجة مئوية. بينما بلغت أعلى درجة حرارة مسجلة بالكويت في القرن الحالي 53 درجة مئوية سجلت في منطقة مطربة شمال غرب مدينة الكويت عام 2008. أثرت قلة كميات الأمطار في المنطقة الرعوية في الصحراء الغربية العراقية وشمال شرق سوريا والأردن على دولة الكويت وتسببت في زيادة شدة العواصف الرملية التي تعاني منها الكويت والمناطق المحيطة بها.

تعتمد سوريا بشكل كبير على زراعة الحبوب في منطقة الجزيرة شمال شرق وكانت سوريا تعتبر من الدول المصدرة للحبوب عالمياً. مرت سوريا خلال السنوات الأخيرة بموجات جفاف إظطرتها لأستيراد القمح لاول مرة عام 2008 بسبب مرورها بعامين متتاليين من الجفاف.

تاتي السودان بالمرتبة الثانية عربياً بتوفر الموارد المائية لكنها تواجه نقصاً حاداً في كميات المياه العذبة في بعض المناطق الأمر الذي إنعكس سلباً على التنمية الإقتصادية والتعايش السلمي بين الأقوام والأثنيات التي تستوطن تلك المناطق. أدى تناقص معدلات تساقط الأمطار إلى إنتقال الحدود بين المنطقة شبه الصحراوية والصحراوية بحوالي 50-200  كيلو متر جنوباً مما يهدد هذه المناطق بزيادة معدلات التصحر. مر السودان بعدة موجات من الجفاف في العقود الأخيرة أضرت بالأمن الغذائي وأدت إلى نزوحات بشرية وكانت سبباً في نشوب نزاعات داخلية أهمها النزاع الدائر في منطقة دارفور في جنوب السودان.


هناك ارتباط وثيق بين تدهور الأراضي والتصحر والنزاع القائم في إقليم دارفور. أدى التدهور البيئي والنمو السكاني المتضاعف والتنافس على الأراضي الصالحة للزراعة والرعي الذي يمر به إقليم دارفور إلى انهيارا اجتماعيا ساعد على نشوب حروب أهلية وحروب تطهير عرقي في إقليم دارفور كانت نتيجتها موت الألاف من المواطنين الأبرياء ورحيل وهجرة الملايين من السكان من دارفور إلى مناطق أخرى. ليس من المصادفة أن يتزامن الصراع الدائر في دارفور حالياً مع الفترة التي ساد بها الجفاف وقلة الأمطار والتصحر في دارفور.

منذ ثمانينات القرن الماضي تناقصت كميات الأمطار في جنوب السودان الأمر الذي قاد إلى نزاعات بين المجاميع السكانية على الأراضي الصالحة للزراعة والرعي. أدت هذه الصراعات والحروب الأهلية في جنوب السودان إلى مقتل 200 ألف مواطن سوداني وهجرة مليونين مواطن عن مناطقهم.

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

مبادرة الحزام الأزرق لحماية التنوع البيولوجي للمحيطات

محمد التفراوتي من الجميل أن تلتف القارة الافريقية بحزام الاستدامة وحماية التنوع البيولوجي البحري، والاجود …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *