الحروب البيولوجية من تلويث المياه الى اسلحة الجينات

ربما كان الخوف الأعظم المتعلق بالتكنولوجيا الحيوية، ناجما عن اساءة استخدامها بشكل متعمد، وخاصة في الحروب، ولسوء الحظ، فان للحرب البيولوجية تاريخا طويلا مشوها، وعندما يكون بقاء الأمم على المحك، فانها تلجا غالبا الى اكثر الأسلحة الواقعة تحت تصرفها فتكا، بما في ذلك الاسلحة البيولوجية، لقد وجد احد اقدم السجلات عن استخدام الحرب البيولوجية يعود الى عام 200 قبل الميلاد، عندما اقدم سولون من اثينا على تلويث امدادات المياه الى مدينة (كيراه) بنبات الخربق السام.

وخلال القرن الرابع عشر، رمى التتار اجساد ضحايا الوباء من فوق جدران بلدة كافا فى منطقة اقرم، من اجل احداث وباء فيها، وفي القرن الثامن عشر اعطى جنود بريطانيون وعملاء لحكومة الولايات المتحدة اغطية موبوءة بالجدرى للسكان المحليين في اميركا، مما سارع في القضاء عليهم وابادتهم ، وخلال الحرب العالمية الاولى استخدم حوالي 100 الف طن من الغازات السامة (الكلور والفوسجين وغاز الخردل) لقتل 100 الف جندي والحاق اضرار بنحو 1.3 مليون اخرين.

وخلال الحرب العالمية الثانية قتل النازيون، بافران الغاز، ملايين اليهود والروس والغجر والعناصر الاخرى غير المرغوب فيها، واجرى اليابانيون تجارب حربيه جرثومية مخيفة على اسرى الحرب ( وحتى بريطانيا والولايات المتحدة، كان لديهما خطط لم توضع موضع التنفيذ لاستخدام مرض الجمرة كسلاح مخزن ضمن
قنابل بوزن 200 كغ ، او القائه لاصابة قطعان حيوانات العدو بعدوى هذا المرض .

وفي اذار عام 1995، اطلق بوذي من مذهب متطرف في اليابان غاز الاعصاب (السارين) في شبكة الانفاق في طوكيو، قاتلا بذلك 12 شخصا وملحقا الاضرار بنحو 5500 شخص آخرين، والشيء الوحيد الذي منع موت عشرات الالاف، هو ان المزيج لم يكن نقيا (مثل مركبات الاعصاب الاخرى، فان غاز السارين الذي
طوره الألمان في الثلاثينات يبطل مفعول مادة استيل كولين الكيميائية الضرورية لنقل السيالات العصبية).

وهناك دليل على ان هذه الطائفة حاولت الحصول على عينات من فيروس ايبولا ايضا وربما ينجم الخوف الاعظم عن اطلاق عرضي لفيروس لا يمكن علاجه من احد مراكز الحرب البيولوجية (مثل قلعة ديتريك خارج واشنطن)، مما يهدد وجود الجنس البشري ذاته.

ويمكن لفيروس متحول من فيروس الايدز او الايبولا، الذي ينتقل عن طريق الهواء، ان يعدي معظم سكان الكرة الارضية خلال اسابيع او اشهر.

ولقد عبر كارل جونسون عن المخاوف الكبيرة لدى بعض العلماء عندما قال: ( انني قلق بشأن هذا البحث عن الجراثيم الفتاكة، انها مسالة اشهر او سنوات على الاكثر، قبل ان يكتشف الناس الجينات المسؤولة عن تفشي الانفلونزا والايبولا واللاسا وغير ذلك، واسلوب انتقالها عبر الهواء، وبعد ذلك فان أي مهووس يمتلك اجهزة ببضعة الاف من الدولارات، وبتعليم ثانوي في البيولوجيا، يمكنه ان يصنع حشرات تجعل الايبولا تتفشى دون عائق وبسهولة تامة).

ان مثل هذا السيناريو المتشائم لا يمكن تجاهله ابدا، ولقد لاحظ هيندرسون، الذى ساعد في قيادة الحملة ضد الجدري ( اين سنكون اليوم اذا اصبح فيروس الايدز طفيليا مطلقا في الهواء؟ وماذا لدينا للقول ان وباء مماثلا قد لا يقوم بذلك في المستقبل؟).

وقد تستخدم دولة في حالة الحرب ايضا التكنولوجيا الحيوية لنشر مرض من اجل الفتك بمحاصيل العدو، واحداث مجاعة. يقول ا . ن. موخا بادى، عميد كلية الزراعة لجامعة بونت في الهند ( يمكن فعل ذلك بسهولة، ان هذا ليس خيالا علميا) وتعلق باربرا روزنبرج ، من اتحاد العلماء الاميركيين على ذلك بقولها ( ليست الاجهزة اللازمة لتطوير السلاح البيولوجي اجهزة متقدمة تكنولوجيا، بحيث يمكن صنعُها محليا من قبل اي دولة عازمة على تطوير قدرة السلاح البيولوجي لديها، ولا توجد دولة منيعة ضد هذه المخاطر ).

وفي الاجتماع السنوي للجمعية الاميركية للطب والصحة الاستوائية الذي عقد في هونولولو عام 1989 عرض العلماء سيتاريوهات حربية غير عادية وافتراضية، تشتمل على سلاح جرثومي، في احدها اندلعت حروب اهلية وفوضى جماعية في افريقيا الوسطى، وفجأة يظهر فيروس ايبولا، الذي يحمله الهواء من قذارة معسكر اللاجئين، وخلال أيام يبدأ في الانتشار خارج المعسكر، ليصل في النهاية الى المطارات، وينتشر نحو اوروبا والولايات المتحدة، وخلال عشرة ايام يصل الى العاصمة واشنطن ونيويورك وهونولولو وجنيف وفرانكفورت ومانيلا وبانكوك، وخلال شهر ينطلق وباء عالمي يسبب ذعرا في العالم بأسره.

يقول كارل جونسون، في معرض تعليقه على هذا السيناريو الذي تقشعرله الأبدان قد تقول ان هذا امر مضحك ويدخل من ضمن الخيال العلمي وافلام الاثارة والخيال، لكننى لا اعتقد ان بإمكاننا اهمال هذا الاحتمال لقد كان وما يزال امرا ممكنا).

وربما كان احد اكثر اشكال الاسلحة الجرثومية رعبا، ما يدعى (الاسلحة العرقية) اي الجراثيم المحولة جينيا، والتي لا تهاجم الا جماعات عرقية او اجناسا محددة. لقد كانت اول اشارة علنية للأسلحة العرقية في عام 1970 في مجلة ميليتري ريفيو، التي لاحظت ان بعض الاسيويين لا يستطيعون هضم الحليب، ولقد استخدم المقال هذا المثال ليوضح ان بعض أجناس البشر مهددون ببعض المواد الكيميائية.

وتظهر وثائق، رفع حظر نشرها اخيرا، ان سلاح البحرية الاميركيه اجرى عام1951 اختبارات عالية السرية، ليحدد مدى مناعته لهجوم يؤثر بشكل انتقامي في عمال الدفاع الاميركيين من اصل افريقي باستخدام ( كوكسيديوديس ايميتس)، والذي يسبب حمى وادي سان جوكوين، والذي يقتل من الاميركيين من اصل افريقي 10 امثال ما يقتله من الاميركيين من اصل قوقازي.

ويلاحظ تشارلز بيلر مؤلف كتاي ( حروب الجينات ) ان حمى وادي سان جوكوين، وهي مرض فطري، طورت في الولايات المتحدة كسلاح بيولوجي محتمل في الاربعينيات، ولقد درس المخططون العسكريون مرة تحويل هذا الكائن الحي، بحيث يهاجم مجموعة عرقية واحدة محددة.

المرجع

كتاب رؤي مستقبيلة .. كيف سيغير العلم حياتنا ، ميتشيو كاكو ، ترجمة الدكتور سعد الدين خرفان ، سليلة عالم المعرفة ، 270 ، الكويت.

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

دراسة تكشف أن قرد الشمبانزي يعي الموت والحياة

بينت دراسة علمية أجراها علماء في اسكتلندا أن قرد الشمبانزي يتعامل مع الموت بنفس الطريقة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *