البيئة وتأثيرها على الأمن الدولي

تكتسب المتغيرات أهميتها في نظام أولويات الحياة التي نعيشها بقدر ارتباطها بهذه الحياة، فكيف اذا كان هذا المتغير هو المحيط الذي تنشط في إطاره الحياة لبني البشر وبقية الكائنات الحية، في إطار تكاملي متناسق ذا طبيعة اعتمادية خلقه الله عز وجل بقدر معلوم، ذلك المحيط هو البيئة، فبدون البيئة التي تنطوي على عناصر البقاء لا يمكن للحياة أن تستمر، من هنا تنبع أهمية دراسة البيئة وأثرها على الأمن الدولي، فالإنسان مثلما يحتاج الى عناصر البقاء يحتاج الى الشعور بالأمن لكي تستمر حياته، ومن هنا تنبع إشكالية البحث التي تدور حول التساؤل الآتي:هل يوجد أثر لمشكلات البيئة على الأمن الدولي؟

إن الذي يميز الأمن الدولي هو كونه يتحقق في إطار جماعي دولي، كذلك البيئة التي تشكل هذا الإطار لا يمكن المحافظة عليها الا في إطار جماعي يشمل كافة الأطراف التي تعيش في داخل هذا الإطار، وبدون هذا الجهد الجماعي لا يمكن ان يتحقق الأمن البيئي الذي يوفر الإطار المناسب المشجع لتحقيق الأمن الدولي، او أعلى درجة ممكنة من الأمن الدولي. فتحقيق الأمن الدولي بصورته المطلقة حالة مثالية يصعب تحقيقها في إطار عالمي يمتاز بتضارب الأولويات وتقاطع المصالح .

مفهوم الأمن البيئي

الأمن البيئي مفهوم جديد- بحسب فايق الشجيري- استحدث في فترة التسعينات من قبل دول الشمال المتقدم مثل الولايات المتحدة، والدول الاسكندنافية، في حين ان العديد من دول الجنوب لم تضع بعد مفهوماً محدداً للأمن البيئي، حيث تحاول دولهم حاليا، استحداث مفهوم الأمن البيئي. فالصين مثلا تعتمد الأمن البيئي تحت مظلة حماية البيئة.كذلك الحال مع المنظمات الدولية والهيئات التابعة للأمم المتحدة، حيث لم تتبنّ بعد مفهوماً محدداً للأمن البيئي، حتى عام 1994، حيث أشار البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، إشارة مختصرة، في التقرير السنوي حول التطور الإنساني ،مفادها ان مشاكل البيئة التي تواجهها الأقطار هي مزيج من التدهور المحلي والعالمي.. وأكد على انه من الصعب المحافظة على الأمن الدولي دون تحقيق الأمن البيئي.

لذلك نجد ان جهود المنظمات الدولية والدول ركزت على وضع تعريف محدد لمفهوم الأمن البيئي،وقد وضعت عدة تعريفات، أهمها هو الذي عرف الأمن البيئي بانه ( متعلق بالأمان العام للناس من الأخطار الناتجة عن عمليات طبيعية او عمليات يقوم بها الإنسان نتيجة إهمال او حوادث او سوء إدارة).

غير ان الملاحظ على هذا التعريف انه يهمل حماية البيئة فيما يتعلق بالأجيال القادمة ومستقبل البشرية، وهو يوضح ان أي متغير يؤثر على السلامة العامة سوف يكون عنصرا من بيئي، فهو مهتم بأمن البيئة من ناحية الناس وليس بأمن البيئة للبيئة نفسها.

ان قصور هذا التعريف دفع الى ظهور تعاريف أخرى، عرفت الأمن البيئي ( بـإعادة تأهيل البيئة التي تدمر في الحرب، ومعالجة المخاطر البايولوجيه التي يمكن ان تقود الى تدهور اجتماعي). وهو تعريف جيد، يغطي جانباً مهماً من الأمن البيئي، الذي يعرفه البعض بـ (تدوير الموارد الطبيعية الى منتجات ثم فضلات ثم الى موارد طبيعية)، في حين يرى البعض في الأمن البيئي (المحافظة على المحيط الفيزيائي للمجتمع وتلبية احتياجاته من دون التأثير على المخزون الطبيعي.

أثر البيئة على الأمن الدولي

اتضح ان القضايا البيئية والتنموية التي تواجه العالم هي اعقد بكثير مما كان يعتقد، وان المشكلات البيئية التي كانت تبدو مشكلات يمكن التعامل معها على الصعيد الوطني تحولت فجأة الى أزمات شائكة وتتطلب حلولا عالمية عاجلة وشاملة. وبينت كثرة المؤتمرات الدولية التي عقدت حول البيئة أهمية البيئة في حفظ الأمن والسلم الدوليين.

فعلى الصعيد الدولي هناك حوالي (300) اتفاقية وبروتوكول متعدد الأطراف. وعلى الرغم من توقيع هذه الاتفاقيات من قبل العديد من الدول، غير انها لم تتحول بمجملها الى قوانين وطنية فاعلة . غير ان الذي يلاحظ على هذه المؤتمرات والاتفاقيات الدولية أنها حولت قضايا البيئة المعاصرة الى ميدان جديد للصراع بين الشمال والجنوب، اثر بشكل سلبي على الأمن والاستقرار الدوليين.

فالجنوب يتهم الشمال انه هو المسؤول عن التدهور البيئي العالمي، ويطالبه بتحمل المسؤولية، ووضع ضوابط لاستهلاكه المفرط للطاقة واستنزاف الموارد الطبيعية. في مقابل ذلك، فان الشمال يطالب الجنوب بالحد من التكاثر السكاني الذي يزيد من الضغط على موارد الحياة.

أي أن الخلاف بين الشمال والجنوب حول مشاكل البيئة اخذ بالتركز على استنزاف الموارد، النمو السكاني والفقر، والحروب. حيث أضحت هذه القضايا نقاط توتر بين الشمال والجنوب وبين الشمال- الشمال. أضحت تهدد الأمن والسلم الدوليين.

الحروب على الموارد

إن الخطر الأشد فتكا الذي يواجه البيئة ويؤثر في جوانب معينة من قضايا السلام والأمن الدوليين تأثيرا مباشرا- برأي الشجيري- هو احتمال نشوب حرب نووية او نزاع عسكري، فالإجهاد البيئي،هو سبب ونتيجة على حد سواء للتوتر السياسي والنزاع العسكري. وغالبا ما تصارعت الأمم لفرض او مقاومة السيطرة على المواد الأولية، وإمدادات الطاقة، والأرض، وأحواض الأنهار، وغيرها من المواد البيئية الأساسية.

ومن المرجح ان تتفاقم هذه الحروب مع ازدياد شحة الموارد واشتداد التنافس عليها. فللحروب تقريبا استراتيجية أساسية واحدة: تدمير نظم دعم الحياة لهزيمة الجيوش والشعوب، الأمر الذي يفرز نوعين من التدمير، يعتبر إصلاحهما اشد صعوبة: الضرر الذي يلحق بالبيئة الطبيعية، والضرر الذي يلحق بالنسيج الاجتماعي للسكان المتضررين.


في إطار العالم الذي نعيشه، والذي امتاز بسرعة الحركة، وتواتر التغيير، تعرضت البيئة الطبيعية لضغط بشري هائل، افرز عدة آثار سلبية نتيجة لللامبالاة والسعي الى جعل الحياة اكثر راحة وسهولة عبر توظيف التطور التقني في مجالات الحياة كافة،بشكل أضحى يهدد السلسلة الطبيعية لدورة الحياة التي نعيشها، من خلال استنزافه للموارد، وإفرازه للغازات والأبخرة والنفايات السامة، وتركها دون معالجة، الى ان تراكمت لدرجة تنذر بالخطر، مما دفع بالأمم المتحدة والمنظمات الدولية لعقد مؤتمرات لم تحقق النتائج المتوخاة بسبب تنصل اغلب الدول عن التزاماتها، واتجه القسم الآخر، مثل الولايات المتحدة، الى رفض العديد من مقرارات هذه المؤتمرات التي خلقت فجوة جديدة بين الشمال والجنوب، حيث اثقل الشمال كاهل الجنوب بالتزامات بيئية مماثلة للتي فرضت على الشمال، في حين ان الجنوب لا يمتلك القدرات المادية لمجابهة التحديات التي يفرزها تلوث البيئة، ولم يسهم بنفس الدرجة التي ساهم بها الشمال في تلويث البيئة،التي أضحت تعاني من انحسار الموارد الطبيعية، مما ولد سباقا بين دول الشمال ودول الجنوب للسيطرة على الموارد والطاقة، اثر بشكل سلبي على السلم والأمن الدوليين وحمل بين جنباته احتمالية نشوب حروب موارد.

أ.د. كاظم المقدادي

مصدر الصورة
pixabay.com

عن الدكتور كاظم المقدادي

أكاديمي وباحث وكاتب بشؤون الصحة والبيئة

شاهد أيضاً

مبادرة الحزام الأزرق لحماية التنوع البيولوجي للمحيطات

محمد التفراوتي من الجميل أن تلتف القارة الافريقية بحزام الاستدامة وحماية التنوع البيولوجي البحري، والاجود …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *