أينما سار الإنسان في السهول الواسعة فإن الأرض تبدو له منبسطة تماما ، ولا يظهر له أي انحناء في سطحها . وسبب ذلك أن ما يراه الإنسان من مساحة الأرض وهو سائر عليها شيء صغير جدا بالنسبة لمساحتها . والحقيقة أنها غير منبسطة ، لأن المشاهدات والتجارب والصور المأخوذة للأرض من الفضاء الخارجي تثبت أن الأرض لیست مسطحة بل مستديرة اجمالا ، و تشبه الكرة تقريبا في شكلها العام .
إن شكل الأرض الحقيقي الدقيق ليس كرة هندسية ذات أبعاد متساوية عن مركزها ولكنها منبعجة عند خط الاستواء و مفلطحة عند القطبين.
وهناك براهين عديدة تثبت كروية الأرض منها :
(1) أن الإنسان يرى أعالي الأشياء البعيدة قبل أسافلها : فمثلا إذا وقف الإنسان في الميناء ليشاهد سفينة قادمة فأول ما يراه منها الدخان المتصاعد من مداخنها ثم الأعلام فوق سواريها ، ثم تظهر له الأجزاء السفلي من السفينة شيئا فشيئا حتى يراها كلها من أعلاها إلى أسفلها .
وكذلك يكون الحال مع ركاب السفينة القادمة إلى الميناء فإن أول ما يرونه منها الأجزاء العليا من المآذن والمنارات و سطوح المنازل ثم يرون الميناء كلها .
( 2 ) اتساع دائرة الأفق كلما ارتفع الإنسان عن سطح الأرض : فالأفق هو المكان الذي يظهر لنا فيه أن السماء تتلاقى مع الأرض ، فمثلا إذا وقف الإنسان في مكان متسع فإنه يرى الأفق حوله في دائرة محدودة ، ولكنه إذا ارتفع فوق سطح منزل عال فإن دائرة الأفق تتسع ، ويرى أشياء لم يكن يراها و هو على سطح الأرض . وكلما ارتفع الإنسان عن سطح الأرض اتسعت دائرة الأفق . فإذا ركب منطادا أو طائرة فإنه يشاهد ما لم يكن يراه وهو فوق سطح المنزل ، وهكذا كلما ازداد في ارتفاعه از داد ما يمكن أن يشاهده من الأشياء على سطح الأرض .
(۳) تجربة الاستاذ والاس Wallace : أجری العالم والاس في أحد سهول انجلترا ، تجربته التي عرفت باسمه ، فقد أحضر ثلاثة أعمدة متساوية الطول ، ونصبها في أرض مستوية بحيث كان الجزء الظاهر من كل منها مساويا للأخر ، وجعل المسافة بين كل عمود وأخر ثلاثة أميال ، ثم نظر بالمنظار المقرب فوجد أن العمود الأوسط يعلو عن العمودين الآخرين ، ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا إذا كانت الأرض منحنية الساطح ، وبإعادة التجربة في أي جهة أخرى مستوية من سطح الأرض تأتي النتائج واحدة في كل مرة، مما يؤكد انحناء سطح الأرض وعدم استوائه.
(4) رحلات ماجلان وغيره : إن جميع الأسفار التي قام بها الرحالون قديما وحديثا برا وبحرا أو جوا دلت على أنه كلما سافر الانسان من مكان وسار في اتجاه واحد لا يغيره فإنه يعود إلى المكان الذي بدأ منه سيره ، وذلك يدل على أنه كان يطوف حول جسم غير مسطح . وإليك موجزا لرحلة ماجلان الشهيرة كمثال لذلك :
عرض ملاح برتغالي المولد يدعى فردناند ماجلان على امبراطور اسبانيا شارل الخامس مشروعا يدعی فيه بإمكان الوصول إلى جزر البهار بالسير غربا من الأراضي المستكشفة حديثا ، ولقي مشروع ماجلان ترحيبا وزوده الامبراطور بخمس سفن ومائتي بحار ، وبدأ ماجلان رحلته عام 1519 م. وعبر المحيط الأطلسي ثم سار جنوبا بمحاذاة الساحل الشرقي لأمريكا الجنوبية حتى بلغ طرفها الجنوبي ووجد مضيقا أطلق عليه اسم ماجلان فيما بعد ، فعبره و نفذ إلى المحيط الهادي ، ووصلت الرحلة إلى مجموعة جزر سمیت الفيلبين نسبة إلى فيليب ابن ملك اسبانيا ، وقد مات ماجلان أثناء اشتباك وقع مع الأهالي في هذه الجزر ، فواصل بعض رفاقه الرحلة إلى اسبانيا عبر المحيط الهندي وطريق راس الرجاء الصالح ، وقد ترتب على هذه الرحلة آثار علمية مهمة ، فقد برهنت على كروية الأرض ، وحددت موقع قارة أمريكا وكشفت محيطا واسعا بين أمريكا وآسيا هو المحيط الهادي كما أظهرت أن حجم الكرة الأرضية أكبر بكثير مما يتصوره الناس وقتئذ .
(5) حدوث الليل والنهار وتعاقبهما : ومن البراهين المشاهدة للناس جميعا والدالة على كروية الأرض ، تعاقب الليل والنهار ، لأن الأرض لو كانت مسطحة لأشرقت الشمس على جميع أجزائها مرة واحدة ، وغربت عنها مرة واحدة .
(6) تصوير الكرة الأرضية من الفضاء الخارجي : في عصرنا الحاضر تطلق الصواريخ التي تحمل الأقمار الصناعية وسفن الفضاء التي تقوم برحلاتها في الفضاء الخارجي فتطوف حول الأرض أو حول القمر . وقد زودت هذه السفن بالات تصوير وأجهزة دقيقة لدراسة الأوضاع المختلفة .
في ديسمبر عام 1968 م أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية سفينة الفضاء أبولو (8) المأهولة بثلاثة من رواد الفضاء للدوران حول القمر وقد كانت رحلتهم مكللة بالنجاح فالتقطوا صورا عديدة للأرض و للقمر بآلاتهم الدقيقة وكانت أبولو (8) تبث صورة تلفزيونية مصحوبة بأصوات الرواد وقد شاهد العالم كله ذلك . وانتهت رحلتهم بسلام و عادوا إلى الأرض بعد أن نقلوا للعالم معلومات هامة يهمنا منها في هذا المقام أن مشاهداتهم للأرض – المعززة بالصور – من ارتفاع 175 ألف ميل أثبتت كروية الأرض .
مصدر الصورة
pixabay.com
ادلة وبراهين دامغة على كروية الارض