استخدام التكنولوجيا الحيوية لمعالجة تلوث الماء بالمشتقات النفطية

آفاق علمية وتربوية – يتسبب التلوث بالمشتقات النفطية في البحار والمحيطات، خطرا حقيقيا على الحياة البحرية، حيث يؤدي ذلك إلى دمار مساحات شاسعة من تلك المناطق التي أصابها التلوث النفطي، المقال التالي للأستاذة تهامة حربا والذي ننشره في موقع آفاق علمية وتربوية، يتناول أحد الطرق التي يمكن من خلالها إزالة تلوث المياه بالمشتقات النفطية.

ويمثل الغلاف المائي أكثر من 70% من مساحة الكرة الأرضية ويبلغ حجم هذا الغلاف حوالي 296 مليون ميلاً مكعباً من المياه التي تشكل مصدر من مصادر الحياة على سطح الأرض فينبغي صيانته والحفاظ عليه من أجل توازن النظام البيئي الذي يعتبر في حد ذاته سر استمرارية الحياة.

إن التلوث المائي من المنظور العلمي هو إحداث خلل في نوعية المياه ونظامها البيئي بحيث تصبح المياه غير صالحة لاستخداماتها الأساسية وغير قادرة على احتواء المركبات والكائنات الحية والفضلات المختلفة في نظامها البيئي, وبالتالي يبدأ خلل في توازن هذا النظام حتى يصل إلى الحد الحرج الذي تبدأ معه الآثار الضارة بالظهور على البيئة.

أصبح تلوث الماء مشكلة كثيرة الحدوث في العالم نتيجة للنشاط البشري المتزايد وحاجة التنمية الاقتصادية المتزايدة للمواد الخام الأساسية والتي تتم عادة نقلها عبر الوسط المائي كما أن معظم الصناعات القائمة في الوقت الحاضر تطل على سواحل بحار أو محيطات أو أنهار رافدة.

يعتبر النفط الملوث الأساسي للبيئة البحرية نتيجة لعمليات التنقيب واستخراج النفط والغاز الطبيعي أو مصبات تعبئة أو نقل هذه المنتجات في المناطق البحرية أو المحاذية لها، كما أن حوادث ناقلات النفط العملاقة قد تؤدي إلى تلوث المسطحات المائية بالإضافة إلى ما يسمى بمياه التوازن والتي تقوم ناقلات النفط بضخ مياه البحر في صهاريجها لكي تقوم هذه المياه بعملية توازن الناقلة حتى تأتي إلى مصدر شحن النفط فتقوم بتفريغ هذه المياه الملوثة في البحر مما يؤدي إلى تلوثها بمواد هيدروكربونية أو كيميائية ويكون لهذا النوع من التلوث آثار بيئية ضارة وقاتلة لمكونات النظام البيئي حيث تقضي على الكائنات النباتية والحيوانية وتؤثر بشكل واضح على السلسلة الغذائية كما أن هذه الملوثات خصوصاً العضوية منها تعمل على استهلاك جزء كبير من الأكسجين الذائب في الماء كما أن البقع الزيتية الطافية على سطح الماء تعيق دخول الأكسجين وأشعة الشمس والتي تعتبر ضرورية للعمليات الحية التي تقوم بها الكائنات الحية, ونظراً لانتشار ظاهرة التلوث وتنوع طبيعتها ومصادرها وأسبابها من مكان إلى آخر فقد أطلق العلماء على هذا العصر اسم عصر التلوث البيئي.

يعتبر التلوث بالنفط أشد أنواع التلوث خطورة على البيئة البحرية، لأنه يتعدى البيئة البحرية ليصل إلى الهواء واليابسة، حيث أن البخار يتصاعد نتيجة أشعة الشمس، وتتساقط الأبخرة بصورة مطر إلى الأرض.
إن تلوث الماء بالمركبات النفطية يؤثر على الخواص الهيدرولوجية للماء من جهة، وعلى الخواص الحيوية من جهة أخرى(يؤدي ذلك إلى خلل في مياه البحر والعلاقات البيئية فيه، وبالتالي يؤدي في المستقبل إلى تخريب الإنتاجية الحيوية للمحيط العالمي، حيث تتراكم المركبات النفطية على امتداد السلسلة الغذائية من حيث تجمعها في بعض أنسجة الكثير من الكائنات البحرية المختلفة ووصولها للإنسان المستهلك النهائي).

مصادر التلوث بالمشتقات النفطية:

تعتبر الهيدروكربونات المكون الأساسي في تكوين النفط و مصادر التلوث البحري بالهيدروكربونات عديدة و من أهمها :
أولاً. النشاط البشري: يشمل على:
تسرب البترول: تتسرب كميات لاحصر لها من البترول عبر ناقلات النفط وخطوط أنابيب نقل البترول كل عام.
حرق النفايات النفطية في البحر أثناء عملية التحميل عند مصبات النفط.
3-انسكاب الوقود من السفن أثناء الابحار و تحميل البضائع دون اتخاذ تدابير كافية للرقابة.
4- احتمالات انفجار آبار النفط والذي لايمكن السيطرة عليه إلا بعد تسرب كميات هائلة من النفط.
5- عمليات التنظيف الدوري لناقلات النفط وإزالة الترسبات فيها حيث تتم هذه العملية على البحر مباشرة وترمى النفايات فيه.
6- تسرب النفط من موانئ تحميل وتفريغ النفط الخام وكذلك ورشات تصليح السفن في الموانئ.
7- المواد النفطية والدهنية المقذوفة مع المياه الصناعية من وحدات تكرير النفط والمؤسسات الصناعية المختلفة, كما و يمكن أن تصل مشتقات النفط إلى البحار من خلال وقود السيارات، ومداخل ومصافي النفط ومحطات الوقود, حيث تنتقل عبر الهواء ومياه الصرف الصحي المختلط (منزلي و صناعي) إلى المياه البحرية.

طرائق معالجة التلوث بالنفط

تتعدد طرق معالجة البيئة المائية بالنفط (طرق ميكانيكية, طرق كيميائية, طرق حيوية) وتعتبر طرق المعالجة الحيوية أقل الطرق ضرراً على البيئة المائية وأقل كلفة إقتصادية.

1. الطرق الميكانيكية: وتتضمن:
ً1-الحواجز العائمة: تعتمد على استخدام أجهزة خاصة مثل (جرافات, كانسات لحصر بقع الزيت العائمة ومنع انتشارها) وهذه التقنية تستغرق وقت طويل تتعرض من خلالها البقعة النفطية لعوامل عديدة /تيارات بحرية, أمواج, رياح, وعوامل مناخية,……./ حيث تتشتت وتتحطم بفعل الضوء مما يزيد صعوبة مكافحة البقعة النفطية ميكانيكياً.

ً2-طريقة إحراق طبقة النفط: بعد حصر طبقة النفط وإضرام النيران فيها. طبعاً هذه الطريقة غير مستحبة الإستخدام بسبب خطورتها على البيئة فهي تلو ث الهواء وتسبب ضرر بالغ لكثير من الكائنات الحية.

3ً-رش مواد ماصة: يتم رش بعض المواد الماصة على البقعة النفطية حتى تشبع بالنفط ثم استعادته منها.

2. الطرق الكيميائية:

تتم برش أنواع من المذيبات والمنظفات والمساحيق ذات الكثافة العالية أوبعض الرمال الناعمة على سطح البقعة النفطية في البحار الملوثة للإلتصاق بها وتحويلها بعد تفتيتها إلى ما يشبه المستحلب فينتشر في الماء ويذوب فيه أويتسرب إلى القاع نتيجة ارتفاع كثافته.

إن إستخدام قدر كبير من المتظفات والمواد الكيميائية يضيف الكثير من التلوث العام إلى قاع البحر مما يسبب إبادة الأحياء البحرية كالأسماك والديدان والقواقع وغيرها, وهذه الطريقة تزيد من تعقيد مشكلة التلوث.

3. الطرق الحيوية:
تعتمد طريقة المعالجة البيولوجية على استخدام أنواع من الأحياء القادرة على إستخلاص أو تفكيك الكثير من الملوثات المتواجدة بالتربة أوبالماء.

إن البكتريا لها القدرة على تفكيك الكثير من الملوثات والمركبات النفطية إلى جزيئات أقل وزناً وتركيباً وخطورة لتسهل عملية ذوبانها في الماء مما يحولها من مواد خطيرة ذات ضرر إلى مواد أقل خطورة وأقل ضرر حيث تعتمد البكتريا على هذه المركبات كمصدر للكربون والطاقة.

ويختلف تأثير البكتريا حسب بنية الفحم الهيدروجيني إذاً المركبات النفطية لا تتحلل بنفس الدرجة فالألكانات النظامية تتفكك بسهولة كبيرة بالمقارنة مع الفحوم الهيدروجينية الأخرى وترتب الفحوم الهيدروجينية حسب سهولة تفككها بالبكتريا كما يلي :

فحوم هيدروجينية عطرية، فحوم هيدروجينية حلقية، ألكانات متفرعة ، ألكانات نظامية.

تكون الأحياء الدقيقة قادرة على تفكيك الفحوم الهيدروجينية في الطبقات السطحية أعلى من /10-100/ مرة عنها في الأعماق .

يحفز وصول المركبات النفطية إلى مياه البحر تكاثر الأحياء الدقيقة القادرة على النمو على أوساط من الفحوم الهيدروجينية ونواتج تخربها مما يزيد عددها بشكل كبير في المناطق الملوثة.

عوامل متعددة تؤثر على الأحياء الدقيقة المهاجمه للمركبات النفطية منها /حركة الرياح, حركة الأمواج, التيارات البحرية, الظروف الجوية, التغيرات الفصلية, مصدر البترول, بنية الفحم الهيدروجيني…….

يعتبر استخدام الأحياء الدقيقة أهم طرق المعالجة في التقانات الحيوية الحديثة كما تعتبر طريقة واعدة باستخدام الأنزيمات والطرق الإستقلابية في الأحياء الدقيقة التي تسلك التفكك الحيوي.

إن استخدام الإستقلاب الميكروبي وفرخيار آمن لمعالجة التلوث بالمركبات النفطية مما يؤكد أهمية الأحياء الدقيقة في الحفاظ على البيوسفير من التلوث وإمكانية التخلص من الملوثات المكدسة في البيئة وبالتالي تعتبر النشاطات الميكروبية الطبيعية نقطة البداية لكل التقانات الحديثة.

يتم عزل الأحياء الدقيقة من معظم البيئات والأوساط المغذية الغنية بشكل مباشر بتنميتها على أوساط تحوي مركبات محددة تقوم بتفكيكها ومعالجتها حيوياً.

يوجد الكثير من الأحياء الدقيقة (بكتريا، خمائر، فطور, طحالب دقيقة) تستهلك المركبات النفطية كمصدر للكربون والطاقة.

من بعض الأجناس البكتيرية :
PSEUDOMONAS, ACHROMOBALCTER, NOCARIDA, ACINOBACTER, ARTHROBACTER
من الخمائر :
CANDIDA – RHODOTOULA – TROPICALES

من الفطور :
PENCIELIUM – ASPERGILLUS
يعتمد تنوع هذه المجموعة الميكروبية حالياً على الطرق المعتمدة كالتعديل المورثي وعزل عدد كبير من السلالات البكتيرية باستخدام الأوساط المغذية النوعية.

تبين أن المجموعة البكتيرية غرام السالبة هي الأكثر انتشاراً وأهمها الأنواع التابعة لأجناس الـ(PSEUDOMONAS- ACINOBACTER…………….. )
حيث استطاعت السلالات التابعة لهذين الجنسين تفكيك الهيدروكربونات البترولية بنسبة تراوحت من (30- 80%) و ذلك باستخدام تقانات الـ(DNA) المتنوعة مثل الـ(DNA.F.P-.PCR) حيث نقلت المورثة المسؤولة عن تلك الوظيفة الى أنواع وسلالات أخرى مثل الأشرشيا E.coli ، كما أن الأنواع الحاوية على البلاسميدات هي الأكثر قدرة على القيام بذلك.

كما وأن أنواع من الـP.putida مثلاً قادرة على تفكيك مخلفات زيتية مثل الفينول والاتيلين غليسرول بنسبة 85% بالاضافة الى تخفيض نسبة الـ(COD) لأكثر من 75%.

إن الأنزيمات هي من أهم المركبات المسؤولة عن التفاعلات الاستقلابية المختلفة والتي يتأثر نشاطها بالكثير من العوامل الفيزيائية والكيميائية مثل (تركيز الأنزيم, تركيز ونوعية الركازة, درجة الحرارة, درجة الـpH , الضوء, الرطوبة, المثبطات, المنشطات, الضغط الجوي,……).

إن لتركيب وميكانيكية عمل الأنزيمات دور هام في تفكيك الملوثات البيئية, كما وأنها تستخدم في التكنولوجيا الحديثة ككواشف تحليلية أو دلائل بيئية.

تعتبر الأحياء الدقيقة من المصادر المفضلة للحصول على الأنزيمات بسبب سهولة استخلاصها وفعاليتها التفكيكية وزيادة الإنتاج ويعتقد المختصون أن التركيب وميكانيكية الأنزيمات سيكون لها دور مرتقب في تحليل الملوثات البيئية نتيجة للتقدم في هندسة البروتين وتحميل الأنزيمات.

يعتبر نشاط الأنزيمات المفتاح والخطوة الأهم في تفكيك وتحليل المعقدات العضوية, وذلك باستخدام الأنزيمات الخارج خلوية (Extracellular enzymes) وتفكيكها للهيدروكربونات باستخدام مختلف الأحياء الدقيقة بالإضافة لعملية التفكك للمركبات الهيدروكربونية المسببة للتلوث وبالتالي التحكم به.

بينت الدراسات والأبحاث التي أجريت, وجود أنواع متعددة ومختلفة تابعة لأجناس مختلفة من الأحياء الدقيقة قادرة على تفكيك المركبات النفطية باعتبارها مصدر للكربون والطاقة، اعتماداً على أنزيمات (مؤكسدة– مرجعة) يتم بوساطتها تفكيك مختلف المركبات الأروماتية الضارة (بنزين, تولوين, كزايلين, نفتالين, فينول,……) كما أن بعضها يملك مورثات متمركزة في البلاسميدات ذات البنية الحلقية من الـ(DNA) والتي تحدد اصطناع مختلف الأنزيمات المستخدمة في تفكيك المركبات النفطية، فمثلاً: بعض السلالات التابعة لـ(PSEUDOMONAS) تملك أنزيم(Oxygenase) الذي يستطيع في حال وجوده في الخلايا الحية أكسدة ( CO2و CO) الموجودة في مركبات مثل التولوين, دي كلوروفينول اندوفينول وذلك في الشروط اللاهوائية وتشكيل مركبات ذات أهمية اقتصادية مثل التولوين, كما يعتبر أنزيم Dioxygenase مفتاح التفكك الحيوي للمركبات النفطية وهو من أهم الأنزيمات التي تقوم بالأكسدة.

كما تم استخدام أنزيمات موجودة عند أحياء دقيقة مختلفة، حيث تم تطبيق تقانة تسمح بنقل البلاسميد الحامل للمورثة المسؤولة عن تلك الأنزيمات لأنواع بكتيرية اعتباراً من أنواع تابعة لـ(PSEUDOMONAS).
إن الكثير من الأحياء الدقيقة التابعة لأجناس مختلفة تكون قادرة على تفكيك صف معين فقط من الهيدروكربونات البترولية، وبالتالي تكون فعاليتها في مكافحة التلوث ضعيفة.

إلا أن النفط يحوي مزيج متنوع من الهيدروكربونات، ومن أجل تأمين فعالية عالية لهذه الأحياء الدقيقة قامت مجموعة من الباحثين من جامعة (ILLINOIS) الأمريكية باستخدام التقانات الحيوية بهدف الوصول إلى سلالات معدلة وراثياً في المختبر والقادرة على إستقلاب مختلف المركبات النفطية، لهذا الهدف استخدمت أربع سلالات من البكتريا تملك أربعة نماذج من البلاسميدات كما تحوي مورثة تحدد اصطناع الأنزيمات التي تدخل في إستقلاب بعض أنواع المركبات النفطية, ومن خلال إعادة التركيب الوراثي تم الحصول على سلالات رباعية البلاسميدات تحتوي على كل المورثات التي تتدخل في إستقلاب مختلف مكونات البترول وتكون أكثر فعالية من كل سلسلة على حدة.

تنمو هذه البكتريا متعددة البلاسميدات بسرعة في وسط يحوي البترول وتستقلب وبزمن قصير وبشكل كامل كميات كبيرة منه وبناء على ذلك أجازت المحكمة العليا بأمريكا ولأول مرة في العالم اصطناع الأحياء الدقيقة بالتقانات الحيوية.


تتمتع الأحياء الدقيقة من صفات تسمح لها بتفكيك عناصر ومركبات محددة (لما تحويه من أنزيمات لازمة لذلك) قد تجعل التقانات الحيوية بدورها الهام تعمل على نقل تلك الصفات لأنواع أخرى مما يساعد على التخلص من التلوث في كثير من الأماكن وخاصة التلوث الناجم عن المركبات النفطية.

تعتبر التقانات الحيوية من أحدث الأساليب المتبعة لاستخدامها الأحياء الدقيقة التي تعمل على تحطيم الملوثات النفطية للمياه.

الأستاذة تهامة حربا
مدرّسة علم أحياء

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

النمو السكاني وتأثيراته البيئية.. تحديات وفرص

النمو السكاني Population Growth موضوع يشغل العالم اليوم لما يحمله من تأثيرات كبيرة على البيئة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *