الأكسجين (Oxygen) هو عنصر أساسي للحياة على سطح الأرض، حيث يشكل حوالي 21% من الغلاف الجوي.
لكن كيف نشأ هذا العنصر الهام في غلافنا الجوي؟ وما هي العمليات الحيوية والجيوكيميائية التي ساهمت في توفيره عبر العصور الجيولوجية؟
المهندس أمجد قاسم
1.أصل الأكسجين على الأرض
في بدايات تكوين الأرض قبل حوالي 4.6 مليار سنة، كان الغلاف الجوي يفتقر إلى الأكسجين الجزيئي (O₂). كانت الغازات المهيمنة في ذلك الوقت هي ثاني أكسيد الكربون (CO₂)، الميثان (CH₄)، والأمونيا (NH₃)، بينما كان الأكسجين مرتبطًا في المركبات الكيميائية ولم يكن حرًا في الغلاف الجوي.
بدأ التغيير الجذري في تركيبة الغلاف الجوي مع تطور عمليات التمثيل الضوئي (Photosynthesis)، والتي كانت المحفز الأساسي لزيادة مستويات الأكسجين في الجو.
2.عملية التمثيل الضوئي وإنتاج الأكسجين
تعتبر البكتيريا الزرقاء (Cyanobacteria)، التي ظهرت قبل حوالي 2.7 مليار سنة، أول الكائنات الحية التي استطاعت إنتاج الأكسجين الحر من خلال عملية التمثيل الضوئي.
حيث تقوم الكائنات المنتجة للضوء مثل البكتيريا الزرقاء والنباتات بتحويل ثاني أكسيد الكربون (CO₂) والماء (H₂O) إلى جلوكوز (Glucose, C₆H₁₂O₆)، وتطلق الأكسجين كناتج ثانوي.
- حدث الأكسدة العظيم (Great Oxygenation Event – GOE)
قبل 2.4 مليار سنة، شهد الغلاف الجوي للأرض زيادة كبيرة في مستويات الأكسجين، وهو ما يعرف بـ حدث الأكسدة العظيم (GOE). أدى هذا الحدث إلى:
- أكسدة المعادن الغنية بالحديد في المحيطات، مما أدى إلى تكوين ترسبات الحديد النطاقية (Banded Iron Formations – BIFs).
- القضاء على العديد من الكائنات اللاهوائية التي لم تستطع التكيف مع الأكسجين الحر، فيما يعرف بـ أزمة الأكسجين (Oxygen Crisis).
- بدء تكوين طبقة الأوزون (Ozone Layer, O₃) التي وفرت الحماية من الأشعة فوق البنفسجية.
- مساهمة النباتات والغطاء النباتي
مع تطور النباتات البرية خلال العصر الديفوني (Devonian Period) قبل حوالي 400 مليون سنة، تسارعت عملية إنتاج الأكسجين. من خلال امتصاص ثاني أكسيد الكربون وإنتاج الأكسجين، ساهم الغطاء النباتي في:
- زيادة نسبة الأكسجين في الغلاف الجوي إلى مستويات قريبة من الحالية.
- تحسين استقرار المناخ وتقليل تأثير غازات الدفيئة.
- دورة الأكسجين في الطبيعة (Oxygen Cycle)
يدخل الأكسجين في دورة طبيعية متكاملة تتضمن العمليات التالية:
- الإنتاج من خلال التمثيل الضوئي (Photosynthesis).
- الاستهلاك عبر التنفس الخلوي (Cellular Respiration)، حيث تستخدم الكائنات الحية الأكسجين لإنتاج الطاقة.
- عمليات الأكسدة الكيميائية (Oxidation Processes)، مثل تفاعل الأكسجين مع المعادن والصخور.
- إعادة التخزين في المحيطات (Oxygen Storage in Oceans)، حيث يذوب الأكسجين في الماء ويدعم الحياة البحرية.
- تأثير المحيطات على مستويات الأكسجين
تعد المحيطات أكبر خزان للأكسجين على الأرض، حيث تلعب العوالق النباتية (Phytoplankton) دورًا أساسيًا في إنتاج الأكسجين عبر التمثيل الضوئي.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 50% من الأكسجين الجوي ينتج في المحيطات، مما يبرز أهمية النظم البيئية البحرية في الحفاظ على التوازن البيئي.
- التأثيرات البشرية على مستويات الأكسجين
أدت الأنشطة البشرية إلى تغييرات في مستويات الأكسجين البيئي، ومن أهم العوامل المؤثرة:
- إزالة الغابات (Deforestation): تقلل من قدرة الأرض على إنتاج الأكسجين.
- التلوث الصناعي (Industrial Pollution): يؤدي إلى ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون، مما قد يؤثر على معدلات التمثيل الضوئي.
- الاحتباس الحراري (Global Warming): يؤثر على المحيطات، مما يقلل من ذوبان الأكسجين في الماء ويؤدي إلى المناطق الميتة (Dead Zones).
كيف نحافظ على توازن الأكسجين؟
لضمان استمرارية مستويات الأكسجين في الغلاف الجوي، يجب اتخاذ تدابير بيئية مثل:
- زيادة المساحات الخضراء: من خلال إعادة التشجير وحماية الغابات.
- حماية النظم البيئية البحرية: من خلال تقليل التلوث البحري والحفاظ على الشعاب المرجانية.
- الحد من انبعاثات الكربون: عبر استخدام مصادر طاقة نظيفة ومتجددة.
أخيرا فإن الأكسجين عنصر حيوي تشكل عبر مليارات السنين بفضل العمليات البيولوجية والجيوكيميائية. من البكتيريا الزرقاء إلى الغابات المطيرة، ساهمت الطبيعة في خلق بيئة داعمة للحياة.
ومع ذلك، فإن الأنشطة البشرية تهدد التوازن الطبيعي للأكسجين، مما يتطلب جهودًا عالمية للحفاظ عليه وضمان استدامة الحياة على كوكب الأرض.
الشكر الجزيل لكم على المقال السابق والمميز عن مصدر الأكسجين وعلى المعلومات القيمة جدا