لغة الجسد تكشف مضامين وخفايا النفس البشرية / pixabay

لغة الجسد مفهومها وأهميتها ودلالاتها

هناك أسئلة مشروعة وصادقة وأحيانا محيرة ومثيرة حول لغة للجسد ومنها هل لغة الجسد تكذب وهل يمكن تزييفها والتلاعب بها ؟ وهل يمكن الحكم على الأشخاص من خلال لغة الجسد فقط ؟ ما مدى موثوقية نتائجها ؟ هل يمكن التعويل عليها في اتخاذ قرارات مهمة ؟؟ ما هي أقسام لغة الجسد ؟ هذه الأسئلة وغيرها من المحاور الهامة سنتطرق اليها مدعمة بالصور والفيديو ما أمكن ذلك في سلسلة مقالات متعاقبة حول لغة الجسد .

– مفهوم لغة الجسد : هي طريقة اتصال غير لفظية أو غير شفهية ( غير كلامية ) بين الأشخاص وبعضهم البعض فهي تشمل إيماءات وتعابير الوجه وحركات الأيدي والأرجل والوضعيات المختلفة للأشخاص كوضعيات الجلوس أو حتى وضعيات الوقوف وبتعبير آخر فهي عبارة عن إشارات يقوم بها الجسد عند توصيل معلومة أو فكرة أو تعليق معين وقد تكون إرادية وقد تكون عفوية (لا إرادية ) .

– أفاد عالم النفس البرت مهرابيان أن اتصال شخص بآخر يأخذ النسب التالية : 7 % ألفاظ ( كلام) , 38 % درجة ونبرة الصوت , 55 % غير لفظي ( جسدي) أي أن النسبة الكبرى من الاتصال تندرج تحت بند الاتصال الجسدي لذلك فانه من الأخطاء الفادحة هو تجاهلنا للغة الجسد فأحيانا نقضي ساعات وساعات لتحليل كلمات هنا وكلمات هناك ونتجاهل تماما لغة الجسد بينما لو كنا على دراية بعلم كلغة الجسد لساعدنا ذلك في التحليل والوصول إلى الحقيقية النسبية بسرعة ودقة أكبر ومن هذا المنطلق كان لابد من الاهتمام بدراسة لغة الجسد ما أمكن ذلك وهو ما عكف عليه العلماء حديثا وبشكل نسبي حيث لم توضع مبادئ وأصول هذا العلم سوى في ستينيات القرن الماضي حيث تم تتويج تلك الجهود بكتاب دجليوس فاست بعنوان لغة الجسد وذلك عام 1970 وتوالت البحوث والدراسات حتى يومنا هذا وهي في اطراد مستمر .

– من يهتم بلغة الجسد : إن لغة الجسد تكشف مضامين وخفايا النفس البشرية فلذلك نجد أن رجال التحقيق والمخابرات والتحريات والأمن الجنائي من أكثر الناس استفادة من لغة الجسد ولا يقتصر الأمر عليهم بل ان رجال السياسة ورجال العلاقات العامة والمشاهير ومسئولي الضيافة والتشريفات يهتمنون أيما اهتمام بدراسة لغة الجسد ومدلولاته .

– والسؤال الآن هل يمكن لإنسان درس لغة الجسد أن يكذب أمام الكاميرات أو يزيف الحقائق فلا تبدو الحقيقة ولا يمكن استقراء مدلولات جسده بالطريقة الصحيحة ؟؟ والإجابة المباشرة والأكيدة وبعد دراسات كثيرة هي لا فلغة الجسد هي لغة شاملة لتعابير الوجه كالعيون والفم وحتى الابتسامة وتشمل ايضا حركات اليد ووضعيات الجسم .. الخ ومهما كان الإنسان بارعا في إخفاء لغة جزء من جسده بكلام معين ومنمق وبحركة ما فانه لن يستطيع السيطرة على باقي الأعضاء وسيعرف المتمرس في لغة الجسد أن هناك فجوة وهوة ومسافة بين التعابير المصطنعة والتعابير الطبيعية فلذلك من الصعوبة بمكان أن تزيف حركات الجسد وتتحكم بها لذلك فدراسة لغة الجسد من الأهمية بمكان حيث أنها تكشف الحقيقة وتكشف خفايا النفس من توتر أو قلق من ارتياح وثقة بالنفس من كذب وخداع أو صدق وشفافية وهذا لا يعني ان نتائجها 100% وليس هناك مجال للخطأ فيها ولكن نتائجها على قدر عال من الصواب والدقة ويمكن الاعتماد عليها خصوصا لو كان هناك قرائن تدعم النتائج التي يمكن الوصول إليها من خلال لغة الجسد .

– هل تكون الاستفادة من لغة الجسد في استقراء مشاعر وخفايا الآخرين فقط ؟

بالتأكيد لا فهناك الكثير من مدلولات لغة الجسد تختلف من شعب لآخر ومن منطقة لأخرى ولهذا كان للمشاهير والسياسيين ومن يهمهم الأمر أن يكونوا على دراية بها حتى لا يقعوا بالمحظور أو يرتكبوا أخطاءا هم بغنى عنها , كما أن العديد من الناس لا يتقنون التعبير بشكل جيد عن فرحهم أو ابتسامتهم أو ترحيبهم بشخص ما فكان لابد أن يكونوا على دراية بتلك اللغة ليتناغم حديثهم مع لغة جسدهم بطريقة عفوية وغير مصطنعه فهم تعلموا الشيء كي يستخدموه في محله وزمانه المناسبين دون تكلف أو زيف وبهذا فان لغة الجسد تزداد أهميتها يوما بعد يوم فمن القادة السياسيين والعسكريين إلى أصحاب العلاقات العامة والضيافة الرسمية وغير الرسمية والمكلفين باستقبال الشخصيات العامة والخاصة وأصحاب المناصب الحساسة ناهيك عن مختصي البروتوكول وغيرهم إلى الناس في تعاملاتهم وبعضهم البعض , ولذلك فان لغة الجسد السلبية تترك انطباعا سيئا وتضعف العلاقات الاجتماعية بين الناس وعلى كافة المستويات ولذلك يجب الحذر من سلبيات لغد الجسد التالية :

– الدخول الضعيف : تصور أنك تدخل على مديرك او مسئولك أو شخص بينك وبينه اجتماع أو موعد مسبق … الخ وأنت متردد , تجر قدميك جرا وتسحب جسدك كما لو انه اله ثقيلة , فهل هذا التصرف يدل على ثقتك بنفسك أم العكس وهل يوحي بالخوف والتوتر أو الأمن والطمأنينة ؟؟ ان هذا الدخول الضعيف والمتردد لن يعطي الطرف الآخر إلا نتيجة سلبية عنك وعن شخصيتك فاحذر هذا التصرف…

– لا تجعل عينيك نصف مغمضة ( ناعسة أو مكتئبة ) : لعل لغة العيون من أهم الأقسام في تعابير الوجه خاصة بل وفي لغة الجسد عامة , تصور إنسانا يدخل المقابلة وهو نصف مغمض العينين أو عيون ناعسة فهل هذا يعطي انطباعا بالجد والنشاط أو الاجتهاد أم بالملل والكسل والاكتئاب !!

– إمالة الرأس لأسفل : إن الشخص الذي لا يستطيع أن ينظر إلى محدثه , كيف سيستطيع التأثير فيه ؟؟ تصور شخص يدخل مقابلة للعمل وهو لا يجرؤ على رفع رأسه والتحدث مع من يقابله ؟؟ أليس هذا دليل أولي على ضعف الشخصية أو الخجل وفي أفضل الحالات أنه يخفي شيئا ما كالتوتر أو الخوف ؟؟ فهل هذا الشخص سيجتاز المقابلة بنجاح ؟؟ احرص على عدم طأطأة رأسك وكن مرفوع الرأس بدون تكلف أو تكبر , تكلم وناور تحدث بكل جرأة وانسيابية دون تلعثم أو توتر , تغلب على خوفك وقلقك …

– مصافحة اليد ( لا تكن في معركة كما لا تصافح ببرود ) : خير الأمور الوسط , ابدي اهتمامك بالشخص الذي تصافحه , انظر في عينيه , أشعره بالاحترام والتقدير والتودد اليه دون تكلف أو نفاق , فلا تكن باردا غير مباليا أثناء المصافحة كما لا تصافح بعنف وقوة كأنك في معركة أو حرب , احرص على الموازنة بين الأمرين مع إشعار الطرف الآخر بالدفء والاهتمام .

– احذر من السرحان أو التثاؤب والتململ : تصور انك تجلس في اجتماع وأنت تكثر من العبث في جوالك أو حاجاتك الشخصية , تكثر من التثاؤب , تسرح في جوانب الغرفة فان هذا بالطبع سيولد لدى الحاضرين انطباعا سلبيا عنك فأنت لا تكترث بهم ولا تتجاوب معهم وكأنك لا تحترم أرائهم أو تقدر ما يناقشون فكيف سيسمعوا لك وينصتوا ؟؟ وكيف سيتجاوبوا معك ويناقشوك وأنت أخبرت كل منهم بأنك لا تقيم وزنا لأحد منهم !!

– لا تعبث بشعرك أو تعض شفتيك أو تفرك رقبتك أو تعبث بوجهك أو أي عضو كان : إن العبث بشعرك أو رقبتك أو أنفك سيولد الانطباع السلبي لدى الحاضرين فأنت غير مهتم بما يقولون ولا تنصت لهم ويشعرهم بأنك مللت منهم ومن حديثهم وهذا سيجر غضبهم حتى لو لم يظهروه بشكل فوري .

– إياك وتضييق العينين أو رفع الحاجبين أو فرك العينين والأذنين وحتى الأنف : إشارة توحي بعدم تصديق المتحدث أو توحي بالشك فيما يقول على اقل تقدير وهي تعطي نتيجة سلبية وتزيد المسافة والهوة بين شخصين وتزرع حاجز بينهما والمتمثل بعدم الثقة والريبة والخوف مما يدمر الحوار ويفسد اللقاء أو الاجتماع.


– أخلاقيات لابد أن يتمتع بها المتخصصين في لغة الجسد : عدم الاستعجال أو التسرع في إصدار حكم على الأشخاص نتيجة ظرف أو موقف أو وضعية خاصة بل لابد من استحضار الموقف وعدم نسيانه وتجميع هذه المواقف والوضعيات بشكل عام والانتقال من التحليل العام إلى الخاص فمجموعة المواقف والتعابير والوضعيات تؤكد وتعضد صحة النتائج ومن ثم الانتقال الى تحليل كل موقف لوحده اذا لزم الأمر , لابد من أخذ الوقت الكافي للتحليل والحكم على الأشياء كما أن المتخصص لا يجب أن ينظر الى الناس من حوله كما لو أنه الحكم أو يقوم بتحليل كل كبيرة وصغيرة بل يجب عليه عدم إساءة الظن على من يعاملهم ومن هم حوله وأن علم دراسة الجسد ليس لتقييم الناس وإصدار الأحكام بل من أخلاقيات هذا العلم أن يتم استخدامه في المكان والزمان المناسبين والذي يستدعي استخدام هذا العلم , كما يتوجب عليه الا ينسى أن ردود أفعال الناس تجاهه او تجاه موقف معين من الممكن أن يكون نتيجة تصرف سلبي منه شخصيا فهو دائم التقييم لنفسه ولذاته قبل أن يشرع في تقييم الآخرين وأن ردود الأفعال المؤقتة والسريعة من قبل أي شخص كان غير كافية لوحدها للحكم على هذا الشخص بل يجب أن يتم تجميع الملاحظات كلها ثم تحليلها بشكل عام وبنظرة كلية ثم الانتقال الى كل تصرف وموقف على حدي شيئا فشيئا .

م . خالد عماد عبد الرحمن

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

ديوان “همس مسموع ” بين التأمل العميق والتعبير الإنساني

ديوان “همس مسموع” للأديبة الأردنية حياة صالح دراغمة يتضمن مجموعة من القصائد النثرية التي تتميز …

تعليق واحد

  1. لغة الجسد هامة جدا ومعرفتها بحاجة الى خبرة ومعرفة واسعة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *