علاقة البيئة بالعلم لم تكن سلبية دائماً، فالعلم في هذا المجال سلاح ذو حدين. فكما أنه أحدث بعض الضرر في البيئة ومكوناتها، فقد قام الإنسان بالمقابل باستخدام العلم لمعالجة بعض الأضرار التي تسبب في حدوثها، أو محاولة التقليل من تفاقمها وتزايدها.
الأنفجار السكاني
يقصد بالانفجار السكاني في بلد ما أعداد السكان على نحو يفوق قدرة هذا البلد على توفير أهم أسباب الحياة لهؤلاء السكان ( عدا الهواء)،ألا وهو الغذاء. ففي كل عام يضاف الى سكان الكرة الأرضية حوالي 81 مليون نسمة، وهو الفرق ما بين المواليد ( حوالي 133 مليون سنوياً) والوفيات ( حوالي 52 مليون نسمة سنوياً)، بحيث اصبح عدد سكان العالم مع نهاية القرن العشرين حوالي 6.2 مليار نسمة، ويتوقع ان يصل الى 7 مليار نسمة في عام 2010،إلا أن هذه الزيادة الهائلة في أعداد البشر لم يصاحبها زيادة في حجم الموارد الطبيعية اللازمة لمد هؤلاء السكان بأسباب الحياة، وتحسن نوعية الحياة الإنسانية، والقضاء على الفقر العام، والوقوف في وجه المشكلات، التي تعترض حياة الطفولة المعذبة في معظم بلدان العالم النامي.
إن استمرار معدلات النمو السكاني بهذا القدر المرتفع، بشكل لا يوازي ارتفاع أسباب الحياة، قد أضعف من قدرة الحكومات على توفير الأمن الغذائي والأمن المائي والأمن الوظيفي والأمن التربوي التعليمي والأمن الصحي للسكان.كما أضعف من قدرة هذه الحكومات على رفع المستوى المعيشي لهؤلاء السكان. وتجاوز خط الفقر المطلق، لا بل وأحياناً كثيرة عدم القدرة على تجاوز خط الفقر المدقع لديهم.ومن المعروف ان زيادة السكان تؤدي الى زيادة استنزاف موارد البيئة المختلفة وبتناسب طردي.
ويبدو ان حل معضلة الإنفجار السكاني الذي يشهده العالم بشكل عام، وتتضح صورته في بعض البلدان أكثر من غيرها بشكل خاص، يكون اما بتقليل معدلات النمو السكاني بشكل كبير جداً، أو بزيادة إمكانات الأرض من الغذاء والماء وأسباب الحياة الأخرى لهؤلاء السكان.والعلم لم يقف مكتوف الأيدي أمام هذه المعضلة، بل لقد أسهم العلم والتكنولوجيا ( تطبيق العلم في الصناعة) في حل هذه المشكلة، وذلك على النحو التالي:
1- تطوير تكنولوجيا موانع الحمل بشكل أكثر فاعلية وأكثر أماناً:إذ تعمل هذه الوسائل على تنظيم النسل والمباعدة بين الأحمال، مما ىيقلل من معدلات النمو السكاني من جهة، ويكسب الأم الحامل والملود بنية صحية سليمة من جهة أخرى.
2- تطوير تكنولوجيا تحديد جنس الجنين.لقد قامت بعض الدول بإتباع سياسة صارمة جداً حيال التزايد السكاني الكبير عندها، فإستخدم بعضها ( الصين) سياسة الطفل الواحد، والتي تتيح للزوجين إنجاب طفل واحد فقط.إلا ان نزعة بعض الآباء وميلهم لأن يكون ذلك الطفل ذكراً دفعهم الى قتل الملود الأول إن كان أنثى، مما دفع الى تعديل هذه السياسة، وذلك بالسماح بإنجاب طفل ثاني إن كان الملود الأول أنثى.وقد ساعد العلم في تطوير التكنولوجيا القادرة على التحكم بجنس الملود.
3- تهجين أصناف جديدة من غراس الأشجار تكون أصغر حجماً وأكثر إنتاجية ( ثمراً) وأقل إستهلاكاً للماء، كبعض أنواع الموز والزيتون والنخيل وبعض أنواع الخضروات.
حدود النمو السكاني
تعتقد قلة من الناس ان معدلات النمو السكاني الحالية يمكن ان تستمر ولفترة طويلة في المستقبل.وواضح ان عالمنا الفيزيائي له حدود ونهايات لابد وان تقيد هذه الزيادة عاجلاً أم اَجلاً.والسؤال المطروح في هذا الصدد عما إذا كنا نقترب من هذه الحدود ؟ وإذا حدث ذلك فعلاً فما مدى إمكانية استمرارنا في تبوء الأرض ؟ وما الذي سيوصلنا الى مرحلة من التوازن مع المصادر المتاحة؟ وهل سنتحكم في مدى اقترابنا من هذه الحدود أم أن قوى خارجية هي التي ستتحكم في ذلك ؟
تشير الإحصائيات الى ان معدلات الزيادة في عدد السكان في البلاد المتقدمة ( الصناعية) قد تباطأت، بل إنها في بعض البلدان قد انعكست بحيث تحول ذلك الى نقص، مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا.ويعتقد بعض الباحثين في علم السكان ان المواطنين في الدول النامية، حيث معدلات النمو السكانية مرتفعة، إذا ما أحسوا بالأمن على مستقبلهم وأصبحت حياتهم أكثر رغداً، فان معدلات نموهم ستشهد استقرارا وربما تتجه الى مثيلاتها في الدول المتقدمة.
أما البعض الآخر فلهم اَراء مختلفة ترتكز على ما طرحه مالتوس في نهاية القرن الثامن عشر ومفاده ان القوى البشرية أعظم من القوى الطبيعية في إنتاج ما يعيلها، وان تحقيق إستقرار في معدلات النمو السكاني يواكب محدودية المصادر يمكن ان يتاتى عن طريق ضوابط إيجابية Positive Check ، كالعوامل التي تؤدي الى تقصير الحياة أو إكتشاف مصادر جديدة، أو ضوابط وقائية Preventive Check تؤدي الى التقليل من معدلات الولادة والبحث عن بدائل للمصادر الطبيعية.ومن بين التحفظات الوقائية تأخير سن الزواج بهدف التمكن من تحقيق مصادر دخل ومستوى معيشة أفضل لأعالة الأولاد وتنشئتهم.
ومن الأمور التي يحتدم فيها النقاش وتختلف فيها الآراء في هذا الصدد مدى إسهامات التكنولوجيا المتقدمة في جعل الأرض قابلة للتبوء في ظل عدد كبير من السكان، والعوامل التي تتحكم في معدلات الولادة والوفاة، ودوافع الهجرة، والإرتحال، وضرورة تدخل المؤسسات الحكومية في تحديد معدلات النمو السكاني، كما هو حاصل في الصين والهند.
الخلاصة
للعلم أثر مزدوج على البيئة. فرغم الآثار السلبية للاختراعات العلمية والاكتشافات الصناعية والتكنولوجيا المتطورة يوماً بعد يوم، على البيئة بكل مكوناتها،إلا أن أثرها الإيجابي قام بمعادلة هذا الأمر تقريباً،إذ قام العلم بتقديم الحلول المناسبة لكل مشكلة من مشكلات البيئة.ولولا الدور الإيجابي للعلم في التصدي لمشكلات البيئة، لكان حال كوكب الأرض اليوم أسوأ بكثير مما نعرفها به.
وعليه، فقد أسعفنا العلم بتكنولوجيا متطورة في كل المجالات للوقوف في وجه المشكلات التي تواجه البيئة.إن ما نحتاجه اليوم هو إلزامية تطبيق هذه التكنولوجيا، والأخذ بهذه المخترعات لما فيه خير البيئة ومن ثم البشرية.وهذا لا يأتي من الناس طواعية.إن المطلوب هو سن تشريعات قانونية بيئية تلزم الأفراد بسلوك معين وتحذرهم من إتيان ما يضر بالبيئة، ومعاقبتهم إن أضروا بها.فما هو الدور المنوط تفصيلاً بهذه التشريعات القانونية البيئية ( دور القانون) في التصدي لمشكلات البيئة ؟.
أ.د. كاظم المقدادي