التقدم المطرد في الصناعات الالكترونية يتسبب في تراكم أطنان من المخلفات الإلكترونية الضارة بالبيئة والانسان / pixabay

خطر النفايات الالكترونية وأهم المواد السامة فيها وطرق التخلص منها

برزت خلال هذا القرن مشكلة تراكم كميات هائلة من الأجهزة الالكترونية القديمة أو التالفة في مكبات النفايات والتي تشكل خطرا داهما على الإنسان وعلى البيئة بشكل عام، المقال التالي للكاتب “سمير بسباس” يتناول مخاطر النفايات الالكترونية أو النفايات الرقمية والتي أصبحت تشكل تحديا بيئيا يواجه الإنسان حاليا

عندما تشتري آلة كهربائية أو إلكترونية أو هاتفا جوالا أو حاسوبا، هل تساءلت يوما ما كم عمر هذه الآلات؟ ما هو مصيرها بعد أن تصبح غير قابلة للاستعمال أو عندما تحل في السوق “ماركات” جديدة أكثر “جدوى” وتسمح بإمكانات أوسع؟

بالطبع و في غالبية الحالات سيكون الجواب بالنفي لأننا تعودنا أن نترك هذه القضايا على عاتق المؤسسات العمومية أو الدول. فما يهمنا بالأساس هو كيف نحصل على هذه “الحاجيات” و نحصل على القيم منها.

العالم يشهد صراعا حميما لزيادة الإنتاج و الإنتاجية ومن علامات هذا السباق و التسابق إنتاج الأشياء و الآلات القابلة للإتلاف ( Jetables) . المواقع التي تتراكم فيها النفايات تلوث الأرض و المائدة المائية الجوفية . أما الآلات المحرقة (Incinérateurs) فهي تنثر في الهواء سمومها و أهمها مادة الديوكسين هذه المادة الخطيرة التي عثر عليها في بعض الأطعمة. هناك موقفان متضاربان من هذه المسألة.

– إما أن نعي خطورة هذه المواد و نعمل على إيجاد الحلـول الكفيلة بتحديدها و صياغة استراتيجية دولية لذلك و هذا يتطلب تدخل كل الأطـراف المعنية و يستوجب قدرا معينا من المسؤولية .

أو اعتبار أنه كلما تعلو جبال النفايات فمعنى ذلك أن الإنسانية بخير مادامت هذه الفوضى تتأتى من زيادة في الإستهلاك وهو معيار أو مقياس لـ ” صحة” اقتصاد ما.

المنظمة العالمية للتجارة تدفع نحو خصخصة الخدمات ( و الخدمات مجالها يعرف توسعا في الخمس سنوات الأخيرة ليشمل الماء و المحيط … ). ” خدمات المحيط” قطاع يعرف ازدهارا و ينمو بنسبة 8 % في السنة . مجلس تجارة الخدمات التابع للمنظمة العالمية للتجارة OMC يقدر أن هذا القطاع سيمثل 640 مليارا من الدولارات (بينما سيمثل قطاع ” سوق الماء” أو ” خوصصة المياه” 400 مليارا من الدولارات ) . الشركات تتسابق للحصول على أكبر قسط من هذا النشاط الذي يشمل بالخصوص التخلص من النفايات.

إن مخاطر النفايات الإلكترونية لا تتأتى فقط من الكميات الفائقة من هذه المواد و التي تتكدس هنا و هناك في مختلف بلدان العالم و لكن بالخصوص من جراء المواد السامة و الخطيرة التي تحتويها: الرصاص ، البرليوم، الكادميوم، البروم، الكروم، المواد البلاستيكية و غيرها وهي مواد مضرة بالبيئة و بصحة الإنسان. أضف إلى ذلك أنه و في عديد بلدان العالم الثالث (الصين ، الهند، الباكستان….) تعالج هذه النفايات في آلات محرقة ( Incinérateurs) في الهواء الطلق ( à ciel ouvert) و بدون استعمال مصفيات (filtres) كما يقع اللجوء إلى أحواض تحتوي مواد حامضة تتسرب إلى المحيط المباشر و القريب لتنتشر و تتوسع ملوثة التربة و المياه و تعرض المواطنين لحالات تسمم و تساهم في القضاء على طبقة الأوزون .

النفايات الإلكترونية:

ملايين الأطنان من النفايات الإلكترونية متأتية من الحواسيب المتقادمة و التي لم تعد صالحة للاستعمال يصدر جزء كبير منها ( بين 50 إلى 80 % )إلى البلدان النامية . فتصدير هذه المواد إلى بلدان آسيا لا يتطلب كلفة كبيرة نظرا لوجود يد عاملة بخسة الثمن ولانعدام قوانين خاصة بشروط التخلص من النفايات كتلك التي تنص عليها معاهدة Bale (بال ) .

في أوروبا وحدها تتراكم سنويا 6 ملايين من الأطنان من النفايات الكهربائية و الإلكترونية فحتى المعالجة ( Recyclage) لا تمثل حلا جذريا (المخاطر على البيئة و على الصحة ) و هذا بالنظر خصوصا إلى أهمية الكميات المتراكمة .

عملية التخلص من النفايات الإلكترونية و الكهربائية و معالجتها في بلدان كالهند و الصين و الباكستان تقع في مجال مفتوح و تتسبب في كوارث بيئية خصوصا عند حرق النفايات البلاستيكية و ما تفرزه من مواد سامة و حوامض يقع إلقائها في البحيرات بصفة عشوائية .

الولايات المتحدة الأمريكية استثنت المواد الإلكترونية من قانون “إحياء المصادر”.

Resource Conservation and Recovery Act و الذي ينص على إجبارية التسجيل المسبق لكل باخرة تنقل مواد خطيرة. فالولايات المتحدة الأمريكية تقر بمبدأ التساوي ( أو العدالة ! ) أمام المحيط أي ضمان حـــــق كل الشعوب في محيط نظيف و متوازن و هذا المبدأ ينص على عدم إجبار أي كان من البلدان و الشعوب على تحمل المخاطر البيئية . في الحقيقة لم يقع العمل بهذا المبدأ إلا في داخل الولايات المتحدة الأمريكية ( بين الولايات ).

كيف تقع معالجة المواد الإلكترونية؟

” خلايا العمل الخاصة بمعاهد بال ” : BAN Basel Action Network وهي شبكة عالمية مهمتها معاينة و مراقبة عمليات تجارة المواد السامة بالتضامن مع منظمات أخرى ” لا تلوث آسيا ” Waste not Asia و ” تحالف سيليكون فالي ضد المواد السامة ” Silicon Valley Toxics Coalitionقامت بتحقيقات حول هذه المسألة .

فلقد دقت منظمة BAN نواقيس الخطر و لفتت الانتباه إلى نوع خاص من النفايات الخطيرة ألا وهو الحواسيب ففي الولايات المتحدة الأمريكية يقع إلقاء 50 مليون حاسوبا متقادما سنويا . إذا اعتبرنا أن متوسط وزن حاسوب خاص ( أو شخصي ) :

32 كغ فإنه يحتوي على :

– 1,725 كغ من الرصاص
– 50 مع من المواد التالية : الزرنيخ ، الكروم ، الكوبالت، الزئبق
– 6,35 كغ من المواد البلستيكية الغير قابلة للتحليل البيولوجي

يقع تصدير هذه الحواسيب إلى الصين و الهند و الباكستان و يقع تفكيك الحاسوب للحصول على الذهب و الفضة و البلاتين ( كل آلة تحتوي على 40 غرام من هذه المواد ) و لا يقع استخراج سوى 5 % من كمية الرصاص ( بخلاف الذهب و الفضة و البلاتين ) . الحماية و السلامة المهنية غير متوفرة بتاتا في هذه المؤسسات كما أن الشركات المستوردة للنفايات تحظى بدعم سياسي يجنبها كل مراقبة . تستعمل هذه المؤسسات خلطات من المواد و السوائل الشديدة السمومة . من المعلوم أن الصين قررت منع استيراد الحواسيب المتقادمة منذ سنة 2000 لكن تطبيق ذلك يلقي صعوبات جمة . ففي 25 فيفري 2002 أشار تجمع عالمي متكون من منظمات الدفاع عن المحيط : السلام الأخضر فرع الصين ، التحالف ضد الملوثات بسيليكون فالي في فرنسيسكو ومنظمات أخرى إلـــــى الوضعية الخطيرة والمفجعة في بعض المدن الصينية و الباكستانية و الهندية و الناتجة عن تراكم النفايات الإلكترونية . تعتمد هذه المنظمات في ذلك على تقرير لمنظمة BAN. يتعرض هذا التقرير إلى الحالة الفظيعة لمدينة Guiyu ( بجنوب شرقي الصين ) . فعلى مسافة 4 ساعات سفر من شمال شرقي هونغ كنغ يقع تفكيك النفايات بطرق بدائية في أكثر من 100 موقع وقد وصل التلوث حدا خطيرا.

الأدهى من ذلك أن الجزء الأعظم من النفايات مثل الأنابيب الكهربائية الكاثودية Tubes cathodiques الحاوية لمادة الرصاص والحلقات الكهربائية المقفلة و المرقونة و الغنية بالمواد السامة لا يقع معالجتها بل تلقى في الهواء الطلق وعلى جانبي و حافتي البحيرات و الوديان و الغدران و مجاري مياه الري. هناك مواقع مشابهة بكراتشي (الباكستان) و دلهي الجديدة ( الهند ) .

النفايات الإلكترونية ” e-déchet” تزيد سنويا بنسبة 18 % والمنظمات العالمية تتهم الصناعات الأمريكية بالأساس وذلك لدعمها لقانون حول تصدير هذه المواد على أنها نفايات قابلة للمعالجة. من المعلوم أن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت التوقيع على معاهدة Bâle حول تحديد النفايات وترفض تحميل المسؤولية على المنتجين والصناعيين. فمن ناحية تمنع عديد الولايات ككاليفورنيا وMassachusetts ردم الأنابيب الكاثودية Tubes cathodiques وتسن وكالة حماية المحيط EPA قوانين جديدة تتعلق بالتخلص من النفايات ولكن بالمقابل يتواصل تصدير المواد السامة لبلدان الجنوب.

الصناعيون يرفضون تحمل مسؤولية التخلص من المواد السامة أو وضع ورشات خاصة لتفكيك القطع لذلك تبقى الآلات الإلكترونية المتقادمة عند المستهلك أو يقع التخلص منها بطرق ملتوية. فتحت غطاء إعانة البلدان الفقيرة يقع تسليم ملايين الحواسيب المتقادمة إلى البلدان الفقيرة ” كهبة” لتجنب مصاريف معالجتها (من 10 إلى 30 دولارا بالنسبة للحاسوب الواحد). فبين 50 % إلى 80 % من النفايات الإلكترونية التي يقع تجميعها للمعالجة في غرب الولايات المتحدة الأمريكية تصدر إلى الصين.

إتلاف النفايات:

الإطار القانوني الدولي :

قبل إبرام إتفاقية ” بال ” كانت البلدان النامية ترتبط مع البلدان الصناعية باتفاقيات ثنائية تمكن هذه الأخيرة من تصدير نفاياتها إلى بلدان الجنوب وهذه الاتفاقيات غالبا ما كانت مشوبة بالغموض.

في سنة 1988 عرف العالم فضيحة الباخرة ” زنوبيا” الحاملة لـ 20 ألف طن من النفايات السامة و التي رفضت كل البلدان إفراغ حمولتها فظلت تجوب البحار لمدة شهرين لتعود إلى نقطة انطلاقها بإيطاليا .

على إثر هذه الفضيحة ظهرت للوجود منظمة الاتفاق الأوروبي حول المحيط ( E.E.E) و قامت بفضح عمليات تجارية مشبوهة تنظمها شركات واجهة ( Sociétés écrans) تصدر نيابة عن مؤسسات عالمية كبرى النفايات الخطيرة للبلدان النامية. تحركت الأمم المتحدة بآتجاه إيقاف هذه التجارة بوضعها المعاهدة ” بال ” ( Bale) حول مراقبة حركة نقل النفايات بين الحدود و البلدان و ذلك في سنة 1989 و قد أصبحت حيز التنفيذ في ماي 1992 بعد إجراء تحويرات عديدة عليها. لازالت هذه الإتفاقية محل خلاف بين المنتجين والسيـــــاسيين و تتعلق هذه الخلافات بتوضيح قواعد السلامة و شفافية نقل هذه المواد عبر الحدود و ضمان عدم تسبب ذلك في انعكاسات سلبية على المحيط وصحة الإنسان كما تتعلق أيضا بكمية النفايات المنتجة والتي تخص كل بلد ومؤسسة.

تعريف النفايات يخضع إلى التصنيف الذي وضعته منظمة OCDE و يستند إلى القانون الداخلي و الخاص بكل بلد .المؤسسات الصناعية تتجنب مصطلح النفاية وتعوضه بـ ” مواد أولية محولة” Matières premières secondaires للهروب من أحكام الإتفاقية ( التي تستثني النفايات النووية ).

من المسؤول عن النفايات؟

هل هو المنتج أم الناقل أم مروج المنتوج أم المؤسسة التجارية الوسيطة أم مسؤول وحدة المعالجة ( Recyclage) أم الدولة الموردة أم كل هؤلاء مجتمعون ؟ المسؤولية واضحة بالنسبة للنفايات التي تنتجها المؤسسة بصفة مباشرة وفي موقع الإنتاج و لكن ماذا نقول عن الثلاجات و آلات الطبخ و الأفران الكهربائية و آلات الكي وآلات الحلاقة و الحاسوب و الهاتف الجوال و غيرها من المواد الإلكترونية و التي يضطر المستهلك لإلقائها بعد مدة من الزمن .

لقد وقع تبني مبدأ منع تصدير النفايات من بلد إلى آخر سنة 1994 وهو يخص النفايات النهائية أي تلك التي لا تخضع للمعالجة أما النفايات التي يمكن أن تصلح أجزاء منها أو معالجتها و استخراج مواد منها فلقد أصبحت هي الأخيرة معنية بهذا القرار ابتداءا من نهاية 1997 .

لكن هذا يفترض إيجاد مواقع لمعالجة المواد الإلكترونية داخل البلدان الصناعية. في سنة 1997 قدر إنتاج أوروبا وحدها (السوق الأوروبية المشتركة ) من النفايات بـ 30 مليون طن و الحال أن القدرة على معالجتها لا تتجاوز 10 ملايين طن ! ما الحل إذن ؟ كيف الهروب من أحكام و معاهدة “بال” ؟ الحل يكمن في نقل مواقع الإنتاج Délocalisation. وحدات الإنتاج تنتصب في بلدان العالم الثالث إما مباشرة أو من خلال المناولة Sous-traitance.

إذن تصدر المشاكل المترتبة عن النفايات إلى البلدان النامية .
اتفاقية “بال” تفرض وجود وحدات تصريف قريبة من موقع الإنتاج داخل البلد المنتج وتلزم الصناعيين بتحديد إنتاجهم من النفايات إلى مستواه الأدنى و تطالب كل مورد بالحصول على ترخيص كتابي من السلط المعنية كما تحث على تصدير تكنولوجيا ” نظيفة” .
معالجة طن من النفايات يتطلب ما يقارب الـ500 دولارا بينما تقدر كلفة تصديرها بـ 80 دولار للطن الواحد .


العديد من القرارات التوجيهية الأوروبية Directrives تعمل على تحديد كمية النفايات المتراكمة و تدعو إلى التخفيض من استعمال المواد السامة في الآلات الإلكترونية التي ستمنع منعا باتا إبتداءا من سنة 2006 ( الرصاص ، الزنبق، الكروم السداسي ) مع الحث على إيجاد حلول بديلة و يقدر البرلمان الأوروبي أن نسبة معالجة الآلات الإلكترونية سيصل إلى ما بين 60 % إلى 90 % بداية من سنة 2005.

أخيرا نذكر بأن العديد من البلدان لم توقع على اتفاقية ” بال” على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية لعدم قبولها بالمعايير و المقاييس التي تعتمدها هذه الإتفاقية .

تقرير منظمة الأمم المتحدة و بالأخص لجنة حقوق الإنسان يشير أن معالجة النفايات الخطيرة يمثل واحدة من بين النشاطات الصناعية الأكثر تلويثا للمحيط و أن هذه النفايات تصدر غالبا إلى البلدان النامية أو أوروبا الشرقية .

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

شبكة بيئة ابوظبي تنظم منتدى حفظ النعمة الأول في شهر رمضان

خلال منتدى حفظ النعمة الأول الذي نظمته شبكة بيئة ابوظبي خبراء حفظ النعمة يستشعرون خطر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *