حمض الفلوروأنتيمونيك..أقوى حمض عرفه الإنسان

في عالم الكيمياء، لا تتوقف الاكتشافات عند حدود العناصر أو المركبات المألوفة، بل يمتد البحث إلى ما هو أكثر تطرفًا في السلوك الكيميائي.

 

كتب المهندس أمجد قاسم

 

من بين هذه المواد الفائقة، يظهر حمض الفلوروأنتيمونيك (Fluoroantimonic acid) كأحد أقوى الأحماض التي تمكّن العلماء من تحضيرها على الإطلاق. هذا الحمض لا يُقارن في قوته بحمض الكبريتيك أو الهيدروكلوريك المعروفين، بل يتجاوزهم بملايين المرات في شدة الحموضة.

 

ما هو حمض الفلوروأنتيمونيك؟

 

يتكوّن حمض الفلوروأنتيمونيك من خلط حمض الهيدروفلوريك (HF) مع خماسي فلوريد الأنتيمون (SbF₅)، لتتشكل بيئة فائقة الحموضة تُعرف باسم superacid. ووفقًا لمقياس “هامت” (Hammett acidity function).

 

اذ يُعتبر هذا الحمض أقوى من حمض الكبريتيك النقي بمقدار يتجاوز 10⁶ إلى 10¹⁵ مرة، وقد يصل إلى ما هو أكثر من ذلك حسب الظروف التجريبية.

 

لماذا يُعد أقوى حمض في العالم؟

 

تعتمد قوة الحمض على قدرته على منح البروتونات (+H) للمواد الأخرى، وهي الخاصية التي تسمى الحموضة البروتونية.

 

في حالة حمض الفلوروأنتيمونيك، فإن امتزاج HF مع SbF₅ يؤدي إلى تكوين أيونات معقدة تُعزز من قابلية فقد البروتونات، وهذا التفاعل ينتج أيونًا مستقرًا للغاية SbF₆⁻ يجعل تحرير البروتون من الحمض أسهل، مما يمنح الحمض قوة هائلة في التفاعل.

 

استخدامات حمض الفلوروأنتيمونيك

 

رغم قوته الشديدة، فإن استخدام هذا الحمض محدود نظرًا لخطورة التعامل معه. ومع ذلك، يستخدم العلماء حمض الفلوروأنتيمونيك في مجالات دقيقة مثل:

 

الكيمياء العضوية التحضيرية: يستخدم لتكوين كاتيونات غير مستقرة أو لتفعيل روابط قوية في المركبات العضوية.

تحليل المركبات: يُستخدم كوسط تفاعلي لتحليل المواد التي يصعب إذابتها في الأحماض الأخرى.

أبحاث الحفازات: يدخل في تصميم بيئات تفاعلية لحفازات قوية تؤثر على سرعة التفاعلات الكيميائية.

 

مدى خطورة هذا الحمض

 

حمض الفلوروأنتيمونيك ليس مادة يمكن التعامل معها في المختبرات العادية، بل يحتاج إلى إجراءات صارمة في الحماية والسلامة. فهو:

 

يتفاعل بعنف مع الماء وينتج عنه أبخرة سامة.

يُذيب معظم المواد، بما في ذلك الزجاج، البلاستيك، والمعادن.

يُخزّن فقط في حاويات من مادة التفلون (PTFE) التي تقاوم تأثيره.

 

وقد تسبب التعرض له بحوادث خطيرة في المختبرات، مثل إذابة الجلد والأنسجة البشرية فور التلامس، لذا يُمنع استخدامه خارج البيئات المخبرية المغلقة والمحكومة.

 

هل يذيب حمض الفلوروأنتيمونيك كل شيء؟

 

غالبًا ما يُشار إليه على أنه “الحمض الذي يذيب كل شيء”، لكن الحقيقة العلمية أكثر دقة. فبينما يستطيع هذا الحمض إذابة معظم المواد، إلا أنه لا “يذيب الأرض” كما يزعم البعض في المنشورات المتداولة على الإنترنت.

 

التفاعل الشديد يحدث مع المواد التي يمكنها أن تستقبل بروتونًا (+H) من الحمض أثناء التفاعل أو التي تحتوي على روابط قابلة للكسر. أما المواد مثل التفلون أو بعض المركبات الفلزية الخاملة، فتصمد أمامه.

 

حمض الفلوروأنتيمونيك في ميزان العلم

 

يُجسّد حمض الفلوروأنتيمونيك حدود القوة الحمضية التي يمكن أن تبلغها الكيمياء الحديثة. ورغم أنه لا يُستخدم على نطاق واسع، فإن أهميته تكمن في التطبيقات العلمية الدقيقة، وفي اختبار حدود فهمنا للتفاعلات الكيميائية.

 

وبالرغم من بعض المبالغات التي تروج له على الإنترنت، إلا أن الواقع يؤكد أنه أحد أخطر وأقوى المركبات الحمضية التي تم تحضيرها.

 

المصادر

 

Christe, K. O. (1986). Fluoroantimonic acid: preparation and reactions. Inorganic Chemistry.

Olah, G. A. (2000). Superacid Chemistry. Wiley-Interscience.

Greenwood, N. N., & Earnshaw, A. (2012). Chemistry of the Elements. Elsevier.

Haynes, W. M. (2016). CRC Handbook of Chemistry and Physics. CRC Press.

عن المهندس أمجد قاسم

كاتب علمي متخصص في الشؤون العلمية عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين

شاهد أيضاً

التلوث الكهرومغناطيسي .. الطيف الخفي وأثره الخطير على صحة الإنسان

مع التوسع الهائل في استخدام التكنولوجيا الحديثة وانتشار الشبكات اللاسلكية والأجهزة الذكية، أصبح الإنسان معرّضًا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *